«الشرق الأوسط» داخل أوكار المتطرفين في ليبيا (4 من 5): سقوط «دواعش» بنغازي يكشف صلات عابرة للحدود

وثائق جمعها سلاح الصاعقة تتضمن أدلة على تورط دول بدعم شبكات التطرف عبر المنطقة

يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)
يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)
TT

«الشرق الأوسط» داخل أوكار المتطرفين في ليبيا (4 من 5): سقوط «دواعش» بنغازي يكشف صلات عابرة للحدود

يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)
يُظهر ما تبقى من هذه العمارة التي اتخذ منها متطرفو بنغازي مقراً لهم في الشارع التجاري ضراوة الحرب (تصوير: عبد الستار حتيتة)

حين تحلَّقت مجموعة من العسكريين والمدنيين للاطلاع على حاسوب تمت مصادرته من مقر لعناصر من تنظيم داعش، تبين أن محتوياته لا تخص النشاط المتطرف في بنغازي ولا في كل ليبيا فقط، لكنها أكبر من ذلك بكثير. فالمعلومات الموجودة اليوم لدى أجهزة الاستخبارات، والمستقاة من أجهزة حواسب محمولة تخص عناصر من التنظيم اعتقلوا أو قتلوا، سواء في بنغازي أو طرابلس أو مصراتة، تعكس بشكل شبه متكامل صورة العلاقات التي تتحكم في نشر الإرهاب في شمال أفريقيا.
وتمكن ضابط ليبي من سلاح الصاعقة في بنغازي، درس العلوم العسكرية في مصر، من دخول وكر لـ«داعش» في جنوب المدينة، ووضع يده على أدلة تظهر تورط دول وأجهزة مخابرات عدة في النشاط المتطرف العابر للحدود. والكيفية التي تصل بها كميات من السلاح وقوافل المقاتلين إلى ليبيا، وتداخل كل هذه التحركات مع مهربي الهجرة غير الشرعية وتجار الحشيش والحبوب المخدرة والسجائر المغشوشة. ويقول وهو يغلق الحاسوب الذي تمت مصادرته: «باختصار، نحن يد تحارب... ويد تجمع الوثائق».
وتوجد في ليبيا أجهزة مخابرات رسمية، لكنها مبعثرة بين حكومات عدة تتنافس على السلطة، كما توجد فيها أذرع مخابرات صغيرة تابعة لميليشيات متفرقة. وتحاول مجموعة من أعضاء هذه الأجهزة المختلفة جمع المعلومات وترتيبها من أجل مقاضاة دول ومنظمات انتهكت ليبيا وحدودها.
في الصباح الباكر، بدأ فصل جديد من معركة «بوصنيب» بقيادة قوات الصاعقة في بنغازي. كانت واحدة من أشرس المعارك. وتحصنت مجموعة من «داعش» داخل المقر الرئيسي للتنظيم، بينما كان جنود الصاعقة يصرّون على الوصول إلى المقر بأي ثمن. المقر يشغل طابقين في عمارة. وكان «الدواعش» قد تمكنوا قبل الهجوم من تفخيخ المنطقة المحيطة بالعمارة. ولا بد لضباط الصاعقة من التقدم. وبالتالي، لا بد من تفكيك المتفجرات. لكن كلما حاول عدد من الجنود الاقتراب لفتح الطريق، قام القناصة «الدواعش» باصطيادهم.
يوجد كنز ثمين هنا. وفي مقابل إصرار مقاتلي التنظيم على المقاومة، كان إصرار ضباط الصاعقة على فتح الثغرة تلو الثغرة للسيطرة على المبنى والدخول إلى الوكر. ومع اقتراب اليوم من نهايته، بدا أن المتطرفين ينفذون خطة للانسحاب إلى الوراء. ومن هنا كان لا بد من الضغط عليهم حتى لا يتمكنوا من نقل ما يوجد في المقر معهم.
ورقد ضابط على بطنه ممسكاً ببندقيته أمامه، وأخذ يزحف على التراب في اتجاه عدد من المتفجرات، في محاولة منه لنزع الفتيل منها؛ حتى يتمكن باقي زملائه من التقدم. لكن أصابته رصاصة في رجله اليمني، وأخذ يتقلب على الأرض.
