قذاف الدم يحلم بخلافة ابن عمه

أكد أن «لا سلام في ليبيا من دوننا»... ومعارضوه يؤكدون أن مهمته عسيرة

أحمد قذاف الدم  يحدق في صورة للعقيد الراحل معمر القذافي داخل شقته الفاخرة بالقاهرة (واشنطن بوست)
أحمد قذاف الدم يحدق في صورة للعقيد الراحل معمر القذافي داخل شقته الفاخرة بالقاهرة (واشنطن بوست)
TT

قذاف الدم يحلم بخلافة ابن عمه

أحمد قذاف الدم  يحدق في صورة للعقيد الراحل معمر القذافي داخل شقته الفاخرة بالقاهرة (واشنطن بوست)
أحمد قذاف الدم يحدق في صورة للعقيد الراحل معمر القذافي داخل شقته الفاخرة بالقاهرة (واشنطن بوست)

في شقة فاخرة مطلة على نهر النيل بالقاهرة، {يعيش}، الديكتاتور الليبي الراحل معمر القذافي.
هناك صورة قديمة معلقة على أحد الجدران، تراه في شبابه متسكعا في خيمة من خيامه. وفي صورة أخرى، يرتدى البزة العسكرية الكاملة وهو جالس داخل إحدى الطائرات. وفي كل أسبوع، تجتمع حفنة من الرجال الذين كانوا برفقته، في تلك الشقة، لمناقشة مستقبل ليبيا ومصائرهم الشخصية. ويترأس تلك الاجتماعات في القاهرة ابن عم القذافي، والذي يمتلك هذه الشقة حاليا. يقول أحمد قذاف الدم، وهو يطالع إحدى الصور: «إنه يعيش في قلوب الملايين حتى اليوم».
أسفرت الإطاحة بحكم القذافي في ليبيا ووفاته قبل ست سنوات عن عكس حظوظ ومصائر عشيرته وحلفائه في البلاد، والذين ازدهرت معيشتهم في ظل حكمه لما يربو على أربعين عاما كاملة. ولقد فر عشرات الآلاف من الموالين له ولحكمه إلى المنفى خارج البلاد بعد وفاته، وتخير الكثيرون منهم الإقامة في مصر المجاورة. وظلوا فيها منذ ذلك الحين، يتوقون إلى الاضطلاع بدور مؤثر في مستقبل ليبيا الجديد.
ومع الملاحقات الدولية لأبناء القذافي، سواء في المنفى، أو السجن، أو حتى الوفاة، برز قذاف الدم في دور الناطق الرسمي باسم عائلة وعشيرة القذافي. وهو يمثل آمال وأحلام مواطنين ليبيين كانوا يتمتعون بحياة موسرة ذات يوم. كما أنه يعكس مخاوف وقلق الكثيرين من الآخرين الذين يخشون عودة أولئك الداعمين والمؤيدين لحكم القذافي الاستبدادي السابق.
ومع انعدام الأمن والعنف الشديد الذي صار يبطش بمختلف أرجاء ليبيا، يستشعر قذاف الدم فُـرجة في الجدار الأصم. إذ يعمل برفقة مؤيديه الآن على تنمية مختلف العلاقات مع القبائل ذات التأثير الكبير وغيرها من المنافسين السابقين الذين خابت آمالهم إثر حالة الجمود السياسية التي خيمت على أفق البلاد، محاولين السعي الحثيث لتقويض أركان الحكومة الهشة الضعيفة التي يدعمها الغرب في الآونة الأخيرة.
وهم يستشرفون الفرصة من خلال جهود الأمم المتحدة الجديدة لتحقيق السلام في البلاد، مع إمكانية إجراء انتخابات وطنية في العام المقبل. ومنحهم الإفراج الأخير عن أبرز أنجال القذافي، سيف الإسلام القذافي، من سجنه في صيف العام الحالي، بارقة أمل طال انتظروها، برغم أنه لا يزال متواريا عن الأنظار حتى الساعة.
يقول قذاف الدم، والذي هو أقرب الناس شبها بابن عمه الراحل: «لن يكون هناك سلام في ليبيا من دوننا. إننا نمثل أغلبية الشعب الليبي. وإننا نرغب في أن ترجع الأمور إلى نصابها السليم وتصحيح أخطاء الماضي». وهو يقصد بلفظة «الماضي» حالة التمرد العنيف، أي ذلك الفصل المريع من انتفاضات الربيع العربي، وعمليات القمع اللاحقة من جانب نظام القذافي، والتي أسفرت عن تدخل القوى الدولية والغارات الجوية من قبل حلف شمال الأطلسي على البلاد في عام 2011. الأمر الذي أدى إلى الإطاحة بالعقيد القذافي ثم وفاته على أيدي مقاتلي الميليشيات المسلحة في مدينة سرت، مسقط رأس الزعيم الراحل في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه.
