المسرح المعاصر ينفتح على وسائل الاتصال الحديثة

من خلال إحياء نصوص كلاسيكية أو تقديم أعمال جديدة تجذب جمهور الشباب

من عروض جورج كوتس الذي يستخدم فيها وسائل الاتصال الاجتماعي
من عروض جورج كوتس الذي يستخدم فيها وسائل الاتصال الاجتماعي
TT

المسرح المعاصر ينفتح على وسائل الاتصال الحديثة

من عروض جورج كوتس الذي يستخدم فيها وسائل الاتصال الاجتماعي
من عروض جورج كوتس الذي يستخدم فيها وسائل الاتصال الاجتماعي

الكلمات وحدها لا تصنع مسرحاً. المسرح لوحة متكاملة من الأداء الجسدي والصوتي مع الضوء والموسيقى والفن التشكيلي وسواها من عناصر تقنية حديثة، تتشكل في تكوينات درامية يبدعها تصور مخرج تجسيداً لخيال مؤلف. قد تصنع الكلمات دراما إذاعية، وفي أحسن الأحوال، تلفزيونية. لكن المسرح المعاصر اتجه تدريجياً في النصف الثاني من القرن العشرين إلى البحث عن لغته التعبيرية الخاصة والمتميزة عن السينما والتلفزيون، بل حتى عن المسرح بصورته التقليدية والتجارية، وهي لغة الجسد وتقنيات الفنون الحديثة. هل بدأ الأمر، يا ترى، مع مايرهولد والبايوميكانيك المستلهم من «الكوميديا دي لارتي»؟ أم تراه بدأ مع أدولف آبيا وتأثير النحت، أم من غوردن كريغ وتأثير الماريونيت؟ أتراه بدأ مع أروين بيسكاتور أم ماكس راينهارت، بحيث نسأل هل كان إدماج السينما في العروض المسرحية أبلغ أثراً أم إدماج السيرك؟ وهل كان الألماني برتولد برشت الرائد الأبرز والمنظر الأهم لتفاعل الفنون في المسرح المعاصر؟ في الواقع، يصعب تحديد الموجة من قطرات الماء. الأهم هو استمرار انسفاح الموجة على الصخر مرة تلو أخرى حتى تحفر أثراً.
البلدان الأكثر حفاوة بهذا الطراز من تداخل الفنون البصرية هي: وتشيكيا، وبولندا، وفرنسا، وألمانيا، والدنمارك، وهولندا، وبريطانيا، وروسيا والولايات المتحدة. منذ زمن طويل، اشتهرت براغ بطراز سمي «المسرح الأسود»، يعتمد على مؤدين يرتدون ثياباً سوداء، ويحركون أشياء مطلية بألوان فسفورية، هذا بالإضافة إلى استخدام التشيك الرائد لتقنية «سينيراما»، وهي إدماج مقاطع صورت سينمائياً مع أداء الممثلين الحي على خشبة المسرح. بدورها، كانت بولندا رائدة في تجارب لغة المسرح الممتزجة بالفن التشكيلي، خاصة مع تحول بعض الرسامين والمصممين إلى مخرجين، وفي طليعة هؤلاء غروتوفسكي ومسرحه الطقسي، كانتور ومسرحه البصري، توماشيفسكي ومسرحه الإيمائي الذي أبهر دمشق في أواخر الستينات، جوزيف شاينا والاستوديو الاختباري في وارسو، (وقد دعي إلى القاهرة في أواخر القرن الماضي، وشاهدت إحياءه لعرضه «ربليكا» عن الجحيم النازي على مسرح «الهناجر» في دار الأوبرا المصرية) في ألمانيا، تألق في برلين في القرن الماضي المخرج بيتر شتاين، ومن بعده في القرن الحادي والعشرين المخرج توماس أوسترماير، واستخدم الأخير منهما شاشة ضخمة تعرض لقطات مكبرة جداً لتعابير وجوه الممثلين في «هاملت» مع فرقة موسيقية تعزف بشكل حي على الخشبة موسيقى صاخبة Heavy Metal.