وبدأ رفاقه مهمة لسحبه بعيداً عن النيران، وأطلقوا وابلاً من القذائف في اتجاه مصدر الرصاص. ونجحت العملية. لكن كان لا بد من معرفة موقع القناص. وتقدم ضابط وجندي آخران وهما يتلويان بين الأنقاض متقدمَين للأمام مثل ثعبانين. كانت مهمتهما التركيز على النقطة التي يأتي منها الرصاص الذي يستهدف قوات الصاعقة من الجانب المقابل. وأشار الضابط بأصابعه إشارات عدة. وفهم زملاؤه أن القناص يستخدم فتحة صغيرة جداً في جدار الطابق الثاني من وكر المتطرفين.
وعاد الضابط والجندي زاحفين كما دخلا تحت ستار من نيران رفاقهما الرابضين في الخلف. وأشار الآمر إلى تجهيز قذيفة «آر بي جيه» لإطلاقها على جدار الطابق الثاني.
وتقدم جندي تحت غطاء سيل من الرصاص ووقف في مواجهة الفتحة التي يستخدمها القناص، وأطلق القذيفة من فوق كتفه، حتى اختفى في سحابة من الدخان، وتهاوى الجدار. وفي هذه الأثناء كانت مجموعة الصاعقة قد اندفعت إلى العمارة وسُمع صوت إطلاق رصاص في الطابقين الأول والثاني، ثم حل الصمت. وبعد دقائق خرج الضباط والجنود وقد أسروا من تبقى من «الدواعش»، وهم ثلاثة ليبيين وخمسة تونسيين ومصري.
وكانت عناصر أخرى من المتطرفين قد تقهقرت من المبنى واحتلت مبنى آخر في الخلف، وتمكنت من التمركز فيه لمقاومة رجال الصاعقة. ومع فجر اليوم التالي تجددت المعارك. وبعد ثلاثة أيام سقط من قوات الصاعقة 11 رجلاً وأكثر من عشرين جريحاً، أي نصف القوة التي كانت تخوض هذه المعركة.
وأمام هذا الوضع، دخل رجال التوجيه المعنوي التابعون للجيش، الذين كانوا يرافقون قوات الصاعقة من أجل التصوير فقط، وتحولوا إلى مقاتلين بعد الخسائر التي لحقت بالمجموعة. وكان الهدف ملاحقة المتطرفين حتى النهاية.
وبعد دحر «الدواعش»، نقلت المجموعة المنتصرة متعلقات التنظيم التي تركها وراءه، ولم يتمكن من حرقها أو إتلافها، وسلمتها إلى الجهات المختصة في الجيش لدراستها والتحقيق فيها ومعرفة أبعاد ما يجري في المدينة.
ومن بين ملفات وأوراق واعترافات، يبدو الأمر خطيراً. فهناك مراكز موجودة في دول عدة في أفريقيا وآسيا وأوروبا، تعمل بشكل محموم منذ سنوات على ترسيخ أقدام الجماعات المتطرفة في ليبيا، ليس من أجل الهيمنة على البلاد فقط، بل أيضاً من أجل العمل في دول الجوار لزعزعة استقرارها. ويقول مسؤول في القضاء العسكري: إن نشر التفاصيل «سيتم بضوابط عندما يحين الوقت... لدينا إجراءات تحقيق لا بد من الالتزام بها».
وتأسس سلاح الصاعقة الليبي في مصر عام 1970، على مستوى القيادات وعلى مستوى الأفراد. والآن يتم تخريج ضباط في الكليات العسكرية الليبية، ويجري تدريبهم على أيدي القوات الخاصة في مصر، وبينهم من عادوا ليصبحوا مقاتلين في المحاور في ضواحي بنغازي، حتى تمكنوا أخيراً من تطهير الغالبية العظمى من المدينة.
وبالتزامن مع هذا، جرى نقل الكلية العسكرية من طبرق إلى مدينة توكرة قرب بنغازي. وتبدو الكلية الجديدة موضع فخر لدى ضباط كثيرين يقولون: إنها «أصبحت في مصاف الأكاديميات وليست مجرد كلية».
إلا أن الأهم أن تدريبات قوات الصاعقة في الداخل الليبي لا تتوقف. ويقول المتحدث باسم الجيش العميد أحمد المسماري: إن «الصاعقة في معركة الإرهاب مهمة جداً؛ لأن الحرب على الإرهاب تختلف عن الحرب التقليدية... الحرب على الإرهاب أقرب إلى حرب العصابات الخاطفة سريعة البداية وسريعة الانتهاء. الحرب على الإرهاب وعلى (داعش) والقاعدة لا تنتهي بإعلان الاستسلام، ولا بإعلان النصر. لكنها تنتهي بالقضاء بالقتل أو إلقاء القبض أو بإنهاء كل المظاهر لهذه التنظيمات، وبالتالي معركة صعبة جداً تحتاج إلى تدريبات خاصة وتحتاج إلى قوات خاصة».
