الجيش التركي ينتشر في إدلب... ويضع عينه على عفرين

إردوغان أعلن أن قوات بلاده قد تأتيها ذات ليلة

صورة لتعزيزات تركية أرسلت إلى إدلب  (وكالة أنباء الأناضول)
صورة لتعزيزات تركية أرسلت إلى إدلب (وكالة أنباء الأناضول)
TT

الجيش التركي ينتشر في إدلب... ويضع عينه على عفرين

صورة لتعزيزات تركية أرسلت إلى إدلب  (وكالة أنباء الأناضول)
صورة لتعزيزات تركية أرسلت إلى إدلب (وكالة أنباء الأناضول)

لمح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى أن القوات التركية قد تبدأ عملية عسكرية في عفرين التي تقع تحت سيطرة «وحدات حماية الشعب» الكردية التابعة لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي» السوري، وتعتبر آخر جيب للأكراد في شمال سوريا على حدود تركيا الجنوبية، وذلك بعد أن أكملت إلى حد كبير عملية الانتشار في إدلب.
وقال إردوغان، أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان التركي، أمس: إن العملية العسكرية التي تنفذها القوات التركية بمحافظة إدلب السورية، حققت نتائجها إلى حد كبير، وإن أمام تركيا الآن موضوع مدينة عفرين في ريف حلب.
وترغب تركيا في السيطرة على عفرين، التي بدأت تطويقها بالفعل وإخراج عناصر «وحدات حماية الشعب» الكردية من منبج إلى شرق الفرات، لقطع الصلة بين مناطق سيطرة الأكراد وإبعاد خطر قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية، وذلك بعد أن سيطرت فصائل «الجيش السوري الحر» الموالية لها على نحو ألفي كيلومتر مربع في مثلث جرابلس - أعزاز - الباب.
وواصل الجيش التركي على مدى الأيام الماضية، حشد المزيد من قواته في ولاية هاطاي الحدودية جنوب البلاد، في إطار انتشار عناصر من قواته بمحافظة إدلب السورية، وفقاً لاتفاق مناطق خفض التصعيد مع روسيا وإيران في ظل تقارير عن اعتزام تركيا إقامة 8 قواعد عسكرية شمال سوريا. وقالت مصادر عسكرية: إن عناصر الجيش التركي التي تم نشرها في إدلب، وصلت إلى حدود منطقة سالف وجبل الشيخ بركات وحلب.
وذكرت رئاسة هيئة الأركان العامة للجيش التركي، الجمعة الماضي، أنه تم إنشاء نقاط المراقبة الرئيسية، وأن أول نقطة من 14 نقطة تقع على تل سالف بالقرب من ريحانلي التركية.
ونقلت صحيفة «يني شفق»، القريبة من الحكومة، عن مصادر عسكرية قولها إن أربعة مواقع من أصل ثماني قواعد عسكرية تعتزم تركيا إنشاءها في شمال سوريا تم تحديدها بالفعل، أولها في منطقة جبل بركات، ذات الأهمية الاستراتيجية، التي تطل على مناطق من أعلى عفرين وإدلب.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن قاعدة تفتياز الجوية في جنوب شرقي المدينة ومطار أبو ضهور العسكري سيكونان نقطتين منفصلتين تستخدمهما القوات المسلحة التركية لإدارة عملياتها في إدلب. كما نجح الجيش التركي في فرض سيطرته على وادي الضيف الذي كان نقطة الحماية الأكبر لنظام الأسد في سوريا.
تزامن ذلك مع إعلان رئاسة الأركان استمرار أعمال الرصد وإزالة الألغام بمناطق «درع الفرات»، خصوصاً في منطقة الباب واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تمدد وحدات حماية الشعب الكردية، واستمرار ملاحقة عناصرها لوقف الهجمات في المنطقة الواقعة بين عفرين شرقاً ومنبج إلى الغرب.
وقال إردوغان إن تركيا لا يمكنها تقديم أي تنازلات أمام التطورات التي تشهدها المنطقة. وشدد على أن أنقرة عازمة على التصدي لجميع التهديدات التي تتعرض لها في المنطقة، وكرر قائلا: «قد نأتيهم أو نقصفهم بغتة ذات ليلة» في إشارة إلى احتمال شن هجوم على وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين في أي وقت.
وكان نائب رئيس الوزراء، المتحدث باسم الحكومة التركية، بكير بوزداغ، استبعد الأسبوع الماضي القيام بعملية عسكرية في إدلب قريبا، قائلا إن الحديث عن هذه العملية الآن سابق لأوانه. لكن مراقبين اعتبروا أن نشر نقاط المراقبة التركية داخل إدلب على بعد 3 - 4 كيلومترات فقط من مناطق تمركز الأكراد في عفرين يشير إلى أن أنقرة بصدد التحرك باتجاه عفرين في المرحلة المقبلة.
وكرر إردوغان انتقاداته للولايات المتحدة بسبب رفع عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» صورا لزعيم حزب العمال الكردستاني السجين في تركيا عبد الله أوجلان في محافظة الرقة السورية بعد تحريرها من «داعش»، واستنكر تعاون الولايات المتحدة مع «وحدات الحماية» الكردية رغم جميع التحذيرات التركية.
وعقب تحرير الرقة من «داعش»، حذرت تركيا من تسليم الولايات المتحدة إدارة المحافظة السورية إلى الفصائل الكردية بعد طرد تنظيم داعش الإرهابي منها، معتبرة أن من شأن ذلك إشعال فتيل صراع طائفي. وقال نائب رئيس الوزراء التركي فكري إيشيك، إن العرب يشكلون أكثر من 90 في المائة من سكان الرقة، وإن تسليمها إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي سيولد مشاكل، وقد يشعل فتيل صراع عرقي في المدينة.



كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
TT

كيف سيتصرف «حزب الله» وهل يتفلّت نتنياهو من الضغط الأميركي؟

لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)
لدى نصر الله ونتنياهو حسابات معقدة تحول دون تراجعهما (أ.ف.ب - رويترز)

يتوقف بدء سريان المفاعيل السياسية للنداء الأميركي - الفرنسي، المدعوم أوروبياً وعربياً، للحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، على الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، لمنعه من التفلُّت من مسؤوليته بتوفير الأجواء السياسية المواتية لتطبيق مضمون هذا النداء، بعد أن كان قد التزم بمضامينه، لينقلب عليه لاحقاً بذريعة أن مجرد التلازم في وقف إطلاق النار ليشمل جبهتي جنوب لبنان وغزة يتيح لـ«حزب الله» تبرير مساندته لـ«حماس»، على نحو يرتد عليه سلباً، ويتسبّب له بإشكالات داخل حكومته المناوئة بأكثريتها للربط بين الجبهتين، فيما يلقى فصل الجبهتين معارضة من «حزب الله»، كونه يشكل له إحراجاً أمام بيئته بعدم الجدوى من انخراطه في إسناد غزة، وما ترتب عليه من أكلاف باهظة كان في غنى عنها.

«فيتوات» متبادلة بين إسرائيل والحزب

لكن صدور النداء الأميركي - الفرنسي بصيغته الراهنة قوبل بتبادل «الفيتوات» بين إسرائيل و«حزب الله»، الذي يتمسك بتطبيق التلازم بوقف إطلاق النار على جبهتي غزة والجنوب، بخلاف نتنياهو المعترض عليه، وهذا ينسجم مع ما طرحه الوسيط الأميركي، أموس هوكستين، في مفاوضاته مع رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، بتفويض من قيادة «حزب الله» لتهدئة الوضع جنوباً ونزع فتيل التفجير ومنع توسعة الحرب.

وكان الرئيس بري يعد العدّة لاستئناف التفاوض مع هوكستين لاستكمال البحث بينهما في الورقة التي أعدها الأخير لتهدئة الوضع جنوباً، للبدء بالتفاوض غير المباشر والتوصل إلى وقف إطلاق النار على قاعدة تهيئة الأجواء لتطبيق القرار رقم (1701) كونه الناظم الدولي لتحديد الحدود بين لبنان وإسرائيل.

لكن الرئيس بري، الذي كان قد تواصل مع هوكستين فور صدور النداء، فوجئ، كما يقول مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط»، بمبادرة نتنياهو إلى سحب تأييده له باعتراضه على التلازم بتطبيق وقف إطلاق النار على الجبهتين الغزاوية والجنوبية، ومطالبته بعدم الربط بينهما بذريعة أنه يشكل انحيازاً لوجهة نظر «حزب الله» بإسناده لـ«حماس».

انقلب نتنياهو فألغى هوكستين زيارته

ويؤكد المصدر النيابي أن هوكستين كان يتحضر للعودة إلى بيروت لمواصلة البحث في الورقة التي أعدها لتطبيق القرار رقم (1701)، وسبق لبري أن سجّل ملاحظاته على بعض بنودها، لكنه عدل عن المجيء، بعد أن انقلب نتنياهو على موافقته المبدئية على ما ورد في النداء الذي يحظى أيضاً بتأييد إيران، انسجاماً مع توافقها والولايات المتحدة على استيعاب التأزم لمنع توسعة الحرب في الإقليم.

