منتدى «ميدايز» طنجة يستشرف قضايا القمة الأفريقية ـ الأوروبية المقبلة

TT

منتدى «ميدايز» طنجة يستشرف قضايا القمة الأفريقية ـ الأوروبية المقبلة

وصف ديوكوندا تراوري، رئيس مالي السابق، الشراكة بين أوروبا وأفريقيا بشراكة الحصان والفارس، وقال إن «هذا ما كنا عليه حتى الآن، الفارس يركب الحصان، غير أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر».
وقال تراوري، الذي كان يتحدث أمس خلال أولى ورشات منتدى «ميدايز» في طنجة، والتي خصصت لاستشراف مواضيع القمة الأفريقية - الأوروبية المقبلة في أبيدجان: «بالنسبة لأفريقيا لم تتغير أهدافنا كثيرا منذ ستينات القرن الماضي.
ففي ذلك الوقت كنا منخرطين في معركة التحرير من أجل نيل الاستقلال السياسي، وأيضا الاقتصادي. وقد استكملت أفريقيا استقلالها السياسي مع إنهاء النظام العنصري في جنوب أفريقيا، غير أن معركة الاستقلال الاقتصادي، وهي الأهم، ما زالت مستمرة».
وتوقف تراوري عند مفارقة الأمن والتنمية في العلاقات الأفريقية - الأوروبية، بقوله: «صحيح أنه لا يمكن تصور تنمية من دون توفير الأمن، لكن أيضا لا يمكن استتباب الأمن من دون تنمية وتكوين الشباب وتشغيلهم». وقال تراوري، الذي تولى رئاسة مالي خلال الفترة الانتقالية التي عقبت سيطرة الجماعات المتطرفة على شمال البلاد: «يجب أن نحدد ما هي طبيعة المشكلة الأمنية في أفريقيا»، مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق بتاتا بالإسلام والمسلمين، وأن الصراع كان بين فريقين، أحدهما يريد العودة بالبشرية إلى الوراء وتخريب الحضارة الحديثة، والثاني يسعى للدفاع عن الحضارة»، مشددا على أن مالي لم تكن الهدف، بل كانت فقط كانت مسرح عمليات لصراع شمولي يهدد العالم أجمع.
كما شدد تراوري على القول إن الشراكة الجديدة بين أفريقيا وأوروبا يجب أن تتحرر من الخلفيات السابقة، وأن تبنى على أساس التوازن والتعاضد والتكامل.
من جانبه، اعتبر بيرتي أهيرن، الوزير الأول الأسبق لآيرلندا، أن التعليم وتكوين الشباب يجب أن يكتسي طابع الأولوية في إطار الشراكة بين أوروبا وأفريقيا، داعيا إلى استلهام التجارب الناجحة عبر العالم وتطوير مبادرات من أجل النهوض بالتعليم في أفريقيا.
وفي نفس الاتجاه، قال سيريل سفوبودا، نائب الوزير الأول التشيكي السابق، إن أوروبا مطالبة أن تجد حلا لمفارقة الخوف من الإسلام والحاجة إلى اليد العاملة القادمة من الجنوب، مشيرا إلى أن «أوروبا ستحتاج إلى استقدام 72 مليون شخص من الجنوب بسبب شيخوخة سكانها خلال السنوات المقبلة»، إذ إن متوسط عمر سكان أفريقيا هو 21 سنة، فيما متوسط عمر سكان أوروبا يناهز 48 سنة. وقال سفوبودا إن التركيز على التعليم وتكوين الشباب أصبح أمرا ضروريا لحل هذه المعضلة.
بدوره دعا توفيق ملين، المدير العام للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية بالرباط، إلى ضرورة القطع مع مقاربة «المركز والمحيط» المعتمد حتى الآن في العلاقات بين أوروبا وأفريقيا، واستبدالها بمقاربة جديدة تنطلق من التكاملات بين القارتين والتحديات المشتركة، وأضاف أن الشراكة المنشودة بين الطرفين يجب أن تكون ذات محتوى اقتصادي وسياسي كبيرين، مشيرا على الخصوص إلى أن المنطقة المتوسطية أصبحت مهددة بفقدان مركزيتها لصالح آسيا. وفي هذا الصدد شدد ملين على أهمية التعاون الأطلسي بين أفريقيا وأميركا وأوروبا في استرجاع هذه المركزية.
كما دعا ملين إلى ضرورة إعادة النظر في سياسة الجوار الأوروبية، والارتقاء بها من مستوى التجارة الحرة إلى مستوى المشروع الحضاري، مع انفتاحها وتوسيعها لتشمل جوار الجوار.
ورأى ملين أن على أوروبا أن تغير أيضا نظرتها تجاه الهجرة، التي يهيمن عليها الهاجس الأمني، مبرزا المقاربة الجديدة للهجرة من وجهة نظر إنسانية التي اعتمدها المغرب.
وشدد المشاركون في الورشة، التي ساهم فيها 17 شخصية بينهم رؤساء حكومات ووزراء سابقون وخبراء، على ضرورة دعم التحولات الاقتصادية التي تعرفها أفريقيا، ومساعدتها على تطوير بنياتها التحتية، وتعزيز قدراتها الأمنية والدفاعية، سواء على مستوى الدول أم على المستوى القاري من خلال تسريع بناء قوة التدخل الأفريقية المشتركة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.