«الشرق الأوسط» داخل أوكار المتطرفين في ليبيا (4 من 5): سقوط «دواعش» بنغازي يكشف صلات عابرة للحدود

وثائق جمعها سلاح الصاعقة تتضمن أدلة على تورط دول بدعم شبكات التطرف عبر المنطقة

يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)
يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)
TT

«الشرق الأوسط» داخل أوكار المتطرفين في ليبيا (4 من 5): سقوط «دواعش» بنغازي يكشف صلات عابرة للحدود

يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)
يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)

حين تحلَّقت مجموعة من العسكريين والمدنيين للاطلاع على حاسوب تمت مصادرته من مقر لعناصر من تنظيم داعش، تبين أن محتوياته لا تخص النشاط المتطرف في بنغازي ولا في كل ليبيا فقط، لكنها أكبر من ذلك بكثير. فالمعلومات الموجودة اليوم لدى أجهزة الاستخبارات، والمستقاة من أجهزة حواسب محمولة تخص عناصر من التنظيم اعتقلوا أو قتلوا، سواء في بنغازي أو طرابلس أو مصراتة، تعكس بشكل شبه متكامل صورة العلاقات التي تتحكم في نشر الإرهاب في شمال أفريقيا.
وتمكن ضابط ليبي من سلاح الصاعقة في بنغازي، درس العلوم العسكرية في مصر، من دخول وكر لـ«داعش» في جنوب المدينة، ووضع يده على أدلة تظهر تورط دول وأجهزة مخابرات عدة في النشاط المتطرف العابر للحدود. والكيفية التي تصل بها كميات من السلاح وقوافل المقاتلين إلى ليبيا، وتداخل كل هذه التحركات مع مهربي الهجرة غير الشرعية وتجار الحشيش والحبوب المخدرة والسجائر المغشوشة. ويقول وهو يغلق الحاسوب الذي تمت مصادرته: «باختصار، نحن يد تحارب... ويد تجمع الوثائق».
وتوجد في ليبيا أجهزة مخابرات رسمية، لكنها مبعثرة بين حكومات عدة تتنافس على السلطة، كما توجد فيها أذرع مخابرات صغيرة تابعة لميليشيات متفرقة. وتحاول مجموعة من أعضاء هذه الأجهزة المختلفة جمع المعلومات وترتيبها من أجل مقاضاة دول ومنظمات انتهكت ليبيا وحدودها.
في الصباح الباكر، بدأ فصل جديد من معركة «بوصنيب» بقيادة قوات الصاعقة في بنغازي. كانت واحدة من أشرس المعارك. وتحصنت مجموعة من «داعش» داخل المقر الرئيسي للتنظيم، بينما كان جنود الصاعقة يصرّون على الوصول إلى المقر بأي ثمن. المقر يشغل طابقين في عمارة. وكان «الدواعش» قد تمكنوا قبل الهجوم من تفخيخ المنطقة المحيطة بالعمارة. ولا بد لضباط الصاعقة من التقدم. وبالتالي، لا بد من تفكيك المتفجرات. لكن كلما حاول عدد من الجنود الاقتراب لفتح الطريق، قام القناصة «الدواعش» باصطيادهم.
يوجد كنز ثمين هنا. وفي مقابل إصرار مقاتلي التنظيم على المقاومة، كان إصرار ضباط الصاعقة على فتح الثغرة تلو الثغرة للسيطرة على المبنى والدخول إلى الوكر. ومع اقتراب اليوم من نهايته، بدا أن المتطرفين ينفذون خطة للانسحاب إلى الوراء. ومن هنا كان لا بد من الضغط عليهم حتى لا يتمكنوا من نقل ما يوجد في المقر معهم.
ورقد ضابط على بطنه ممسكاً ببندقيته أمامه، وأخذ يزحف على التراب في اتجاه عدد من المتفجرات، في محاولة منه لنزع الفتيل منها؛ حتى يتمكن باقي زملائه من التقدم. لكن أصابته رصاصة في رجله اليمني، وأخذ يتقلب على الأرض.
