طرح مشروعي قانونين في الكنيست لحماية نتنياهو من تحقيق جنائي

TT

طرح مشروعي قانونين في الكنيست لحماية نتنياهو من تحقيق جنائي

طرح نائبان من أوثق حلفاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكنيست مشروعي قانونين، أثارا جدلاً كبيراً وسط المعارضة، التي قالت إنهما يهدفان إلى حمايته من تحقيق تجريه الشرطة في مزاعم فساد ضده، وذلك حسبما جاء في تصريح لوكالة «رويترز» للأنباء.
وتحوم الشبهات حول نتنياهو في قضيتين؛ إحداهما تتعلق بتدخل مزعوم في صناعة الإعلام، والأخرى خاصة بهدايا حصل عليها من رجال أعمال أثرياء. إلا أن نتنياهو ظل ينفي ارتكابه أي مخالفات. لكن في حالة توجيه اتهامات له سيواجه ضغوطاً قوية كي يقدم استقالته، أو قد يدعو لإجراء انتخابات مبكرة لمعرفة ما إذا كان لا يزال يحظى بتفويض أم لا.
واقترح النائبان، اللذان يريدان بقاء نتنياهو في السلطة، مشروعي قانونين جديدين أثارا قلق النائب العام والشرطة، حيث سيحظر أحد هذين القانونين على الشرطة تزويد ممثلي الادعاء بالنتائج التي توصل إليها المحققون بشأن ما إذا كان يتعين توجيه اتهامات ضد المشتبه بهم أم لا. أما القانون الثاني، الذي يُعرف باسم «القانون الفرنسي» بسبب أوجه تشابهه مع قانون في فرنسا، فسيؤجل أي تحقيق مع أي رئيس وزراء إلى أن يترك الخدمة.
من جهته، قال نتنياهو إنه ليست لديه مصلحة في تشجيع قانون شخصي، موضحاً أنه لم يأمر ديفيد بيتان زعيم ائتلافه، وديفيد أمساليم شريكه، في طرح مسودتي القانون بسحبهما.
أما بيتان فقد أوضح أنه «فور نشر الشرطة نتائجها، فإن الرأي العام يدين المشتبه بهم، حتى وإن برئت ساحتهم في نهاية الأمر»، وقال إن من يعارضون مشروعي القانونين يحرصون على الإطاحة بنتنياهو أكثر من حرصهم على الديمقراطية، مضيفاً أن مشروعي القانونين يحميان الديمقراطية، وأن «للمشتبه بهم حقوقاً أيضاً».
ولم يُطرح «القانون الفرنسي» على الكنيست بعد. لكن هناك خلافات بين شركاء الائتلاف بشأن صياغته. إلا أن بيتان يقول إنه لن يتخلى عن هذا القانون، مبرزاً أن مشروع القانون لن يسري على التحقيقات الحالية ضد رئيس الوزراء. لكن في حالة إجازته قد يشمل أي تحركات قانونية تؤثر مستقبلاً على نتنياهو في قضية واحدة على الأقل، تدور شبهات حوله فيها حالياً.
وشكا النائب العام أفيخاي ماندلبليت في تصريحات سُربت لوسائل الإعلام من «تعدد المقترحات التي تستهدف إلحاق الضرر بنا جميعاً»، وقال في تصريحات بثتها إذاعة الجيش الإسرائيلي، إن من حق النواب وأعضاء الحكومة اقتراح مشروعات قوانين، ولكنه أضاف في تصريحات تشير إلى وجود دوافع سياسية وراءها أن «هذه المجموعة من القوانين ليست بريئة... أنا أتعرض لهجوم على كل الجبهات بوسائل ليست ضمن قواعد اللعبة الديمقراطية».
بدورها، قالت الشرطة أيضاً في بيان لـ«رويترز» إنها تتعرض لضغوط من ساسة، موضحة أن «الشرطة ستواصل حربها الحازمة ضد الجريمة والفساد، وستواصل خدمة الناس، ولن تردعها أي محاولة لإضعافها».
في سياق غير متصل، أعلن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أمس، انتهاء التدريبات العالمية الجوية واسعة النطاق، «العلم الأزرق» (BLUE FLAG)، التي أقيمت في قاعدة «عوفدا» جنوب إسرائيل، خلال الأسبوعين الأخيرين.
واختتمت هذه التدريبات باجتماع شارك فيه قادة سلاح الجو في الدول الثماني التي شاركت فيه، وهي إسرائيل واليونان وبولندا وإيطاليا والولايات المتحدة، كما شاركت لأوّل مرة أسلحة الجو لكلّ من فرنسا والهند وألمانيا.
وحسب بيان الناطق الإسرائيلي، فقد شارك في التمرين نحو 1200 مشترك من كل المجالات في الجيش الإسرائيلي، وفي إطار ذلك تمّ إقلاع الطائرات الحربية، وطائرات النقل، وقامت هذه الطائرات بالطيران معاً لمدة 10 أيام.
وخلال التمرين أقيم لقاء بين قادة الأسلحة الجوية، وكبار الجيوش المختلفة، وسفراء الدول المشتركة. وحاكت التدريبات سيناريو الاشتراك في حرب واسعة النطاق بمشاركة عدة دول في آن واحد.
وقال الميجور جنرال عميكام نوركين، قائد سلاح الجو الإسرائيلي، إن «دول الشرق الأوسط تتغير من دون توقّف، ويتزايد عدد اللاعبين والمنظمات التي علينا إدراك كيفية مواجهة كل واحدة منها. ونحن نطور الطرق الجديدة للتعامل مع التهديدات. وإذا أردنا التأثير معاً على الواقع الذي سنراه في العقد المقبل، علينا الاستعداد معاً وخلق الحلول المشتركة، وبناء برامج عالمية ذات تأثير كبير»، مؤكداً أن «هذا التمرين يعكس لدول العالم جودة جيش الدفاع ومستوى سلاح الجو الإسرائيلي الرفيع، وجودة الطاقم المسؤول عن طائراتنا... وهذا شرف كبير لإسرائيل وجيشها».
بدوره، قال العقيد إيتمار، قائد قاعدة «عوفدا»، إن «تمرين العلم الأزرق عرض للعظمة والتنسيق والتعاون والدقة من قبل إسرائيل والدول الأخرى. أنا فخور بكوني أحد أفراد سلاح الجو... وسننتقل الآن إلى مرحلة التحريات بهدف الاستمرار في التحسن».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.