وبحلول ذلك الوقت، كان السيد قذاف الدم قد فر من البلاد. وقذاف الدم، أحد أبرز أعضاء الدائرة الداخلية في حكومة القذافي، كان قد تلقى تعليمه في غير أكاديمية وكلية عسكرية في المملكة المتحدة، وتركيا، وباكستان. وساعد في نقل أموال وأسلحة القذافي إلى حركة الكفاح المناهضة للفصل العنصري في جنوب أفريقيا وحركة الاستقلال في زيمبابوي. ثم شغل منصب المبعوث الليبي الخاص إلى القاهرة، إذ كان يعيش في شقة خاصة بحي الزمالك الراقي، المكان نفسه الذي استقر فيه منذ الانتفاضة الليبية الأخيرة.
وفي عام 2013 أصدرت السلطات الليبية في مرحلة ما بعد الثورة أمرا بالقبض على قذاف الدم والمطالبة بتسليمه، إلى جانب مسؤولين آخرين في النظام السابق. وداهمت الشرطة المصرية شقته في القاهرة واشتبكت مع حراسه قبل احتجازه. وعلى بُعد خطوات من غرفة نومه، لا يزال قذاف الدم يحتفظ بباب أبيض اللون مليء بثقوب الرصاصات كتذكرة على هذه المداهمة. وأطلقت إحدى المحاكم المصرية سراحه بعد أن أثبت محاموه أنه يحمل جواز سفر مصري - إذ إن والدته مصرية الجنسية - وأنه فر من ليبيا اعتراضا على قتل المتظاهرين هناك. وأصبح من غير المرجح إلقاء القبض على قذاف الدم في الأوقات الحالية.
ويبلغ قذاف الدم 65 عاما من عمره الآن، ويبدو في صورة أكثر شبابا من عمره، مع شعره الداكن المجعد، وتفضيله للحلات المفصلة وربطات العنق ذات الألوان الزاهية. وشقته مؤثثة بأرائك موشاة بالذهب وكراسي خشبية مزخرفة. وهناك جدار في مكتبه الخاص يحمل الكثير من الصور التي تجمعه بالكثير من الشخصيات المرموقة وزعماء القبائل البارزين.
يقول عبد الباسط أحمد أبو دية، المدير الأسبق لوكالة الأنباء الليبية: «لا يزال الكثير من الناس يثقون فيه، وهناك آخرون يتهمونه ببيع النظام السابق والتخلي عنه برحيله عن البلاد. وهو يحظى بنفوذ كبير... وبإمكانه المساعدة في إعادة صياغة المشهد السياسي، ولكنه لا يمكنه فرض رؤيته بالقوة نفسها والتأثير الذي كان يتمتع به في الماضي».
يصف قذاف الدم الثورة الليبية بأنها كانت «كارثة». وقال إن الشباب الليبي كان يملك «حق الخروج والتظاهر» ضد النظام، وأقر قائلا: «لم نكن ملائكة». غير أنه وصف أولئك الذين حملوا السلاح ضد النظام بالخونة. ولم يكن مقدرا للثورة الليبية النجاح من دون التدخلات الأجنبية، كما قال، وأثبتت «مقاومة» غارات حلف شمال الأطلسي لمدة 8 شهور كاملة أن النظام يحظى بتأييد الشعب. وأردف قائلا: «نحن نمثل النظام الحقيقي في البلاد. ولقد جاء الذين يحكمون الآن في أعقاب الغارات والصواريخ التي ضربت ليبيا. إن الصواريخ لا تخلق الشرعية».
دائما ما يظهر قذاف الدم في التلفزيون المصري محاولا التأكيد على رسالة صريحة: لا بد من تضمين بقايا النظام القديم في أي حل سياسي تشرف عليه الأمم المتحدة والقوى الغربية ويتعلق بمستقبل البلاد. ودعا إلى إطلاق سراح الآلاف من الموالين للعقيد القذافي والمحتجزين في السجون الليبية. وحتى مع هجومه المستمر على الثوار الليبيين، إلا أنه لم يتوقف عن الدعوة للمصالحة والسلام. ولقد لاقت مثل هذه الجهود، برغم كل شيء، الرفض التام من جانب الأطراف السياسية والميليشيات ذات التسليح الجيد والتي عارضت نظام حكم القذافي.
والعودة إلى مضمار السياسة سوف يكون من الأمور «العسيرة للغاية» بالنسبة إلى قذاف الدم وسيف الإسلام القذافي، كما قال محمد أمعزب، المسؤول الكبير في المجلس الرئاسي المدعوم من الأمم المتحدة في طرابلس، الذي أفاد: «الأمر من الناحية الأمنية يكاد يكون من المستحيل. إذ يرغب كبار شخصيات النظام السابق في العودة لسابق عهدهم، وليس كل ما يرومه المرء يناله».
ومع الاضطرابات التي تعصف بليبيا حاليا، قال قذاف الدم إنه يحاول التواصل وتعميق الصلات مع القبائل الليبية القوية، بما في ذلك بعض القبائل التي عارضت القذافي من قبل، إذ إن الكثير منها ناله التهميش الشديد على أيدي الجماعات المسلحة.
