ألمانيا: «الاشتراكيون الديمقراطيون» يعلنون استعدادهم لحل الأزمة السياسية

TT

ألمانيا: «الاشتراكيون الديمقراطيون» يعلنون استعدادهم لحل الأزمة السياسية

أبدت قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني صباح أمس، استعداداً للحوار في محاولة لإخراج البلاد من الأزمة السياسية الحالية، متخلية فجأة عن معارضتها لأي تحالف مع المستشارة أنجيلا ميركل.
وأعلن الأمين العام للحزب هوبرتوس هايل ليلة أول من أمس أن «الحزب الاشتراكي الديمقراطي على قناعة بأنه ينبغي التحاور»، مؤكداً أنه «لن يرفض النقاش»، وذلك بعد اجتماع لقادة الحزب الرئيسيين استمر ثماني ساعات بقيادة رئيسه مارتن شولتز.
ومن جهته، أعلن مارتن شولتس، رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، أمس إحالة القرار بشأن أي مشاركة محتملة لحزبه في حكومة ائتلافية إلى التصويت من قبل أعضاء حزبه، حسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية.
وقال شتولتس في برلين إنه إذا آلت المحادثات المرتقبة إلى مشاركة الحزب بأي صورة في تشكيل حكومة، فإن الحزب سيحيل قرار المشاركة لأعضائه، مؤكداً في إشارة إلى المشاورات اللاحقة «لن تكون هناك أي إجراءات تلقائية في أي اتجاه».
يذكر أن قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي أكدت من قبل في قرار اتخذته بالإجماع، عقب فشل تشكيل مفاوضات ما يعرف بحكومة «جامايكا» الائتلافية، عدم الدخول في ائتلاف حاكم مع التحالف المسيحي، المنتمية إليه المستشارة أنجيلا ميركل. وعقد الرئيس الألماني شتاينماير، المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، اجتماعاً مع رئيس الحزب شولتس أول من أمس، في إطار جهود شتاينماير للتوسط بين الأحزاب الألمانية للتغلب على أزمة تشكيل الحكومة في ضوء عدم حصول أي كتلة برلمانية على أغلبية كافية لتشكيل الحكومة.
وتزايدت الأصوات المؤيدة داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي للدخول في حالة الضرورة في ائتلاف حاكم مع التحالف المسيحي للمرة الثالثة منذ عام 2005.
ومن الممكن أن تقود المحادثات المرتقبة إلى دخول الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ائتلاف مجدداً مع التحالف المسيحي.
وقال شولتس إن قيادة حزبه أجرت مشاورات تفصيلية خلال الاجتماع، الذي عقدته على مدار ثمان ساعات مساء أول من أمس، حول طبيعة الإسهام الذي يمكن أن يقدمه الحزب في تشكيل حكومة، موضحاً أن قيادة الحزب متفقة على تلبية دعوة الرئيس الألماني للاجتماع مع رؤساء أحزاب آخرين، وأن حزبه يواصل بالطبع مهامه في حكومة تسيير الأعمال الحالية، وأكد في هذا السياق أن الحزب سيواصل مناقشة مستجدات الوضع على نحو مكثف داخل الحزب وكتلته البرلمانية.
ويعتزم شتاينماير عقد لقاء مشترك الأسبوع المقبل مع المستشارة الألمانية ورئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي أنجيلا ميركل، والحزب الاجتماعي البافاري هورست زيهوفر، ورئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتس، في قصر الرئاسة «بيليفو» في برلين.
وعقب فشل مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية بين التحالف المسيحي والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر، بدأ الرئيس الألماني مبادرة للقاء رؤساء الأحزاب الألمانية، للتعرف على سبب فشل المفاوضات وبحث سبل معالجة الأزمة. ومن المقرر أن يلتقي الرئيس على مدار الأسبوع المقبل كافة رؤساء الكتل الحزبية في البرلمان الألماني (بوندستاج).
في غضون ذلك، ناشد رؤساء حكومات دول في الاتحاد الأوروبي الأحزاب السياسية في ألمانيا تشكيل حكومة قادرة على إدارة دفة الأمور في أسرع وقت ممكن.
وقال المستشار النمساوي كريستيان كيرن أمس خلال اجتماع للاتحاد الأوروبي في بروكسل إن «ألمانيا دولة رائدة ومحورية للغاية. نتمنى جميعاً أن تصل سريعاً لتشكيل حكومة».
وذكر كيرن أن هناك مسؤولية تقع على عاتق كافة الأطراف المعنية في ألمانيا، وقال بهذا الخصوص «أوروبا بأكملها تنظر إلى ألمانيا».
من جانبه، قال رئيس وزراء لوكسمبورج كزافييه بيتل «إننا نحتاج إلى شريك ألماني لديه حكومة مستقرة»، معرباً عن أمله في أن يكون في بروكسل قريباً شريك يحظى بدعم أغلبية البرلمان الألماني، وأضاف موضحاً «هذا أمر مهم بالنسبة لنا جميعاً، وأيضاً بالنسبة لألمانيا».
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعرب مطلع هذا الأسبوع عن قلقه إزاء أزمة تشكيل الحكومة في ألمانيا، وقال عقب فشل مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية بين التحالف المسيحي، المنتمية إليه المستشارة أنجيلا ميركل، وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر إنه «ليس من مصلحتنا أن يتعثر الأمر».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