إردوغان يطالب روسيا وأميركا بسحب قواتهما من سوريا

TT

إردوغان يطالب روسيا وأميركا بسحب قواتهما من سوريا

في تصريح مفاجئ، طالب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كلاً من روسيا والولايات المتحدة بسحب قواتهما من سوريا، بعدما قالتا إنه لا حل عسكرياً ممكناً في سوريا، وأدان استمرار سقوط ضحايا بنيران قوات النظام السوري.
وقال إردوغان، في مؤتمر صحافي في إسطنبول، قبل مغادرته أمس إلى روسيا، في زيارة سريعة التقى خلالها نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، إن «على روسيا والولايات المتحدة سحب قواتهما من سوريا، إذا كان بالفعل الحل العسكري غير مطروح على الطاولة»، وأضاف: «من لا يعتقدون بجدوى الحل العسكري للصراع في سوريا عليهم أن يسحبوا قواتهم... لديّ مشكلة في فهم هذه التصريحات؛ إذا كان الحل العسكري خارج الحسابات، فعلى من يقولون ذلك أن يسحبوا قواتهم».
وتابع أنه «بينما يجري الحديث عن أنه لا حل عسكرياً للأزمة السورية، يستمر قتل الناس بطرق مختلفة»، قائلاً إن عدد من قتلهم النظام السوري بطرق عسكرية بلغ المليون شخص.
وأشار إلى أنه سيناقش المسألة مع الرئيس بوتين، كما سيبحث معه أيضاً الحل السياسي في سوريا، والتحركات المشتركة مع روسيا في منطقة عفرين السورية، الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، التي تسعى تركيا إلى عزلها لقطع التواصل بين مناطق سيطرة الأكراد في شمال سوريا، وإيجاد ممر إلى البحر المتوسط، إلى جانب تفاصيل صفقة شراء نظام «إس - 400» الروسي للدفاع الصاروخي.
وقبل توجهه إلى سوتشي، عقد إردوغان، في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس، لقاء مفاجئاً لم يكن مدرجاً على جدول أعماله لهذا اليوم، حضره رئيس الوزراء بن علي يلدريم، ورئيس هيئة أركان الجيش خلوصي أكار، ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو.
وبحسب مصادر ووسائل إعلام تركية، فإن الاجتماع الطارئ تناول أجندة إردوغان في روسيا، والملفات المطروحة للبحث مع الرئيس بوتين، إضافة إلى الاطلاع على نتائج زيارة رئيس الوزراء إلى الولايات المتحدة، ومباحثاته مع المسؤولين الأميركيين، التي تناولت في جانب منها الدعم الأميركي للميليشيات الكردية في سوريا، وهو ملف يثير توتراً في العلاقات التركية الأميركية.
كان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، قد قال، أول من أمس، إن الملف السوري والتطورات الميدانية والسياسية المتعلقة به، سيكون على رأس أجندة إردوغان في سوتشي.
وبشأن المباحثات مع المسؤولين الأميركيين حول الدعم المقدم لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، والتسليح الأميركي لذراعه العسكرية (وحدات حماية الشعب الكردية)، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم قبل عودته من واشنطن، فجر الأحد، في مقابلة مع قناة «سي إن إن» الأميركية: «إننا نعتقد أنّ تعاون الولايات المتحدة مع الاتحاد الديمقراطي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي لن يساهم بجلب السلام والاستقرار للمنطقة».
وأضاف يلدريم أن الاتحاد الديمقراطي، ووحدات حماية الشعب الكردية، وحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق، هي مجموعات كردية ماركسية لينينية، وأن الموقف الذي تتخذه أميركا بالتعاون معها لن يساهم بجلب السلام والاستقرار للمنطقة.
وفيما يتعلق بملف صفقة صواريخ «إس - 400»، التي سبق أن أثارت توتراً مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، استبق وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي زيارة إردوغان إلى روسيا بالتأكيد على أن بلاده استكملت شراء منظومة صواريخ «إس - 400» الدفاعية المتطورة من روسيا، وأنها تعمل في الوقت نفسه مع شركة فرنسية إيطالية لتطوير منظومة دفاع جوي خاصة بها، في مسعى لتهدئة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي أبدى تحفظاً على تعاقد تركيا (العضو به) على أنظمة دفاعية مع دول من خارجه.
وقال جانيكلي إن عملية شراء المنظومة انتهت، وما تبقى هو عبارة عن تفاصيل جزئية فقط.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقبل زيارة لبوتين لأنقرة في الثامن والعشرين من الشهر نفسه، نفى إردوغان وجود مشكلة في صفقة شراء منظومة صواريخ الأرض جو الروسية (إس - 400)، وأعلن أنه تم أيضاً إجراء محادثات مع موسكو بشأن اقتناء منظومة «إس - 500».
وقال إنه لن يكون هناك إنتاج مشترك روسي تركي في المرحلة الأولى من صفقة صواريخ «إس - 400» التي ستشتريها تركيا، لكن في المرحلة الثانية ستتخذ خطوات بخصوص الإنتاج المشترك.
وجاء ذلك بعد أيام من تلميح جاويش أوغلو إلى إمكانية إلغاء صفقة «إس - 400»، والتوقيع مع بلد آخر، حال عدم اتخاذ خطوات للإنتاج المشترك لهذه المنظومة، قائلاً: «إذا لم تدرس روسيا الأمر بشكل إيجابي، فسنضطر إلى توقيع الصفقة مع بلد آخر».
وقال سيرغي تشيميزوف، مدير عام مؤسسة «روس تيخ»، إن «الحديث يدور عن تكنولوجيا جدية، لا يمكن أخذها وبناء مصنع لإنتاج هذه المنظومات، لأن هذا يحتاج إلى كوادر ذوي مهارة عالية ومدرسة تكنولوجيا، ولتحقيق ذلك يحتاج الأمر عشرات السنين».
وعلى الرغم من امتناع مؤسسة «روس أبورون إكسبورت» و«الهيئة الفدرالية للتعاون العسكري التقني» عن التعليق رسمياً على تصريحات جاويش أوغلو، فإن بعض المصادر في الهيئة الفدرالية رأت في تصريحاته «عناصر لعبة سياسية».
وقال وزير الدفاع التركي إن حكومته تعمل مع شركة «يوروسام» الفرنسية الإيطالية لتطوير منظومة دفاع جوي، وامتلاك تكنولوجيا تلك المنظومة، لافتاً إلى أن الاتفاق المبدئي الذي وقعته تركيا مع الشركة لتطوير وإنتاج منظومة دفاع جوي يهدف لتعزيز القدرات التركية المحلية على المدى البعيد في هذا المجال.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.