الأدب دون سحره

أسلوب محفوظ يتفوق على عبقرية يوسف إدريس

نجيب محفوظ - يوسف إدريس
نجيب محفوظ - يوسف إدريس
TT
20

الأدب دون سحره

نجيب محفوظ - يوسف إدريس
نجيب محفوظ - يوسف إدريس

يبدو الناقد المصري شاكر عبد الحميد في نشاطه مثل الظواهر الطبيعية التي لا تقف في طريقها العقبات؛ يعمل دائماً، يكتب وينشر ويشارك في كثير من الندوات الخاصة بالشعراء والكتاب، من الأجيال الأحدث بشكل خاص، وقد أضاف الكثير في حقول من التأليف نادرة في الأفق الثقافي العربي، وتحديداً في علم النفس والإبداع ودراسات الخيال والصورة، ودائماً ما يكون مواكباً للحظة النقدية العالمية.
أحدث كتب شاكر صدر أخيراً عن الدار المصرية اللبنانية تحت عنوان «مدخل إلى الدراسة النفسية للأدب»، وهو يقدم إضاءة شاملة حول التأثير المتبادل بين الدراسات النفسية والأدب، ويعتقد أن التفاعل بين علم النفس والأدب تأثر، بسبب مقاومة كليهما، حيث كان علم النفس يجاهد من أجل الاعتراف به كعلم موضوعي ينتمي إلى حقل العلوم الطبيعية الصارمة، وهو علم حديث نسبياً تأسس عملياً عام ١٨٩٧، وهو تاريخ إنشاء أول معمل لعلم النفس في لايبزيغ بألمانيا. وفي المقابل، كان نقاد الأدب والأدباء يقاومون البحوث النفسية للأدب، وقد تجلى ذلك في قول اثنين من أشهر النقاد، هما رينيه ويليك وأوستن وارين: «إن الفن العظيم يتجاوز معايير علم النفس».
ويأتي الكتاب على إسهامات كثير من الفلاسفة وعلماء النفس في تأمل الظواهر الإبداعية، ويقف ملياً عند فرويد ويونج، قبل أن يشير إلى إمكانية التعامل الإمبريقي مع الأدب، من خلال محتوى النصوص وشخصيات المؤلفين وتفضيلات القراء والسياق الاجتماعي العام، وعملية الإبداع ذاتها بما تحتويه من نشاطات وعلاقات، الأمر الذي يجرد هذه العملية من بعض غموضها، ويجعل منها ظاهرة قابلة للدرس العلمي المنضبط.
ويوفر الكتاب فرصة للتلصص على عوالم مبدعين كبار، من أمثال هنري ميللر، وبلزاك، ونجيب محفوظ، وغابرييل غارثيا ماركيز، من خلال اعترافاتهم وشهاداتهم الخاصة حول طقوسهم ورؤيتهم لعملية الإبداع في الأدب، وكذلك من خلال وجهة النظر النقدية والتحليل النفسي.
قد يكون التحليل النفسي أصدق في سبر أغوار العملية الفنية، حيث لا يمكن الركون إلى أقوال المبدع نفسه، الذي قد لا يعلم بجوهر ما يحدث داخله أو قد يتحدث بنوع من السخرية التبسيطية، مثل النرويجي كنوت همسون (1859 - 1952)، الذي قال ذات مرة إنه كتب ليقتل الوقت، وقد يحاكي الكاتب كاتباً آخر في حديثه عن الكتابة.
المنهج المحفوظي
يحظى نجيب محفوظ بفصل خاص في الكتاب. وينطلق شاكر عبد الحميد من مقولة جورج بوفون «الأسلوب هو الرجل» لدراسة محفوظ وتجربته. وحسب بوفون، لا تخلق النفس الإنسانية شيئاً من العدم، لذلك لا يكتب الكاتب إلا بعد أن تكون التجربة قد أخصبته، وصار مسيطراً على موضوعه، وأن يفكر فيه بالقدر الذي يسمح له أن يرى بوضوح نظام أفكاره، وأن يصوغ هذا النظام في قالب متتابع.
ويتساءل شاكر: هل بوسعنا القول إن ما يسميه علماء النقد والبلاغة الأسلوب هو ما نسميه في علم النفس بالشخصية؟ باعتبار الشخصية مجموعة من الخصائص والسمات المميزة لشخص؟ من هذا التطابق الذي يفترضه، يسعى للبحث في شخصية وأسلوب محفوظ المعرفي، بمنحى يمكن أن يحملنا إلى التفكير بمصطلح آخر هو «المنهج». ويرى شاكر أن المستوى المتوسط للذكاء شرط ضروري لحدوث الإبداع، وبمعنى آخر: يكفي أن يكون الشخص متوسط الذكاء لكي يكون مبدعاً، ذلك لأن الإبداع سيتحدد وفقاً للمنهج (الأسلوب المعرفي) الذي يستخدم به المرء هذا الذكاء.
