«دون جوان المكتبات» ألبرتو مانغويل: لديّ 40 ألف كتاب... ومصيرها يقلقني

الكاتب الأرجنتيني قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يقصد ابتكار نوع جديد من الأدب

مانغويل في مكتبته
مانغويل في مكتبته
TT

«دون جوان المكتبات» ألبرتو مانغويل: لديّ 40 ألف كتاب... ومصيرها يقلقني

مانغويل في مكتبته
مانغويل في مكتبته

قبل خمس عشرة سنة تقريباً، أطل علينا كاتب لم نكن، آنذاك، قد سمعنا به عربياً، اسمه ألبرتو مانغويل، أرجنتيني المولد، كندي الجنسية، مقيم في فرنسا، ليحدثنا عن القراءة التي حرث في تاريخها وفنونها. واستمرت الكتب المترجمة له عبر «دار الساقي»، لنقرأ عبرها انطباعات القارئ المثقف النهم لكتب الآخرين منذ بدأت الكتابة أشكالها الأولى مسمارية على ألواح الطين في بلاد الرافدين، حتى تبلورها بأبجدية واضحة واختراع آلة الطباعة.
ويمكن القول إن ألبرتو مانغويل قد أحدث نوعاً أدبياً جديداً، اسمه «علم القراءة»، دون أن يعي في حينها أنه يبتكر نوعاً أدبياً جديداً، كما يقول في حواره مع «الشرق الأوسط». وقد وجه قراءه عبر تلك الكتابات لمتابعة تفاصيل عميقة عن القراءة، وعن الكتب والمكتبات؛ كتب مثل «فن القراءة» و«تاريخ القراءة» و«يوميات القراءة» و«المكتبة في الليل»، وعناوين أخرى، احتفت بفعل القراءة وتطوره مثل أي تقاليد أخرى، بعد أن كانت الدراسات الحديثة تركز تاريخياً على اختراع الكتابة وتطورها. ومن أفضال مانغويل أنه أعاد الاعتبار للثقافة الإنسانية جمعاء، فلم يتوقف عند ثقافة محددة في قراءاته، فهو مطلع على آداب الشعوب القديمة، وعلى نتاج أدباء معاصرين، لهذا تزدحم مكتبته، وتتعدد غرفها وأماكنها إلى حد أنها وصلت إلى 40 ألف عنوان كتاب.
وهذا حوار تم معه عبر رسائل إلكترونية...
> بإصدارك كتباً عن القراءة، تاريخها وفنها، استحدثت ظاهرة غير مسبوقة في الأدب، بمعنى أصح: نوعاً أدبياً جديداً... كيف حدث أن قرأت كتباً معينة بطريقة أخرى غير الطريقة النقدية التقليدية؟
- لم أكن على دراية حينها بأنه كان نوعاً جديداً؛ إن تعريفات النوع الأدبي تتعلق بقيود لا أقبلها، وكل كاتب (ما لم يكن لديه أو لديها عقل بيروقراطي) يمزج ويناسب بين ما نتفق أو نختلف على تسميته «النوع». فلقد مزج براوننغ القصائد الشعرية مع المناجاة المسرحية، وجمع ابن بطوطة بين قصص الرحلات والسير الذاتية، وكتب بورخيس القصص الخيالية التي بدت مثل دراسات، كما أن أبو العلاء المعري نسج الكتابة اللاهوتية في الكوميديا الشعرية. ولأن القراءة بالنسبة لي هي الوسيلة الطبيعية لتجربة العالم، فإن تعليقاتي على ما أقرأ هي نوع من أنواع السير الذاتية والنقد والأبحاث التاريخية، وفي بعض الأحيان مقتطفات من قصص مختلفة.
> أتساءل عما إذا كان بين أكوام الكتب الضخمة في مكتبتك... هناك كتب (وربما مؤلفون معينون) لديهم تأثير أعمق على شخصيتك من مؤلفات ومؤلفين آخرين.
- بكل تأكيد، غير أن كثيراً من هذه التأثيرات يتوقف على الزمن والمكان. في لحظات معينة، كانت كتب تشيسترتون والقديس يوحنا، وكتب أليس (سلسلة كتب للمراهقين للكاتبة فيليس رينولدز نايلور)، ذات تأثير رهيب على نفسي. وفي لحظات أخرى، كان تأثير مسرحية «الملك لير» و«الليالي العربية» عميقاً عليّ. أما الآن، فإنني أعاود باستمرار القراءة لميشيل دي مونتين ودانتي، على وجه التحديد. وكذلك بورخيس وستيفنسون وأبو نواس وفيرجينيا وولف وكالفينو وأولغا سيداكوفا وصادق هدايت وكافكا وميغيل هرنانديز ومحمود درويش وسينثيا أوزيك ونورمان مانيا وخوان رولفو. ويبدو أن القائمة ممتدة بلا نهاية.