وفي معسكر للتدريب، كان ستة معلمين من القوات الخاصة يتلقون تأهيلاً لاستقبال دفعة جديدة والقيام بتدريبها أيضاً. وفي يوم آخر بدأ التدريب على القفز بالمظلات. برجان مربوط بينهما حبل. ومن البرج الأول يقفز كهل مُتدرب (سيكون مدرباً لاحقاً)، وهو مربوط بحبل كأنه مظلة. ويتدلى في الهواء منزلقاً في اتجاه البرج الثاني.
ويقول أحد القادة المشرفين على التدريبات، في حين يختلط صوته بصوت طائرة صدر عن بكرة الانزلاق التي حملت المُتدرب: «هذا الضابط كان متقاعداً لسنوات... وعن طريق هذا التدريب سيتذكر الأيام الخوالي، أي حين كان ضابطاً في الجيش، لكي يقوم بعد ذلك بتدريب متقدمين جدد. الهدف أنه حين يقفز من البرج الأول سيشده الحبل إلى أعلى كأنه لحظة انفتاح المظلة».
ووسط هذه الحركة الدائبة في مقر معسكر التدريب، كان آمر القوات الخاصة ونيس بوخمادة ذو البشرة السمراء يتنقل ليراقب ويشجع الضباط على العمل. وقال: «هذا المدرب عمره أكثر من 54 سنة. ويوجد من هو أكبر منه سناً في القوات الخاصة. هؤلاء يقدمون أرواحهم من أجل الوطن... وما زالوا يقاتلون في الميدان، وما زالت لديهم القدرة على التدريب، وعلى القتال وعلى العطاء».
ومن بين أكثر العمليات العسكرية حرفية تلك التي قام بها الجيش لتحرير عشرات الأسرى في منطقة قنفودة. كان متطرفون يحتجزون رجالاً ونساء وأطفالاً تحت الأرض، بينما كان قادة الجماعات المتطرفة في طرابلس ومصراتة يصرخون بأن الجيش «إذا هجم على الأماكن التي فيها الأسرى فسيقتلهم».
لكن العملية تمت، كما يقول العميد المسماري: «من دون خسارة أي أسير، رغم أننا خسرنا جنوداً من أجل إطلاق سراح هؤلاء الأسرى». وأضاف: «هؤلاء الأسرى كانت تستغلهم جماعة الإخوان المسلمين ومنظمات، لترويج أن ما يقوم به الجيش جرائم حرب، وأن الجيش قام بحصارهم، بينما في الحقيقة نحن أنقذناهم في هذه المعركة».
وبخطوات محسوبة حذرة، تقدم الجنود إلى مقر كبير في قنفودة كان المتطرفون قد انسحبوا منه حالاً. وكسروا أقفال السجن الأول بمقص حديدي ضخم. وأخرجوا عشرات الأسرى الذين كانوا يعانون من الجوع والعطش والتعذيب. وفي السجن الآخر لم يكن هناك أحد. وأبواب هذه السجون مصنوعة من الحديد الثقيل الذي لا يمكن تحريكه إلا بشق الأنفس. ولكل باب أقفال كبيرة، كما تم لحام النوافذ الحديدية. وتوجد أماكن للحراسات من الخارج. وفي سجن آخر كانت هناك بقايا فرش على الأرض ودعوات إلى الصبر محفورة على الجدار.
ويبدو أن المتطرفين تمكنوا من أخذ عدد من السجناء معهم لاستخدامهم دروعاً بشرية. وتوجد على جدران السجن الإسمنتية كتابات خطها الأسرى بالدماء وبالفحم، منها: «نسأل الله الفرج عن قريب»، و«حسبنا الله ونعم الوكيل»، و«يا رب ارحم»، إضافة إلى أدعية أخرى لتفريج الكرب. ورسم بعض السجناء على الجدار جدولاً مرسوماً بالفحم عبارة عن تقويم بالتواريخ لمعرفة عدد الأيام والشهور وأوقات المناسبات، كأنهم، رغم المعاناة، كانوا يحتفلون بها تشبثاً بالحياة.
ومن بين من تم إطلاق سراحهم من الأسرى عجوز مدني بلحية بيضاء كان ابنه يقاتل مع القوات الخاصة لتحرير السجناء. وظهر الرجل وهو يرفع يديه مهللاً في حبور، واحتضن أول جندي قابله، بينما رفع هذا الجندي سلاح «آر بي جيه» كان يحمله على كتفه، وهو يرد له التحية ويستقبله بالأحضان.