وبدأ رفاقه مهمة لسحبه بعيداً عن النيران، وأطلقوا وابلاً من القذائف في اتجاه مصدر الرصاص. ونجحت العملية. لكن كان لا بد من معرفة موقع القناص. وتقدم ضابط وجندي آخران وهما يتلويان بين الأنقاض متقدمَين للأمام مثل ثعبانين. كانت مهمتهما التركيز على النقطة التي يأتي منها الرصاص الذي يستهدف قوات الصاعقة من الجانب المقابل. وأشار الضابط بأصابعه إشارات عدة. وفهم زملاؤه أن القناص يستخدم فتحة صغيرة جداً في جدار الطابق الثاني من وكر المتطرفين.
وعاد الضابط والجندي زاحفين كما دخلا تحت ستار من نيران رفاقهما الرابضين في الخلف. وأشار الآمر إلى تجهيز قذيفة «آر بي جيه» لإطلاقها على جدار الطابق الثاني.
وتقدم جندي تحت غطاء سيل من الرصاص ووقف في مواجهة الفتحة التي يستخدمها القناص، وأطلق القذيفة من فوق كتفه، حتى اختفى في سحابة من الدخان، وتهاوى الجدار. وفي هذه الأثناء كانت مجموعة الصاعقة قد اندفعت إلى العمارة وسُمع صوت إطلاق رصاص في الطابقين الأول والثاني، ثم حل الصمت. وبعد دقائق خرج الضباط والجنود وقد أسروا من تبقى من «الدواعش»، وهم ثلاثة ليبيين وخمسة تونسيين ومصري.
وكانت عناصر أخرى من المتطرفين قد تقهقرت من المبنى واحتلت مبنى آخر في الخلف، وتمكنت من التمركز فيه لمقاومة رجال الصاعقة. ومع فجر اليوم التالي تجددت المعارك. وبعد ثلاثة أيام سقط من قوات الصاعقة 11 رجلاً وأكثر من عشرين جريحاً، أي نصف القوة التي كانت تخوض هذه المعركة.
وأمام هذا الوضع، دخل رجال التوجيه المعنوي التابعون للجيش، الذين كانوا يرافقون قوات الصاعقة من أجل التصوير فقط، وتحولوا إلى مقاتلين بعد الخسائر التي لحقت بالمجموعة. وكان الهدف ملاحقة المتطرفين حتى النهاية.
وبعد دحر «الدواعش»، نقلت المجموعة المنتصرة متعلقات التنظيم التي تركها وراءه، ولم يتمكن من حرقها أو إتلافها، وسلمتها إلى الجهات المختصة في الجيش لدراستها والتحقيق فيها ومعرفة أبعاد ما يجري في المدينة.
ومن بين ملفات وأوراق واعترافات، يبدو الأمر خطيراً. فهناك مراكز موجودة في دول عدة في أفريقيا وآسيا وأوروبا، تعمل بشكل محموم منذ سنوات على ترسيخ أقدام الجماعات المتطرفة في ليبيا، ليس من أجل الهيمنة على البلاد فقط، بل أيضاً من أجل العمل في دول الجوار لزعزعة استقرارها. ويقول مسؤول في القضاء العسكري: إن نشر التفاصيل «سيتم بضوابط عندما يحين الوقت... لدينا إجراءات تحقيق لا بد من الالتزام بها».
وتأسس سلاح الصاعقة الليبي في مصر عام 1970، على مستوى القيادات وعلى مستوى الأفراد. والآن يتم تخريج ضباط في الكليات العسكرية الليبية، ويجري تدريبهم على أيدي القوات الخاصة في مصر، وبينهم من عادوا ليصبحوا مقاتلين في المحاور في ضواحي بنغازي، حتى تمكنوا أخيراً من تطهير الغالبية العظمى من المدينة.
وبالتزامن مع هذا، جرى نقل الكلية العسكرية من طبرق إلى مدينة توكرة قرب بنغازي. وتبدو الكلية الجديدة موضع فخر لدى ضباط كثيرين يقولون: إنها «أصبحت في مصاف الأكاديميات وليست مجرد كلية».
إلا أن الأهم أن تدريبات قوات الصاعقة في الداخل الليبي لا تتوقف. ويقول المتحدث باسم الجيش العميد أحمد المسماري: إن «الصاعقة في معركة الإرهاب مهمة جداً؛ لأن الحرب على الإرهاب تختلف عن الحرب التقليدية... الحرب على الإرهاب أقرب إلى حرب العصابات الخاطفة سريعة البداية وسريعة الانتهاء. الحرب على الإرهاب وعلى (داعش) والقاعدة لا تنتهي بإعلان الاستسلام، ولا بإعلان النصر. لكنها تنتهي بالقضاء بالقتل أو إلقاء القبض أو بإنهاء كل المظاهر لهذه التنظيمات، وبالتالي معركة صعبة جداً تحتاج إلى تدريبات خاصة وتحتاج إلى قوات خاصة».