> قلت ذات مرة إن الإلحاح للحصول على كتاب وامتلاكه «هو نوع من الرغبات التي لا يمكن مقارنتها بأية متعة أخرى»... أنت تكتب أيضاً الآن الرواية وغيرها، فهل متعة الكتابة تماثل متعة القراءة عندك؟
- إن الرغبة في اقتناء كتاب ما لا يمكن مقارنتها بالرغبات الأخرى، بسبب أنها لا ترتبط بالأنانية أو الجشع أو الشهوة، بل إنها الدافع الذاتي لأن تكون جزءاً من شيء أعظم منك، وأن تنتمي إلى كوكبة قد تمنحك معنى حقيقياً لوجودك في الحياة، وتلك الإرادة هي التي تستكمل المكتبة التي تعبر عن كينونتنا. وإنني أتوق كثيراً لاقتناء كتاب ما، كما قد أتوق تماماً لأصبع مفقودة.
> ذكرت صحيفة «ذي سكوتلاند أون صنداي» ذات مرة أن «ولع الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل بالقراءة يشبه كازانوفا وولعه بالنساء»... هل راق لك مثل هذا التشبيه؟
- أجده طريفاً للغاية. لقد وصفني جورج شتاينر بتعبيره «دون جوان المكتبات»، وإنني أحب التفكير في الكتب بطريقة إيروتيكية.
> كم تضم مكتبتك من عناوين تقريباً؟
- لديّ في حدود 40 ألف عنوان كتاب.
> وماذا تنوي أن تفعل بهذا الموروث الكبير من الكتب... هل ستهديها لاحقاً لمكتبات وطنية مثلاً أم ستتركها لعائلتك؟
- بصراحة، حتى الآن لا أدري ماذا سأفعل بهذه الكتب، ولكن من المؤكد أن عائلتي لا تريد أن تتورط بعبء مكتبة بهذا الحجم.
بورخيس يشبه كتبه
> قرأت لبورخيس لمدة أربع سنوات كاملة، وهو الذي كان مديراً للمكتبة الوطنية في خمسينات القرن الماضي، المنصب الذي تشغله أنت الآن... فهل يمكنك إخبارنا عن كتبه المفضلة؟ وأي أنواع الكتب التي كان يفضلها أكثر من غيرها؟
- كان بورخيس يقرأ الأدب الإنجليزي بصورة أساسية، بيد أن الكتابات الشرقية والعربية كان لها أبلغ الأثر على أعماله الأدبية. كان يحب القصص الملحمية، وكان لديه ذوق خاص لأدب العنف والمشاعر المرهفة. وتأتي القوة الكبيرة في كتاباته، كما أعتقد، من مقدرته الفريدة على تحويل كل شيء يقرأه إلى «بورخيس». ومن بين أفضل الكتاب المقربين إليه كان ستيفنسون وكيبلينغ وتشيسترتون وكارلايل ودي كوينسي وروبرت فروست وإيكا دي كويروز ودانتي.
> ذكرت في كتابك حول بورخيس أنه لم يلتزم أبداً بالانتهاء من قراءة كتاب ما. كقارئ، هل تلتزم أنت دائماً بإنهاء قراءة أي كتاب في حال عدم الاستمتاع بقراءته؟
- أبداً، أنا أشرع في قراءة صفحة أو صفحتين من أي كتاب، فإن لم يغرني ما أقرأه بالاستمرار والمواصلة، فإنني أتخلى عن ذلك الكتاب فوراً. ربما أعاود قراءته مرة أخرى في المستقبل، غير أن علاقتي المبدئية به تكون قد انقطعت.
> هل تشعر أن هناك فارقاً بين بورخيس كإنسان وبين كتبه؟ لقد أدركت أنك لم تذكر كتبه بين تلك المفضلة لديك، بحسب قائمة في لقاء صحافي معك. صحح لي إن أغفلت شيئاً.
- بورخيس الإنسان تقاسم مع بورخيس الكاتب سمات كثيرة، بينها الذكاء والدعابة والاعتبارات الأخلاقية، ولكنني لم أتعرف عليه بصورة مقربة ووثيقة، وأعتقد أن الصديق الحقيقي الوحيد لديه كان أدولفو بيوي كاساريس؛ لقد كان بورخيس حريصاً على خصوصيته. وما من شك في أن كتب بورخيس هي من ضمن الكتب المفضلة عندي، وأعتقد أنك اطلعت على قائمة عن كتبي المفضلة باللغة الإنجليزية، وترجمات بورخيس إلى اللغة الإنجليزية هي شيء أمقته.
> برأيك هل اتهم بورخيس بمعاداة القومية الأرجنتينية لمجرد أنه تبنى الميثولوجيا والتراث الأجنبي في كتاباته، مثل «الليالي العربية»، متجاهلاً الميثولوجيا الوطنية؟
