مشاورات مؤتمر الرياض... «عقدة» الأسد و«تدخلات» إيران

TT

مشاورات مؤتمر الرياض... «عقدة» الأسد و«تدخلات» إيران

واصل ممثلو قوى المعارضة السورية والمستقلين مشاوراتهم في الرياض، أمس، عشية انطلاق المؤتمر الموسع للمعارضة في العاصمة السعودية اليوم، على أن ينتهي الجمعة بوثيقة الرؤية السياسية، وتشكيل الوفد المفاوض الذي يمثل المعارضة في مفاوضات جنيف، بدءاً من 28 الشهر الحالي، بدعوة من المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا.
وبدا من مشاورات اليومين الماضيين تركيز النقاش على نقطتين: دور إيران، و«رفض التدخلات الإقليمية والدولية، خصوصاً الدور الإيراني في زعزعة أمن واستقرار المنطقة»، ومستقبل الرئيس بشار الأسد في العملية الانتقالية.
ويخضع خلال اليومين المقبلين مشروع الرؤية السياسية وتشكيلة الوفد لنقاشات بين المشاركين السوريين، البالغ عدد نحو 150 شخصاً، نصفهم من المستقلين، لإقراره في صيغته النهائية.
وقالت مصادر المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط» إن النقاشات بين أعضاء اللجنة التحضيرية تناولت وثيقة الرؤية السياسية لـ«قوى الثورة والمعارضة السورية، بمشاركة ممثلي هيئات المعارضة والثورة والمستقلين وقوى الثورة العسكرية ومنظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية والمجتمعية، من جميع مكونات الشعب السوري»، مشيرة إلى تأكيد المشاركين على «حل سياسي، بناءً على بيان جنيف لعام 2012، والقرارين 2118 و2254»، باعتبار أن ذلك هو «الحل الذي يؤسس لتحقيق العدالة، وينصف ضحايا الاستبداد وجرائم الحرب، ويجمع كل السوريين من جديد في وطنهم الذي يكفل حرياتهم، ويصون كرامتهم وتوحدهم ضد قوى الاستبداد والتطرف والإرهاب».
وتوقعت المصادر أن يؤكد المشاركون «تمسكهم بوحدة وسلامة الأراضي السورية، وسيادة الدولة المنشودة على كامل أراضيها، وأنه لا يجوز اقتطاع أي جزء منها أو التخلي عنها». كما عبروا عن التزامهم بأن «سوريا دولة متعدّدة القوميات والثقافات، يضمن دستورها الحقوق القومية لكل المكونات، من عرب وكرد وتركمان وسريان آشوريين وغيرهم، بثقافاتهم ولغاتهم على أنها لغات وثقافات وطنية تمثل خلاصة تاريخ سوريا وحضارتها»، إضافة إلى «اعتبار القضية الكردية جزءاً من القضية الوطنية السورية، وضرورة إلغاء جميع السياسيات التمييزية».
وتأكيداً على البيان الختامي لمؤتمر المعارضة الموسع في الرياض نهاية 2015، اقترح مشاركون اعتماد أن «تكون سوريا دولة ذات نظام حكم ديمقراطي على مبدأ اللامركزية الإدارية»، إضافة إلى التأكيد على «الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، مع وجوب إعادة هيكلة وتشكيل مؤسساتها الأمنية والعسكرية، وضمان حقوق العاملين فيها»، و«رفض التطرف والإرهاب بأشكاله كافة، ومصادره».
ويقترب هذا الموقف من وثيقة مبادئ الحل السياسي التي اقترحها المبعوث الدولي على وفدي الحكومة والمعارضة السورية خلال الجولات السابقة من مفاوضات جنيف، خصوصاً ما يتعلق بالحفاظ على «مؤسسات الدولة» وإصلاح مؤسسات الجيش والأمن ومحاربة الإرهاب.
وقالت المصادر إن هناك اقتراحاً من مشاركين في اللجنة التحضيرية بـ«رفض التدخلات الإقليمية والدولية، خصوصاً الدور الإيراني في زعزعة أمن واستقرار المنطقة، وإحداث تغييرات ديموغرافية فيها، ونشر الإرهاب، بما في ذلك إرهاب الدولة وميليشياتها الأجنبية والطائفية»، والمطالبة بأن تكون مؤسسات «الدولة السورية الشرعية، التي يختارها الشعب السوري بانتخابات حرة نزيهة، صاحبة الحق الحصري في حيازة السلاح». كما جددوا رفضهم لوجود جميع المقاتلين الأجانب على الأراضي السورية، في إشارة إلى ميليشيات تدعمها إيران.