ويعقد الدكتور عبد الحميد مقارنة بين يوسف إدريس ونجيب محفوظ، فيقول إن قدرات إدريس الإبداعية هائلة، لكنها تبددت لأنه لم يحسن استغلالها بسبب أسلوبه في الحياة، بعكس محفوظ الذي استطاع تنظيم القدرات الإبداعية الأقل، بفضل امتلاكه الأسلوب المعرفي وأسلوب الحياة المناسب.
الأسلوب المعرفي هو الطريقة التي يحصل بها الناس على المعلومات من البيئة المحيطة بهم، وكيفية معالجة هذه المعلومات، بعضهم يحصلها باندفاع ويفقدها بسرعة، وبعضهم يتأملها ويكتشفها طبقة وراء طبقة. الأسلوب الأول في تلقي العالم أنتج يوسف إدريس، والثاني نجيب محفوظ الذي صار نموذجاً لدافعية الإنجاز والسيطرة على العمل، وهذا يرتبط بعدد من الخصائص المزاجية لدى هذا الكاتب الكبير، منها المزاجية والانطوائية والتحفظ، رغم ما يظهر عند المستوى السطحي من انبساطية وحب للظهور والسخرية والمرح، إلا أنه أقرب إلى الانطوائي الذي لا يعبر عن نفسه إلا بالعمل.
ويقدم شاكر ما يشبه السيرة الإبداعية والحياتية للرجل الذي قال في حواره مع الناقد فؤاد دوارة إنه واصل مشواره لأنه اعتبر الفن حياة لا حرفة. ويتوقف أمام فترة الكف الإبداعي عند محفوظ، التي استمرت في الفترة بين 1952 و1956، التي يعتقد كثيرون أن لها علاقة بالتحول السياسي الذي صاحب حركة الضباط الأحرار، بينما ينتصر شاكر عبد الحميد لاحتمال آخر يتعلق بنظرة رجل الأسلوب لفنه، ويرجح أنه توقف كي يحسم صراعاً في نفسه بين كثرة الإنتاج والأصالة، وكان من الممكن أن يفعل هذا بعد أن انتهى من عمل كبير (الثلاثية) استغرق أربع سنوات من العمل، انتهت في 1952.
ما أهمله الناقد
تحت عنوان «الإبداع والمجتمع»، يتوقف المؤلف أمام الضغوط الاجتماعية التي يمكن أن يتعرض لها المبدع، وأهمها الرفض الاجتماعي أو قلة الاهتمام بأعماله، وصولاً إلى مختلف صور السخرية والاستهجان، وانتهاء بالتضييق على نشر الإنتاج، وحجب المكافآت والمنح الفنية والجوائز، منوهاً بالمبدعين الذين تعرضوا للتجاهل، مثل الرسام والشاعر الإنجليزي وليم بليك، والكاتب التشيكي فرانز كافكا، وقائمة من الكتاب المصريين، مثل سعد مكاوي وضياء الشرقاوي ومحمد مستجاب.
وهذه كلها إكراهات تقع من المجال العام، وتقع على المنتج الأدبي بالأساس، غير أن عدم التقدير لا يقتصر على عدم تقدير المنتج الأدبي، بل كذلك عدم تقدير لحظة الإبداع وطبيعة عمل الكاتب. وكنت أتمنى على المؤلف أن يتعرض لذلك النوع من الضغوط الذي ينبع من جهل بالمجتمع الصغير للمبدع بخصوصيات الإبداع: العائلة والأصدقاء وزملاء العمل (إذ إن غالبية المبدعين يضطرون إلى مزاولة أعمال أخرى)، وغالباً ما يعيش المبدع مدافعاً عن نفسه، حيث يكون عليه أن يبرر نفسه دائماً، وأن يشرح دواعي العزلة الضرورية، بينما يقاوم الآخرون تقبل نمطه الخاص من العيش، وتقبل إعفائه من المهام الاجتماعية التي يقوم بها غيره من الناس.
لا أحد يخترع العجلة!
ينتهي الكتاب بمفهوم «أفق التوقعات»، وهو من المفاهيم شديدة التأثير على عمليتي الإبداع والتلقي، فهو قيد وحافز الذي يعمل في شكل دائرة تؤثر في توجهات العمل الفني، مثلما تؤثر في الطريقة التي يتم تلقيه بها.
وهناك ثلاثة مستويات من العلاقات من هذا النوع: علاقة المبدع بذاته، فهو الناقد الأول لعمله، ثم الجماعة السيكولوجية، ويقصد بها المتلقين الأوائل للعمل، ويزخر تاريخ الفن بصداقات من هذا النوع، وهناك جماعة الجمهور العام التي يتوجه إليها المبدع أملاً في الحصول على إعجابها، وهذه المجموعة بدورها تتوقع من المبدع ما يرتبط بذوقها وخبراتها السابقة بالفن الذي يزاوله، وكذلك بسبب خبراتها بالأعمال السابقة للمبدع نفسه. وهكذا، لا يوجد عمل جديد تماماً، ولا يظهر العمل الجديد في ظل فراغ من المعلومات، لكنه يهيئ جمهوره لنوع خاص من التلقي، استناداً إلى ما يحتويه من خصائص مميزة ومألوفة.