- عارض بورخيس الحمقى من أنصار القومية الأرجنتينية الرعناء، الذين كانوا مثل أولئك الذين قالوا، وفقاً للمؤرخ اليوناني القديم بلوتارخس، إن قمر إسبارطة هو أكثر جمالاً وبهاء من قمر أثينا. وقال إنه يمكننا أن نكون أرجنتينيين بأن نكون عالميين.
> ما أهدافك بوصفك مديراً للمكتبة الوطنية في الأرجنتين الآن؟ ومجلتكم تنشر باللغة الإسبانية، فهل فكرتم في نشر إصدارات بلغات أخرى، مثل الإنجليزية، بغية الوصول إلى قطاع أكبر من الجمهور؟
- لقد فكرت في الأمر، وكم أود القيام به، ولكن تنقصنا الميزانية الكافية للتنفيذ. أود أن تكون المكتبة الوطنية مكتبة عالمية حقاً، ونحن نوقع على اتفاقيات مع كثير من المكاتب الوطنية في بلدان أخرى حول العالم. كما أننا نعمل على تنظيم معرض مشترك مع مدير مجلس المكتبات العامة في القاهرة، خالد الخميسي؛ معرض كبير يحمل عنوان «بورخيس والعالم العربي».
> حصلت أخيراً على جائزة «فورمنتور دي لاس ليتراس» المرموقة، لإنجازاتك على مدى حياتك الأدبية... هل تشعر بأن الجائزة هي نوع من أنواع المكافأة للكاتب على جهده الشاق؟ وفي هذا الصدد، هل سبق لك أن قرأت لمؤلفين ما وشعرت بالدهشة لأنهم لم يحصلوا حتى الآن على أية جوائز؟
- الجائزة هي ثمرة آراء بعض القراء (في لجنة تحكيمها). وإن كان تولستوي في هيئة للحكم على أعمال شكسبير، لم يكن ليمنح شكسبير الجائزة لأن تولستوي كان يمقت الملك لير. إن الجوائز تتعلق بالآراء ليس إلا، وهو السبب في أن بورخيس أو محمود درويش لم يحصلا على جائزة نوبل، في حين أن داريو فو وبوب ديلان حصلا عليها. واليوم، لو لي حق القرار، كنت سأمنح جائزة نوبل إلى نورمان مانيا أو سيس نوتبوم أو آن كارسون أو مارغريت أتوود أو إيان ماك - إيوان.
المكتبات والحروب
> وصفت إعادة افتتاح المكتبة الوطنية اللبنانية، التي دمرت خلال الحرب الأهلية عام 1975، بأنه «مشروع سياسي للمصالحة بين جموع الشعب اللبناني». أود أن أضيف أنه مما يؤسف له، كما تعلم، أن المئات من الكتب النادرة المطبوعة والمخطوطات التي لا تقدر بثمن، وغيرها من المعالم الأثرية، قد نالها الدمار أو النهب أو الحرق في البلدان التي مزقتها الحروب، مثل العراق وسوريا واليمن وفلسطين. وأعتقد أنهم في حاجة إلى اهتمامكم كأحد الكتاب البارزين في العالم الآن.
- أوافقك الرأي تماماً، وهذا هو السبب في أنني أثناء تقريظ أحد الكتب لملحق صحيفة «التايمز»، أشرت إلى أنه عندما تعرضت المنازل الفلسطينية للنهب في عام 1948، سُرقت الكتب والمخطوطات من بيوت الفلسطينيين ثم ظهرت مرة أخرى في المكتبة الوطنية الإسرائيلية. وعندما أغلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشكل تعسفي، المكتبة الأوكرانية في موسكو، وأمر بسجن مديرها، قررت أن افتتح فرعاً للمكتبة الأوكرانية داخل المكتبة الوطنية في الأرجنتين، حيث توجد الآن. لا يمكننا التغافل عن أعمال السرقة والقرصنة والرقابة القميئة، ولا أن نلتزم الصمت المطبق حيالها، وإلا صرنا شركاء في تلك الجرائم.
> نشرت «دار الساقي» أغلب كتبك المترجمة إلى العربية. وبالنسبة لي، الترجمة جيدة للغاية. هل أنت على علم بترجمة أخرى غير التي نشرتها «دار الساقي»، أعني باللغة العربية؟
- أعتقد أن هناك ترجمة أخرى، ولكنني لا أذكر أين تمت. لقد كانت «دار الساقي» مخلصة لأعمالي على مدى سنوات؛ منذ أيام السيدة الرائعة مي غصوب، الصديقة العزيزة التي أفتقدها كثيراً.


