الرواية ككتابة عن التاريخ الذي ما زال يُنتَج في الحاضر

لقاء مفتوح مع الأشعري وجويطي بمراكش

من اليمين: محمد الأشعري ومحمد شويكة وعبد الكريم جويطي في ندوة مراكش (تصوير: أحمد بنسماعيل)
من اليمين: محمد الأشعري ومحمد شويكة وعبد الكريم جويطي في ندوة مراكش (تصوير: أحمد بنسماعيل)
TT

الرواية ككتابة عن التاريخ الذي ما زال يُنتَج في الحاضر

من اليمين: محمد الأشعري ومحمد شويكة وعبد الكريم جويطي في ندوة مراكش (تصوير: أحمد بنسماعيل)
من اليمين: محمد الأشعري ومحمد شويكة وعبد الكريم جويطي في ندوة مراكش (تصوير: أحمد بنسماعيل)

شكل اللقاء المفتوح حول التجربة الروائية لمحمد الأشعري وعبد الكريم جويطي، مع توقيع روايتيهما، «ثلاث ليال» بالنسبة للأول و«المغاربة» بالنسبة للثاني، بمناسبة افتتاح الموسم الثقافي لأنشطة المديرية الجهوية لوزارة الثقافة بجهة مراكش آسفي، فرصة للتداول في عدد من القضايا التي تهم التجربتين الإبداعيتين للكاتبين، ومن خلالهما استعراض جملة من القضايا، المرتبطة بالهوية والحداثة والذاكرة، وكذا علاقة الروائي بالتاريخ، ماضياً وحاضراً، وبالتالي طريقة تعاطيه مع المرجعية التاريخية والتحولات الاجتماعية والسياسية الراهنة.
انطلق اللقاء، الذي سيره الكاتب محمد شويكة، من شجون القراءة وسؤال ضعف المقروئية في المجتمع، حيث قال الأشعري إننا نعيش في ظروف «انحسار كبير لقراءة العمل الروائي»، مشيراً إلى أن عدد طبعات الرواية المغربية لا تتعدى ألف نسخة، وفي أحسن الأحوال لا تتجاوز ألفين، مستثنياً بعض الروايات التي قد يكون لها حظ أن تكون في دائرة الضوء، إما بوجودها في إحدى لائحتي «البوكر»، مثلاً، أو فوزها بإحدى الجوائز، قبل أن يستدرك، قائلاً: «ليست لدينا، حتى الآن، روايات طبعت عشر أو حتى سبع مرات، وحتى إذا تم إصدار عشر طبعات من رواية ما، فإن معدل الألف نسخة يجعلنا في حدود عشرة آلاف نسخة، وهذا العدد لا يعني شيئاً أمام ساكنة تتعدى 35 مليوناً»؛ الشيء الذي يستدعي، من وجهة نظره، «خوض نضال من أجل شيوع فعل القراءة»، مع الإشارة إلى أن «الخطر الذي يتهدد النصوص التي تنشر في المغرب هو الصمت، حيث لم يبق صوت للنقد، فيما صوت الإعلام خافت».
وأبرز الأشعري أن «ضعف المقروئية ليس إشكالاً من الناحية الأدبية، فقط، بل من الناحية السياسية، أيضاً، لأن الرواية هي الأداة الفنية القادرة على إضاءة المشاكل السياسية والاجتماعية، وجعلها مقروءة ومفهومة من طرف الناس»؛ إذ «مع كثير من المواقف والتحولات الاجتماعية والجروح التي تصيب الأمم، تبقى الرواية هي الأداة التي تجعل الناس يفهمون هذه الأمور، بشكل أفضل من الكتاب النظري أو التاريخي»؛ وبالتالي، «طالما أننا لا نقرأ الكتاب، فنحن لا نفهم، بطريقة أفضل، ما يحدث لنا، ولا نستطيع أن نسيطر على الصدمات التي تتعرض لها مجتمعاتنا، من جهة أن طريقة بناء الرواية وتقليب وجهات النظر حول الحكاية تجعل الناس على صلة مع ما يحدث».
من جهته، شدد جويطي على أننا «محتاجون، في المغرب، للرواية، لأننا في حاجة للخيال، الذي نحتاج إلى تحريره وعدم الاستهانة بدوره، لأنه يجعلنا نحلم بمغرب آخر غير المغرب الذي نعيش فيه».
وتحدث جويطي عن «ثلاث ليال»، رواية الأشعري، فقال عنها إنها تتطرق لهندسة السلطة التي كانت المرأة في قلبها، حيث يمنح احتكار المرأة والسيطرة عليها سيطرة على الوضع، ممثلاً لذلك بعدد من الأحداث التاريخية، من قبيل علاقة يوسف بن تاشفين، أمير المرابطين، بزوجته زينب النفزاوية.
