قانون «حرية تداول المعلومات» في مصر... مسودة غير شاملة وانتقادات

شكوى من اقتصار مناقشته على بعض الدور الصحافية الحكومية فقط

جانب من اجتماع المجلس الأعلى للإعلام
جانب من اجتماع المجلس الأعلى للإعلام
TT

قانون «حرية تداول المعلومات» في مصر... مسودة غير شاملة وانتقادات

جانب من اجتماع المجلس الأعلى للإعلام
جانب من اجتماع المجلس الأعلى للإعلام

بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، طالبت كثير من الجهات الحقوقية والإعلامية في مصر، بسرعة إصدار قانون خاص بحرية تداول المعلومات أسوة بعشرات الدول التي سبقت مصر بإصدار مثل هذا القانون. وبات ينتظر المصريون صدور القانون بعد سنوات عجاف، عانى فيها صحافيون وإعلاميون وفئات كثيرة من المجتمع المصري، من حجب المعلومات، وحدوث تضارب في البيانات والأرقام الرسمية، التي تخص حياة المواطنين والمؤسسات الحكومية.
التحركات أتت متأخرة بالمقارنة مع دول الجوار إذ سبقت 11 دولة أفريقية مصر في إقرار قوانين حرية تداول المعلومات، بينما كان الأردن أول دولة عربية يقر هذا القانون عام 2007.
وللتعويض عن التعذر، تسابق برلمانيون وحقوقيون مستقلون، إلى جانب جهات حكومية في إعداد مشروعات قوانين لتداول الحريات في مصر، قبل تشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (الهيئة المسؤولة عن تنظيم الإعلام المرئي، والمسموع، والمطبوع) في شهر أبريل (نيسان) الماضي، وإسناد إعداد المشروع إلى لجنة تابعة له مشكلة من 12 عضوا.
وأخيرا انتهى «الأعلى للإعلام» من إعداد مشروع قانون حرية تداول المعلومات، ووافق أعضاء المجلس عليه بالإجماع، لكن المجلس اكتفى بإرسال مشروع القانون لثلاث دور صحافية فقط، هي الأهرام، والأخبار، ووكالة أنباء الشرق الأوسط، بالإضافة إلى نقابة الصحافيين، لمناقشته وإبداء الرأي فيه، الأمر الذي انتقده بعض الحقوقيين والإعلاميين، الذين طالبوا بتوسيع دائرة مناقشته، وإتاحته أمام جميع المؤسسات الحقوقية والإعلامية.
في غضون ذلك، أكد مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، أن «مشروع قانون حرية تداول المعلومات، ليس نهائيا، بل سيخضع لمناقشة مجتمعية من قبل صحافيي 3 دور صحافية، لتسجيل جميع الملاحظات، تمهيدا لإرساله إلى مجلسي الوزراء والنواب». ولفت إلى «أن إعداد القانون استغرق 6 أشهر، وشارك فيه خبراء من خارج المجلس، من بينهم وزير الثقافة الأسبق عماد أبوغازي، ورئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء».
وأثار مشروع القانون جدلا في مصر، لعدم أخذ آراء الجهات المعنية به، ومنها منظمات المجتمع المدني ذات الصلة، قبل وبعد الانتهاء منه. ورأى خبراء إعلام أن قانون تداول المعلومات استحقاق دستوري تأخر كثيرا، وأن مصر تدفع ثمن تأخره، لكن أعضاء اللجنة ردوا على تلك المخاوف وحاولوا طمأنة المواطنين والمتابعين.
علاء عابد، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار، ورئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، قال لـ«الشرق الأوسط»: «كان من المفترض إقرار قانون تداول المعلومات في دورة الانعقاد الماضية، لكن البرلمان فضل إقرار بعض القوانين الأخرى، بعدما رأى أنها أهم منه». وشدد على «ضرورة إقرار هذا القانون في دورة الانعقاد الحالية، لأهميته في تداول المعلومات في عصر السماوات المفتوحة منعا لتداول الشائعات».
