في كولومبيا... سياحة برائحة القهوة

جولات على أجمل المزارع والحقول

في كولومبيا... سياحة برائحة القهوة
TT

في كولومبيا... سياحة برائحة القهوة

في كولومبيا... سياحة برائحة القهوة

هل تحب القهوة؟ هل تساءلت يوماً ما وأنت تحتسي كوباً من هذا المشروب اللذيذ عن كيفية إعداده، وعن رحلة حبوب القهوة من المزارع إلى القدح؟ هل تحب السفر، واستكشاف المناطق التي تكثر بها التلال الخضراء، وتناول طعام متفرد رائع؟ إذا أجبت على أكثر هذه الأسئلة بنعم فينبغي أن تكون وجهتك القادمة هي مثلث القهوة في كولومبيا. تتميز تلك المنطقة بجمال بديع، وتزخر بالنباتات، وتتسم بالمشاهد الخلابة، التي تروي تاريخ القهوة في هذا البلد، حتى إن منظمة اليونيسكو وضعتها عام 2011 على قائمة مواقع التراث العالمي. ويعد ذلك بلا شك سببا آخر يدعو إلى زيارة هذا البلد في أقرب وقت ممكن.
يتكون مشهد مثلث القهوة من أربعة أجزاء هي: كوينديو، وفالي دي كوكا، وريسارالدا، وكالداس، التي تضم في نطاقها 51 بلدة. وتعد الحياة البرية في تلك المنطقة سببا آخر يدعو لزيارته؛ فهي موطناً لنحو 600 نوع من الطيور الفريدة. وتبدو كل الصور الفوتوغرافية لهذه المنطقة من كولومبيا وكأنها بطاقات بريدية. يكون الطقس جيداً طوال أشهر العام، حيث تتراوح درجات الحرارة بين 18 و26 درجة. لا يوجد في كولومبيا مواسم، ويتسم مناخها بالاستقرار؛ نظراً لكونها بلداً استوائياً.
وتعد كولومبيا اليوم مصدر أفضل أنواع القهوة في العالم، حيث تشتهر حبوب القهوة الكولومبية بجودتها العالية. إلى جانب كون القهوة المشروب الأكثر انتشاراً في البلاد، تمثل القهوة أيقونة ثقافية بالنسبة لهذا البلد الذي يقع في أميركا الجنوبية. وأوضح خوان ديفيد باتشون، مدير السياحة في كوينديو، في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط»، قائلا إن مزارع القهوة تقدم للسائحين فرصة لممارسة مجموعة متنوعة من الأنشطة، حيث يمكن لزوار المنطقة زيارة المزارع، التي يتم الحصول منها على أفضل أنواع القهوة في العالم، ويمكنهم أيضاً تذوق نحو 50 نوعا من القهوة، إلى جانب الاستمتاع بالمغامرات السياحية، ومراقبة الطيور، والقيام بجولات سياحية، وتذوق أنواع لذيذة مختلفة من الطعام. وأوضح باتشون أن مدة الزيارة المثالية لكل مناطق القهوة في البلاد هي 12 يوماً دون تكرار ممارسة أي نشاط، أو زيارة أي مدينة أكثر من مرة، لكن إذا لم يكن لديك هذا الوقت، يمكنك القيام بذلك في ثلاثة أيام فقط من خلال زيارة المدن الكبرى. وتوجد فنادق ورحلات تناسب كل المستويات والميزانيات. يمكنك الإقامة في أفضل فنادق المنطقة، حيث يمكنك التمتع بالهواء النظيف، وسحر الريف مقابل تكلفة تتراوح بين 80 و100 دولار، في حين تبلغ سعر رحلة اليوم الواحد 50 دولارا تقريباً.
يعد مثلث القهوة من أفضل الوجهات والمقاصد السياحية في كولومبيا. وبدأ هذا المكان يلفت الأنظار على المستوى المحلي والدولي في التسعينيات، وكان إقليم كوينديو هو الرائد في هذا السياق، ويبلغ عدد زائري المنطقة سنوياً مليوني زائر في الوقت الراهن.