وقال إبراهيم الغويل، السفير الأسبق إبان حكم القذافي: «عندما تريد تشكيل مستقبل البلاد، عليك التواصل مع القبائل. لا بد من احترام وجودهم ودورهم، ولا بد من الاستماع لكلمتهم. تلك هي ثقافتنا». وأكد قذاف الدم المعنى نفسه إذ قال «إن كنا احترمنا القبائل ودورها ما كنا وصلنا إلى هذه المرحلة».
وفي الآونة الأخيرة، اجتمعت حفنة من المؤيدين ذوي التأثير في غرفة معيشة قذاف الدم بشقته في القاهرة. وأعلنت الأمم المتحدة استراتيجية جديدة بالنسبة إلى ليبيا تتضمن إجراء استفتاء على الدستور الجديد، وفي خاتمة المطاف، إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وقال غسان سلامة، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، إن العملية السياسية الجديدة سوف تفتح الأبواب أمام أولئك المنبوذين، والمهمشين ذاتيا، واللاعبين الذين كانوا يرفضون الانضمام إلى العملية السياسية من قبل. وكان ذلك من قبيل الأنباء السارة للحفنة المجتمعة في شقة قذاف الدم بالقاهرة. وقال علي حسن أبو سيف، النقيب الأسبق في جيش القذافي: «لماذا ينبغي على الثوار أن يضطلعوا بمفردهم بمهمة صياغة الدستور الجديد؟».
فأجابه قذاف الدم قائلا: «أعتقد أن الأمم المتحدة والبلدان التي دمرت ليبيا تريد منا أن نكون جزءا من المناقشات، وجزءا من عملية استعادة السلام في ليبيا. أعلم أن الحكومة الحالية تحاول تهميشنا والنيل منا، ولكننا نريد الخروج من هذه الأوضاع المزرية والمثيرة للشفقة».
وفي نهاية الاجتماع المذكور، قرر المجتمعون إرسال مبعوث عنهم للمساعدة في صياغة مسودة الدستور الليبي الجديد، والمشاركة في المؤتمر السياسي الوطني، واختيار أعضاء المجلس الرئاسي.
وقال قذاف الدم: «لا يمكننا السماح لخصومنا باختيار الأعضاء»، ولقد وافق جميع الحاضرين في الغرفة على ذلك. كما وافقوا جميعا على أن أفضل الشخصيات المؤهلة لإدارة شؤون البلاد هو سيف الإسلام القذافي. وأطلق سراح سيف الإسلام في يونيو (حزيران) الماضي، بعد احتجازه لدى الميليشيات منذ عام 2011، وهو مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لاتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وأصدرت إحدى المحاكم في طرابلس عليه حكما بالإعدام. وصرح سلامة لإحدى شبكات التلفزيون الفرنسي بأن «سيف الإسلام يمكنه الترشح في الانتخابات المزمع انعقادها في العام المقبل».
وفي مؤتمر صحافي انعقد في تونس الشهر الماضي، صرح أحد المحامين لعائلة القذافي أن سيف الإسلام يتمتع بصحة جيدة ويتابع التطورات في ليبيا عن كثب. وقال خالد الزيدي محامي عائلة القذافي «إنه يتابع السياسة من موقعه في ليبيا، فيما يتعلق بالقبائل، وبالمدن، وبصناع السياسات».
واليوم، يحاول أنصار سيف الإسلام الإبقاء على أماكن وجوده طي السرية والكتمان لأسباب أمنية، رغم أن بعض المجتمعين في شقة قذاف الدم قالوا إنهم كانوا على اتصال به. وأصروا على أن الشعب الليبي سوف يتقبل قذافي آخر على رأس البلاد، وأشاروا إلى أنه قبل مشاركة سيف الإسلام لوالده الراحل في قمع التمرد، كان يؤيد الحريات السياسية، وإصلاحات السوق الحرة، وإتاحة الفرص أمام الشباب الليبي.
وقال نور إبراهيم، أحد المحامين الشبان: «إنه ليس كمثل والده».
وفي غرفة المعيشة، هناك لوحة للديكتاتور الليبي الراحل تعلو صورة أخرى لعمر المختار، الزعيم الليبي الذي قاوم المستعمرين الإيطاليين قبل أن يعدموه شنقا في عام 1931. واليوم، يعتبر عمر المختار رمزا للمقاومة في العالم العربي. وتلك هي الرؤية التي يعتقد قذاف الدم أن العالم سوف ينظر بها إلى ابن عمه الراحل في يوم من الأيام. وقال أخيرا: «سوف يحتل مكانة مرموقة لدى الشعب الليبي، ولدى العرب، ولدى المسلمين، بل والأفارقة أيضا. ويشعر الشعب الليبي بأسره اليوم بندم قاتل لعدم وجود القذافي في البلاد. ويرغبون لو أن أيامه الأولى تعود».
* خدمة «واشنطن بوست»
- خاص بـ {الشرق الأوسط}