وطالب الكاتب الصحافي صلاح عيسى، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للصحافة، بضرورة اطلاع المشتغلين بالصحافة على مشروع القانون قبل الانتهاء منه والموافقة عليه بشكل نهائي قائلا: «التجربة أثبتت أن القوانين التي يشارك في إعدادها المشتغلون بمهنة الصحافة، تكون أفضل من التي يعدها الأعضاء الحكوميون، لأنهم أدرى بمشكلات المهنة والصعوبات التي تواجههم». مشيرا إلى أنه «كان من المفترض الاستماع إلى الصحافيين من المؤسسات الصحافية ذات التوجهات المختلفة أثناء إعداد مشروع قانون حرية تداول المعلومات، ووضع رأيهم في الاعتبار، والأخذ به، مع عدم الاكتفاء بمناقشته في 3 مؤسسات صحافية فقط؛ لأن من مصلحة الجميع وضع قانون يرضى جميع الأطراف».
من جهته، قال جمال شوقي، عضو المجلس الأعلى للإعلام، لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع قانون حرية تداول المعلومات، عبارة عن خلاصة قوانين دول أوروبية وأميركية كثيرة». ولفت إلى «أن القانون يحرص على عدم الإضرار بالأمن القومي للبلاد، وهذه ليست بدعة، بل هو أمر معمول به في أكبر الدول ديمقراطية في العالم، ويخص المعلومات العسكرية، وشؤون التفاوض مع الدول، وكل هذه الأشياء محمية بحسب ميثاق الأمم المتحدة، لحرية تداول المعلومات».
وعلق ضياء الدين داود، عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب المصري، على الجدل المثار حول مشروع القانون قائلا: «مصر كلها في أشد الاحتياج إلى قانون معلومات جيد، وليس الصحافيون أو الإعلاميون وحدهم، وكان من الأفضل قيام المجلس الأعلى للإعلام، بعرض المسودة الأولى من المشروع على معظم النقابات المهنية والصحف ومؤسسات حقوق الإنسان للتوافق حوله».
وأوضح أن «نواب البرلمان أيضا في حاجه ماسة إلى قانون حرية تداول المعلومات، لأنهم يتعرضون لصعوبات بالغة، عند محاولة الوصول للبيانات والمعلومات الرسمية للاستفادة منها في العمل التشريعي والرقابي».
وأضاف داود لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «وزراء الحكومة الحالية أنفسهم، لا يقولون أرقاما دقيقة تحت قبة البرلمان، بسبب عدم وجود ثقافة تداول المعلومات داخل الهيئات الحكومية». ولفت إلى أنه «تم رفض مشروع الجمعيات الأهلية الذي قدمته الحكومة العام الماضي، والموافقة على مشروع آخر، قدمه أحد النواب، لأنه كان يلبي طموحات المواطنين والمراقبين».
من جانبها، كشفت الدكتورة هدى زكريا، رئيس لجنة إعداد مشروع قانون حرية تداول المعلومات بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في تصريحات صحافية عن بعض ملامح المشروع، وقالت إنه «يتكون من 6 أبواب، ويختص الباب الأول بتوضيح مفهوم الإفصاح وإتاحة المعلومات والبيانات، بجانب تحديد مسؤول المعلومات في كل جهة سواء حكومية أو خاصة، فيما يتضمن الباب الثاني الحق في الحصول على المعلومات لكل مواطن، وباحث، وصحافي، وإعلامي». مشيرة إلى أن «الباب الثالث خاص بالوسائل والآليات الكفيلة بتحقيق الإفصاح وتداول البيانات والمعلومات التي تضمنها مشروع القانون في بابه الأول».
وأوضحت «زكريا» قائلة إن «غرامات حجب المعلومات تبدأ من 5 آلاف جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 17.6 جنيه مصري)، إلى 20 ألف جنيه، كما يتيح مشروع القانون درجتين للتظلم، الأولى المجلس الأعلى للمعلومات، والثانية أمام القضاء»، مؤكدة أن تكلفة الحصول على المعلومات ستكون مجانية، في حال ما إذا كانت إحصاءات أو بيانات.