وفي معسكر للتدريب، كان ستة معلمين من القوات الخاصة يتلقون تأهيلاً لاستقبال دفعة جديدة والقيام بتدريبها أيضاً. وفي يوم آخر بدأ التدريب على القفز بالمظلات. برجان مربوط بينهما حبل. ومن البرج الأول يقفز كهل مُتدرب (سيكون مدرباً لاحقاً)، وهو مربوط بحبل كأنه مظلة. ويتدلى في الهواء منزلقاً في اتجاه البرج الثاني.
ويقول أحد القادة المشرفين على التدريبات، في حين يختلط صوته بصوت طائرة صدر عن بكرة الانزلاق التي حملت المُتدرب: «هذا الضابط كان متقاعداً لسنوات... وعن طريق هذا التدريب سيتذكر الأيام الخوالي، أي حين كان ضابطاً في الجيش، لكي يقوم بعد ذلك بتدريب متقدمين جدد. الهدف أنه حين يقفز من البرج الأول سيشده الحبل إلى أعلى كأنه لحظة انفتاح المظلة».
ووسط هذه الحركة الدائبة في مقر معسكر التدريب، كان آمر القوات الخاصة ونيس بوخمادة ذو البشرة السمراء يتنقل ليراقب ويشجع الضباط على العمل. وقال: «هذا المدرب عمره أكثر من 54 سنة. ويوجد من هو أكبر منه سناً في القوات الخاصة. هؤلاء يقدمون أرواحهم من أجل الوطن... وما زالوا يقاتلون في الميدان، وما زالت لديهم القدرة على التدريب، وعلى القتال وعلى العطاء».
ومن بين أكثر العمليات العسكرية حرفية تلك التي قام بها الجيش لتحرير عشرات الأسرى في منطقة قنفودة. كان متطرفون يحتجزون رجالاً ونساء وأطفالاً تحت الأرض، بينما كان قادة الجماعات المتطرفة في طرابلس ومصراتة يصرخون بأن الجيش «إذا هجم على الأماكن التي فيها الأسرى فسيقتلهم».
لكن العملية تمت، كما يقول العميد المسماري: «من دون خسارة أي أسير، رغم أننا خسرنا جنوداً من أجل إطلاق سراح هؤلاء الأسرى». وأضاف: «هؤلاء الأسرى كانت تستغلهم جماعة الإخوان المسلمين ومنظمات، لترويج أن ما يقوم به الجيش جرائم حرب، وأن الجيش قام بحصارهم، بينما في الحقيقة نحن أنقذناهم في هذه المعركة».
وبخطوات محسوبة حذرة، تقدم الجنود إلى مقر كبير في قنفودة كان المتطرفون قد انسحبوا منه حالاً. وكسروا أقفال السجن الأول بمقص حديدي ضخم. وأخرجوا عشرات الأسرى الذين كانوا يعانون من الجوع والعطش والتعذيب. وفي السجن الآخر لم يكن هناك أحد. وأبواب هذه السجون مصنوعة من الحديد الثقيل الذي لا يمكن تحريكه إلا بشق الأنفس. ولكل باب أقفال كبيرة، كما تم لحام النوافذ الحديدية. وتوجد أماكن للحراسات من الخارج. وفي سجن آخر كانت هناك بقايا فرش على الأرض ودعوات إلى الصبر محفورة على الجدار.
ويبدو أن المتطرفين تمكنوا من أخذ عدد من السجناء معهم لاستخدامهم دروعاً بشرية. وتوجد على جدران السجن الإسمنتية كتابات خطها الأسرى بالدماء وبالفحم، منها: «نسأل الله الفرج عن قريب»، و«حسبنا الله ونعم الوكيل»، و«يا رب ارحم»، إضافة إلى أدعية أخرى لتفريج الكرب. ورسم بعض السجناء على الجدار جدولاً مرسوماً بالفحم عبارة عن تقويم بالتواريخ لمعرفة عدد الأيام والشهور وأوقات المناسبات، كأنهم، رغم المعاناة، كانوا يحتفلون بها تشبثاً بالحياة.
ومن بين من تم إطلاق سراحهم من الأسرى عجوز مدني بلحية بيضاء كان ابنه يقاتل مع القوات الخاصة لتحرير السجناء. وظهر الرجل وهو يرفع يديه مهللاً في حبور، واحتضن أول جندي قابله، بينما رفع هذا الجندي سلاح «آر بي جيه» كان يحمله على كتفه، وهو يرد له التحية ويستقبله بالأحضان.
