توماس هوبز وثقافة الفكر المطلق

توماس هوبز
توماس هوبز
TT

توماس هوبز وثقافة الفكر المطلق

توماس هوبز
توماس هوبز

لا خلاف على أن فلسفة الفكر السياسي تأثرت كثيراً بثلاثة كتاب وضعوا الإطار العام لمستقبل نظم الحكم في الغرب خلال الفترة من منتصف القرن السابع عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر، وهم توماس هوبز، وجون لوك، وجان جاك روسو، أو رواد الفكر السلطوي والليبرالي والرومانسي - الشمولي على التوالي، فلم يخرج أي نظام سياسي غربي عن النماذج الثلاثة التي وضعوها على مدار أكثر من مائتي وخمسين عاماً. وقد استهل الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز هذه السلسلة من خلال كتابه الشهير «ليفياثان Leviathan» أو «المارد» الذي وضع فيه فسلفته السياسية بشكل منمق، مبرراً أهمية الحكم المطلق لحماية المجتمعات السياسية من الفوضى. ولا خلاف على أن الرجل كان يضع أفكاره على خلفية حدثين مهمين للغاية؛ الأول الحرب الأهلية الإنجليزية بين الملك والبرلمان التي انتهت بالإطاحة برقبة الأول، وتولى كرومويل السلطة المنفردة في البلاد. أما الحدث الثاني فكانت الحرب الدائرة في أوروبا والمعروفة بـ«حرب الثلاثين عاماً» التي انتهت بضرب سلطة البابا والإمبراطور وإقرار مفهوم سيادة الملوك والأمراء وبدء الفكر العلماني في أوروبا، بما يعني تقويض مفهوم «حكم الملوك الإلهي» الذي بمقتضاه تكون سلطة الملوك مستمدة من الكتب المقدسة.
لقد بدأ فكر هوبز بما سماه «حالة الطبيعة State of Nature»، وهي المرحلة التي سبقت تكوين المجتمع، فكانت فيها حياة الفرد حرباً بين الجميع، لأن الإنسان لم يكن قادراً على إدارة مصالحه دون صدامات مع باقي أطراف المجتمع، فكانت حياة الفرد منعزلة وفاسدة وصعبة وقد وصفها بعبارته الشهيرة: «... أن حياة الإنسان كانت وحيدة وفقيرة وعنيفة وقاسية وقصيرة»، ومن ثم أصبحت هناك حاجة لإنشاء الكيان الاجتماعي لضمان أمن الفرد والأسرة بشكل منظم وممنهج، وقد استخدم الرجل فكرة «العقد الاجتماعي»، لتكون الأساس الذي يُبنى عليه المجتمع، فيكون هذا المفهوم الاعتباري أو النظري هو الأداة التي بمقتضاها يتفق الجميع على إنشاء الكيان الاجتماعي ويتنازلون من خلاله طوعاً عن حقوقهم الفردية لصالح السلطة المطلقة لفرد ويسميه هنا «السيد أو Sovereign» ويجوز أن تكون مجموعة حاكمة أيضاً، وتكون مسؤولية هذه السلطة سن التشريعات وتنظيم المجتمع الناشئ وخلق السلطة المركزية التي تراعي تطبيق القوانين وتلزم أفراد المجتمع بها، وبمجرد أن ينشأ المجتمع فإن أفراده تكون حقوقهم الأساسية مخولة للحاكم الذي يحق له الإدارة المطلقة للمجتمع أو الدولة دون أي تدخلات من قبل المجتمع.
لقد اعتبر هوبز العقد الاجتماعي مشروعاً بين أفراد المجتمع وليس بين المجتمع والحاكم، فلقد رأى أن الحاكم لا دور له في هذا العقد، لأنه مقصور على الأفراد دونه، فهو بالتالي خارج عن نطاقه بالكامل، ومن ثم فلا يخضع له سياسياً أو عملياً، بل إن التفويض الصادر له بموجب هذا العقد لإدارة الحكم يكون مطلقاً، ولا يجب أن يكون خاضعاً لأي رقابة، لأن هذا يعد انتقاصاً واضحاً لسيادته المطلقة، وبمجرد أن يتم تأميره على المجتمع فإنه لا يخضع لأي محاسبة أو حتى رقابة من قبل المجتمع أو هيئاته الأخرى، فسلطة الحاكم مطلقة ومستمدة من القناعة الكاملة بأن وجوده هو الذي يفصل بين المجتمع وحالة الطبيعة أو الفوضى، وقد رأى هوبز أن وجود أي نوع من توازن السلطات يمثل خرقاً لهذه السيادة المطلقة، فتوازن السلطات هنا يكون من شأنه أن يضعف السلطة المطلقة للحاكم أو النخبة الحاكمة، وهو ما سيؤثر سلباً على فرص إدارة المجتمع والمحافظة على السلم الداخلي، وسيكون من شأنه خلق صراع سياسي بين أجهزة الدولة الحاكمة، ومن ثم ضرورة الابتعاد عن هذا النموذج حفاظاً على المجتمع، وهنا يبدو واضحاً تأثير الحرب الأهلية الإنجليزية الضروس على مسيرته الفكرية وخوفه الشديد على المجتمع من ازدواجية وتضارب سلطات الأجهزة المختلفة بسبب الصراع بين الملك والبرلمان.
وهكذا وضع هوبز اللبنة الفكرية الأولى لثقافة السلطة المطلقة بعد أن تم تقويض مفهوم «حكم الملوك الإلهي» المطلق الذي كان الشرعية الأساسية التي استند إليها ملوك وأمراء أوروبا آنذاك في استمداد الشرعية للحكم، بالتالي فإن ممارسة أي سلطة مطلقة للحاكم أصبحت بحاجة إلى صيغة شرعية جديدة مستمدة من المجتمع ذاته وليس من تفسيرات النص المقدس الذي كانت الكنيسة تملك مفاتيحه خصوصاً بعدما تم إخراجها من المعادلة السياسية، بالتالي فإن مفهوم العقد الاجتماعي عند هوبز أصبح الأداة التشريعية الجديدة لتبرير بل وتقنين الحكم المطلق للملوك أو الحكام في أوروبا، وبالتالي فليس من المستغرب أن يكون الزمن الذي تلا فكر هوبز معروفاً في كتب التاريخ بـ«عصر السلطة المطلقة Age of absolutism»، ولكنه بالتأكيد ليس نتاجاً لفكره، بل إن فكره هنا كان الأداة السياسية التي بررت وجوده ودفعت به فكرياً، وخلقت القاعدة العامة لقبوله بعد استبدال القاعدة الشرعية القديمة، ولكن التطور الفكري والبشري للإنسانية لا حدود له، فبعد هوبز بخمسة عقود ظهر فكر جون لوك الذي وضع أساساً مختلفاً لقواعد الحكم والشرعية السياسية كما سنرى.