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
TT

أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر

ككل نهاية سنة ينشر الإعلام الفرنسي قائمة بالكتب والإصدارات التي سجَّلت أقوى المبيعات على مدار السنة. النتائج تُنشر بناءً على أرقام معاهد الإحصاء المختصة، مثل «إيدستا» أو «داتاليب»، ولكن أيضاً انطلاقاً من الأرقام التي أعلنت عنها دور النشر، وهي لا تأخذ بعين الاعتبار القيمة الأدبية للإصدارات، بل النجاح التجاري فقط، حيث يحدث أن نجد في أسفل القائمة كتباً قيّمة لاقت ترحيب النقاد لكنَّ الإقبال الجماهيري عليها كان ضعيفاً.

من هذا المنظور تُوجت دار نشر «ألبان ميشال» هذه السنة «ملكة للمبيعات»، حيث سجلت بفضل غزارة ونوعية الأعمال التي أشرفت على نشرها هذه السنة، أكبر النجاحات. أول هذه الأعمال كانت رواية «من أجل عيون منى» للكاتب والباحث في تاريخ الفن توماس شيسلر، وهي الرواية التي فاقت منذ صدورها كل التوقعات، إذ حازت اهتماماً إعلامياً واسعاً، كما تُرجمت إلى 32 لغة بما فيها العربية، وبيعت بأكثر من 390 ألف نسخة (أرقام خاصة بفرنسا) وهي تروي قصّة «منى»، طفلة في العاشرة تصاب بتوقف تدريجي للبصر، فيقرر جدها معالجتها على طريقته الخاصة بأن يصطحبها في كل أسبوع إلى أكبر متاحف فرنسا لتتأمل روائع الفن العالمي.

«مذكرات» لجوردن بارديلا

من الأعمال الناجحة أيضاً الرواية الرابعة للكاتبة فاليري بيران «تاتا» وهي بوليسية نفسية تروي قصة كوليت، امرأة مختفية تقوم ابنة أختها بالتحقيق في سبب اختفائها لتكتشف أن لخالتها حياة مزدوجة. هذه الرواية بيعت بأكثر من 250 ألف نسخة وهو نفس الإنجاز الذي وصلت إليه رواية «نادل فندق الريتز» للكاتب فيليب كولين، وهي القّصة الحقيقية لفرانك مايير، أشهرا نادل في باريس إبان حقبة النظام الفيشي. «ألبان ميشال» كانت أيضاً المؤسسة التي نشرت السيرة الذاتية لرئيسة وزراء ألمانيا السابقة أنجيلا ميركل بعنوان «الحرية: الذكريات 1954 - 2021» التي تروي فيها مسيرتها السياسية عبر أكثر من 700 صفحة. ورغم أن الكتاب بيع منه نحو 350 ألف نسخة فإن الإنجاز لم يكن في مستوى توقعات وآمال الناشر على اعتبار أنه دفع أكثر من 400 ألف يورو في مزاد علني خاص (حسب مصادر مجلة «لكسبرس») مقابل الحصول على حقوق النشر، ناهيك بمصاريف الترجمة والدعاية والتوزيع، خصوصاً إذا ما قورن بما حققته دار نشر «فايار» مع الطبعة الفرنسية لمذكرات ميشال أوباما مثلاً، التي بيع منها داخل فرنسا 500 ألف نسخة وأكثر من عشرة ملايين في العالم. سنة 2024 أكدت أيضاً صحة الآراء التي ترى أن الجوائز تسهم في الترويج للكتب ورفع المبيعات، فعلى الرغم من الجدل الكبير بخصوص قضية نشر قصّة سعادة عربان البطلة الحقيقية لـ«الحوريات» لكمال داود دون إذنها، فإن الرواية تمكنت من تحقيق نجاح تجاري كبير منذ صدورها في 15 أغسطس (آب)، إذ بيع منها حتى الآن أكثر من 390 ألف نسخة، متبوعة برواية «جاكاراندا» التي يواصل فيها الكاتب غاييل فاي استكشاف إشكالات المنفى والذاكرة والهويات المتعددة من موطنه رواندا. هذه الرواية كانت تنافس «الحوريات» على جائزة «غونكور» لكنها ختمت السنة بجائزة «رونودو»، وبيع منها أكثر من 250 ألف نسخة، وهي الثانية لفاي بعد ثماني سنوات على صدور عمله الروائي الأول «البلد الصغير». أقل منهما حظاً الكاتبة هيلين غودي، فرغم ترحيب النقاد بعملها وترشحها للقائمة الصغيرة لـ«غونكور» فإن عملها الروائي لم يلقَ الرواج المتوقَّع، حيث لم تَبِعْ من روايتها «الأرخبيل» سوى 4000 نسخة منذ صدورها.