«الرئاسي اليمني» يقيّم تقدم الإصلاحات ويشدّد على العمل المشترك

جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يقيّم تقدم الإصلاحات ويشدّد على العمل المشترك

جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)

جدد مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال اجتماعه، الأحد، التزامه بالمضي في مسار الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وتعزيز الشفافية واستعادة مؤسسات الدولة، بالتوازي مع إشادته بالدعمين الإقليمي والدولي المتواصل، ولا سيما الموقف الحازم لمجلس الأمن تجاه الانتهاكات الحوثية.

وركّز الاجتماع، الذي عقد في الرياض برئاسة رشاد العليمي وغاب عنه ثلاثة من أعضاء المجلس «بعذر» - بحسب الإعلام الرسمي - على أبرز التحديات الاقتصادية والخدمية، ومستوى تنفيذ خريطة الإصلاحات الحكومية، وسط تأكيدات على أهمية العمل المشترك، وتكامل الجهود لتخفيف معاناة المواطنين، وتحقيق استقرار اقتصادي وخدمي أوسع في المحافظات المحررة.

وذكرت وكالة «سبأ» أن المجلس استعرض، بحضور رئيس الوزراء سالم بن بريك، آخر التطورات على المستويات الاقتصادية والخدمية والأمنية، مع تقييم مستوى التقدّم في تنفيذ قرار المجلس رقم (11) لعام 2025، المتعلق بأولويات الإصلاحات والإجراءات اللازمة لمعالجة الاختلالات في تحصيل الموارد العامة مركزياً ومحلياً.

وقدم رئيس الوزراء - وفق الوكالة - إحاطة شاملة حول ما أنجزته الحكومة في مجال ضبط الإيرادات، وتفعيل أدوات الرقابة، وتحسين الأداء المالي والإداري، مشدداً على التزام الحكومة بتوجيهات مجلس القيادة، والسعي إلى معالجة التحديات التي تواجه المؤسسات العامة ورفع كفاءتها.