وقال الحقوقي نجاد البرعي لـ«الشرق الأوسط»: «كان يفترض إرسال نسخة من مشروع القانون إلى جميع النقابات المهنية والمنظمات الأهلية، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، للاطلاع عليه من باب الحوار المجتمعي والجدية، وإتاحته للمناقشة العامة قبل إقراره بشكل نهائي لحدوث توافق مجتمعي عليه». واعتبر «البرعي» اقتصار مناقشة القانون على بعض المؤسسات الصحافية القومية فقط «مجاملة»، كما طالب بـ«نشر مسودة القانون في الصحف المصرية، حتى يتمكن كثير من المواطنين من الاطلاع على القانون وإبداء رأيهم فيه، لأنه يخص كل أفراد المجتمع وليس الصحافيين وحدهم».
إلى ذلك، قال الدكتور محمد شومان عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع قانون حرية تداول المعلومات لا يتعلق بالصحافيين أو بالإعلاميين وحدهم، بل يخص كل مواطن، وكان يجب نشره وإرساله إلى قطاع كبير من منظمات المجتمع المدني، وعدم الاكتفاء بإرساله إلى بعض المؤسسات القومية ونقابة الصحافيين».
وأضاف شومان قائلا: «سجلت أكثر من ملاحظة على مشروع القانون، منها إنشاء مجلس أعلى للمعلومات، والذي أرى أنه سيكون مكبلا لحرية تداول المعلومات، وليس مسهلا للحصول عليها، بجانب حصوله على نفقات إضافية من الدولة، وتطبيق القانون لا يحتاج لمجلس للإشراف عليه ومتابعته، شأنه في ذلك شأن كل القوانين التي تفصل فيها الهيئات القضائية».
وتابع: «إن الغرامة الموقعة على المخالفين زهيدة جدا، وتحتاج إلى مضاعفتها لحث الموظفين والمسؤولين على الإفصاح عن المعلومات»، كما تطرق «شومان» إلى إشكالية تعريف الأمن القومي بمشروع القانون وقال: «أنا قلق أيضا بشأن تعريفها في مشروع القانون الحالي، وأتفهم تخوف الحقوقيين والإعلاميين منها، رغم أنها قضية مثار جدل في كثير من دول العالم، بما فيها أميركا التي تعرفه بالمصلحة الوطنية».
وطالب عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في مصر بـ«تخفيض القيمة المالية للحصول على المعلومات، حتى لا تكون حائلا أمام المواطنين البسطاء، بجانب تطبيق القانون بشكل جيد، لأن تجربة تطبيق القوانين ومبادئ الدستور في مصر ليست جيدة، إذ تكون عادة القوانين المفسرة للدستور مختلفة نوعا ما، مع المبادئ العامة والرائعة لمواد الدستور، وأخيرا تكون اللوائح التنفيذية للقوانين مختلفة تماما مع القانون والدستور».
وردا على الشكوك والانتقادات التي يرددها بعض الصحافيين والمراقبين، بسبب عدم عرض المسودة النهائية على الرأي العام، للاطلاع والمناقشة العامة، بجانب تخوفهم من استغلال مفهوم اعتبارات الأمن القومي لحجب المعلومات، قال جمال شوقي، عضو اللجنة المكلفة بإعداد مشروع القانون، إن «اللجنة اختارت التفسير الضيق لمفهوم الأمن القومي، ليتاح أكبر قدر ممكن من المعلومات دون استغلال مصطلح الأمن القومي، أو استهلاكه»، مشددا على أن «القانون سيكون هو الأفضل والأحدث على مستوى العالم، وأنه أقل في المحظورات من القانون الأميركي».
يذكر أن السويد كانت أول دولة في العالم، تصدر قانونا يضمن حق الوصول إلى المعلومات عام 1766 باسم قانون حرية الصحافة. ويزيد عدد الدول التي يوجد بها قوانين لحرية تداول المعلومات على 90 دولة حول العالم، بنسب تنفيذ متفاوتة، وفقا لتقرير صادر من مركز المشروعات الدولية الخاصة التابع لغرفة التجارة الأميركية بواشنطن.