«تاتا» لفاليري بيرن

سنة 2024 تميزت أيضاً بنجاح الكتب السياسية لشخصيات من اليمين المتطرف، أهمها إصدارات تابعة لدار نشر «فايار» التي أصبحت مِلك رجل الأعمال فنسان بولوري المعروف بقربه من تيار اليمين المتطرف. أهم هذه الإصدارات السيرة الذاتية لجوردان برديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، وهي بعنوان «عن ماذا أبحث؟»، حيث لاقت إقبالاً كبيراً وبيع منها 150 ألف نسخة، إضافةً إلى كتاب فيليب دو فيليي، وهو شخصية سياسية محافظة من اليمين المتطرف سجّل كتابه «مبيد الذاكرة» أكثر من 140 ألف نسخة، في الوقت الذي سجلت فيه كتب الشخصيات اليسارية أمثال الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وآن هيدالغو، عمدة باريس، فشلاً ذريعاً، حيث بيع من عمل الرئيس السابق 6000 نسخة، و السيدة هيدالغو 250 نسخة فقط.

على أن روايات الجريمة والتشويق تبقى الأكثر شعبية.

على رأس القائمة الرواية البوليسية «حيوان متوحش» للكاتب السويسري جويل ديكير وهي من نوع المغامرات البوليسية، وحازت رواجاً شعبياً كبيراً وبيعت بأكثر من 420 ألف نسخة. تليها الرواية الجديدة لغيوم ميسو «شخص آخر»، وهي من النوع البوليسي أيضاً وبيع منها 390 ألف نسخة.

«فادي الأخ المسروق» لرياض سطوف

ودائماً في عالم الجريمة تَحوَّل الطبيب الشرعي البلجيكي فيليب بوكسو إلى نجم المكتبات الفرانكوفونية بفضل كتب استلهمها من خبرته في تشريح الجثث وأسلوبه المتسم بروح الفكاهة اللاذعة. وقُدرت مبيعات كتابه الأخير «في مواجهة الموت» بـ300 ألف نسخة.

والجديد هذه المرة اقتحام القصص المصوَّرة وسلاسل المانغا بقوة سوق الكتب. حيث نقلت وسائل الإعلام الفرنسية النجاح الساحق الذي سجَّله المؤثر الشاب «أنوكس تاغ» بسلسلة المانغا «الغريزة» أو «أنستا»، (دار نشر «ميشال لافون»)، التي بيع منها 265 ألف نسخة بعد شهرين فقط من صدورها، إضافةً إلى سلسلة الرسوم المصّورة: «أنا فادي... الابن المسروق» للرسّام السوري الفرنسي رياض سطّوف الذي يعد من الأسماء المتعودة على احتلال صدارة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً (بيست سيلرز) في فئة القصّص المصورة (بي دي)، فهو معروف بسلسلة «عربي من المستقبل» التي أصدر منها 6 مجلدات، وهي سيرة ذاتية هزلية عن حياته من الطفولة في سوريا وليبيا إلى حياته في المهجر. «عربي من المستقبل» كانت قد حازت بها عدة جوائز منها «الجائزة الكبرى لمهرجان أنغولام» أما السلسلة الجديدة فقد بيع منها أكثر من 350 ألف نسخة.