ومن بين الأسرى أيضاً ضباط جيش وضباط صف ومدنيون، منهم من عاد للخدمة العسكرية، ومنهم من أصبح مديراً في الإدارة العسكرية.
وحين يسود الفرح في جبهة، فهذا لا يعني توقف العمل في بقية الجبهات. ففي هذا التوقيت كان هناك واحد من بين المقرات المهمة التي كان يتمركز فيها تنظيم داعش في ضاحية قنفودة، وبالتحديد في موقع «الحظيرة الجمركية». وتقدم لمهمة القتال في هذه الموقعة رجال الكتيبة 267 دبابات التابعة للجيش.
وبدأت العملية عن طريق العسكري مفتاح العماري الذي تولى قيادة مدرعة خاصة مصفحة ومحملة بالجنود ودخل بها إلى نطاق المقر. ثم عاد وحمل مجموعة أخرى من الجنود إلى الداخل؛ لأنه لا يوجد عدد كافٍ من هذا النوع من المدرعات المصفحة التي لا يؤثر فيها رصاص القناصة.
كان هجوم الجيش على مقرات «الدواعش» شاملاً ويجري في ضواحٍ عدة. وتحملت الكتيبة الشرسة المعروفة باسم «شهداء الزاوية»، وهي من كتائب القوات الخاصة، العبء الأكبر في العمليات القتالية رغم الظروف الصعبة. كانت هذه الكتيبة تسيطر فيما مضى على مدينة سرت بالكامل، إلا أنها فضّلت الانسحاب من هناك بعد تعرضها لهجمات من ميليشيات مصراتة في 2013. وتسبب الفراغ الذي تركته في سرت باحتلال «الدواعش» للمدينة فيما بعد، إلى أن قامت قوات «البنيان المرصوص» بتحرير سرت أواخر العام الماضي.
وأغلب أفراد كتيبة «شهداء الزاوية» من المنطقة الشرقية في ليبيا، رغم أن الاسم الذي تحمله يعود إلى مدينة الزاوية التي تقع إلى الغرب من طرابلس. وقدمت خلال المعارك التي خاضتها ضد المتطرفين في بنغازي أرواح نحو 240 من الضباط والجنود. ويرجع الفضل في شراسة هذه الكتيبة، وآمرها اللواء جمال الزهاوي، أمام مقاتلي «داعش»، إلى خبراتها في الحرب.
ويوضح أحد قادتها أن «الجميع يضحي من أجل الوطن، أما عما تقول إنه قوة كتيبتنا، فأعتقد أن الأمر يرجع إلى أننا في حروب مستمرة منذ 2011، وهو تاريخ تشكيل الكتيبة، وجعل طول مدة العمل الفريق متجانساً وأفراده متفاهمين، وحتى الشباب من المدنيين المساندين لنا، انضموا إلى الكتيبة متطوعين وتأقلموا فيها مثلنا».
وخاضت الكتيبة نفسها حروباً في غرب بنغازي ضد غزوات المتطرفين للهلال النفطي وضد تمركزاتهم في منطقة الجفرة. ويضيف الضابط نفسه أن آمر الكتيبة اللواء الزهاوي «معه ضباط أكْفاء في إدارة العمليات وفي إدارة النيران. نحن الكتيبة الوحيدة التي لم تغادر بنغازي حتى في فترة وجود تنظيم أنصار الشريعة في المدينة».
ومن بين ملفات جمعها الجيش من مراكز «الدواعش»، يبرز اسم ضابط مخابرات من إحدى دول المنطقة حروف اسمه الأولى ع. م. تقول الأوراق إنه كان من بين المشرفين على التفجيرات التي شهدتها بنغازي، وعلى صلة وثيقة بميليشيات مرتبطة بعدد من الإرهابيين في المدينة. وتشير إلى أنه انتقل إلى طرابلس بعد تحرير الجيش لبنغازي، وأنه يعمل في الوقت الراهن مع قادة لـ«الإخوان» في العاصمة.وبين الوثائق الأخرى التي تغطي الفترة من 2014 إلى 2017، ما يشير إلى خطة ممنهجة ترعاها دول في المنطقة (مذكورة بالتفاصيل) من أجل نقل «التنظيمات الإسلامية، بعد خروجها من سوريا والعراق، إلى غرب أفريقيا، ليتواصلوا عبر أفريقيا الوسطى مع تنظيم بوكو حرام، وتوجيه قطاع منهم للدخول إلى ليبيا ومصر ضمن مشروع الهجرة إلى الله لإحياء سنة الجهاد والاستشهاد».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)