الحل سياسي... وعقدة الأسد
وفيما يشبه استجابة لبيان الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين، الأسبوع الماضي، إزاء تأكيدهما على الحل السياسي، اقترح مشاركون التأكيد على أن «حل الأزمة السورية سياسي من الدرجة الأولى، وفق القرارات الأممية، مع حتمية توفر ضمانات دولية تشمل إجراءات ردع وآليات تنفيذية لهذه القرارات»، إضافة إلى أن اقتراح أن تكون «عملية الانتقال السياسي مسؤولية السوريين والمجتمع الدولي»، في إشارة إلى مضمون «بيان جنيف» والقرار 2254، اللذين تمسكا بأن العملية السياسية «ملك السوريين، وبقيادتهم».
كان الرئيسان ترمب وبوتين قد أكدا على أهمية إجراء إصلاحات دستورية، تمهيداً لإجراء انتخابات. وأوضحت المصادر السورية أن المشاركين في الاجتماعات التحضيرية اقترحوا أن يكون «هدف التسوية السياسية هو تأسيس دولة تقوم على مبدأ المواطنة، ما يمكن السوريين من صياغة دستورهم دون تدخل، واختيار قياداتهم عبر انتخابات حرة نزيهة شفافة، يشارك فيها السوريون داخل وخارج سوريا، تحت إشراف الأمم المتحدة، ضمن آلية تصون حقهم في مساءلة تلك القيادات ومحاسبتها، وتحقيق عملية انتقال سياسي جذرية شاملة لا يشارك فيها، أو في أي ترتيبات سياسية مقبلة، أي مسؤول تثبت مشاركته في جرائم حرب ضد المدنيين».
وإذ تفاهم الأميركيون والروس على أن تكون مفاوضات جنيف «من دون شروط مسبقة»، فيما يتعلق بطرح مصير الأسد، قالت المصادر إن المشاورات اقترحت أن «المفاوضات المباشرة غير المشروطة تعني أن كل المواضيع تُطرح وتناقش على طاولة المفاوضات، ولا يحق لأي طرف أن يضع شروطاً مسبقة»، إضافة إلى اعتبار أن المطالبة بتنفيذ ما ورد في القرارات الدولية «ليس شرطاً مسبقاً»، بما فيها مناقشة شكل الحكم ونظامه، وصلاحيات سلطاته ومسؤوليه، بما فيها موقع رئاسة الجمهورية والحكومة وغيرهما، في رغبة منها بالحفاظ على «سقف مواقفها التفاوضية المعلنة التي حددتها تضحيات الشعب السوري».
وجرى نقاش بين المشاركين إزاء الموقف من الأسد، إذ ذكّر بعضهم بنص «بيان جنيف»، بخصوص إقامة «هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية»، وأنه «من الجوهري الحرص على تنفيذ العملية الانتقالية على نحو يكفل سلامة الجميع في جو من الاستقرار والهدوء». وقال أحد المعارضين إن بعض الحاضرين في الاجتماع التحضيري يرى أن تحقيق هذين البندين «لا يمكن من دون مغادرة الأسد في بداية المرحلة الانتقالية».
كانت دول أوروبية وأميركا قد اقترحت أن يتم حل «عقدة» الأسد خلال العملية الانتقالية، وأن تبدأ المفاوضات من دون شروط مسبقة.
ويتوقع أن يتفق المجتمعون في ختام مؤتمر الرياض على «تشكيل وفد تفاوضي واحد في بنيته، وموحَّد في مواقفه ومرجعيته، بهدف التفاوض مع ممثلي النظام، على أن يسقط حق كل عضو في هذا الوفد بالمشاركة في هيئة الحكم الانتقالي أو في المؤسسات المنبثقة عنها».
وبين الاقتراحات أن يضم الوفد 15 مفاوضاً و15 مستشاراً، يمثلون القوى السياسية والمستقلين في مفاوضات جنيف، بدءاً من آخر الشهر. وقالت المصادر إن هناك تأكيداً على ضرورة «قيام الأمم المتحدة، عبر ممثلها، باتخاذ الإجراءات الفورية اللازمة لتفعيل العملية السياسية، وتصويب مسار جنيف التفاوضي، وذلك بالدعوة إلى مفاوضات مباشرة، غير مشروطة، بين وفد قوى الثورة والمعارضة الموحد ووفد ممثلي النظام السوري، بوضع جدول أعمال يستند إلى (بيان جنيف) والقرارين 2118 و2254، كي تكون هناك مرجعية وحيدة للتفاوض، وبرعاية وضمانة الأمم المتحدة».
وإذ أكد المشاركون في مناقشاتهم على تنفيذ «بنود قرارات مجلس الأمن، بالعمل الفوري والجاد لتطبيق ما سبق أن اتخذ من قرارات بخصوص إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة، والسماح بوصول قوافل المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وعودة اللاجئين والنازحين، وتطبيق اتفاقيات خفض التصعيد بشكل فعلي وحازم، ووقف الخروقات التي يرتكبها النظام وحلفاؤه»، اقترحوا الإشارة إلى التأكيد على «المسار السياسي للتوصل إلى حل سياسي عادل».
وظهر ربط واضح بين إنجاز الاتفاق السياسي وتشكيل هيئة الحكم الانتقالي وإعادة إعمار سوريا، التي تقدم بنحو 220 مليار دولار أميركي، مع أهمية «قبول ودعم دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في الإشراف على وقف إطلاق النار، وحفظ السلام، ورعاية العملية السياسية، ومطالبتهم بتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».