واشنطن تريد تحقيقاً محايداً حول «فظائع» بحق الروهينغا

طلب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، من زعماء ميانمار المدنيين والعسكريين فتح تحقيق محايد ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي تعرض لها أبناء الأقلية المسلمة الروهينغا في ولاية راخين، إلا أنه عارض فرض عقوبات جديدة في الوقت الحاضر، واعدا بأن يدرس الأمر لدى عودته إلى واشنطن. وقال تيلرسون، الذي وصل إلى ميانمار قادما من الفلبين، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع أونغ سان سو تشي الزعيمة الفعلية للحكومة المدنية، إن «المزاعم الخطيرة التي ترددت في الفترة الأخيرة عن ارتكاب انتهاكات في ولاية راخين تتطلب تحقيقا محايدا يعول عليه ولا بد من محاسبة من يرتكبون انتهاكات». وأضاف، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز»: «دعوت الحكومة المدنية في ميانمار في كل اجتماعاتي لأن تقود تحقيقا شاملا فعالا مستقلا، ولأن يتعاون الجيش ويسمح بحرية دخول كاملة».
ووعد تيلرسون أن يناقش المطالبات بفرض عقوبات جديدة على ميانمار لدى عودته إلى واشنطن. وقال وهو يقف إلى جانب سو تشي، إن «فرض عقوبات شاملة ليس بالشيء الذي أنصح به في الوقت الحاضر... سندرس كل ذلك بكثير من الحذر لدى عودتي إلى واشنطن». وتابع: «لا يمكنك الاكتفاء بفرض عقوبات والقول بعدها إن الأزمة انتهت».
ولم يتضح ما إذا كان تيلرسون، كما جاء في تقرير الصحافة الفرنسية، سيهدد الجيش بعقوبات جديدة. وكان مجلسا الشيوخ والنواب الأميركيان قد قدما مؤخرا تشريعا يحظر المساعدات العسكرية الأميركية ويفرض قيودا مالية، وأخرى تتعلق بإصدار التأشيرات للجيش وقوات الأمن في ميانمار.
ووصف تيلرسون ما يحصل في إقليم راخين بـ«الفظيع». ودعا إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة «ستكون مفيدة للجميع». وقال إن واشنطن «قلقة للغاية حيال التقارير الموثوق بها عن ارتكاب الجيش البورمي فظائع واسعة»، وحث بورما على قبول تحقيق مستقل، يمكن بعده أن تكون العقوبات على الأفراد مناسبة.
وتقتسم أونغ سان سو تشي السلطة التي تشكلت في ميانمار قبل أقل من عامين مع الجيش. وقال تيلرسون: «نحن قلقون للغاية إزاء تقارير يعتد بها عن أعمال وحشية تنفذها على نطاق واسع قوات الأمن في ميانمار ومواطنون لم تكبحهم قوات الأمن خلال أعمال العنف التي وقعت في الفترة الأخيرة في ولاية راخين». وأجرى تيلرسون محادثات منفصلة في وقت سابق مع قائد القوات المسلحة الجنرال مين أونج هلاينج الذي يقال إن قواته ارتكبت فظائع. واتهم مسؤول كبير بالأمم المتحدة جيش ميانمار بارتكاب جرائم اغتصاب وقتل وتعذيب، وذلك بعد أن تفقد مخيمات لاجئين بمنطقة كوكس بازار في بنغلاديش المجاورة.
وفر أكثر من 600 ألف من الروهينغا إلى بنغلاديش منذ أواخر أغسطس (آب) هربا من عملية تطهير في ولاية راخين، وصفها مسؤول كبير بالأمم المتحدة بأنها «تطهير عرقي».
وجاء في تعليق على صفحة هلاينج على «فيسبوك»، أن قائد الجيش شرح لتيلرسون «حقيقة الوضع في راخين»، وسبب فرار المسلمين، وكيف يعمل الجيش مع الحكومة على توفير المساعدات والتقدم الذي أحرز تجاه الاتفاق مع بنغلاديش على عودة النازحين.
