علم ونشيد وطنيان جديدان لموريتانيا وسط انقسام سياسي حاد

يدشنان دخول البلاد مرحلة «الجمهورية الثالثة»

TT

علم ونشيد وطنيان جديدان لموريتانيا وسط انقسام سياسي حاد

أنزلت جميع الإدارات العمومية والعسكرية في موريتانيا العلم الوطني «القديم» عند منتصف ليل الاثنين - الثلاثاء، على أن يتم رفع العلم الوطني «الجديد» صباح اليوم بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ57 للاستقلال الوطني.
يأتي ذلك تطبيقاً لتعديلات دستورية تمت الموافقة عليها في استفتاء شعبي نظم في 5 أغسطس (آب) الماضي.
وتتضمن التعديلات الدستورية الأخيرة تعديل العلم الوطني بإضافة شريطين أحمرين إلى العلم القديم الذي كان عبارة عن راية خضراء في وسطها نجم وهلال أصفران، وبحسب ما أعلنت عنه الحكومة الموريتانية، فإن أحد الشريطين الأحمرين يرمز إلى دماء شهداء مقاومة الاستعمار الفرنسي خلال النصف الأول من القرن العشرين، بينما يرمز الشريط الأحمر الآخر إلى الاستعداد للتضحية في سبيل الوطن.
وعندما يرفع العلم الوطني الجديد تكون موريتانيا قد دخلت في مرحلة ما يسميها أنصار النظام «الجمهورية الثالثة»، التي تبدو ملامحها الأولى مجسدة في العلم الجديد، بالإضافة إلى نشيد وطني جديد هو الآخر، تمت كتابته من طرف لجنة ضمت 37 شاعراً، ولحنه الموسيقار المصري راشد داود، سيعزف للمرة الأولى خلال رفع العلم الجديد اليوم الثلاثاء.
إنها ملامح موريتانيا «الجديدة» التي سيعلن عنها في مدينة كيهيدي، جنوب البلاد، في احتفالات رسمية يقودها الرئيس محمد ولد عبد العزيز، الذي وصل مساء أمس إلى المدينة الواقعة على ضفة نهر السنغال، وسط استقبالات شعبية حاشدة وأجواء احتفالية عارمة، في واحدة من أهم المحطات السياسية خلال حكم ولد عبد العزيز لموريتانيا الذي بدأ عام 2008 عندما قاد انقلاباً عسكرياً ناجحاً ضد الرئيس المدني السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
ولد عبد العزيز فاز في انتخابات رئاسية عام 2009، متقدماً في الشوط الأول على مرشحي المعارضة التقليدية، وأعيد انتخابه عام 2014 في انتخابات رئاسية قاطعتها المعارضة، قاد بعدها البلاد لولاية رئاسية ثانية هي الأخيرة بموجب الدستور الحالي للبلاد. ومع أن ولد عبد العزيز أكد في أكثر من مناسبة أنه لن يخرق الدستور ولن يترشح لولاية رئاسية ثالثة في الانتخابات التي ستنظم عام 2019، إلا أن أنصاره يطالبونه بتعديل الدستور والترشح لولايات «ثالثة ورابعة وخامسة»، خلال تصريحات أدلى بها وزراء وسياسيون في أكثر من مناسبة، وكثيراً ما أغضبت هذه التصريحات المعارضة وعدّتها تمهيداً لبقاء ولد عبد العزيز في السلطة.
وتعيش موريتانيا على وقع أزمة سياسية خانقة منذ 2008 في ظل القطيعة التامة بين النظام والمعارضة، ورغم المحاولات الكثيرة التي قام بها نظام ولد عبد العزيز لتنظيم «حوار وطني» مع المعارضة الديمقراطية، فإن جميع هذه المحاولات فشلت في ظل انعدام الثقة بين الطرفين؛ إذ تطالب المعارضة بضمانات قبل الدخول في أي حوار، بينما يرى النظام أن الضمانات التي تطالب بها المعارضة «تعجيزية».
وقرر ولد عبد العزيز نهاية العام الماضي (2016) تنظيم «حوار وطني» رغم مقاطعته من طرف المعارضة، وقد أسفر هذا الحوار عن اقتراح تعديلات دستورية تهدف إلى «تعزيز الممارسة الديمقراطية في موريتانيا»، ولكن المعارضة شككت في ذلك ووصفت التعديلات بأنها «غير توافقية وتهدد استقرار موريتانيا ولحمتها الاجتماعية».
وتمكنت المعارضة الموريتانية من إسقاط التعديلات الدستورية عندما عرضت على البرلمان، وذلك بعد أن صوت ضدها مجلس الشيوخ (الغرفة العليا من البرلمان الموريتاني آنذاك) نهاية شهر مارس (آذار) الماضي، ولكن الرئيس الموريتاني قرر عرض التعديلات الدستورية على الاستفتاء الشعبي المباشر في خطوة أثارت كثيرا من الجدل، خصوصا في أوساط الخبراء الدستوريين، الذين انقسموا حول الخطوة بين من يرى أن الرئيس محق في لجوئه إلى المادة «38» من الدستور، التي قالوا إنها تمنحه الحق في استشارة الشعب في أي قضية ذات طابع وطني، وآخرين أكدوا أن الرئيس قام بـ«انقلاب على الدستور».
وفي خضم هذا الجدل، جرى الاستفتاء الشعبي الذي وافق فيه الموريتانيون بأغلبية ساحقة على التعديلات الدستورية المقترحة من طرف الرئيس، ولكن المعارضة تحدثت عن عمليات تزوير واسعة سادت عملية الاستفتاء، وهي اتهامات رفضتها الحكومة وطالبت بتقديم أدلة تعززها.
اليوم تحتفل موريتانيا بذكرى الاستقلال وسط حالة من الانقسام، تظهر جلية في شوارع العاصمة نواكشوط؛ إذ يرفع أنصار النظام العلم الوطني «الجديد»، ويزين سياراتهم وواجهات مقرات الأحزاب السياسية الداعمة للرئيس، ولكن في المقابل، تعلن أحزاب المعارضة رفضها هذا العلم والتمسك بالعلم الوطني «القديم»؛ بل إن بعض الناشطين في المعارضة يصرون على رفع العلم القديم فوق أسطح منازلهم.
حزب «اللقاء الديمقراطي الوطني» المعارض قال في بيان صحافي أصدره أمس إن احتفالات هذا العام بالاستقلال الوطني تأتي في ظل «أخطر عملية بطش وتلاعب بالرموز الوطنية»، وأعلن رفضه العلم الجديد وتمسكه بالعلم القديم الذي وصفه بأنه «علم الاستقلال» الحقيقي.
وكان حزب «اللقاء» هو الحزب المعارض الوحيد الذي شارك في الاستفتاء الشعبي الأخير، ودعا أنصاره إلى التصويت بـ«لا» على التعديلات الدستورية، وقال في بيانه أمس: «لقد كنا شهود عيان على ما حصل من تزوير فاحش، خلال مهزلة الاستفتاء الأخير (...) لذا؛ فإننا سنظل متمسكين بعلم الاستقلال، الذي هو بالنسبة لنا العلم الشرعي الذي اختاره الشعب الموريتاني كافة، واستشهدت تحته كوكبة من أبناء هذا البلد»، وفق تعبيره.
من جهة أخرى؛ كان تجمع لأحزاب المعارضة الديمقراطية قد دعا للتظاهر في نواكشوط بالتزامن مع احتفالات عيد الاستقلال، من أجل التعبير عن رفض تغيير العلم والنشيد الوطنيين، ولكن السلطات رفضت الترخيص لهذه الاحتجاجات ليتم تأجيلها حتى شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل.