لُجين نعمة تلتقط الأمل المولود من رحم الخراب

على باب الله (الشرق الأوسط)
على باب الله (الشرق الأوسط)
TT

لُجين نعمة تلتقط الأمل المولود من رحم الخراب

على باب الله (الشرق الأوسط)
على باب الله (الشرق الأوسط)

«طريق العودة من المنفى أمل يولَد من رحم الخراب»، هو معرض مؤثر تستضيفه العاصمة الفرنسية باريس، يكشف العلاقة بين الحرب والوطن، من خلال أعمال مصوِّرة شابة هي لجين نعمة.

مسيحية تحتفل بعيد الشعانين (الشرق الأوسط)

تستخدم الفنانة كاميرتها وسيلة للتعبير، وتشارك تجربتها الشخصية في الصّمود، وحياتها المكتظة بالأحداث، والتنقل بين مُدن وطنها العراق والمنفى. تفتح الصور المعروضة نافذة على الدّمار الذي خلّفته الحرب، حيث تلتقط المنازل المدمَّرة، والذكريات المهجورة، والأطفال الذين يسيرون بين الأنقاض. تجسّد كلّ صورة من صورها تجربتها الحياتية، وتعكس التحديات التي واجهتها هي وكثيراً من العراقيين الذين اضطروا لسلوك دروب الهجرات.

هنا كان بيت (الشرق الأوسط)

تُركّز لجين نعمة على مواضيع التهجير، والفقدان، والمرونة، مسلّطة الضوء على قصص حياة مضطربة، لكنها قاومت ولم تُدمّر. ويُكرِّم هذا المعرض كل من اضطر للفرار من وطنه، ويُشيد بمن بقي متمسكاً بجذوره رغم الصّعاب.

حذاء بقي من لحظة هروب (الشرق الأوسط)

لا يكتفي «طريق العودة من المنفى» بتوثيق الماضي، بل ينفذ إلى قوة الروح البشرية في مواجهة المِحن. وبالنسبة للزوار من الفرنسيين والعرب، يشكل هذا المعرض دعوة لفهم المعاناة التي جرى تحملها، وأيضاً القدرة المدهشة على إعادة بناء الحياة وإعطائها معنى جديداً، حتى في أصعب الظروف.

وُلدت لجين نعمة في البصرة عام 1994، وترعرعت في بيئة هادئة بعيدة عن الاضطرابات السياسية التي عصفت ببلدها. بدأت تُدرك وحشية الحرب مع الغزو الأميركي للعراق.

أرض الخيرات (الشرق الأوسط)

وفي عام 2005، بعد الاختطاف المأساوي لوالدها، لجأت عائلتها إلى مدينة قرقوش في ضواحي الموصل. لكن في عام 2014، ومع تهديد تنظيم «داعش»، أُجبرت العائلة على الفرار، هذه المرة، إلى لبنان، ومن ثَمّ إلى فرنسا حيث حصلت العائلة على اللجوء. وخلال هذه الفترة من المنفى، أصبح التصوير الفوتوغرافي وسيلة المرأة الشابة للبقاء والتعبير، مما ساعدها على اجتياز المحن والتواصل مع ماضيها.