سياسيات التأثير الثقافي

المؤرخ الإسباني كاسترو ينتقد الرؤية الإسبانية السائدة التي ترى أن التأثير العربي الإسلامي ضعيف إلى حد لا يعتد به
المؤرخ الإسباني كاسترو ينتقد الرؤية الإسبانية السائدة التي ترى أن التأثير العربي الإسلامي ضعيف إلى حد لا يعتد به
TT

سياسيات التأثير الثقافي

المؤرخ الإسباني كاسترو ينتقد الرؤية الإسبانية السائدة التي ترى أن التأثير العربي الإسلامي ضعيف إلى حد لا يعتد به
المؤرخ الإسباني كاسترو ينتقد الرؤية الإسبانية السائدة التي ترى أن التأثير العربي الإسلامي ضعيف إلى حد لا يعتد به

السياسيات – وليس السياسات – مفهوم متداول في الفكر المعاصر، لكنه مع ذلك ليس من الشيوع بما يكفي ليتضح الفرق بينه وبين السياسات. ولأنه مفهوم أساسي لما أنا بصدد طرحه، فمن الضروري أن أبدأ بتوضيح ما أقصد به. السياسيات ترجمة للمفردة الأجنبية «بوليتيكس» politics، وهذه تختلف عن السياسة «بوليسي» policy. السياسيات هي مجموع المواقف والخطوات التي يتخذها شخص أو تتخذها جهة ما لتعزيز مكانة أو مصلحة أو غير ذلك، وهي مواقف وخطوات مؤقتة ومرتبطة بهدف تنتهي بتحقق الهدف. هذا في حين أن السياسة بمعنى «بوليسي» هي مجموع الرؤى والمواقف التي تميل إلى الثبات في سعيها لتحقيق هدف محدد. السياسيات تتسم بالنفعية، وإذا كانت السياسة في مجملها تحمل تلك السمة، فالذي يحدث فيما يبدو هو أن السياسيات تحمل الوجه الحقيقي للسياسة، الوجه غير المعلن بطبيعة الحال.
ذلك الوجه يلوح في جوانب كثيرة من الحياة، لكني معنيٌ هنا بجانب واحد هو العلاقات الثقافية، التي أقصد بها هنا ما ينشأ بين الثقافات من علاقات وما تنطوي عليه تلك العلاقات أحياناً أو غالباً من توتر وحساسيات أجد أن مفهوم السياسيات أقرب لوصفها. الانسحاب الأميركي والإسرائيلي من منظمة اليونيسكو الذي أشرت إليه في مقالة سابقة يقع في هذا الحيز تماماً، لكنه يتسع لألوان أخرى هي ما أود الإشارة إليه هنا. أقصد علاقات التأثر والتأثير التي اتسمت بها العلاقات بين الثقافات والحضارات طوال التاريخ. أن تتسم تلك العلاقات بالتسييس أمر طبيعي في طبيعة الاتصال الإنساني، فالسلام والوئام والمحبة ليست التي تحكم ذلك الاتصال بمختلف ألوانه. وإلى جانب تلك هناك دائماً توترات التنافس الناشئ عن الاختلاف والمتصاعد أحياناً كثيرة إلى الصراع، سواء كان معلناً أم خفياً. ومن المناطق التي يتضح فيها ذلك دعاوى التأثر والتأثير. من الصعب العثور على ما ينافس تلك المناطق في الحساسية وإيجاد الخلاف.
في كتاب ضخم صدر العام الماضي (2016) عن جامعة هارفارد بعنوان «النجاح والكبت» (Success and Suppression) بسط الباحث الألماني داغ نيكولاوس هاس في نحو 650 صفحة أطروحته وبيناته حول التأثير العربي في أوروبا عصر النهضة مركزاً على إيطاليا. والأطروحة مختلفة عما هو شائع في الدراسات الكثيرة التي تؤرخ لتأثر أوروبا بالعلوم العربية الإسلامية، فهي تخرج عن ذلك في أنها تبرز جانباً خلافياً من حيث هي تتركز على الموقف الذي اتخذه الأوروبيون تجاه ذلك التأثر في حقبة من التاريخ الأوروبي طالما اعتبرت مرحلة استقلال حضاري لأوروبا عن العرب والمسلمين بعد أن ظلت تترجمهم وتدرّس أعمالهم في جامعاتها طوال العصور الوسطى. هدف الكتاب، كما يقول مؤلفه، هو «تحسين فهمنا لعصر النهضة بوصفه ظاهرة ثنائية الوجوه فيما يتعلق بتلقي الفكر العربي. فمن ناحية، كانت تلك هي الفترة التي وصل فيها التأثير العربي إلى قمته. ومن ناحية أخرى كانت تلك أيضاً الفترة التي بدأ فيها الغرب ينسى، بل وينشط في كبت، موروثه العربي».
دراسة هاس تتصل مباشرة بدراسة أنجزها باحث ألماني آخر هو هانز بيلتنغ حول تأثر الفنون الأوروبية في إيطاليا تحديداً بكشوفات الحسن بن الهيثم في البصريات حين اكتشفوا عن طريقها أهمية زاوية النظر. كتاب هاس صدر عام 2011 عن جامعة هارفارد أيضاً بعنوان «بغداد وفلورنسا: فن عصر النهضة والعلم العربي». غير أن الدراسة لم تثر على ما يبدو ردود فعل حادة.