كان من أوائل المخرجين المجددين في فرنسا منذ أواخر الخمسينات المخرج روجيه بلانشون في مدينة ليون، متأثراً بنظريات برشت، فأخرج من نصوصه «خوف وبؤس في الرايخ الثالث»، و«شفايك» و«المرأة الطيبة من ستشوان»، كما استخدم بلانشون السينما في مسرحية شكسبير التاريخية «هنري الرابع»، فضلاً عن تجديده في إخراج مسرحية موليير «جورج داندان». في زمن لاحق، ظهرت في المسرح الفرنسي تجارب ملهمة لمخرجين طليعيين مثل أريان مينوشكين وفرقتها «مسرح الشمس»، وكذلك إخراجات باتريس شيرو المبهرة بصرياً. كما تألق المخرجون الزائرون من بلجيكا مثل يان فابر، الذي حضرت له عرضاً أثار ضجة كبرى في مهرجان «أفينيون» الفرنسي، وحمل عنوان «أنا الدم». مؤخراً، لفتت إخراجات البلجيكي إيفو فان هوفه الأنظار في لندن ونيويورك وأمستردام، خاصة مقاربته الكلاسيكيات بأسلوب فذٍ ومبتكر، منها مزجه لعدة مسرحيات شكسبيرية في Kings of War وRoman Tragedies إلى مقاربته لمسرحية آرثر ميلر «منظر من الجسر»، سواء في مسرح «ينغ فيك» في لندن، أو مسرح «غودمان» في شيكاغو.
بدأت آثار تداخل الفنون تنال حفاوة في لندن على نحو متأخر نسبياً. بدأ تريفور نن بذلك في بعض عروض الميوزيكال في القرن الحادي والعشرين، رغم أنه جاء إليها من خبرة طويلة في إخراج أعمال شكسبير، وإن كان التجديد مع الشكسبيريات أمرٌ مألوف وقديم العهد في «فرقة شكسبير الملكية» و«المسرح القومي» عند عدة مخرجين آخرين استخدم بعضهم أحيانا وسائل التقنية المتقدمة. اليوم، يتألق المخرج والممثل البريطاني المعروف سيمون ماكبارني في تطوير مسرح الجسد مع فرقته ذائعة الصيت «كومبليستيه» في لندن. كذلك لمعت المخرجة كيتي ميتشل بإخراجاتها في بريطانيا وألمانيا. لمعت أيضاً فرقة «1927» في لندن بطابعها التجريبي الذي يستخدم وسائل الاتصال المتعددة، كما في عرضها الشهير Golem. برزت أيضاً فرقة Frantic Assembly من الويلز، وهي تمزج بين المسرح الجسدي والموسيقى الحديثة، كما في عرض Beautiful Burnout وCurious Incident of the dog in the Nighttime بحيث انتقل العرض الأخير إلى أحد مسارح لندن، وحظي بجوائز.
في الدنمارك، يتصدر حركة المسرح الطليعي المخرج الإيطالي الشهير يوجينيو باربا، الذي يدير منذ سنوات «مسرح أودين» في مدينة هولتسبرو، ويقوم بجولات عالمية في مختلف أصقاع الأرض. أخرج باربا مسرحية «هاملت» في قلعة «ألسينور» نفسها التي جعلها شكسبير موضعاً لأحداث قصة الأمير الدنماركي الذي يخطط للإطاحة بعمه المستبد وقاتل أبيه غيلةً وغدراً محتلاً عرشه ومقترناً بزوجته. زار باربا سوريا وقدم ثلاثة عروض مونودراما من إخراجه، وأجريت معه آنذاك لقاءً تلفزيونياً مطولاً.