طلاب يمنيون يمشون في ممر مدرسة بتمويل سعودي في مدينة عدن (أ.ف.ب)

وأكد مجلس القيادة دعمه الكامل لإجراءات الحكومة والبنك المركزي في تنفيذ الإصلاحات الشاملة، والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي، والعمل بمعايير الشفافية والمساءلة. وعدّ المجلس أن هذه المنهجية تمثل أساساً لتعزيز الثقة مع المانحين والشركاء الدوليين، وضمان قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين ورواتبهم وخدماتهم الأساسية.

كما شدّد المجلس على ضرورة تعزيز العمل المؤسسي بروح الفريق الواحد، والالتزام بتنفيذ المصفوفة الكاملة للإصلاحات الاقتصادية والمالية، بوصفها المسار الأكثر فاعلية لإحداث تغيير ملموس في المحافظات المحررة، وتمكين الدولة من الاضطلاع بدورها في استعادة مؤسساتها وإنهاء معاناة اليمنيين.

إشادة بالإنجازات والدعم الدولي

أبدى مجلس القيادة ارتياحه للتقدم المحرز في مسار الإصلاحات، موجهاً الحكومة بالمضي قدماً في تنفيذ الخطوات الواردة في القرار رقم (11)، وضمان وصول الدولة إلى كامل إيراداتها السيادية بما يمكّنها من الاستمرار في تقديم الخدمات وصرف الرواتب.

كما ثمّن المجلس الدعم السعودي والإماراتي لخطة التعافي وبرنامج الإصلاحات، مشيداً خصوصاً بإجراءات الحكومة السعودية المتعلقة بتسريع إيداع الدفعتين الأولى والثانية من منحتها المخصصة لدعم الموازنة العامة، الأمر الذي أسهم مباشرة في تسريع صرف رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، مع إعطاء الأولوية لأسر الشهداء والجرحى.

مسلحون حوثيون يستعرضون قوتهم في منطقة خاضعة للجماعة شمال صنعاء (أ.ف.ب)

وفي السياق السياسي، رحّب مجلس القيادة بقرار مجلس الأمن بتجديد ولاية فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات، مؤكداً أهمية هذه الخطوة في ردع الممارسات الحوثية التي تهدد استقرار اليمن والمنطقة. كما أشاد المجلس بما تضمنه تقرير فريق الخبراء من «دلائل حاسمة» حول الطبيعة الإرهابية للجماعة الحوثية، وارتباطها بالأنشطة العابرة للحدود ودعم النظام الإيراني.

وأشاد مجلس الرئاسة اليمني أيضاً بما ورد في إحاطات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن من انتقادات واضحة للممارسات الحوثية، بما في ذلك احتجاز موظفي الأمم المتحدة وتصاعد الهجمات الإرهابية على الملاحة الدولية. وأكد أهمية استمرار الموقف الدولي الموحد إلى جانب الحكومة الشرعية لدعم جهود إحلال السلام وحماية الأمن الإقليمي والدولي.


برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
TT

برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)

يشهد اليمن طقساً بارداً أكثر من المعتاد في منتصف الخريف وقبل قدوم الشتاء، بالتزامن مع زيادة في أعداد المحتاجين إلى المساعدة، وسط تحذيرات من انخفاض أشد في درجات الحرارة خلال الأسابيع المقبلة، وتفاقم معاناة النازحين، وطلب تمويل بـ7 ملايين دولار لتأمين احتياجات مئات الآلاف منهم.

ويتوقع خبراء الأرصاد أن تعيش البلاد خلال الأيام المقبلة موجة برد شديدة في مناطق المرتفعات، ما يؤثر على صحة السكان من الأطفال وكبار السن، إلى جانب تأثيرها على المحاصيل الزراعية، وتزداد قسوتها خلال ساعات الليل والصباح الباكر، خصوصاً في محافظات شمال البلاد، وتقل حدتها نسبياً باتجاه الجنوب والجنوب الغربي والشمال الشرقي.