وينفي المصدر نفسه كل ما أُشيع عن أن هوكستين بحث في اتصاله ببري وجوب انسحاب الحزب إلى ما وراء جنوب الليطاني، ويقول إن الاتصال بينهما بقي في العموميات، ولم يتطرقا إلى أي تفصيل يتعلق بالورقة، طالما أن للبحث بينهما صلة.

ويبقى السؤال: هل ينجح الرئيس الأميركي جو بايدن في إقناع نتنياهو بتعديل موقفه بما يسمح بتعبيد الطريق لتنفيذ ما ورد في النداء؟ أم أن محاولته، وقد تكون الأخيرة، لن تلقى التجاوب المطلوب؟ وهذا ما يفتح الباب لسؤال آخر: كيف سيتصرف «حزب الله» في حال أصر نتنياهو على المضي في اجتياحه الجوي للبلدات الجنوبية والبقاعية، وفي اغتياله لأبرز قياداته وكوادره العسكرية؟

فلدى الحزب، كما تقول أوساط مقربة منه، القدرات العسكرية والقتالية للتعويض عن تراجع حدة المواجهة في القطاع، كما يشيعه بعضهم، وتقول إنه جاهز لمواجهة كل الاحتمالات، وسيمضي في دفاعه عن النفس ضد العدوان الإسرائيلي، ولن يرضخ لضغوط نتنياهو النارية باستهدافه المدنيين من دون أن يستدرج لتوسيع الحرب، مع احتفاظه بحق الرد على تجاوز نتنياهو الخطوط الحمر باغتياله لأبرز قيادات الحزب العسكرية والميدانية.

مخزون «حزب الله» الصاروخي

لكن الأوساط نفسها لا تعلق على ما يتردد بأن القتال في غزة بدأ ينحسر، وأن القطاع تحوّل إلى جبهة مساندة، ما يجعل الحزب منفرداً في حربه مع إسرائيل، وأنه أصبح يختصر بنفسه وحدة الساحات بتراجع منسوب الانشغال الذي تتولاه أذرع محور الممانعة في المنطقة، كما تفضّل عدم التعليق على تحليلات سياسية تتحدث عن التفاوض بين طهران وواشنطن، وتتهم إيران بترك الحزب وحيداً، وتحمله القسط الأكبر في المواجهة، بذريعة أن لديها حسابات وأوراق سياسية لا تريد التصرف بها في غير أوانها، وتحتفظ بها لتحسين شروطها في المفاوضات.

وتؤكد هذه الأوساط لـ«الشرق الأوسط» أن لدى الحزب مخزوناً صاروخياً، يعود له وحده استخدام الصواريخ الدقيقة منه في الوقت المناسب، وتقول إن استخدامه لصاروخ من نوع «قادر-1» لن يكون الأول والأخير، وأريد منه تمرير رسالة يجب أن يأخذها العدو على محمل الجد، بأن الحزب قادر على تجاوز ما بعد حيفا باستهدافه مواقع إسرائيل العسكرية والمخابراتية، وهذا ما أصاب إحدى قياداته الواقعة على تخوم تل أبيب.

متى تتدخل إيران؟

لذلك، هل يبقى الحزب وحيداً في المواجهة لتراجع وحدة الساحات كما يقول خصومه في الداخل والخارج؟ أم أنه لا يزال يراهن، تبعاً لحساباته، على تدخل إيران في الوقت المناسب في حال تمادت إسرائيل في عدوانها بما ينذر باندلاع حرب شاملة؟ وهذا ما أكده وزير خارجيتها عباس عرقجي بقوله إن بلاده لن تبقى مكتوفة الأيدي في حال قيام إسرائيل بتوسيع الحرب لتشمل الإقليم، مع أن طهران تتمهل لأسباب خاصة بها في الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، في عقر دار الحرس الثوري.

في المقابل فإن تل أبيب تواصل اجتياحها الجوي لتفريغ البلدات الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية لبيروت من سكانها، كونها مدرجة على بنك أهدافها، بغية تكبير أزمة النزوح بما يشكل إحراجاً للحزب أمام بيئته الحاضنة، والتحريض عليه بذريعة عدم قدرته على توفير الاحتياجات الضرورية لمئات الألوف من النازحين، في ظل عدم استطاعة الدولة على تلبيتها كما يجب، وهذا ما يفسر إصرار إسرائيل على تحييد الطرقات الدولية والفرعية المؤدية إلى هذه القرى لتسهيل عملية النزوح منها.