لندن قلقة على مكانتها في تجارة الذهب

الصين تسعى إلى أن تصبح بديلاً

TT

لندن قلقة على مكانتها في تجارة الذهب

بعد أعوام طويلة على مكانتها «المرموقة» بصفتها منصة تداولات رئيسية بالمعادن النفسية، تخشى لندن خسارة ثقلها التاريخي في هذه التداولات، نتيجة «البريكست» التي تهدد بإبعاد المصارف والمؤسسات الكبرى من العاصمة المالية.
فريديريك فان غيلدرين، من مصرف «يو بي إس» السويسري، تقول: «إن هجرة التداولات بالمعادن النفيسة من لندن إلى وجهات أخرى أبرزها مؤشر (كوميكس) للذهب في نيويورك سيقذف لندن وأسواقها إلى الوراء. فمؤشر (كوميكس) مثلاً بدأ يستقطب نحوه أحجاماً إضافية من التعاملات بالذهب».
وقفزت حركة التداولات بالذهب في الربع الثالث من العام، نحو 25 في المائة، في «كوميكس»، مقارنة بالربع الأسبق. في حين تراجعت هذه التداولات بمعدل 12 في المائة في الشهرين الأخيرين لدى London Precious Metals Clearing المشرفة على تنظيم أسواق المعادن النفيسة في لندن كي ترسو على 18.5 مليون أونصة في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
ويوضح الخبير ماريو غودوين، في قسم مبيعات المعادن الثمينة في مصرف «يوليوس بير» السويسري قائلاً: «تدرك جمعية سوق لندن للسبائك LBMA طبيعة التحديات التي ستواجهها قريباً، وهي تبذل ما بوسعها للضغط على السلطات الأوروبية لأجل إقناع الأخيرة بضرورة إنقاذ الذهب من براثين اتفاقية (بازل 3) المنوطة خصوصاً بكل ما له علاقة بنسبة صافي التمويل المستقر Net Stable Funding Ratio التي قد تجلب معها مفعولاً سلبياً على تجارة المعادن النفيسة بالجملة، سواء على مستوى التكاليف الأعلى من أي وقت مضى، أو على صعيد السيولة المالية في الأسواق».
وقرب دخول اتفاقيتين ماليتين دوليتين حيز التنفيذ، هما «بازل 3» وقانون الأسواق المالية MiFID 2 يجلبان معهما قساوة تنظيمية إضافية، وأعباء مالية ثقيلة المعيار على تجارة سبائك الذهب في لندن.
ويتوقف غودوين للإشارة إلى أن قانون MiFid 2 لتنظيم الأدوات المالية في البورصات لديه الكثير من النقاط الغامضة. فيما يتعلق بالذهب، مثلاً: «لا يعمل هذا القانون على تعريف التداولات بالذهب في الأسواق خارج البورصة المعروفة باسم (أوفر ذي كاونتر) بأنها (مشتقات). واللافت أن التجارة بسبائك الذهب طالما عولت على الأسواق خارج البورصة، خصوصاً في لندن». ويستنتج الخبير أن حالة الضياع التنظيمي والقانوني لديها مفعول سلبي على سوق الذهب اللندنية. وتستشعر هذه السوق انهيارات مقلقة ببنيتها التحتية مع أنها الأقدم حول العالم.
ويشير محللون سويسريون وأوروبيون إلى أن تسعير الذهب من قبل مجموعة صغيرة من المصرفيين اللندنيين أضحى «خارج الموضة» جراء الأحداث التي عصفت مؤخراً، كما فضيحة مؤشر سعر الفائدة على القروض بين البنوك في لندن «ليبور» وعمليات التلاعب به وإطلالة تكنولوجيا مصرفية شديدة التطور هدفها الرئيسي إضافة طابع الشفافية على كافة المعاملات والتداولات المصرفية.
وتعليقاً على مكانة لندن في تجارة الذهب، يشير محللون ألمان، في مدينة فرانكفورت، إلى أن مصارف غربية عدة ابتعدت عن أعمال المواد الأولية التي اشتدت القوانين التنظيمية على رقبتها، وتراجعت أرباحها باطراد عاماً تلو الآخر، خصوصاً الذهب. لذلك؛ امتنع مصرف «دويتش بنك» عن المساهمة في دعم مؤشر جديد هو LBMA Gold Price الذي نال دعماً مباشراً من مصرف «بنك أوف شينا» الصيني.
وبحسب توقعات المحلل ديفيد كوخ، يوجد اهتمام صيني واضح في شراء «سكوتيا موكاتا» الرائدة في تجارة الذهب في لندن. أسس رجل الأعمال اليهودي موزيس مواكاتا هذه الشركة في عام 1676، وعمل على إبرام شراكة مع «إيست إينديا كومباني» للتجارة بالمعادن النفيسة. منذ عام 1997، اشترى مصرف «سكوتيا بنك» الكندي شركة «سكوتيا موكاتا» وهو يميل إلى إعادة بيعها في الوقت المواتي.
يقول الخبير ديفيد كوخ: «تذهب الطموحات التجارية الصينية إلى حد أبعد من الهيمنة على الأسواق اللندنية، فالصين، وهي الأولى في استهلاك وإنتاج الذهب، تعمل منذ أعوام طويلة على تأسيس سوق بديلة للندن. على سبيل المثال، ولدت بورصة Shanghai Gold Exchange قبل 15 عاماً، ومنذ عام 2007 أضحت هذه البورصة الأكبر عالمياً من ناحية حركة التداولات بالذهب. تحتضن هذه البورصة 250 عضواً، بينهم 69 أجنبياً، ومن ضمنهم مصارف مهمة في تجارة الذهب، كما «إتش إس بي سي» البريطاني و«يو بي إس» السويسري و«ستاندرد شاتيرد».
في العام الماضي، أسست بورصة شنغهاي مؤشراً جديداً لسعر الذهب، باليوان الصيني، بدأ «يفرض» نفسه بسرعة في الأسواق العالمية. وفي موازاة إبرام اتفاقية استراتيجية مع بورصة دبي للذهب والسلع المعروفة بسيولتها المالية الضخمة وإقبال مستثمرين دوليين عدة على التعامل معها، تحاول البورصة الآسيوية الانخراط في مشروعات تعاون تجارية أخرى، ولا سيما مع روسيا وماليزيا.