ورجّح عدد من الخبراء أن تكون محافظات صعدة وعمران وصنعاء شمالاً، وذمار والبيضاء جنوب وجنوب شرقي العاصمة صنعاء، هي الأكثر عرضة لهذه الموجة، تليها المناطق المرتفعة في محافظات إبّ وتعز ولحج والضالع، في الجنوب والجنوب الغربي للبلاد، بالإضافة إلى الأجزاء الغربية من محافظة الجوف (شمال شرقي).

ولا تُستثنى المحافظات الشرقية مثل حضرموت وشبوة وأبين ومأرب، والغربية والشمالية الغربية مثل ريمة وحجة والمحويت، من تلك الموجة، لكن بدرجة أقل، ما يدعو إلى اتخاذ احتياطات لحماية الأطفال وكبار السن من تأثيراتها، واتخاذ تدابير لحماية المزروعات من التلف.

لا تختلف أزمة المأوى بالنسبة للنازحين بين الصيف والشتاء بسبب قسوة الظروف المناخية المتبدلة (رويترز)

وحذرت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، خلال الأيام الماضية، من زيادة معاناة النازحين وأشد الفئات ضعفاً مع اقتراب فصل الشتاء، ووجهت دعوة لشركاء العمل الإنساني والجهات المانحة للتحرك العاجل وتقديم المساعدات الشتوية الضرورية.

فجوة تمويلية

ذكرت الوحدة التنفيذية المعنية بالنازحين، وهي هيئة رسمية، أن تقاريرها الميدانية كشفت عن أوضاع مؤلمة للأطفال والنساء وكبار السن الذين يعيشون في خيام مهترئة بلا أغطية كافية أو وسائل تدفئة، مما يضاعف من خطر البرد القارس عليهم، منبهة إلى أن تأخير الاستجابة يهدد حياة الفئات الهشة ويضاعف معاناتها.

وذكّرت بحوادث وفاة عدد من الأطفال وكبار السن خلال الأعوام الماضية بسبب مضاعفات البرد الشديد ونقص الدعم الإنساني، وطالبت ببذل الجهود لعدم تكرار المأساة هذا العام، من خلال توفير الملابس الشتوية والبطانيات وأدوات التدفئة والعوازل والفرش الأرضية بشكل عاجل، والاهتمام بأكثر العائلات تضرراً.

وكانت «كتلة المأوى» وجهت نداءً عاجلاً للحصول على تمويل بقيمة 7 ملايين دولار لتأمين احتياجات الشتاء لنحو 217 ألف شخص من النازحين والعائدين والمجتمعات المضيفة في اليمن.

نازحة يمنية تنتظر حصولها على مساعدات شتوية من المنظمة الدولية للهجرة العام الماضي (الأمم المتحدة)

وأشارت «الكتلة» إلى أن ضعف الاستجابة الإنسانية سيعرض عشرات الآلاف لمخاطر البرد القارس، خاصة في 45 موقعاً موزعة على 12 محافظة يواجه سكانها ظروفاً معيشية صعبة تحدّ من قدرتهم على شراء المستلزمات الشتوية الأساسية.

وبحسب تحليل حديث أجرته «الكتلة»، وهي آلية أممية تعمل على تنسيق جهود المنظمات الإنسانية والجهات الفاعلة الأخرى لتقديم الدعم في مجال المأوى للأشخاص المتضررين من الكوارث والنزاعات؛ فإن نحو 642 ألف نازح، يعيشون في 45 مديرية موزعة على عدد من المحافظات، يحتاجون لمساعدة شتوية، من بينهم 563 ألفاً تقريباً معرضون لدرجات التجمد.

ولا يُغطّى من التمويل المطلوب سوى 5 في المائة فقط، ما يترك فجوة تمويلية خطيرة بنسبة 95 في المائة.

وحددت الكتلة الأممية استراتيجيتها لمواجهة هذه الأزمة بإصلاح المأوى أو استبدال الخيام والمساكن التالفة وعزلها بدرجة كافية، وتوزيع «حزمة شتوية» من بطانيات عالية العزل لكل فرد، وملابس شتوية متنوعة، وفق عدد أفراد كل عائلة، إلى جانب إمكانية تقديم المساعدة النقدية، بحسب تقييم الأسواق المحلية والقدرة الشرائية.