سؤال الزمن في «ثلاث ليال»، دفع الأشعري إلى «الحديث عن الحفر في اللحظة الواحدة بحثاً عن الحقائق والأوهام بتواز مع الحفر في الشخصيات»، مشيراً إلى أن روايته تغطي زمناً يمتد من ثلاثينات القرن الماضي إلى مطلع الألفية الثالثة، حيث ترمز الليلة الأولى إلى زمن الباشا الكلاوي، والثانية إلى زمن سنوات الرصاص، والثالثة إلى العهد الجديد، عبر خيط رابط، متصل عبر حكايات الاستبداد والتسلط ومقاومة النساء؛ فيما يمتد عبر تكثيف زمني يهتم بسبر أغوار الحكايات المتصلة أو المنفصلة، حيث شهوة الحكم مرتبطة بشهوة الهيمنة على المرأة؛ مشيراً إلى أن الطاغية المستبد هو، في جل الأوقات، إنسان ضعيف ومغلوب على أمره، وبالتالي يكون، في أكثر اللحظات، مُهاناً لا يطيق نفسه.
وحيث إن زمن روايته متواصل في الحاضر، فقد عاد الأشعري ليشدد على أننا نعيش تناقضات، حاولت الرواية أن تمسك بها، من جهة أن الاستعمار جاء مدعياً أنه يحمل رسالة حضارية تدعي سعياً نحو وضع المغرب في صلب الحداثة، غير أنه ركَّز أكثر البنيات تقليدية ورجعية ونكوصية. ومع المرور إلى المغرب المستقل، يضيف الأشعري، رفعت الدولة نفس الشعارات التي تنادي بمقاومة التخلف وبناء الدولة الديمقراطية، لكنها، في خضم هذه الدعوة المعلنة، كانت تركز عملاً نكوصياً وتقليدياً، رجعياً.
بنفس النبرة، سيحاكم الأشعري الراهن المغربي، حيث قال إن «عدد الهواتف المحمولة يفوق عدد المغاربة، وعدد مستخدمي الإنترنت في المغرب يبقى على مقاس الدول المتقدمة، الشيء الذي يعطي انطباعاً بأننا نعيش الحداثة، غير أن هذه القشرة التحديثية تخفي هيمنة على مستوى العلاقة مع المرأة ومع عدم المساواة، مثلاً، لنكون مع إنتاج نفس العقلية التقليدية النكوصية الرجعية، إلى درجة أن الرجل الذي يستعمل (واتساب) و(فيسبوك)، وغيرها من وسائل التواصل الحديثة، يعيد في منزله إنتاج الرجل التقليدي الرجعي».
وعلى علاقة بالإبداع الروائي، دعا الأشعري إلى «السيطرة على هذه الوقائع عبر الخيال، مع زيارة تاريخنا القريب والبعيد، لكي نعرف الخصائص التاوية، التي تؤثر في كل ذلك».
وتحدث الأشعري عن «المغاربة»، رواية جويطي، من خلال طرح سؤال «هؤلاء (المغاربة)... من هم؟»، مشيراً إلى أن «المبدع لا يتكلم عن المغاربة، بل عن كيف يتشكل المغربي، اليوم، من خلال كل ما أضفناه من خيالنا»، موضحاً أن «سؤال (من هو المغربي؟) هو مفتاح أساسي لمعرفة الوضع الذي نعيش فيه».
من جهته، قال جويطي، في هذا الصدد: «حين فكرت أن أكتب عن المغرب، كان همي أن أكتب رواية ممتعة فيها كل مقومات الرواية، لم أرد أن أكتب كتاباً عن تاريخ المغرب، بل كتاباً عن المغاربة في الحاضر. كتبت عن التاريخ الذي ما زال ينتج في الحاضر. أرى أن ما يهم المغربي هو قدرته على التفاوض مع الواقع لكي يبقى هو هو ويأخذ من الواقع ما يفيده للاستمرار، بحيث نكون مع مغربي قد يفعل الشيء ونقيضه للمحافظة على الواقع، فيما الحقيقة هي ما لا نعرف»، مع إشارته إلى أن «الوظيفة الحقيقية للكاتب، داخل المجتمع، هي أن يقول ما هو سلبي في المجتمع، وأن يقول الأشياء السيئة».
يشار إلى أن الأشعري، الذي سبق له أن كان وزيراً للثقافة كما ترأس اتحاد كتاب المغرب، قد بدأ تجربته الإبداعية بكتابة الشعر، قبل أن يكتب القصة والرواية. فعلى مستوى الشعر، نكون مع «صهيل الخيل الجريحة» (1978) و«عينان بسعة الحلم» (1981) و«يومية النار والسفر» (1983) و«سيرة المطر» (1988) و«مائيات» (1994). وعلى مستوى القصة، نكون مع مجموعته «يوم صعب» (1992)، فيما نكون، بالنسبة للرواية، مع «جنوب الروح» (1996) و«القوس والفراشة» (2010) التي فاز بها بجائزة البوكر لعام 2011 مناصفة مع السعودية رجاء عالم عن روايتها «طوق الحمام»، و«علبة الأسماء» (2015) و«ثلاث ليال» (2016). فيما سبق أن صدرت لجويطي، قبل «المغاربة» (2016)، التي فازت بجائزة المغرب للكتاب في صنف السرديات والمحكيات للعام 2017، روايات «ليل الشمس» (1991) و«زغاريد الموت» (1996) و«زهرة الموريلا الصفراء» (2003) و«كتيبة الخراب» (2008)، كما صدر له، قبل أيام، مؤلف من ثلاثة أجزاء تحت عنوان «تاريخ بلاد تادلا» (2017).



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».