الأطروحة التي سارت في اتجاه عام مشابه لأطروحة هاس بشأن التأثر والتأثير وخلفت ردود فعل حادة هي تلك التي جادل بشأنها المؤرخ البريطاني مارتن بيرنال في كتابه «أثينا السوداء» ذي الثلاثة أجزاء الذي أثار الجدل بتأسسه على أطروحة تقول إن الحضارة اليونانية ازدهرت بتأثير أفريقي ومتوسطي، أي من الحضارتين الفرعونية والفينيقية، وأن ربط اليونان بأوروبا ليس سوى اختراع أوروبي في القرن الثامن عشر. الكتاب، الذي ترجم ضمن مشروع الترجمة القومي في مصر، استثار ردود فعل تضمنت ما كتبه عدد من الباحثين في نقض أطروحته ثم رده هو على أولئك بكتاب يدافع فيه عن أطروحته.
ويمكن قول ما يشبه ذلك، أي من حيث إثارة الجدل، حول أطروحة المؤرخ الإسباني أميريكو كاسترو بشأن التأثير العربي الإسلامي على التاريخ الإسباني، فالرؤية الإسبانية السائدة، التي ينتقدها كاسترو وآخرون؛ إذ يرونها أسطورية ومضخمة للذات، هي أن التأثير العربي الإسلامي ضعيف إلى حد لا يعتد به، وقد أثار كاسترو الكثير من اللغط حين طرح موقفه في بعض كتبه، ومن أبرزها «إسبانيا في تاريخها: المسيحيون والمسلمون واليهود» الذي ترجم في القاهرة عام 2003. المكون العربي الإسلامي جزء من الهوية الإسبانية حسب المؤرخ الإسباني وهو ما يأبى الإسبان الاعتراف به؛ إذ يرون أنفسهم أوروبيين لاتينيين، وأن كل ما لديهم يربطهم بالعالم الأوروبي المسيحي.
هذه النماذج يمكن أن تضاف لها نماذج كثيرة من مختلف الثقافات. يكفي أن تحدث الياباني عن تأثير كوري أو صيني أو العكس لتكتشف الحساسيات الثقافية، أو تحدث العربي عن تأثير فارسي أو تركي لتظهر الذات القومية مدافعة عن تفوقها أو اختلافها، والعكس أيضا لو حدثت الفرس عن التأثير العربي أو الأتراك عن تأثير يوناني. ولا شأن لهذا كله غالباً بالحقائق التاريخية، فهي في الغالب بمنأى عما أسميته سياسيات التأثير، مع أن المؤرخين والمفكرين ليسوا دائماً بمنأى عن حساسيات الثقافة أو متعالين على سياسيات الدعاوى المتعلقة بالتفوق أو النقاء التي كثيراً ما تتبع أطروحات التأثير. وفي تقديري، أن تلك الحساسيات تتبع نوع ومستوى العلاقات الثقافية قوة وضعفاً، أو سلاماً وحرباً: الاختلافات العميقة والعداء المتمكن بين شعبين أو ثقافتين سيولد حساسية عالية تجاه أي دعوى للتأثر أو التأثير، وكذلك هو موقع الثقافة من حيث القوة والضعف. من السهل على الضعيف أن يعترف بتأثير من هو أقوى منه، لكن العكس غير صحيح غالباً. فإذا اجتمع هذا مع حساسيات عدائية، سواء من دين أو طائفة أو هيمنة سياسية أو غير ذلك أصبح الحديث عن تأثر وتأثير محفوفاً بالمخاطر ومظنة للانزلاق في تعميمات أو أحكام تراعي الشعور العام.
في الدراسات الأدبية يتصدى الدرس المقارن عادة للمسائل المتعلقة بالتأثر والتأثير، لكنها حتى في ذلك الحقل الذي يفترض أنه علمي أو أكاديمي بحثي تزداد الحساسيات عند الحديث عن تأثير كاتب من لغة على كاتب من لغة أخرى ليتحول ذلك الفرع من الدراسة إلى فرع كثير المزالق ومخاطر الانزلاق في ادعاءات ترضي الذات الثقافية أو تقلل من الآخر. أما الفلسفة، فهي الأخرى ليست بعيدة عن كل ذلك. لنتأمل العبارة التالية للفيلسوف الألماني هوسرل حول موقف أوروبا من العالم. يقول: إن على العالم أن يحتذي أوروبا وليس على أوروبا أن تحتذي العالم. ثمة قوة كامنة entelechy في العالم الأوروبي تمثل هويته ورسالته. إن العالم هو الذي يتأوروب وليست أوروبا هي التي «تهنِّد» نفسها (أي تصير هندية). قال ذلك في ثلاثينات القرن الماضي في كتابه حول «الفينومينولوجيا وأزمة الفلسفة». ومن المفارقات أن رأي هوسرل حول تفوق أوروبا الكامن لا يختلف كثيراً عن التصور الذي قام عليه التصور النازي للعالم، التصور الذي رفض «تلوث» أوروبا بالتأثير اليهودي، وأدى إلى طرد هوسرل نفسه من منصبه الجامعي بسبب يهوديته.