واشنطن تُصعِّد تجارياً... رسوم جديدة على واردات الطاقة الصينية

يقوم عامل بإجراء فحص الجودة لمنتج وحدة الطاقة الشمسية في مصنع «لونجي للتكنولوجيا الخضراء» في الصين (رويترز)
يقوم عامل بإجراء فحص الجودة لمنتج وحدة الطاقة الشمسية في مصنع «لونجي للتكنولوجيا الخضراء» في الصين (رويترز)
TT

واشنطن تُصعِّد تجارياً... رسوم جديدة على واردات الطاقة الصينية

يقوم عامل بإجراء فحص الجودة لمنتج وحدة الطاقة الشمسية في مصنع «لونجي للتكنولوجيا الخضراء» في الصين (رويترز)
يقوم عامل بإجراء فحص الجودة لمنتج وحدة الطاقة الشمسية في مصنع «لونجي للتكنولوجيا الخضراء» في الصين (رويترز)

تخطط إدارة بايدن لزيادة الرسوم الجمركية على رقائق الطاقة الشمسية، البولي سيليكون وبعض منتجات التنغستن القادمة من الصين، بهدف دعم الشركات الأميركية العاملة في قطاع الطاقة النظيفة.

ووفقاً للإشعار الصادر عن مكتب الممثل التجاري الأميركي، ستزيد الرسوم الجمركية على رقائق الطاقة الشمسية والبولي سيليكون المصنوعة في الصين إلى 50 في المائة من 25 في المائة، كما ستُفرض رسوم بنسبة 25 في المائة على بعض منتجات التنغستن، بدءاً من 1 يناير (كانون الثاني)، بعد مراجعة الممارسات التجارية الصينية بموجب المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وجاء القرار بعد فترة تعليق طويلة، حيث أشار الممثل التجاري الأميركي، في سبتمبر (أيلول)، إلى احتمال اتخاذ مثل هذه الإجراءات. وقالت كاثرين تاي، الممثلة التجارية للولايات المتحدة، في بيان: «زيادة التعريفات الجمركية هذه تهدف إلى مكافحة السياسات والممارسات الضارة التي تنتهجها جمهورية الصين الشعبية. وستكمل هذه الإجراءات الاستثمارات المحلية التي أطلقتها إدارة بايدن-هاريس لتعزيز اقتصاد الطاقة النظيفة وزيادة مرونة سلاسل التوريد الحيوية».

