اليوم الحكم على الجندي الأميركي «صديق طالبان»

الرقيب الأميركي بو بيرغدال في طريقه لحضور جلسة المحاكمة أول من أمس (واشنطن بوست)
الرقيب الأميركي بو بيرغدال في طريقه لحضور جلسة المحاكمة أول من أمس (واشنطن بوست)
TT

اليوم الحكم على الجندي الأميركي «صديق طالبان»

الرقيب الأميركي بو بيرغدال في طريقه لحضور جلسة المحاكمة أول من أمس (واشنطن بوست)
الرقيب الأميركي بو بيرغدال في طريقه لحضور جلسة المحاكمة أول من أمس (واشنطن بوست)

تصدر محكمة عسكرية أميركية، اليوم (الأربعاء)، الحكم على بو بيرغدال، الرقيب الأميركي الذي يواجه تهمة الخيانة العظمى لأنه كان «صديق طالبان»، عندما أسرته في أفغانستان. لكن خبراء قانونيين وعسكريين أميركيين قالوا، أمس (الثلاثاء)، إن الإساءات التي وجهها له الرئيس دونالد ترمب ربما تؤثر على قانونية الإجراءات ضده، وربما تثير أسئلة حول عدالة المحاكمة.
كان ترمب قد بدأ الإساءات ضده العام الماضي، خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، وكان من أوائل الذين وصفوه بالخيانة العظمى، قبل أن تصبح تهمة رسمية ضده.
وقالت صحيفة «واشنطن بوست»، أمس، إن المحكمة العسكرية استمعت إلى أجزاء من تصريحات ترمب خلال الحملة الانتخابية، خصوصاً قوله إن بيرغدال «خائن قذر عفن»، وإن رئيس المحكمة، الكولونيل جفري نانس، ناقش الموضوع مع مستشارين في البيت الأبيض.
وبدأت إجراءات محاكمة بيرغدال (31 عاماً) العام الماضي، أمام الهيئة القضائية العسكرية في البنتاغون. وقبل أكثر من 5 أعوام، كانت منظمة طالبان في جبال شمال شرقي أفغانستان قد اعتقلته. وفي عام 2105، أطلقت سراحه، كجزء من صفقة أطلق فيها البنتاغون سراح عدد من قادة طالبان كانوا معتقلين في قاعدة غوانتانامو العسكرية لأكثر من 10 أعوام.
وفي ذلك الوقت، تناقلت أخبار أنواع الاتهامات ضد بيرغدال، ومنها أنه سيحاكم بتهمة الهروب من قواته، والانضمام إلى قوات الأعداء، لكن جنرالات في البنتاغون وسياسيين جمهوريين صعدوا الاتهامات إلى أكبر من ذلك، إلى الخيانة العظمى، وذلك لأن اللجنة العسكرية التي حققت مع بيرغدال، بعد عودته من أفغانستان، حصلت على أدلة على أنه قدم معلومات عن القوات الأميركية إلى طالبان.
وكان الرئيس باراك أوباما قد أشاد ببيرغدال، عندما أطلقت طالبان سراحه. وذهب بيرغدال إلى البيت الأبيض، وحضر احتفالاً بمناسبة عودته إلى وطنه، وقال أوباما: «غاب الرقيب بيرغدال عن أعياد الميلاد، وأعياد عائلية، ولحظات سعيدة مع العائلة والأصدقاء. بالنسبة لنا، كانت تلك الأعياد أمراً عادياً. لكن، بالنسبة لبيرغدال، لم ينسه والده الذي كان يصلى له كل يوم، ولم تنسه أخته التي كانت تصلى لعودته سالماً... وأيضاً، لم ينسه جيرانه وأصدقاؤه، ولم ينسه معارفه، ولا حيث كان يعيش في ولاية إيداهو، ولا في القوات المسلحة. وطبعاً، لم تنسه الحكومة الأميركية، وذلك لأن الحكومة الأميركية لا تترك رجالها ونساءها وراءها».
وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية، العام الماضي، انتقد ترمب تصريحات أوباما هذه، وبدأ يصف بيرغدال بالخيانة العظمى. ومرة، سأل ترمب: «هل يعقل أن رئيس الولايات المتحدة يشيد بجندي خان وطنه؟ هل يعقل أن يدعو أوباما إلى البيت الأبيض جندياً خائناً؟».
إلى ذلك، قال تلفزيون «سي إن إن»، أمس، إن أدلة الاتهام تتضمن وثائق بأن بيرغدال تخلى عن موقع مراقبة عسكري في مكان بعيد في أفغانستان، وذلك في يونيو (حزيران) عام 2009، وإن هذا يفسر بأنه «هرب» من الخدمة العسكرية، حسب القانون العسكري، وأنه فعل ذلك «في وسط منطقة قتال، وكان يحتمل أن يعرض حياة رفاقه الجنود للخطر».
وفي وقت إطلاق سراح بيرغدال نفسه، أطلق البنتاغون 5 من قادة طالبان كانوا معتقلين في قاعدة غوانتانامو. وفي ذلك الوقت، انتقد الصفقة بعض القادة الجمهوريين في الكونغرس، وأيضاً بعض زملائه الجنود الذين وصفوه بأنه هرب. وانتشرت في مواقع الاتصالات الاجتماعية تعليقات عن «الخائن» و«الخيانة العظمي» و«عميل طالبان»، لكن آخرين دافعوا عن بيرغدال، وأشاروا إلى أن عمره كان 23 عاماً عندما ترك قواته، وأن ما فعله خطأ لكن يجب ألا يكون الحكم عليه قاسياً. ودار نقاش عن ما إذا كان بيرغدال «هارباً» أم «أسيراً».
وفي ذلك الوقت، قال رئيس أركان القوات الأميركية، الجنرال مارتن ديمبسي، إن بيرغدال قد يحاكم إذا ثبت أنه فر من وحدته قبل أسره، وإن بيرغدال «بريء حتى تثبت إدانته»، لكن الجنرال أكد أن القوات المسلحة «لن تتغاضى عن أي مخالفات، إذا ثبت وقوعها».
وفي ذلك الوقت، قالت مجلة «ناشيونال ريفيو» اليمينية إن الرئيس أوباما دافع عن «خائن»، وأشارت إلى قول أوباما عن بيرغدال: «نحن لا نتخلى عن جنودنا، وهذه قاعدة معمول بها منذ أيام بلادنا الأولى، مهما كانت الظروف، ومهما يتبين لاحقاً ما حصل، سنعمل دائماً على إعادة الجنود الأميركيين إذا وقعوا في الأسر، وهذا أمر لا جدال فيه».
وأضافت المجلة: «كان على أوباما أن يفرق بين بطل نحرص على أن يعود فخوراً بما عمل، وغير بطل عاد بسجل مشوه».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