مقالات ذات صلة

«طالبان» تحظر البث المباشر للبرامج الحوارية السياسية

آسيا صحافيون أفغان في لقاء بمكتب أخبار «تولو» في العاصمة كابل (إعلام أفغاني)

«طالبان» تحظر البث المباشر للبرامج الحوارية السياسية

فرضت حكومة «طالبان» في كابل، حظراً على البث المباشر للبرامج الحوارية السياسية بالقنوات الإخبارية الأفغانية، ما أثار موجة إدانات دولية من مختلف أنحاء العالم.

عمر فاروق (إسلام آباد)
المشرق العربي عربة عسكرية إسرائيلية خارج المبنى الذي يستضيف مكتب قناة الجزيرة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة (رويترز)

«الجزيرة» تعدّ اقتحام القوات الإسرائيلية لمكتبها في رام الله «عملاً إجرامياً»

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أنه أغلق مكتب قناة «الجزيرة» في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، لأنه «يحرض على الإرهاب».

«الشرق الأوسط» (رام الله)
يوميات الشرق تقرير «ليونز العالمي» يُعدّ معياراً عالمياً موثوقاً في مجالات الإبداع والتسويق لدى الوكالات والعلامات التجارية (الشرق الأوسط)

«SRMG Labs» تحصد لقب أفضل شركة سعودية للخدمات الإبداعية والإعلانية

حلّت «SRMG Labs» شركة الخدمات الإبداعية والإعلانية في المراتب الأفضل بين الشركات المدرجة هذا العام في تقرير «ليونز العالمي للإبداع».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق صدر كتاب السيرة الذاتية للإعلامي اللبناني كميل منسّى بعد أشهر على وفاته (الشرق الأوسط)

كميل منسّى يختم نشرته الأخيرة ويمضي

رحل كميل منسى، أحد مؤسسي الإعلام التلفزيوني اللبناني قبل أشهر، فلم يسعفه الوقت ليحقق أمنية توقيع سيرته الذاتية. تسلّم ابنه الأمانة وأشرف على إصدار الكتاب.

كريستين حبيب (بيروت)
العالم شعار مجموعة «ميتا» (رويترز)

«ميتا» تحظر وسائل الإعلام الحكومية الروسية على منصاتها

أعلنت مجموعة «ميتا»، المالكة لـ«فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»، فرض حظر على استخدام وسائل الإعلام الحكومية الروسية لمنصاتها، وذلك تجنّبا لأي «نشاط تدخلي أجنبي».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

عائدات الإعلانات تفاقم النزاع بين «غوغل» والناشرين

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

عائدات الإعلانات تفاقم النزاع بين «غوغل» والناشرين

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

عمّقت عائدات الإعلانات النزاع الناشئ بين شركة «غوغل» والناشرين، ما جدّد التساؤلات بشأن تأثير ذلك في مستقبل الإعلام، الذي يعتمد في تمويل بقائه على الإعلانات. وبينما أشار خبراء تحدّثت إليهم «الشرق الأوسط» إلى إمكانية الوصول إلى حلول توافقية، فإنهم لفتوا إلى هيمنة «غوغل» على هذه السوق.

النزاع كان قد اندلع أخيراً مع دعوى قضائية رفعتها السلطات الأميركية، خلال الأسبوع الماضي، ضد «غوغل»، هي الثانية من نوعها في غضون أقل من سنة. وتتهم الدعوى التي رفعتها وزارة العدل الأميركية «غوغل» بـ«الهيمنة على الإعلانات عبر الإنترنت وخنق المنافسة». ووفقاً لتفاصيلها فإن «غوغل» متهمة بأنها «استخدمت وسائل غير قانونية مانعة للمنافسة؛ للقضاء على أي تهديد لهيمنتها على تقنيات الإعلان الرقمي، أو تقليص المنافسة بشكل كبير». وتطرّق الاتهام إلى أن «غوغل استخدمت قوتها المالية للاستحواذ على منافسين محتملين واحتكار السوق، ما لم يترك للمعلنين والناشرين أي خيار سوى استخدام تقنيتها». ويذكر أنه سبق لمحكمة أميركية أن قضت، الشهر الماضي، بأن الشركة العملاقة «تمارس احتكاراً غير قانوني في سوق الإنترنت».

في المقابل، ترفض «غوغل» هذه الاتهامات، وترى أنها «تتعارض مع مبادئ قانون المنافسة التي تساعد على دفع النمو الاقتصادي والابتكار». ولقد أوضحت في وثيقة سلمتها للمحكمة وتداولتها وسائل الإعلام الأميركية، أن «القضية أيضاً غير صحيحة من ناحية الوقائع». ومن المرجح أن يستمر نظر القضية ضد «غوغل» نحو أسابيع، وإذا ما صدر حكم بالإدانة، فستقرر محكمة أخرى العقوبات. وللعلم، تواجه «غوغل» تحقيقات مماثلة في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

الباحثة في الإعلام الرقمي، الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام بجامعة بنغازي في ليبيا، أفادت «الشرق الأوسط» بأن «النزاع اشتعل أخيراً بين (غوغل) والناشرين، مع إعلان رغبة (غوغل) إطلاق خدمة ملخصات الأخبار المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يؤثر في الناشرين ويقلل من فرصة الحصول على الإعلانات». وأضافت أن «شركة غوغل تحقق أرباحاً تقدر بالملايين عبر الإعلانات التي تظهر عبر صفحات الإنترنت؛ ما دفع المسألة إلى باحات القضاء في أوروبا وأميركا عبر دعاوى احتكار لتقنيات الإعلام الرقمي رُفعت ضد الشركة».