الأهل يعانون... كيف نجعل المراهقين يتركون هواتفهم ليلاً للنوم؟

ما علامات الحرمان من النوم لدى المراهقين؟ (رويترز)
ما علامات الحرمان من النوم لدى المراهقين؟ (رويترز)
TT
20

الأهل يعانون... كيف نجعل المراهقين يتركون هواتفهم ليلاً للنوم؟

ما علامات الحرمان من النوم لدى المراهقين؟ (رويترز)
ما علامات الحرمان من النوم لدى المراهقين؟ (رويترز)

بالنسبة للعديد من العائلات في جميع أنحاء العالم، أصبح طقس النوم الليلي، المتمثل في دخول المراهقين إلى السرير، ساحة معركة، إذ يعاني الأهل في جعل أولادهم المراهقين يبتعدون عن الهاتف والذهاب للنوم.

ووفق تقرير لصحيفة «إندبندنت» البريطانية، فإن هذا الموضوع هو انعكاس لتوجه أوسع نطاقاً ومقلق.

وتشير الأبحاث إلى أن المراهقين اليوم يعانون من مستويات غير مسبوقة من الحرمان من النوم. فبينما توصي مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بنوم ما بين 8 إلى 10 ساعات للمراهقين، فإن ما يقرب من 80 في المائة من المراهقين الأميركيين لا يحققون هذا الهدف.

ولقلة النوم لدى المراهقين عواقب بعيدة المدى، إذ تؤثر على الصحة النفسية، والحضور المدرسي، والصحة العامة.

على عكس الاعتقاد السائد، فإن روتين النوم المنظم لا يقتصر على الأطفال الصغار فقط.

وأكدت دينيس بوب، خبيرة نمو الطفل والمحاضرة البارزة في كلية الدراسات العليا للتربية بجامعة ستانفورد، على أهمية اتباع روتين نوم منتظم للمراهقين.

وقالت إن التعديلات البسيطة في طريقة تعامل الأسر مع النوم يمكن أن تُحدث تحسينات كبيرة.

الخطوة الأولى

افصل المراهقين عن أجهزتهم ليلاً. الهواتف والأجهزة اللوحية وخدمات البث وألعاب الفيديو ليست الأشياء الوحيدة التي تُبقي المراهقين مستيقظين ليلاً، لكن الخبراء يُجمعون على أنها عامل رئيسي في تأخير النوم.

ونصحت بوب «بالتخلص من الإغراءات في غرفة النوم. إذا كان الهاتف في متناول اليد، فمن الصعب تجاهل رنين الإشعارات».