وفي تقرير يوم الخميس، تم ذكر أن المسؤولين الأميركيين والصينيين سيعقدون اجتماعات تجارية هذا الأسبوع، والأسبوع المقبل، قبل نهاية العام. وفي الأسبوع الماضي، شددت واشنطن القيود المفروضة على وصول الصين إلى تكنولوجيا أشباه الموصلات المتقدمة، بينما ردت بكين بحظر صادرات المعادن الحيوية إلى الولايات المتحدة، مثل الغاليوم والجرمانيوم والأنتيمون، إضافة إلى تشديد ضوابط صادرات الغرافيت.

وتهيمن الصين على سوق هذه المواد، وتعمل الولايات المتحدة على تأمين مصادر بديلة في أفريقيا وأماكن أخرى. ويعد التنغستن معدناً استراتيجياً حيوياً آخر تهيمن الصين على إنتاجه، وليست الولايات المتحدة، مما يجعل كوريا الجنوبية مورداً محتملاً. ويستخدم التنغستن في صناعات متنوعة مثل الأسلحة، وأنابيب الأشعة السينية، وخيوط المصابيح الكهربائية.

وانخفضت واردات الولايات المتحدة من المعدن من الصين إلى 10.9 مليون دولار في عام 2023 من 19.5 مليون دولار في العام السابق.

وبعد حظر بكين تصدير الغاليوم والمعادن الأخرى إلى الولايات المتحدة، يرى المحللون أن التنغستن قد يكون أحد المجالات التي قد ترد فيها الصين. وقبل تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب، تصاعدت التوترات التجارية، حيث كان قد تعهد بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على السلع الصينية. بينما عدَّ الرئيس جو بايدن هذا النهج خاطئاً، وأبقى على التعريفات التي فرضها ترمب خلال ولايته الأولى مع تبني استراتيجية أكثر استهدافاً.

وقد شهدت الصين زيادة كبيرة في إنتاج المركبات الكهربائية الرخيصة والألواح الشمسية والبطاريات، في وقت تسعى فيه إدارة بايدن لدعم هذه الصناعات في الولايات المتحدة. وتتهم أميركا الصين بدعم صادراتها بشكل غير لائق، ما يمنح مصنعي الألواح الشمسية وغيرها ميزة غير عادلة في الأسواق الخارجية، حيث تبيع هذه المنتجات بأسعار منخفضة بفضل الدعم الحكومي. كما تفرض الصين ضغوطاً على الشركات الأجنبية لتسليم التكنولوجيا.

وتشكل الصين أكثر من 80 في المائة من سوق الألواح الشمسية في جميع مراحل الإنتاج، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، مما يجعلها تهيمن على هذا القطاع بشكل واضح. وقد جعلت اقتصاديات الحجم الضخم في صناعة الطاقة الشمسية المنتجات الصينية أقل تكلفة، بينما قامت بتوجيه سلاسل التوريد إلى داخل الصين. وقد دعت وكالة الطاقة الدولية الدول الأخرى إلى تقييم سلاسل توريد الألواح الشمسية الخاصة بها ووضع استراتيجيات للتعامل مع أي مخاطر.

وفي بداية عام 2018، فرضت إدارة ترمب تعريفات بنسبة 30 في المائة على واردات الألواح الشمسية الصينية، وقد تقدمت بكين بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد الولايات المتحدة متهمة إياها بدعم مشتريات المركبات الكهربائية بشكل غير عادل.

واختتمت التحقيقات التي دفعت الممثل التجاري الأميركي إلى اتخاذ قرار بزيادة الرسوم الجمركية على الألواح الشمسية بتقرير صادر في مايو (أيار)، مما أسفر عن رفع الرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من المنتجات، بما في ذلك المركبات الكهربائية، الحقن، الإبر، القفازات الطبية، أقنعة الوجه، أشباه الموصلات، ومنتجات الصلب والألمنيوم، وغيرها. كما تم رفع الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية المصنوعة في الصين إلى 100 في المائة بدلاً من 25 في المائة، في حين ارتفعت الرسوم الجمركية على بطاريات الليثيوم الصينية إلى 25 في المائة بعدما كانت 7.5 في المائة.