حين أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتوّجه إلى غزة في خضّم الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل، كان يعرف أكثر من غيره أنها خطوة شبه مستحيلة، لكنه أراد إطلاق رسائله الخاصة، وأهمها على الإطلاق أن السلطة الفلسطينية «موجودة»، وهي «صاحبة الولاية» على الأراضي الفلسطينية،

سواء في غزة التي تئن تحت وطأة حرب مدمّرة، وتضع لها إسرائيل خططاً شتى لما تسميه «اليوم التالي»، من غير أن تأخذ السلطة بالحسبان، أو الضفة الغربية التي ترزح تحت وطأة حرب أخرى، تستهدف من بين ما تستهدف تفكيك السلطة.

وبعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوض السلطة أصعب معركة عرفتها يوماً، وهي معركة «البقاء».

ولم تقتصر رسائل عباس على إسرائيل وحدها، بل شملت أولاً الولايات المتحدة التي انخرطت في نقاشات واسعة مع إسرائيل حول احتمالات انهيار السلطة، وراحت تتحدث عن سلطة متجددة، وثانياً، دولاً إقليمية وعربية تناقش مستقبل السلطة وشكل الهيئة التي يفترض أن تحكم قطاع غزة بعد الحرب، وأخيراً الفصائل الفلسطينية التي تهاجم و«تزايد» على السلطة، وترى أنها غير جديرة بحكم غزة، وتدفع باتجاه حلها.

الأيام الأصعب منذ 30 عاماً

تعيش السلطة الفلسطينية، اليوم، واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق منذ تأسست قبل 30 عاماً.

فبعدما تقلصت المساحات التي تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية، وفيما هي تكابد بلا انتخابات رئاسية، وبلا مجلس تشريعي، أو أفق سياسي واقتصادي، وبالتزامن مع أزمة مالية خانقة، وأخرى أمنية، ومشاكل داخلية لا تحصى، وجدت هذه السلطة نفسها في مواجهة «طوفان» جديد؛ طوفان تغذيه أكثر حكومة يمينية تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضدها، وضد شعبها، وفيه كثير من المس بهيبتها وبرنامجها السياسي ووظيفتها، إلى الحد الذي يرتفع فيه السؤال حول إمكانية نجاتها أصلاً في الضفة، قبل أن تعود لتحكم غزة ثانية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته في الأمم المتحدة بنيويورك (إ.ب.أ)

وبين الفينة والأخرى يتردد سؤال معقد بعض الشيء، ويبدو منطقياً أحياناً، وغير بريء أحياناً أخرى، وهو: لماذا لا تحل السلطة نفسها؟

هذا سؤال يبرز اليوم مجدداً، مع توسيع إسرائيل حربها ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن كان في صيغة مختلفة كالقول: لماذا لا تسلم السلطة المفاتيح لإسرائيل، وتزيد عليها الضغوط؟

الأكيد أن السلطة لا تُخطط لحل نفسها، وهذا ينطلق من «قناعة وطنية» بأنها وجدت لنقل الفلسطينيين من المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، وأنها لا تعمل وكيلاً لدى لاحتلال.

