مجلس الأمن يدين ميانمار بقوة في بيان غير ملزم

توصل مجلس الأمن إلى صيغة توافقية تجاه مشروع قرار حول أزمة الروهينغا بسبب تهديد الصين، حليفة ميانمار، باستخدام «الفيتو»، إذا ما تم اتخاذ قرار أممي يدين ميانمار وملزم قانونيا. وبدلا من مشروع القرار الذي تقدمت به فرنسا وبريطانيا، جاءت الإدانة غير الملزمة على شكل بيان باسم الأمين العام للأمم المتحدة؛ إذ أعرب المجلس عن «قلقه العميق» إزاء انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت ضد مسلمي الروهينغا في ولاية راخين في غرب ميانمار، بما في ذلك قتل الرجال والنساء والأطفال والعنف الجنسي وتدمير المنازل والممتلكات وحرقها، وطالب حكومة ميانمار بوقف عملياتها العسكرية والسماح للاجئي الروهينغا بالعودة إلى ديارهم. وأدان البيان، الذي تبناه المجلس بالإجماع، العنف واسع النطاق في المنطقة، ودعا ميانمار إلى «ضمان عدم الاستخدام المفرط للقوة العسكرية في ولاية راخين واستعادة الإدارة المدنية وتطبيق سيادة القانون». وبحسب مصادر دبلوماسية، فقد تضمن بيان مجلس الأمن غالبية الفقرات التي كان مشروع القرار البريطاني - الفرنسي يتضمنها والذي هددت بكين باستخدام «الفيتو» لتعطيله إذا ما أصرت باريس ولندن على طرحه للتصويت. وبعد مفاوضات شاقة، وافقت الصين على صدور هذا النص على شكل بيان وليس على شكل قرار دولي. ولا يتضمن البيان أي إشارة إلى عقوبات يمكن لمجلس الأمن أن يفرضها إذا لم تلق مطالبه آذانا صاغية، وهو ما دفع بكثير من المنظمات الحقوقية، وفي مقدمها «هيومان رايتس ووتش»، لانتقاد المجلس على هذا الرضوخ للإرادة الصينية.
وقال أعضاء مجلس الأمن الـ15 في بيانهم إنهم وإذ يعربون عن «بالغ قلقهم» إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في راخين «بما في ذلك تلك التي ارتكبتها قوات الأمن» يطالبون بسوْق المسؤولين عنها أمام القضاء.
وأعاد البيان التذكير بالمطالب الثلاثة الرئيسية التي ما فتئت الأمم المتحدة تطالب بها منذ أكثر من شهرين من دون أن تلقى آذانا صاغية من جانب السلطات، وهي وقف العنف، وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية إلى ولاية راخين، والسماح للاجئين بالعودة من بنغلاديش إلى راخين. ودعا البيان السلطات إلى السماح بدخول العاملين في القطاع الإنساني إلى كل منطقة راخين، وطلب من الحكومة معالجة جذور الأزمة «عبر المساواة في منح الجنسية».
ويتعرض الروهينغا منذ عقود للتمييز في ميانمار، حيث يحرمون من الحصول على الجنسية وينظر إليهم على أنهم مهاجرون «بنغاليون». وفر أكثر من 600 ألف من الروهينغا من ميانمار إلى بنغلاديش المجاورة منذ اندلاع أعمال العنف في 25 أغسطس (آب) الماضي، حيث قامت ميليشيات بوذية والجيش بحملة ضد قرى الأقلية المسلمة. وعلى الرغم من ادعاءات حكومة ميانمار بأن ما تسمى «عمليات التطهير» من قبل الجيش توقفت في 5 سبتمبر (أيلول) الماضي، فإن اللاجئين الروهينغا لا يزالون يعبرون إلى بنغلاديش. ودعت الأمم المتحدة مرارا ميانمار إلى السماح للجماعات الإنسانية بالوصول إلى راخين. ووصف مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد بن الحسين، الأزمة بأنها «مثال على التطهير العرقي».
كما دعا البيان حكومة ميانمار إلى اتخاذ خطوات فورية لاحترام حقوق الإنسان للفئات الضعيفة «بغض النظر عن الانتماء العرقي أو الدين أو الجنسية». وعدّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، كما نقلت عنه وكالات الأنباء، هذه الخطوة «إيجابية»، وفقا لما ذكره المتحدث باسمه فرحان حق للصحافيين في نيويورك. غير أن سفير ميانمار لدى الأمم المتحدة هاو دو سوان قال إن البيان «يمارس ضغوطا سياسية لا مبرر لها» على البلاد، واعترض على «الادعاءات» ضد الحكومة وقوات الأمن، التي قال إنها تستند إلى «دليل مُدعى على نحو خاطئ واتهامات».
وقال دبلوماسيون، كما جاء في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه خلال المفاوضات مع الصين، تم تخفيف اللهجة حول حقوق الجنسية، وكذلك بشأن مطالبة ميانمار بالسماح بزيارة بعثة لحقوق الإنسان إلى البلاد. ودعا البيان إلى التعاون مع الأمم المتحدة وأكد أنه يشجع الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش على تعيين مستشار خاص لهذه الأزمة.
وقال السفير الفرنسي فرنسوا ديلاتر إن مجلس الأمن يعبر عن طريق هذا البيان عن «رسالة قوية وتلقى إجماعا لإنهاء التطهير العرقي الذي يجري أمام أعيننا في ميانمار».
من جهته، قال مساعد سفير بريطانيا لدى المجلس جوناثان ألان: «سنحكم على ميانمار من سلوكها. أمامهم 30 يوما قبل أن يقدم الأمين العام (للأمم المتحدة) تقريره».
وصدر البيان بينما يستعد غوتيريش للتوجه إلى مانيلا هذا الأسبوع لحضور قمة رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) التي ستبحث في قضية الروهينغا.
واتهمت منظمات عدة للدفاع عن حقوق الإنسان مجلس الأمن الدولي بالتباطؤ، ودعت إلى عقوبات ضد المتورطين في الفظائع في راخين. وقالت اكشايا كومار، نائبة مدير منظمة «هيومان رايتس ووتش» في الأمم المتحدة إنه «بسيرهم قدما، على أعضاء مجلس الأمن أن يظهروا بوضوح أنهم لن يكونوا رهائن لاعتراضات الصين؛ بل تدفعهم احتياجات الضحايا والوقائع على الأرض، وليس ما يريح الصين».