شهد المسرح الروسي انقلاباً جذرياً، وتغير رفضه المتشدد لأي تيار مجدد ومجرب خارج إطار واقعية ستانسلافسكي واضطهاد السلطات آنذاك لمايرهولد بسبب أسلوبه التجريبي، وتهميش تجارب تاييروف، إلى القبول بالتجريب الذي كان من المحرمات في الربع الأول من القرن العشرين. تعرض حتى ستانسلافسكي نفسه في أواخر حياته، وكذلك فاختانكوف، إلى الضغط كي لا ينحرفا عن المنهج الواقعي ويقاربا تجارب الشكل الجديد. منذ مطلع السبعينات تقريباً، رُدَّ الاعتبار إلى مايرهولد، واحتفي بأساليب مسرحية متنوعة في الاتحاد السوفياتي والجمهوريات التابعة له آنذاك. في مقدمة الأسماء اللامعة التي تألقت عالمياً يوري لوبيموف ومسرحه الشهير «تاغانكا» في موسكو، وبالأخص إخراجاته التي شاهدتها لعروض «عشرة أيام هزت العالم» و«طرطوف»، وما سمعت من الصديق الراحل فواز الساجر عن مقاربته المبدعة لمسرحية «هاملت». اشتهر عالمياً أيضاً الجورجي روبرت ستوروا بإخراجه لمسرحيتي شكسبير «ريتشارد الثالث» و«الملك لير»، وقد حضرت الثانية منهما في موسكو. كما اشتهر نيكروشوس بإخراجه المجدد لمسرحية تشيخوف «الخال فانيا»، التي أعجبت بها أيما إعجاب. في القرن الحادي والعشرين، ظهرت عروض المخرج ذي الأصل الليثواني ريماس توميناس ذات الطابع التجريبي، وفي طليعتها «الخال فانيا» و«يوجين أونيغن». كما لمع نجم المخرج التجريبي ديمتري كريموف في القرن الحادي والعشرين، وبالأخص عرضه التجريبي اللامع تشكيلياً «شيطان، نظرة من الأعلى» Demon، View from Above.
تملك الولايات المتحدة زخماً قوياً في المسرح التجريبي منذ ستينات القرن الماضي، وبالأخص جوليان بِك وجوديث مالينا في «المسرح الحي». كما نذكر من بين الفرق التجريبية الرائدة «فرقة سان فرانسيسكو الإيمائية» لمؤسسها المخرج المتأثر ببرشت ر. ج. ديفيز. اكتسبت الكثير من هذه الفرق شهرتها من معارضتها السياسية لحرب فيتنام، ومن جولاتها المظفرة في العواصم الأوروبية. عندما عملت في أواخر الثمانينات مساعداً للمخرج الطليعي الراحل جوزيف تشيكن، شاهدت في منزله فيديوهات عن عروضه الرائدة حين أسس وأدار فرقة «المسرح المفتوح». في أواخر الثمانينات أيضاً، شاهدت عرضاً مذهلاً في سان فرانسيسكو لرائد المسرح التشكيلي / البصري الأميركي جورج كوتس، وكان مذهلاً في جمالياته وابتكاره في الاستفادة من التقنيات الحديثة. حالياً، تقدم المخرجة كاثرين سوليفان في شيكاغو عروضاً من هذا الطراز، تستخدم فيها وسائل الاتصال الجماهيري multi - media كأدوات تعبير، وهي نموذج لتجارب متعددة أخرى كثيرة، وبالأخص في نيويورك.
ختاماً، نكرر القول: إن المسرح ليس كلمات فحسب، وإنما فرجة بصرية تتداخل فيها عناصر الأداء الجسدي ورسم الحركة مع الموسيقى والضوء والتشكيل لخلق تعبير يهدف إلى التأثير في عاطفة وعقل متفرج ملَّ من الأساليب التقليدية، وصار يطمح إلى أسلوب جديد يهز مشاعره ويحفر أثره عميقاً في الوجدان. إنه التطهير الذي ينشده المسرحي المعاصر بانفتاحه على استخدام تقنيات وسائل الاتصال الحديثة ضمن العرض المسرحي الحي وهو يقوم بإحياء نصوص كلاسيكية أو تقديم نصوص جديدة تجذب جمهور الشباب خاصة إلى ارتياد المسارح.
* مخرج وكاتب مسرحي سوري مقيم في الولايات المتحدة