ويعرف المسؤولون الفلسطينيون أنه لطالما أرادت إسرائيل أن تجعل السلطة وكيلاً أمنياً لها، لكنهم يقولون في العلن والسر، إنهم ليسوا قوات «لحد» اللبنانية، وإنما هم في مواجهة مفتوحة لإنهاء الاحتلال، وهذا سبب الحرب التي تشنّها تل أبيب على السلطة سياسياً وأمنياً ومالياً.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول جهاز المخابرات السابق: «إن السلطة لا تنهار لأنها نتاج طبيعي لنضال طويل للثورة الفلسطينية، وستبقى حتى إقامة الدولة».

هل هو قرار فلسطيني وحسب؟

ربما يرتبط ذلك أكثر بما ستؤول إليه الحرب الحالية الآخذة في الاتساع، وهي حرب يتضح أنها غيّرت في عقلية الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، وفي نهج وسلوك وتطلعات الطرفين، وماضية نحو تغيير وجه الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمتنع حتى الآن عن وضع خطة واضحة لما بعد الحرب، لا في الضفة ولا في غزة، يجاهر أركان حكومته وحلفاؤه بما سيأتي، وهي خطة على الأقل واضحة جداً في الضفة الغربية، وتقوم على تغيير الواقع والتخلُّص من السلطة وإجهاض فكرة إقامة الدولة.

وقد بدأ الانقلاب على السلطة بوضوح بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، نهاية العام الماضي، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تصريحات فهمتها الرئاسة الفلسطينية فوراً، قائلة إنها تعبر عن نياته المبيتة لاستكمال الحرب على الفلسطينيين من خلال السلطة بعد «حماس»، وفي الضفة بعد غزة.

تصريحات نتنياهو التي جاءت في جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أعقبها توضيح بالغ الأهمية من نتنياهو ومفاده أن «الفارق بين السلطة و(حماس) هو أن الأخيرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

فلسطينيون في وقفة احتجاجية في مدينة رام الله بالضفة الغربية الثلاثاء طالبوا بالإفراج عن جثامين أسراهم في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)

ويفسر هذا الفهم لماذا عَدّ نتنياهو أن اتفاق «أوسلو» كان خطأ إسرائيل الكبير، موضحاً أن «السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و(حماس) في غزة يريدان تدمير إسرائيل... طرف يقول ذلك صراحة، والآخر يفعل ذلك من خلال التعليم والمحكمة الجنائية الدولية».

وهجوم نتنياهو على السلطة ليس جديداً، لكنه الأوضح الذي يكشف جزءاً من خطته القائمة على تقويض السلطة. ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تتعامل إسرائيل مع السلطة كأنها غير موجودة.

الضفة مثل غزة ولبنان

وصعّدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وقتلت أكثر من 720 فلسطينياً، في هجمات متفرقة، تميّزت بإعادة استخدام الطائرات في عمليات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة.

وكان لافتاً أن التصعيد في الضفة كان مبادرة إسرائيلية، إذ هاجم الجيش مدناً ومخيمات وبلدات، وراح يقتل الفلسطينيين قصفاً بالطائرات ويعتقلهم، كما يدمر البنى التحتية، مستثيراً الجبهة الضفَّاوية، بحجة ردع جبهة ثالثة محتملة.

اليوم لا تكتفي إسرائيل بالمبادرة، بل تريد أن تجعل الضفة أحد أهداف الحرب، مثل غزة ولبنان. ولم يتردد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، بالقول إن الحرب التي تخوضها إسرائيل «ليست فقط ضد غزة وضد (حزب الله) اللبناني، بل هي أيضاً في الضفة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس الوزراء أن يدرج ضمن أهداف الحرب تحقيق النصر في الضفة أيضاً.