ويقول العديد من المراهقين إنهم ينامون أثناء تصفحهم للإنترنت، أو يمسكون بهواتفهم إذا واجهوا صعوبة في النوم، وينتهي بهم الأمر بالتصفح لساعات.

كن مستعداً للأعذار

«هاتفي هو منبهي» جملة يسمعها الكثير من الآباء. الحل: اشترِ منبهاً.

اجعل المراهقين يضعون الشاشات بعيداً قبل ساعة من موعد النوم. فالتعرض للضوء يمنع إفراز الميلاتونين، وهو الهرمون الذي يفرزه الدماغ ويجعلنا نشعر بالنعاس.

بيئة مساعدة

ثم، دعهم يستبدلون الشاشات بروتين جديد للاسترخاء.

ليحاولوا أيضاً الذهاب إلى الفراش في الوقت نفسه تقريباً كل ليلة، والاسترخاء قبل النوم بنصف ساعة على الأقل.

خلال ذلك، يجب كتم صوت الإشعارات، والاستحمام بماء دافئ، وقراءة كتاب. لمعرفة وقت نوم ابنك المراهق، جرّب استخدام «حاسبة وقت النوم» عبر الإنترنت.

أفضل بيئة للنوم هي غرفة باردة ومظلمة وهادئة. في المنازل الصاخبة، يمكن أن تساعد سدادات الأذن وقناع النوم. إذا كانت غرفة النوم دافئة جداً، فقد يؤثر ذلك على النوم والبقاء نائماً، كما تقول خبيرة نوم المراهقين كايلا والستروم.

ما علامات الحرمان من النوم لدى المراهقين؟

من الدلائل الواضحة على الحرمان من النوم: الانفعال، والغضب، والهشاشة العاطفية، وفقدان الحماس، والاندفاع، وزيادة احتمالية رؤية العالم ونفسه من منظور سلبي. قد ينام المراهق المحروم من النوم أيضاً أثناء النهار، أو في السيارة، أو في الفصل الدراسي.

وقالت ويندي تروكسيل، اختصاصية علم النفس السريري التي أجرت العديد من الدراسات حول نوم المراهقين: «كثيراً ما نلوم المراهقين على كسلهم أو تمردهم أو سوء سلوكهم، ويمكن إرجاع الكثير من ذلك إلى حرمانهم المزمن من النوم».

كيف نميز بين مراهق نعسان وآخر غاضب ولكنه نال قسطاً وافراً من الراحة؟

إحدى العلامات الرئيسية هي ما تسميه خبيرة النوم واختصاصية الأعصاب في جامعة بيتسبرغ جوانا فونغ إيسارياونغسي «صباحات الزومبي».

وقالت فونغ إيسارياونغسي: «إذا ضغط ابنك المراهق على زر الغفوة خمس مرات، أو استغرق وقتاً طويلاً في النهوض من السرير، أو طلب كوباً كبيراً من القهوة أول شيء في الصباح، فمن المرجح أنه يعاني من قلة النوم».

تُعد التقلبات المزاجية الشديدة علامة أخرى. فالنوم ضروري لمعالجة المشاعر، ولهذا السبب يكون المراهقون المحرومون من النوم أكثر عرضة للانفعال والقلق والاكتئاب.

قد يتأخر المراهق المحروم من النوم في دراسته، لأن النوم ضروري للتعلم وتقوية الذاكرة.

والمراهقون الذين ينامون أقل هم أكثر عرضة لاتخاذ قرارات خاطئة فيما يتعلق بتعاطي المخدرات أو الكحول، والقيادة المتهورة.

هل ينام ابنك المراهق حتى وقت الغداء في عطلات نهاية الأسبوع؟

وفق فونغ إيسارياونغسي، فإن نوم المراهقين حتى وقت الغداء في عطلة الأسبوع مؤشر على أنهم «على الأرجح لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم خلال الأسبوع».

وأضافت: «لا بأس من النوم لفترة أطول، ولكن حاول أن تقتصر على بضع ساعات. وإلا، فسيؤثر ذلك على الساعة البيولوجية للجسم ويصعّب عليه الاستيقاظ مع بداية الأسبوع الدراسي الجديد».