ومن بين الأسرى أيضاً ضباط جيش وضباط صف ومدنيون، منهم من عاد للخدمة العسكرية، ومنهم من أصبح مديراً في الإدارة العسكرية.
وحين يسود الفرح في جبهة، فهذا لا يعني توقف العمل في بقية الجبهات. ففي هذا التوقيت كان هناك واحد من بين المقرات المهمة التي كان يتمركز فيها تنظيم داعش في ضاحية قنفودة، وبالتحديد في موقع «الحظيرة الجمركية». وتقدم لمهمة القتال في هذه الموقعة رجال الكتيبة 267 دبابات التابعة للجيش.
وبدأت العملية عن طريق العسكري مفتاح العماري الذي تولى قيادة مدرعة خاصة مصفحة ومحملة بالجنود ودخل بها إلى نطاق المقر. ثم عاد وحمل مجموعة أخرى من الجنود إلى الداخل؛ لأنه لا يوجد عدد كافٍ من هذا النوع من المدرعات المصفحة التي لا يؤثر فيها رصاص القناصة.
كان هجوم الجيش على مقرات «الدواعش» شاملاً ويجري في ضواحٍ عدة. وتحملت الكتيبة الشرسة المعروفة باسم «شهداء الزاوية»، وهي من كتائب القوات الخاصة، العبء الأكبر في العمليات القتالية رغم الظروف الصعبة. كانت هذه الكتيبة تسيطر فيما مضى على مدينة سرت بالكامل، إلا أنها فضّلت الانسحاب من هناك بعد تعرضها لهجمات من ميليشيات مصراتة في 2013. وتسبب الفراغ الذي تركته في سرت باحتلال «الدواعش» للمدينة فيما بعد، إلى أن قامت قوات «البنيان المرصوص» بتحرير سرت أواخر العام الماضي.
وأغلب أفراد كتيبة «شهداء الزاوية» من المنطقة الشرقية في ليبيا، رغم أن الاسم الذي تحمله يعود إلى مدينة الزاوية التي تقع إلى الغرب من طرابلس. وقدمت خلال المعارك التي خاضتها ضد المتطرفين في بنغازي أرواح نحو 240 من الضباط والجنود. ويرجع الفضل في شراسة هذه الكتيبة، وآمرها اللواء جمال الزهاوي، أمام مقاتلي «داعش»، إلى خبراتها في الحرب.
ويوضح أحد قادتها أن «الجميع يضحي من أجل الوطن، أما عما تقول إنه قوة كتيبتنا، فأعتقد أن الأمر يرجع إلى أننا في حروب مستمرة منذ 2011، وهو تاريخ تشكيل الكتيبة، وجعل طول مدة العمل الفريق متجانساً وأفراده متفاهمين، وحتى الشباب من المدنيين المساندين لنا، انضموا إلى الكتيبة متطوعين وتأقلموا فيها مثلنا».
وخاضت الكتيبة نفسها حروباً في غرب بنغازي ضد غزوات المتطرفين للهلال النفطي وضد تمركزاتهم في منطقة الجفرة. ويضيف الضابط نفسه أن آمر الكتيبة اللواء الزهاوي «معه ضباط أكْفاء في إدارة العمليات وفي إدارة النيران. نحن الكتيبة الوحيدة التي لم تغادر بنغازي حتى في فترة وجود تنظيم أنصار الشريعة في المدينة».
ومن بين ملفات جمعها الجيش من مراكز «الدواعش»، يبرز اسم ضابط مخابرات من إحدى دول المنطقة حروف اسمه الأولى ع. م. تقول الأوراق إنه كان من بين المشرفين على التفجيرات التي شهدتها بنغازي، وعلى صلة وثيقة بميليشيات مرتبطة بعدد من الإرهابيين في المدينة. وتشير إلى أنه انتقل إلى طرابلس بعد تحرير الجيش لبنغازي، وأنه يعمل في الوقت الراهن مع قادة لـ«الإخوان» في العاصمة.وبين الوثائق الأخرى التي تغطي الفترة من 2014 إلى 2017، ما يشير إلى خطة ممنهجة ترعاها دول في المنطقة (مذكورة بالتفاصيل) من أجل نقل «التنظيمات الإسلامية، بعد خروجها من سوريا والعراق، إلى غرب أفريقيا، ليتواصلوا عبر أفريقيا الوسطى مع تنظيم بوكو حرام، وتوجيه قطاع منهم للدخول إلى ليبيا ومصر ضمن مشروع الهجرة إلى الله لإحياء سنة الجهاد والاستشهاد».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.