قبل قبول عرض عمل... خطوات أساسية عليك اتخاذها

أحد أفضل الأوقات للتفاوض هو بعد تلقي عرض عمل مباشرة (رويترز)
أحد أفضل الأوقات للتفاوض هو بعد تلقي عرض عمل مباشرة (رويترز)
TT

قبل قبول عرض عمل... خطوات أساسية عليك اتخاذها

أحد أفضل الأوقات للتفاوض هو بعد تلقي عرض عمل مباشرة (رويترز)
أحد أفضل الأوقات للتفاوض هو بعد تلقي عرض عمل مباشرة (رويترز)

عندما يتعلّق الأمر بما هو مهم في الوظائف، فإن الناس لديهم العديد من الأولويات. يقول أكثر من نصف العمال، 61 في المائة، إنهم يريدون توازناً أكبر بين العمل والحياة، وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة «غالوب» عام 2022 وشمل 13 ألفاً و85 موظفاً في الولايات المتحدة، بينما يريد 53 في المائة استقراراً وأماناً وظيفياً أكبر. وفوق كل شيء، يعطي 64 في المائة الأولوية للأجور والمزايا، بحسب شبكة «سي إن بي سي».

أحد أفضل الأوقات للتفاوض على هذه الأشياء هو بعد تلقي عرض عمل. قد يشمل ذلك التفاوض على الراتب والعمل من المنزل ووقت الإجازة. تقول ستايسي هالر، المستشارة المهنية الرئيسية في Resume Builder: «يجب أن تكون لديك قائمة شخصية بالأشياء التي تريد الحصول عليها، ثم الأشياء التي قد تكون على استعداد للاستغناء عنها». وستحتاج إلى معرفة هذه الأمور قبل أن يأتي إليك صاحب العمل المحتمل بهذا العرض الأولي.

الأهداف طويلة المدى

اسأل نفسك: «ما أهدافي طويلة المدى؟ وما الأهداف قصيرة المدى؟»، وفقاً لأنجلينا داريساو، مدربة مهنية ومؤسسة C - Suite وCoach.

فكر في الأمور التي تحتاج إليها حقاً من الوظيفة، مثل راتب معين لدعم نمط حياتك أو عدد محدد من أيام العطل سنوياً، على سبيل المثال. وتؤكد الخبيرة أن الأمر كله «يرجع إلى التأمل الذاتي».

إذا كنت بحاجة إلى مساعدة في تحديد أولوياتك، تقترح داريساو العمل مع مدرب مهني.

«هل يحدث هذا على نطاق واسع؟»

بمجرد أن تتوصل إلى ما تريده من عرض عمل، حاول أن تتعرف على ما هو واقعي في الشركة أو المجال المحدد من خلال التحدث إلى الآخرين. تشرح داريساو: «اسأل التالي (هل يحدث هذا على نطاق واسع في جميع أنحاء الصناعة؟)»، يمكن أن تساعدك الإجابة في الحصول على فكرة عما هو نموذجي.

إذا اكتشفت أن أحد طلباتك خارج عن المألوف، «تحدث بشكل غير رسمي مع قادة الموارد البشرية أو قادة الأعمال الآخرين في صناعتك لفهم ما يحفزهم عادة على تلبية هذا النوع من الطلبات، ستساعدك هذه الرؤية على معرفة ما قد تحتاج إليه للحصول على فرصة أفضل لتلبية احتياجاتك»، بحسب الخبيرة.

وتشير إلى إن الخلاصة في الحصول على هذا النوع من الوضوح هي أن هناك «فارقاً كبيراً بين أن تكون في وضع مريح وبين أن تكون في وضع يجعلك حقاً مستعداً للنجاح». والتفاوض على أفضل سيناريو ممكن هو المفتاح.