وحدّدت عبد الغني 4 أسباب للنزاع، هي «أولاً، التطورات التكنولوجية المتسارعة في ميدان تقنيات الذكاء الاصطناعي، وما تفرضه من تحديات وتأثيرات سواء على الشركات الرقمية أو على مستهلكي ومستخدمي تقنياتها الإعلامية. وثانياً، الصراع الأزلي على الأرباح والسيطرة على السوق والاستحواذ عليها. وثالثاً، رغبة بعض الدول والهيئات الدولية في الحد من سيطرة بعض الشركات الكبرى التي أصبحت مهيمنةً على الاقتصادَين المحلي والعالمي. أما السبب الرابع، حسب عبد الغني، فيتعلق بالرغبة في حماية حقوق الأفراد الرقمية في ظل احتكار الشركات الكبرى للمشهدَين التقني والإعلامي».

مع هذا، ترجّح الدكتورة عبد الغني «إمكانية التوصّل إلى حلول توافقية بين الطرفين: غوغل، والناشرين والحكومات؛ لأن استمرار الدعاوى القضائية وجلسات المحاكمة لوقت طويل أمر من شأنه الإضرار بطرَفي الصراع. ثم إن هذه الشركات، بسبب ضخامتها وتأثيرها، باتت جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمعات الرأسمالية وأحد أسباب ركائز قوته المحلية والإقليمية». وهنا نشير إلى أن شركة «إي ماركتر» قدّرت أخيراً حصة «غوغل» من السوق العالمية في مجال الإعلانات الرقمية بنحو 28 في المائة خلال عام 2024، متفوقة على «ميتا» التي حصلت على 23 في المائة من السوق، و«أمازون» التي تحصد 9 في المائة، بينما حصلت «تيك توك» على نحو 7 في المائة.

في سياق متصل، قال محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، لـ«الشرق الأوسط» إن «هيمنة (غوغل) على سوق الإعلانات ليست بالأمر الجديد، بل تعود إلى سنوات عدة مضت، صار فيها (غوغل)، محرك البحث الرئيسي، مستحوذاً على أكبر قدر من الإعلانات على الإنترنت، قبل أن يتكامل مع خدمات أخرى ظهرت لاحقاً مثل (يوتيوب)، والبريد الإلكتروني، والتعاون مع شركاء للأعمال، وأخيراً منتجي وصانعي المحتوى على منصاتها».

وأردف فتحي: «كل ما سبق، جعل (غوغل) خصماً صعباً ومنافساً قوياً في سوق الإعلانات الرقمية العالمية، الأمر الذي دفع نحو رفع دعاوى احتكار أمام المحاكم الأميركية والأوروبية، وبالأخص ما يتعلق بسوق البحث والإعلانات عبر الإنترنت». ثم تابع: «تتمتع (غوغل) بحصة سوقية ضخمة من الإعلانات تمنحها بصفتها شركةً، قوةً تفاوضيةً كبيرةً أمام المعلنين والمنافسين، وقدرةً على عقد صفقات حصرية مع شركات تصنيع الهواتف، وشركات الاتصالات؛ لجعل محرك بحثها هو المحرك الافتراضي على أجهزتهم، ما يحد من فرص المنافسين».

ولكن الصحافي المصري يرى أن «الدعاوى القضائية ضد (غوغل) قد تؤدي إلى تغييرات جوهرية في سوق البحث والإعلانات، ما قد يفتح الباب أمام المنافسين، وأبرزهم (فيسبوك) و(أمازون)»، مشيراً إلى «إمكانية فرض بعض القيود على «غوغل»، ما قد يقلص هيمنتها على السوق، وكذلك إمكانية تطوير قوانين مكافحة الاحتكار لتشمل الشركات التكنولوجية الكبرى... مع أن هذا أمر شديد التعقيد من النواحي التكنولوجية والاقتصادية والقانونية».

ووفق فتحي فإن «اهتمامات (غوغل) الخدمية لصالح المستخدمين، وكذلك نشاطها التجاري، كانت دائماً مثار جدل، فهي من ناحية تقدم خدمات قيِّمة للمستخدمين تسهم في تطوير الإنترنت، إلا أنه من ناحية أخرى تفرض هيمنتها على السوق بصورة تهدد التنافسية، وتخلق عملاقاً كبيراً لا يستطيع أحد التغلب عليه».