تونس: إيقاف متهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي»

وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)
وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)
TT

تونس: إيقاف متهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي»

وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)
وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي بجلسة عمل مع ممثل البنتاغون في سياق التنسيق الأمني والعسكري بين سلطات البلدين (من موقع وزارة الدفاع التونسية)

كشفت مصادر أمنية رسمية تونسية عن أن قوات مكافحة الإرهاب والحرس الوطني أوقفت مؤخراً مجموعة من المتهمين بالانتماء إلى «تنظيم إرهابي» في محافظات تونسية عدة، دون توضيح هوية هذا التنظيم، وإن كان على علاقة بالموقوفين سابقاً في قضايا إرهابية نُسبت إلى فروع جماعتي «داعش» و«القاعدة» في شمال أفريقيا، مثل تنظيم «جند الخلافة» و«خلية عقبة بن نافع».

وحدات مكافحة الإرهاب التونسية ترفع حالة التأهب (صورة من مواقع وزارة الداخلية التونسية)

ووصف بلاغ الإدارة العامة للحرس الوطني في صفحته الرسمية الموقوفين الجدد بـ«التكفيريين»، وهي الصيغة التي تُعتمد منذ سنوات في وصف من يوصفون بـ«السلفيين المتشددين» و«أنصار» الجهاديين المسلحين.

من محافظات عدة

وأوضح المصادر أن قوات تابعة للحرس الوطني أوقفت مؤخراً في مدينة طبربة، 20 كلم غرب العاصمة تونس، عنصراً «تكفيرياً» صدرت ضده مناشير تفتيش صادرة عن محكمة الاستئناف بتونس بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي، ومحكوم غيابياً بالسجن لمدة 6 أعوام.