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع الشتاء الماضي (إكس)

وأعادت التحذير من أن يشهد الشتاء المقبل ظروفاً مشابهة لسابقه، ما يجعل توفير التمويل ضرورة ملحة لضمان سلامة نحو 31 ألف عائلة تعيش في بيئات شديدة البرودة، ومنحهم الحد الأدنى من الأمان والدفء.

موسم التدهور المعيشي

توقعت مبادرة تصنيف المراحل المتكاملة للأمن الغذائي (IPC) أن يرتفع عدد اليمنيين الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمان الغذائي إلى 18.1 مليون شخص، خلال الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وحتى فبراير (شباط) المقبل، بنحو 52 في المائة من السكان الذين قامت بدراسة أوضاعهم المعيشية.

وطبقاً للمبادرة، فإن من المحتمل أن يدخل نحو 41 ألف شخص في المرحلة الخامسة المصنفة بالكارثة في بعض المديريات، وأكثر من 5.5 مليون شخص في المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الطوارئ، في حين سيقع نحو 12.574 مليون شخص في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الأزمة، مع ترجيح أن يرتفع عدد المديريات التي قد تقع في فئة الطوارئ من 143 إلى 166 مديرية خلال نفس الفترة.

الحاجة إلى المأوى تتزاحم إلى جانب احتياجات الغذاء لدى النازحين طوال فصول العام

ومن دون حدوث تدخل سريع، فإن المبادرة، وهي تجمع متعدد الأطراف من وكالات أممية ومنظمات تقنية وإنسانية يهدف إلى تحسين تحليل الأمن الغذائي والتغذية واتخاذ القرارات الإنسانية، تبدي مخاوفها من انهيار كامل لسبل المعيشة.

وحددت المبادرة العوامل المحرّكة للأزمة الإنسانية بالصراع المستمر الذي يعوق الوصول إلى الأسواق، والضائقة الاقتصادية المتمثلة في ضعف العملة وانخفاض الدخل وتراجع فرص العمل، والصدمات المناخية، وانخفاض المساعدات الإنسانية وآليات التكيّف المنهكة.

وتتفاقم معاناة اليمنيين في فصل الشتاء، الذي يعد موسماً للجفاف، بسبب توقف الأمطار التي تعتمد عليها غالبية الأنشطة الزراعية، في حين تواجه المحاصيل الموسمية مخاطر التلف بسبب الصقيع.


صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
TT

صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)

تزداد المخاوف في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء من انهيار الوضع الإنساني بصورة غير مسبوقة، في ظل استمرار الحرب، وتعطل مؤسسات الدولة، وانقطاع رواتب معظم الموظفين منذ سنوات.

وفي حين ترتفع أسعار السلع الأساسية بوتيرة لا تتيح لغالبية السكان اللحاق بها، يغرق آلاف الأسر بدوامة الديون اليومية التي باتت الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة.

يقول «عادل»، وهو اسم مستعار لمعلم حكومي في صنعاء، إن حياته تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى سباق مرير مع متطلبات أسرته، بعدما اضطر إلى ترك مهنته في التعليم قبل عامين والعمل في متجر صغير للمواد الغذائية داخل مديرية معين.

لكن دفع تراجع القوة الشرائية للسكان وممارسات الحوثيين التي يخضع لها التجار صاحب المتجر إلى الإغلاق وتسريح العمال، ليجد عادل نفسه من دون مصدر رزق يعيل به زوجته وخمسة أطفال.

الملايين في اليمن فقدوا مصادر عيشهم تحت وطأة الانقلاب الحوثي (الأمم المتحدة)

يؤكد عادل لـ«الشرق الأوسط» أنه يلجأ كل شهر إلى الاقتراض لتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات، بدءاً من المواد الغذائية وحتى العلاج. ويوضح: «كان الدين بسيطاً ويمكن السيطرة عليه، لكنه تضاعف اليوم مرات كثيرة... لم أعد قادراً على السداد ولا على التوقف». ويضيف أنه بدأ بالاستدانة من بقالة الحي، ثم من الأقارب والجيران، إلا أنه يخشى اليوم أن يأتي الوقت الذي لن يجد فيه من يقبل بمنحه ديناً جديداً.