لكن لماذا تخشى إسرائيل الضفة إلى هذه الدرجة؟ يقول مسؤول فلسطيني -فضّل عدم الكشف عن اسمه- لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم يستهدفون الضفة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ويسعون إلى تقويض السلطة».

وأضاف: «يصعّدون هنا حتى يثبتوا للفلسطينيين أن السلطة ضعيفة وواهنة ولا تحميهم، ويجب أن ترحل، لأنها غير جديرة بهم».

قوات إسرائيلية خلال عملية اقتحام لمخيم فلسطيني قرب رام الله بالضفة مارس الماضي (أ.ف.ب)

وخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، حذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن الوضع الأمني في الضفة قد يتطور إلى انتفاضة؛ ولذلك دفع الجيش بـ3 كتائب احتياط إلى الضفة، لأهداف «تشغيلية ودفاعية» على ما قال، وللقيام بمهام «عملياتية».

وجاء القرار الذي تحدّث عن تعزيز الدفاع، وسط تصاعد الصراع في المنطقة وقبيل ذكرى السابع من أكتوبر، لكن إذا كانت هذه خطة الحكومة الإسرائيلية، فيبقى من السابق لأوانه معرفة إن كانت نجحت في مهمتها أم لا.

يكفي لجولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تشير إلى أن السلطة في وضع لا تحسد عليه. فهي عاجزة عن خلق أفق سياسي وأفق اقتصادي وتوفير الأمن، وأساسيات أخرى من بينها رواتب الموظفين للعام الثاني على التوالي.

واليوم، الجميع على المحك في مواجهة حرب ممنهجة، تسعى إلى تغيير الواقع مرة وإلى الأبد.

خطة قديمة جديدة

كان الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموترتيش، واضحاً عندما قال إنه لا يفعل شيئاً سرياً، وهو يعمل ضد السلطة في الضفة، ويسعى لمنع إقامة دولة.

وتعهد سموتريتش نهاية الشهر الماضي، بأن تكون «مهمة حياته» إحباط قيام دولة فلسطينية، وكتب في منشور على منصة «إكس»: «أخذت على عاتقي، إضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة (الضفة)».

وأضاف: «سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتع نصف مليون مستوطن موجودين في الضفة بحقوق كل مواطن في إسرائيل وإثبات الحقائق على الأرض، التي تمنع قيام دولة إرهابية فلسطينية يمكن أن تكون قاعدة إيرانية أمامية للمجزرة المقبلة».

فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب)

وكان تسجيل مسرب لسموتريتش قبل شهرين فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية.

وخطة سموترتيش الماضية، ستعني حتماً تفكيك السلطة، لكن المحلل السياسي محمد هواش يرى أن العالم لن يسمح بذلك.

وقال هواش لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلطة مرتبطة بالمشروع القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وهذا جزء من تسوية دولية. مشروع دولي بالأساس، وهناك حتى الآن رعاية دولية له، ومن الصعب التراجع عنه».

وأضاف هواش: «التراجع يعني إعادة الاحتلال، وهذا غير مقبول فلسطينياً ودولياً، وإسرائيل لن تقبل، لأنها ستذهب إلى دولة واحدة ونظام (أبرتهايد)».

وتابع هواش: «لا توجد مصلحة لإسرائيل بإنهاء السلطة بالكامل، بل في إضعافها حتى تتوقف مطالبها بإنهاء الاحتلال، وتغير العلاقة مع إسرائيل». وحذر من أن «إسرائيل ستتحمل العبء الأكبر من غياب عنوان سياسي للشعب الفلسطيني».

الثابت الوحيد اليوم أنه لا أحد يملك وصفة سحرية، سواء أذهبت السلطة أم بقيت، قويت «حماس» أم ضعفت، امتدت الحرب أم انتهت، تطرفت إسرائيل أكثر أم تعقّلت، سيظل يوم السابع من أكتوبر شاهداً على أن الطريق الأقصر للأمن والاستقرار هو بصنع السلام، وليس بطائرات حربية ومدافع ورشاشات.