وفي حين يصر الجيش على أنه يستهدف مقاتلين من الروهينغا، اتهموا بشن هجمات على مراكز شرطة، ينقل اللاجئون الذين اكتظت بهم المخيمات في بنغلاديش شهادات عن أعمال قتل واغتصاب وحرق منازل على أيدي قوات الأمن. ويرفض الجيش هذه التقارير، كما يرفض السماح بدخول محققين تابعين للأمم المتحدة للتحقيق في مزاعم التطهير العرقي.
من جهتها، رفضت أونغ سان سو تشي الاتهامات الموجهة إليها بأنها «بقيت صامتة» أمام المجازر التي ارتكبت بحق الروهينغا. ورغم ألا دور لها في السياسات الأمنية، أصبحت أونغ سان سو تشي محط انتقادات المنظمات الحقوقية المحبطة من عدم انتقادها الجيش بشكل علني وعدم دفاعها عن الروهينغا بوجه تنامي مشاعر الإسلاموفوبيا. لكن سو تشي التي نادرا ما تعقد مؤتمرات صحافية، تحدثت عن هذه الاتهامات أول من أمس (الأربعاء).
وقالت مدافعة عن نفسها، كما نقلت عنها الوكالة الألمانية: «لست صامتة (...) ما يقصده الناس أن ما أقوله ليس مهما بقدر كاف». وتابعت: «ما أقوله لا يفترض أن يكون مثيرا، يفترض أن يكون دقيقا (...) لا يضع الناس بعضهم ضد بعض».
لكن واشنطن حرصت على عدم تحميل أونغ سان سو تشي المسؤولية، راسمة بذلك خطا فاصلا بين الجيش والحكومة المدنية التي تقودها الزعيمة الحاصلة على جائزة نوبل للسلام.
وكانت واشنطن شريكا رئيسيا في الانفتاح الديمقراطي الذي أدى بالنهاية إلى تولي سو تشي الحكومة بعد انتخابات حرة في عام 2015، إثر خمسة عقود من الديكتاتورية العسكرية.
وألغت واشنطن حظرا تجاريا وعقوبات على مقربين من الجيش في مسعى لتمهيد الطريق للتحول الديمقراطي. لكن تفجر أزمة الروهينغا دفع أعضاء في الكونغرس الأميركي إلى اقتراح تجديد هذه العقوبات المفروضة على الجيش.
وقبل يومين من وصوله، نشرت سلطات ميانمار الاثنين الماضي نتائج أول تحقيق رسمي في الأزمة، برأ جنود الجيش من كل مزاعم الانتهاكات. وسخرت منظمة العفو الدولية من التقرير الذي اعتبرته محاولة «لتبرئة ساحة الجيش». وكان تقرير نشرته منظمتان حقوقيتان قد أشار إلى أن هناك «أدلة متزايدة» على ارتكاب إبادة جماعية ضد الروهينغا. وجاء في تقرير «متحف الهولوكوست التذكارى بالولايات المتحدة» ومنظمة «فورتيفاي رايتس» لحقوق الإنسان، ومقرها منطقة جنوب شرقي آسيا، أن هناك «أدلة متزايدة» على ارتكاب إبادة جماعية ضد الروهينغا في ميانمار. وتوثق الجهتان جرائم الإعدام خارج نطاق القضاء والضرب والعنف الجنسي وتدمير الممتلكات التي ارتكبتها قوات أمن ومدنيون في راخين.
وذكر التقرير، الذي نشر أمس الأربعاء أن هذه النتائج جاءت بناء على أكثر من مائتي مقابلة مع أشخاص من أقلية الروهينغا في ولاية راخين. وجاء في بيان حول التقرير أن حكومة ميانمار أيضا «احتجزت أكثر من 120 ألف شخص من الروهينغا في أكثر من 35 مخيم احتجاز بأنحاء راخين» منذ عام 2012.