هذه القصة لا تبدو حالة فردية، بل تعكس واقع شريحة واسعة من سكان مناطق سيطرة الحوثيين، بينهم موظفون حكوميون وعمال بأجر يومي، باتوا عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم المالية بسبب انقطاع الرواتب وتراجع فرص العمل.

وتشير تقديرات محلية إلى أنّ نحو 75 في المائة من الأسر في تلك المناطق الخاضعة للحوثيين تعتمد على الديون لتأمين ضرورياتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والإيجار.

ديون تتحول إلى نمط حياة

يرى اقتصاديون في صنعاء أن الدين لم يعد مجرد وسيلة لتجاوز أزمة طارئة، بل أصبح نمط حياة مفروضاً على آلاف الأسر التي تعيش تحت سلطة الحوثيين. ويقول خبراء إن تدهور الدخل، مقابل ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة، خلق فجوة معيشية تستحيل السيطرة عليها دون اللجوء إلى الاقتراض المتكرر.

«أم عماد»، أم لثلاثة أطفال، تؤكد أنها تعيش بالكامل على الديون منذ فقدان زوجها عمله قبل أكثر من عام. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم آخذ ما أحتاجه بالدَّين... لا يمكنني ترك أطفالي دون طعام، لكنني لا أعرف متى سأستطيع السداد». وتوضح أن البقالة القريبة من منزلها تمتلك سجلاً كبيراً يحتوي على ديونها إلى جانب عشرات الأسر الأخرى في الحي ذاته.

يمنيون في صنعاء يتناولون وجبة «السلتة» الشعبية بأحد المطاعم (رويترز)

ويعاني التجار بدورهم من تراكم الديون عليهم، ما يهدد قدرتهم على الاستمرار في العمل. وبحسب أحد ملاك المتاجر في صنعاء، فإن 60 في المائة من بضاعته تُصرف يومياً بالدين، موضحاً أنه لم يعد قادراً على شراء شحنات جديدة من السلع بسبب نقص السيولة. ويشير إلى سجل ضخم يحتفظ به لمعاملات مؤجلة لأسر متعددة، تبدأ من شراء الخبز والأرز مروراً بالأدوية واحتياجات الأطفال.

ويحذر اقتصاديون من أنّ هذه الدائرة المغلقة من الديون ستقود إلى انهيار اجتماعي واقتصادي واسع إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه. ويؤكدون أن استمرار الانقلاب، وتعدد الجبايات، وتراجع النشاط التجاري، وانقطاع الرواتب منذ سنوات، إضافة إلى عدم وجود آليات رقابية فاعلة في الأسواق، كلها عوامل تدفع المواطنين إلى مزيد من الفقر والاعتماد الكامل على الديون.

مجاعة على الأبواب

في خضم هذا التدهور، أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي تقريراً مشتركاً حذّرا فيه من خطر وشيك بوقوع مجاعة كارثية في ست دول، من بينها اليمن.

التقرير أوضح أن تفاقم الصراعات والعنف وسوء الأوضاع الاقتصادية يدفع الملايين في اليمن نحو حافة الجوع الحاد، مشيراً إلى أن الوضع الإنساني مرشح للتدهور خلال الأشهر المقبلة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.

وأكد التقرير أن المجاعة «ليست مفاجئة، بل متوقعة»، ويمكن تفاديها من خلال إعادة تركيز الجهود الدولية على توفير التمويل الكافي لبرامج الإغاثة، وزيادة الاستثمارات في الأمن الغذائي، وتعزيز صمود الأسر المتضررة في مواجهة الأزمات الممتدة. وشدّد على أن منع وقوع المجاعة يتطلب تحركاً سريعاً قبل «فوات الأوان».

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

في ظل هذه التحذيرات، تبقى معاناة السكان في مناطق سيطرة الحوثيين مرآة لحجم الانهيار المعيشي، وسط غياب أي حلول ملموسة أو سياسات تُعيد الحد الأدنى من القدرة الشرائية للأسر.

وبينما يواصل الأهالي الغرق في الديون اليومية لتأمين رغيف الخبز وأبسط الاحتياجات، يلوح شبح الجوع في الأفق أكثر من أي وقت مضى، ما يجعل اليمن أمام تحدٍّ إنساني خطير قد يتفاقم سريعاً ما لم تتكاتف الجهود المحلية والدولية لاحتوائه.