الاقتصاد أكبر الخاسرين من استقالة الحريري... والاستثمارات تتبخّر

لم تتضح بعد الانعكاسات السلبية لاستقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد االحريري، على الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، خصوصاً أن الاستقالة أتت في عطلة نهاية الأسبوع، وغداة إقفال السوق المالية على تداولاتها العادية قبل أن يفجّر الحريري قنبلته. ورغم أن بعض المسؤولين طمأنوا إلى أنه لا خوف على الاستقرار النقدي، فإن خبراء اقتصاديين توقعوا تداعيات سلبية لاستقالة الحكومة أولاً، ولغياب الحريري عن المعادلة السياسية، بما يحمل من ثقة محلية ودولية للوضع الاقتصادي والتجاري والعقاري.
كان وزير المالية علي حسن خليل قد سارع إلى القول: إنه «لا خطر على الاقتصاد والعملة الوطنية، بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري». كما أكد وزير الاقتصاد رائد خوري أنه «لا خوف على الليرة اللّبنانيّة وأن الوضع المالي والاقتصادي والأمني مستقرّ في وجود رئيس جمهوريّة قوي هو الرئيس ميشال عون»، مذكّراً بأن «لبنان مرّ بأزمات أكبر وحافظ على استقراره». لكنّ الدلالة المهمة جاءت في تصريح لرئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط قال فيه إن «لبنان أكثر من صغير وضعيف ليحتمل الأعباء السياسية والاقتصادية لهذه الاستقالة»، وأشار إلى أن «لبنان أضعف من أن يتحمل استقالة الحريري».
ويبدو أن أهل السياسة في لبنان يتهيبون تبعات استقالة رئيس الحكومة أكثر من الاقتصاديين ورجال الأعمال، إذ ربط وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون بين وجود الحريري على رأس الحكومة وبين الانتعاش الاقتصادي وتدفق المستثمرين إلى لبنان، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الاستقالة «بددت كل الأجواء الإيجابية، ومحاولة وضع لبنان على خريطة الاستثمارات». وقال فرعون: «يكفي ما عاناه لبنان غداة الانقلاب على حكومة سعد الحريري في نهاية عام 2010، وما خلّفه من أجواء قاتمة على الصعد الاقتصادية والمالية والإنمائية والعمرانية، ها هو السيناريو يتكرر اليوم».
من جهته، حذّر الخبير المالي والاقتصادي اللبناني غازي وزنة من أن «استقالة الحريري ستخلق أجواء من القلق والاضطراب، تنعكس سلباً على القطاع التجاري والسياحي والعقاري وعلى الحركة الاستهلاكية». وتوقع في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «يشهد لبنان يوم الاثنين (غداً) ضغوطاً على الليرة اللبنانية، لكن من دون أن يهدد ذلك الاستقرار النقدي بسبب الاحتياطات النقية الأجنبية الكبيرة في مصرف لبنان».
كان القطاع التجاري والعقاري قد شهد انتعاشاً ملحوظاً مع تسمية الحريري رئيساً للحكومة قبل سنة، كما عاين لبنان حركة سياحية لافتة هذا الصيف مع قدوم أكثر من مليوني مغترب لبناني وسائح عربي وأجنبي. ولفت الوزير فرعون، في هذا الإطار، إلى أن «الاقتصاد اللبناني في وضع صعب الآن، ولا يكفي أن نربط النمو بعمل الاستهلاك، لأن النهوض لا يتحقق إلا مع تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية، وهذا ما سنفتقر إليه في الأيام والأشهر المقبلة».
وتتهيّب القطاعات الإنتاجية خطورة الاستقالة، وفق تعبير غازي وزنة، الذي شدد على أن الاستقالة «ستؤدي حتماً إلى قلق اقتصادي كبير، وستطيح بكل الخطوات الإصلاحية التي كانت الحكومة بصددها، في قطاعات الكهرباء والاتصالات والبنى التحتية ومعالجة أزمة النفايات، والأهم ستطيح بموازنة عام 2018 التي كان يعوّل عليها لبنان، لتحريك الوضع الاقتصادي»، معتبراً أن «اسم سعد الحريري وشخصيته وعلاقاته الإقليمية والدولية، تشكل عامل ثقة للاقتصاد»، مذكراً بأن «ما كان يؤمّل من مؤتمر (باريس – 4) لدعم لبنان بات في خبر كان، وهذا ينسحب أيضاً على الخطة الاقتصادية التي وضعها الحريري بقيمة 16 مليار دولار كاستثمارات في البنية التحتية للبلاد».
وشدد غازي وزنة على أن «أي شخصية أخرى تسمّى لرئاسة الحكومة، لن تملأ الفراغ الذي يتركه غياب الحريري عن السلطة، خصوصاً في بلد مثل لبنان لا يزال النمو فيه أقل من 1 في المائة، وجميع القطاعات متراجعة ومتأزمة، يضاف إليها عامل أزمة النزوح السوري، التي تشكل عبئاً على الاقتصاد اللبناني». وقال: «لبنان يحتاج إلى شخص لدية ثقة كبيرة في الداخل وثقة عربية ودولية، وهذه الخصوصية لا يؤمِّنها إلا سعد الحريري».
ونقلت وكالة «رويترز» مساء أمس عن جوزيف طربية رئيس جمعية مصارف لبنان قوله إنه لا يوجد خطر مباشر على الاستقرار النقدي للبنان من الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء سعد الحريري. وأضاف أن الليرة تدعمها احتياطيات ضخمة في البنك المركزي والثقة في القطاع المصرفي اللبناني واستمرار عمل المؤسسات. ويدعم القطاع المصرفي للبنان اقتصاده الهش ويتم ربط الليرة بالدولار عند سعر 1507.5 ليرة.