كما أعلن بلاغ ثانٍ صادر عن الإدارة العامة عن الحرس الوطني أن قواتها أوقفت مؤخراً في منطقة مدينة «مساكن»، التابعة لمحافظة سوسة الساحلية، 140 كلم جنوب شرقي العاصمة، متهماً بالانتماء إلى تنظيم إرهابي صدرت ضده أحكام غيابية بالسجن.

وحدات مكافحة الإرهاب التونسية ترفع حالة التأهب (صورة من مواقع وزارة الداخلية التونسية)

بالتوازي مع ذلك، أعلنت المصادر نفسها أن الحملات الأمنية التي قامت بها قوات النخبة ومصالح وزارة الداخلية مؤخراً براً وبحراً في محافظات عدة أسفرت عن إيقاف مئات المتهمين بالضلوع في جرائم ترويج المخدرات بأنواعها من «الحشيش» إلى «الحبوب» و«الكوكايين».

في السياق نفسه، أعلنت مصادر أمنية عن إيقاف ثلاثة متهمين آخرين بـ«الانتماء إلى تنظيم إرهابي» من محافظة تونس العاصمة وسوسة وبنزرت سبق أن صدرت ضدهم أحكام غيابية بالسجن في سياق «الجهود المتواصلة للتصدي للعناصر المتطرفة» وتحركات قوات مصالح مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية ووحدات من الحرس الوطني.

المخدرات والتهريب

وفي سياق تحركات خفر السواحل والوحدات الأمنية والعسكرية المختصة في مكافحة تهريب البشر والسلع ورؤوس الأموال، أعلنت المصادر نفسها عن إيقاف عدد كبير من المهربين والمشاركين في تهريب المهاجرين غير النظاميين، وغالبيتهم من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وحجز عشرات مراكب التهريب ومحركاتها.

كما أسفرت هذه التدخلات عن إنقاذ نحو 83 مهاجراً غير نظامي من الموت بعد غرق مركبهم في السواحل القريبة في تونس؛ ما تسبب في موت 27 ممن كانوا على متنهما.

في الأثناء، استأنفت محاكم تونسية النظر في قضايا عشرات المتهمين في قضايا «فساد إداري ومالي» وفي قضايا أخرى عدّة، بينها «التآمر على أمن الدولة». وشملت هذه القضايا مجموعات من الموقوفين والمحالين في حالة فرار أو في حالة سراح، بينهم من تحمل مسؤوليات مركزية في الدولة خلال الأشهر والأعوام الماضية.

وفي سياق «الإجراءات الأمنية الوقائية» بعد سقوط حكم بشار الأسد في سوريا والمتغيرات المتوقعة في المنطقة، بما في ذلك ترحيل آلاف المساجين المغاربيين المتهمين بالانتماء إلى تنظيمات مسلحة بينها «داعش» و«القاعدة»، تحدثت وسائل الإعلام عن إجراءات «تنظيمية وأمنية جديدة» في المعابر.

في هذا السياق، أعلن عن قرار مبدئي بهبوط كل الرحلات القادمة من تركيا في مطار تونس قرطاج 2، الذي يستقبل غالباً رحلات «الشارتير» و«الحجيج والمعتمرين».

وكانت المصادر نفسها تحدثت قبل أيام عن أن وزارة الدفاع الأميركية أرجعت إلى تونس الاثنين الماضي سجيناً تونسياً كان معتقلاً في غوانتانامو «بعد التشاور مع الحكومة التونسية».

وأوردت وزارة الدفاع الأميركية أن 26 معتقلاً آخرين لا يزالون في غوانتانامو بينهم 14 قد يقع نقلهم، في سياق «تصفية» ملفات المعتقلين خلال العقدين الماضيين في علاقة بحروب أفغانستان والباكستان والصراعات مع التنظيمات التي لديها علاقة بحركات «القاعدة» و«داعش».

حلول أمنية وسياسية

بالتوازي مع ذلك، طالب عدد من الحقوقيين والنشطاء، بينهم المحامي أحمد نجيب الشابي، زعيم جبهة الخلاص الوطني التي تضم مستقلين ونحو 10 أحزاب معارضة، بأن تقوم السلطات بمعالجة الملفات الأمنية في البلاد معالجة سياسية، وأن تستفيد من المتغيرات في المنطقة للقيام بخطوات تكرّس الوحدة الوطنية بين كل الأطراف السياسية والاجتماعية تمهيداً لإصلاحات تساعد الدولة والمجتمع على معالجة الأسباب العميقة للازمات الحالية.