العراق يطالب البيشمركة بتسليم المثلث الحدودي مع تركيا وسوريا

القوات الكردية أعلنت إحباط ثلاث هجمات لـ«الحشد» شمال وشرق الموصل وغربها

معبر الخابور الحدودي بين العراق وتركيا الخاضع لسيطرة حكومة إقليم كردستان (رويترز)
معبر الخابور الحدودي بين العراق وتركيا الخاضع لسيطرة حكومة إقليم كردستان (رويترز)
TT

العراق يطالب البيشمركة بتسليم المثلث الحدودي مع تركيا وسوريا

معبر الخابور الحدودي بين العراق وتركيا الخاضع لسيطرة حكومة إقليم كردستان (رويترز)
معبر الخابور الحدودي بين العراق وتركيا الخاضع لسيطرة حكومة إقليم كردستان (رويترز)

أفادت مصادر أمنية عراقية أمس بأن القوات العراقية طالبت قوات البيشمركة بتسليم مواقعها في منطقة فيشخابور الواقعة بين زاخو وربيعة التي تشكل المثلث العراقي - التركي - السوري أقصى شمال غربي العراق.
وأوضحت المصادر لوكالة الأنباء الألمانية، أن «قائد حشد تلعفر مختار الموسوي واللواء الركن كريم الشويلي يقودان محور الجيش والحشد واللواء ثامر الحسيني يقود محور الرد السريع والشرطة الاتحادية في المنطقة». وتريد القوات العراقية تأمين المنطقة لفتح معبر حدودي بديل لمعبر الخابور مع تركيا ضمن إجراءات بغداد بالتنسيق مع أنقرة وطهران ضد أربيل ردا على استفتاء الاستقلال الذي أجري في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي.
إلى ذلك، وبعد التحشيدات الكبيرة لـ«الحشد الشعبي» والقوات العراقية قرب جبهات البيشمركة في مناطق مخمور جنوب غربي أربيل والمحمودية غرب الموصل وتلسقف شرقها، أعلنت قوات البيشمركة عن تصديها لثلاث هجمات شنها «الحشد الشعبي» والقوات الأخرى على مواقعها في المناطق الثلاث أمس، مبينة أن المعارك أسفرت عن انسحاب القوات العراقية.
وقال المقدم رمضان عمر، المسؤول في استخبارات قوات بيشمركة الزيرفاني (النخبة) لـ«الشرق الأوسط»: «شن مسلحو الحشد الشعبي هجوما على مواقع قوات البيشمركة في منطقة المحمودية التابعة لناحية ربيعة غرب الموصل، فاندلعت على إثر الهجوم معركة بين الجانبين لكن سرعان ما تصدت قواتنا لمسلحي (الحشد) وألحقت بهم خسائر فادحة تمثلت في تدمير عجلتين مدرعتين من نوع هامر وعجلة مدرعة أخرى من نوع باجر وسيارتين»، مبينا أن نحو عشرين مسلحا من الحشد قتلوا خلال المعركة، فيما انسحب الآخرون.
وأضاف عمر أن مسلحي الحشد حاولوا شن هجوم آخر على البيشمركة في مخمور ظهر أمس لكن كانت البيشمركة لهم بالمرصاد، موضحا: «أحبطنا هجومهم على مخمور أيضا وقتلنا العشرات منهم وأسرنا عددا آخر منهم، واستولت قواتنا على عجلات مدرعة وكمية من الأسلحة والأعتدة وأحرقت نحو ثمانية مدرعات من نوع هامر»، لافتا إلى أن البيشمركة أطلقت سراح أسرى الحشد وأعادت لهم جثث قتلاهم التي تركوها في أرض المعركة.
وفي بلدة تلسقف شرق الموصل التي يسكنها المكون المسيحي، شنت أمس قوات «الحشد والقوات العراقية الأخرى هجوما على قوات البيشمركة بهدف استعادة السيطرة على البلدة، لكن البيشمركة تصدت للهجوم وأجبرت الحشد على الانسحاب من أطراف البلدة»، وأكد عمر أن البيشمركة دمرت خلال معركة تلسقف ثلاث عجلات مدرعة من نوع همر وعجلة مدرعة من نوع باجر وقتلت عددا من مسلحي «الحشد».
في غضون ذلك، أصدرت وزارة البيشمركة في حكومة إقليم كردستان أمس بيانا نددت فيه باستمرار القوات العراقية لتحشيداتها قرب جبهات البيشمركة في تلك المناطق، وذكر البيان: «يبدو واضحاً أن الحشد الشعبي والقوات العراقية لا تلتزم بأي اتفاقية لتحديد خطوط التماس، وهي تواصل تحركاتها وتحشيد قواتها في تلك المناطق»، مضيفة أن «هذه التحركات وإصرار الحشد الشعبي على التقدم تشير إلى النيات السيئة لهذه القوات وسعيها للمساس بكردستان وشعبها».
إلى ذلك، وجه النائب الأول للأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، نائب رئيس إقليم كردستان، كوسرت رسول، أمس الثلاثاء، قادة البيشمركة بتنفيذ الأوامر العسكرية الصادرة عن القائد العام للقوات المسلحة في إقليم كردستان (رئيس الإقليم مسعود بارزاني) حصراً.
واجتمع رسول، الذي أصدرت بغداد بعد استعادتها كركوك أمرا باعتقاله، مع قائد «قوات السبعين» في قوات البيشمركة، شيخ جعفر شيخ مصطفى، والقيادة العسكرية للاتحاد الوطني الكردستاني في محور جنوب كركوك، في مدينة السليمانية. وأفاد البيان الصادر في ختام الاجتماع، بأن كوسرت رسول تحدث عن الأوضاع السياسية في كردستان، «وكيفية التصدي للمؤامرة متعددة الأطراف، وإدخال دولة العراق قوة كبيرة من الجيش وميليشيات الحشد الشعبي إلى مدينة كركوك وطوزخورماتو والمناطق الكردستانية الأخرى والمناطق الواقعة خارج إدارة الإقليم». كما أشار رسول إلى شجاعة البيشمركة وصمودها أمام تلك القوات على الرغم من عدم التكافؤ في القوى والقدرات العسكرية، ودفاعها عن أراضي كردستان.
وتابع البيان أن «كوسرت رسول حث قادة ومسؤولي البيشمركة على بذل كل ما يمكن لإعادة ترتيب القوات وعدم السماح بأن تؤثر الأحداث الأخيرة سلباً على معنويات البيشمركة». وأكد: «من غير المسموح تلقي الأوامر العسكرية من أي جهة باستثناء القيادة العامة لقوات بيشمركة كردستان، وعدم تلبية التوجيهات العسكرية الصادرة عن أي شخص أو جهة لا ترتقي لمستوى المسؤولية». محذرا من أن الإصغاء للأوامر الصادرة من أي جهة غير القيادة العامة لقوات البيشمركة «خطأ عسكري كبير ويؤدي إلى مزيد من الإخفاقات».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.