الديون آخر مسمار في نعش القنوات الموريتانية الخاصة

الديون آخر مسمار في نعش القنوات الموريتانية الخاصة
TT

الديون آخر مسمار في نعش القنوات الموريتانية الخاصة

الديون آخر مسمار في نعش القنوات الموريتانية الخاصة

شكل توقف بث القنوات التلفزيونية الخاصة في موريتانيا، قبل أكثر من شهر، صدمة للشارع الموريتاني، خصوصاً في ظل ما تشهده الساحة من تطورات، ولكن الحكومة تنفي أن يكون لإغلاق هذه القنوات أي طابع سياسي، مؤكدة أنه إجراء إداري قامت به «الشركة الموريتانية للبث» التي تطالب هذه القنوات بديون ومتأخرات مالية تراكمت منذ عدة سنوات.
ورغم الجدل الكبير الذي أثاره إغلاق القنوات التلفزيونية الخاصة، البالغ عددها خمس قنوات يملكها رجال أعمال ومستثمرون في الإعلام، إلا أن شركة البث أصرت على استمرار قطع بث القنوات حتى تدفع جميع ديونها، التي قدرتها بعض المصادر بأنها تقارب المليار أوقية (أي ما يعادل قرابة 3 ملايين دولار أميركي).
وتتولى «الشركة الموريتانية للبث» منذ عام 2012 تنظيم بث القنوات الخاصة عبر الأقمار الصناعية، مقابل رسوم مادية تدفع سنوياً، ولكن مصادرَ في الشركة تقول إن القنوات لم يسبق أن دفعت هذه الرسوم، وقالت وزيرة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الوصية على شركة البث: «هذه القنوات الخاصة عبارة عن مؤسسات تجارية، ويجب أن تدفع جميع التزاماتها».
وخلّف توقف بث القنوات الخاصة فراغاً في الساحة الإعلامية الموريتانية، إذ اقتصر البث على قناة «الموريتانية» المملوكة للدولة، ما جعل الكثير من الموريتانيين يلجأ لمتابعة قنوات دولية تهتم بالشأن الموريتاني، قد يجدون فيها وجهة نظر غير تلك التي تعرض في الإعلام الرسمي.

مؤسسات هشة
القنوات الخاصة في موريتانيا التي تبث منذ خمس سنوات، في إطار خطة اعتمدتها موريتانيا لتحرير الفضاء السمعي البصري، تواجه اليوم أكبر أزمة تهدد بقاءها، إذ تعد هذه هي المرة الأولى التي تتوقف عن البث لقرابة شهر.
ومع ذلك تعاني هذه القنوات من مشاكل بنيوية كبيرة منعتها من الخروج من مرحلة المؤسسات «الهشة والبدائية»، إذ لا يتوفر عمالها على عقود عمل، بل إن بعض هذه القنوات لا يدفع رواتب عماله بشكل منتظم، ولا يحترم دفتر التزاماته.
وعندما توقف بث القنوات، مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خرج عمالها في مظاهرة أمام مباني الوزارة الوصية، يطالبون بتسوية الأزمة وعودة قنواتهم للبث، ولكن في الوقت ذاته طلبوا من رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز أن يتدخل لتسوية مشاكل العمال المتمثلة في غياب عقود عمل تضمن لهم حقوقهم، بالإضافة إلى رواتبهم الهزيلة وغير المنتظمة.
ولكن القائمين على هذه القنوات الخاصة لا ينفون وجود هذه المشاكل البنيوية، ولكن يؤكدون أن لها أسبابها المعروفة، أولها «العجز المالي» الناتج عن احتكار مؤسسات الإعلام الحكومية لسوق الإشهار، إذ نادراً ما تحصل هذه القنوات الخاصة على عقود إعلانية.

قانون الإشهار
وفيما كان بث القنوات الخاصة متوقفاً، صادقت الحكومة الموريتانية على مشروع قانون جديد ينظم الإشهار، وهو القانون الذي كان مطلباً مهماً لدى القنوات الخاصة وجميع أفرع الصحافة المستقلة في موريتانيا.
وقالت حواء تانديا، الوزيرة الوصية على القطاع، إن هذا القانون الجديد «يمثل العمود الثالث المسير لقانون حرية الصحافة والسمعيات البصرية، وهو مطلب قديم للفاعلين في قطاع الاتصال من صحافة ووكالات».
وأوضحت الوزيرة في مؤتمر صحافي عقدته الحكومة عقب المصادقة على مشروع القانون الجديد، أن الهدف منه هو «دفع عجلة الاقتصاد وحماية المستهلك وإنارة الرأي العام الوطني ورصد موارد مالية لقطاع الاتصال من خلال إشهارات شفافة»، على حد تعبيرها.
وأوضحت الوزيرة أن مشروع القانون الجديد «يشتمل على مجموعة من المواد القانونية، ويتناول إشكالية قطاع الاتصال من ناحية من هم الفاعلون في مجال الإشهار، وما هو الإشهار، وما هي العقوبات والجهات التي تسيره».
ومن المنتظر أن ينهي القانون الجديد احتكار الإعلان من طرف القناة الرسمية المملوكة للدولة، ولكن في ظل قطع بث القنوات الخاصة يبقى القانون بلا معنى.
في غضون ذلك تؤكد بعض الجهات المقربة من الحكومة أن الجهات الرسمية بدأت التحضير للمرحلة الثانية من تحرير الفضاء السمعي البصري، وهي المرحلة التي تكون فيها القنوات الخاصة مؤسسات حقيقية تدفع التزاماتها المادية مقابل استفادتها من قانون الإشهار بعد تطبيقه.
وأضافت المصادر ذاتها أن وقف بث القنوات الخاصة يدخل في إطار التحضير لهذه المرحلة، وسيتم في النهاية التوصل إلى تسوية تضمن عودة بث القنوات مقابل دفعها للديون على شكل أقساط.

مفاوضات للتسوية
القائمون على القنوات الخاصة يؤكدون أنهم متفائلون بخصوص التوصل إلى حل قريب للأزمة، إذ قالت رئيسة اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الخاصة منتان بنت لمرابط، في مؤتمر صحافي بنواكشوط: «نحن على تواصل مع شركة البث، وقد التقينا بإدارتها عدة مرات، وناقشنا معها الكثير من النقاط، نتفهم ما قامت به لأنه يدخل ضمن صلاحياتها، ولكن في المقابل نحن أيضاً لدينا مبرراتنا في عدم دفع الديون المستحقة علينا، وهي مبررات تتعلق بظروفنا وأوضاعنا المادية».
وأضافت بنت لمرابط أن قطع بث القنوات «جاء على خلفية ملفات إدارية وحسابية محضة»، نافية أن يكون للأمر أي علاقة بحرية الصحافة أو التراجع عن تحرير الفضاء السمعي البصري، قبل أن تقول: «نحن آسفون لما آلت إليه الأوضاع، ونعتذر للمشاهدين عن هذا الانقطاع ونتمنى أن نعود في أقصر الآجال».
وخلصت في حديثها إلى القول: «نحن لا نعتبر أننا طرف، وشركة البث طرف آخر، وإنما نرى أننا جميعا جزء من منظومة واحدة، وأننا نقدم خدمة للمواطن، وبالتالي نسعى لنفس الهدف ومصلحتنا مشتركة»، ولكنها شددت على ضرورة أن تغتنم القنوات الخاصة هذه الفرصة من أجل «تصحيح الاختلالات والمحافظة على استمرار التجربة»، وفق تعبيرها.



هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».