«إنها فعلا لذيذة»... صيني يأكل موزة اشتراها بـ6 ملايين دولار

رجل الأعمال الصيني الأميركي جاستن صن يأكل عملاً فنياً على شكل موزة مكون من موزة طازجة ملتصقة بالحائط بشريط لاصق في هونغ كونغ في 29 نوفمبر 2024 بعد شراء العمل الفني الاستفزازي في مزاد في نيويورك مقابل 6.2 مليون دولار (أ.ف.ب)
رجل الأعمال الصيني الأميركي جاستن صن يأكل عملاً فنياً على شكل موزة مكون من موزة طازجة ملتصقة بالحائط بشريط لاصق في هونغ كونغ في 29 نوفمبر 2024 بعد شراء العمل الفني الاستفزازي في مزاد في نيويورك مقابل 6.2 مليون دولار (أ.ف.ب)
TT

«إنها فعلا لذيذة»... صيني يأكل موزة اشتراها بـ6 ملايين دولار

رجل الأعمال الصيني الأميركي جاستن صن يأكل عملاً فنياً على شكل موزة مكون من موزة طازجة ملتصقة بالحائط بشريط لاصق في هونغ كونغ في 29 نوفمبر 2024 بعد شراء العمل الفني الاستفزازي في مزاد في نيويورك مقابل 6.2 مليون دولار (أ.ف.ب)
رجل الأعمال الصيني الأميركي جاستن صن يأكل عملاً فنياً على شكل موزة مكون من موزة طازجة ملتصقة بالحائط بشريط لاصق في هونغ كونغ في 29 نوفمبر 2024 بعد شراء العمل الفني الاستفزازي في مزاد في نيويورك مقابل 6.2 مليون دولار (أ.ف.ب)

أوفى رجل اشترى عملاً فنياً يمثل موزة مثبتة على حائط لقاء 6.2 مليون دولار، بوعده الجمعة، وأقدم على تناول قطعة الفاكهة.

ففي أحد فنادق هونغ كونغ الفاخرة، أكل جاستن صن، وهو رجل أعمال صيني أميركي ومؤسس منصة «ترون» للعملات المشفرة، الموزة التي تمثل عملاً فنياً أمام عشرات الصحافيين والمؤثرين، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وقبل إقدامه على هذه الخطوة، ألقى الشاب البالغ 30 عاماً كلمة وصف فيها العمل الفني بأنه «إبداعي»، مشيراً إلى أوجه تشابه بين الفن التصوّري والعملات المشفرة.

وقال بعد أن التهَم أوّل قطعة من الموزة: «إنها أفضل بكثير من أي موزة أخرى. هي فعلا لذيذة».

ويتألّف العمل الذي يحمل اسم «كوميديان» من موزة معلّقة على حائط بقطعة كبيرة من شريط لاصق فضي، تولى ابتكاره الفنان الإيطالي المتمرد والمثير للاستفزاز ماوريتسيو كاتيلان.

وبيع هذا العمل الفني مقابل 6.2 مليون دولار، ضمن مزاد نظمته دار «سوذبيز» خلال الأسبوع الفائت في نيويورك.

امرأة تلتقط صورة أمام ملصق يصور عملاً فنياً للموز يتكون من موزة طازجة ملتصقة بالحائط بشريط لاصق في هونغ كونغ 29 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وقال جاستن صن إنه شعر بـ«ارتياب» في الثواني العشر الأولى التي تلت عملية البيع، ثم اتخذ قراراً بتناول حبة الفاكهة.

وأوضح، الجمعة، أن «أكل الموزة خلال مؤتمر صحافي قد يكون جزءاً من تاريخها».

وهذا العمل موجود في 3 نسخ، ويرمي إلى إعادة طرح مفهوم الفن وقيمته. وتم الحديث عنه بشكل كبير منذ عرضه للمرة الأولى عام 2019 في ميامي.

ويحصل صاحب أحد الأعمال على شهادة أصالة، بالإضافة إلى تعليمات بشأن كيفية استبدال حبة الفاكهة عندما تبدأ بالتعفن.

وقارن صن الأعمال التصوّرية مثل «كوميديان» بفن رموز «إن إف تي» (رموز غير قابلة للاستبدال تتيح الحصول على شهادة أصالة رقمية) وتقنية الـ«بلوكتشين» (سلسلة الكتل) التي تقوم عليها العملات المشفرة.

وأشار إلى أنّ «معظم هذه الأشياء والأفكار موجودة بوصفها ملكية فكرية وعلى الإنترنت، وليس غرضاً مادياً».

وتلقى المشاركون في المؤتمر الصحافي، الجمعة، لفافة من الشريط اللاصق وموزة هدية تذكارية.