مزارع في حقول قهوة ليوم واحد

تقدر أعداد مزارع القهوة في تلك المنطقة بنحو 24 ألف مزرعة، يتم بها زراعة أفضل أنواع القهوة في العالم؛ وتستقبل نحو ألف مزرعة من تلك المزارع الزوار. ويمكن أن يجد المرء في واحدة من تلك المزارع منازل مكونة من طابقين جدرانها مطلية بألوان زاهية مثل الأحمر والأخضر والأزرق، والتي يمكن من شرفاتها مشاهدة محاصيل حبوب القهوة. ويصبح السائحون في هذه الأماكن مزارعين في حقول القهوة ليوم واحد، حيث يمكن أن يعرفوا معلومات عن حبوب القهوة، التي تتم زراعتها على ارتفاعات مختلفة، وسر عملية حصاد الحبوب، وعملية غسلها، وتجفيفها، وتحميصها. ويمكن أن يكون ختام التجربة مسكا، وذلك بتذوق ألذ نكهات القهوة التي تفوق الخيال. يوضح باتشون قائلا: «يساهم المشهد الثقافي للقهوة لدينا في إحداث تنوع كبير، حيث توجد محاصيل تتم زراعتها على ارتفاع يتراوح بين 1,800 و2,000 متر أعلى سطح البحر، وفي أنواع مختلفة من الأراضي. كذلك تضم حدود الموقع الجغرافي الصغير تنوعاً كبيراً».
تتيح لك تجربة زراعة القهوة فرصة النوم في مزارع حبوب القهوة، والشعور بأنك جزء من هذا المشهد الفريد. وحتى تكتمل هذه التجربة، يمكنك أيضاً التقاط صور فوتوغرافية وأنت ترتدي الملابس التقليدية التي يرتديها مزارعو القهوة، حيث يرتدي المزارع بنطالا باللون البيج، وقميصا باللون الأبيض، مع وشاح أحمر حول الرقبة، وقبعة بيضاء بها خط أسود. تشمل الملابس أيضاً رداء ذا جيوب، ومعطفا واقيا من المطر. كذلك يحمل الرجال، الذين يعملون في مزارع القهوة، منجلا. على الجانب الآخر، ترتدي المزارعة وشاحا أبيض أو ملونا على رأسها، وبلوزة بيضاء، وتنورة طويلة منقوشة بالورود، أو عليها أشكال ملونة، إضافة إلى إزار مزين برسوم من الورود.

استكشاف المشهد

من الأماكن المميزة في مثلث القهوة بلدية سالينتو، التي تقع على بعد 40 دقيقة من أرمينيا، عاصمة إقليم كوينديو، التي يمكن الوصول إليها بالطائرة، أو الحافلة، أو السيارة من العاصمة الكولومبية بوغوتا. وتعد سالينتو جنة من الحيوانات والنباتات، وتصطف في شوارعها الصغيرة المقاهي التقليدية ذات الألوان الزاهية، والواجهات المزينة بالورود. الناس في سالينتو ودودون للغاية، ويرحبون دوماً بالزائرين، سواء كانوا من أهل البلاد أم من الأجانب. من الأنشطة المفضلة في تلك المنطقة صعود الشوارع المنحدرة المرصوفة بالحصى للوصول إلى نقطة في البلدة يمكن منها التمتع بمنظر الجبال المكسوة باللون الأخضر، الذي يشع سلاماً، وفي الوقت نفسه يحمل قوة الطبيعة.
من سالينتو يمكنك زيارة متنزه «وادي كوكورا» الطبيعي، حيث أشجار نخيل الشمع وهي الشجرة الوطنية لكولومبيا. للوصول إلى ذلك المتنزه يستخدم السكان المحليون والسائحون على حد سواء، وسيلة مواصلات تقليدية في هذه المنطقة وهي الـ«ويليز»، وهي سيارة دفع رباعي صغيرة لكن قوية يمكن أن يستقلها 16 سائحا مقابل أقل من دولار واحد. تستغرق المسافة بين هذا المتنزه الجميل والوادي أقل من 30 دقيقة بفضل الطرق الحديثة.
لا يهم ما إذا كان الطقس مشمساً أم غائماً، فالمشهد سيكون دوماً جميلا، حيث تصطّف مئات من أشجار النخيل الضخمة على جانبي الجبال، بينما تتدفق الأنهار نحو الوادي، وتغرد الطيور. ويُنصح بارتداء حذاء رياضي مريح لتتمكن من السير، لكن لا تشعر بالإحراج إذا جلست على الحشائش عاري القدمين وأنت تتمتع بمشهد جداول الماء المثلج وهي تتدفق بجوارك.
بعد هذا التواصل مع الطبيعة حان وقت الانغماس في المطبخ المحلي. استعد؛ فأصغر كمية كبيرة جداً في الواقع. من الأطباق التي تشتهر بها هذه المنطقة هو طبق السلمون المرقط الطازج الذي يتم إعداده بطرق مختلفة، حيث يتم إعداد بعض أطباق السلمون المرقط باستخدام كمية كبيرة من الثوم، في حليب جوز الهند، أو يتم شي السمك على النار. أكثر ما تتميز به هذه المنطقة هو تناول الطعام إلى جانب موز الجنة، وهو موز ضخم نيئ غير ناضج، بعد قليه، وطبق من السلطة، أو الأرز.
هناك طبق آخر تشتهر به هذه المنطقة وهو «صينية البايسا» الذي يتناوله المزارعون الذين يحتاجون إلى طاقة للعمل خلال اليوم. ويتكون هذا الطبق من عدة أصناف هي الفاصوليا الحمراء، واللحم، والبيض، وموز الجنة، والأرز، والأفوكادو، رغم أن كل مجموعة تضيف إليه مكونات أخرى. ويمكنك أيضاً تناول عصير من الفاكهة الاستوائية الطازجة. ولا تنس زيارة متنزه القهوة الوطني، وهو مدينة ملاهي يوجد بها القطار الأفعواني؛ وتوجد أيضاً أماكن طبيعية ممتدة على مساحات شاسعة جديرة بالزيارة، فضلا عن حديقة حيوان يمكن لزائريها امتطاء الخيول فيها.\


مقالات ذات صلة

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)
سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.