انقسام عراقي حول موعد الانتخابات العامة

السنة والكرد وبعض الشيعة مع تأجيلها

TT

انقسام عراقي حول موعد الانتخابات العامة

رغم الاجتماع الذي عقد أول من أمس بين أعضاء عن «التحالف الوطني» الشيعي، وعلى رأسهم زعيم ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، وأعضاء عن «اتحاد القوى» السني، ويترأسهم رئيس مجلس النواب عضو الاتحاد سليم الجبوري، واتفاق الجانبين على إجراء الانتخابات النيابية العامة في موعدها المحدد، فإن المواقف الصادرة عن أطراف سياسية مختلفة تثير أكثر من علامة استفهام حول مستقبل الانتخابات البرلمانية العامة، بدورتها الرابعة في عراق ما بعد 2003.
وفي هذا الاتجاه، اعتبر الدكتور أحمد المساري، عضو مجلس رئاسة «تحالف القوى العراقية» الأمين العام لحزب «الحق الوطني»، أن إجراء الانتخابات «مستحيل» في 12 مايو (أيار) المقبل، الموعد الجديد الذي اقترحته مفوضية الانتخابات المستقلة. ويرى المساري، في بيان أصدره أمس، استحالة إجراء تلك الانتخابات في الموعد المذكور، نظراً لـ«الظروف الإنسانية الصعبة التي يواجهها أبناء المحافظات التي تحررت للتو من عصابات (داعش) الإرهابية، وما زال الملايين منهم موزعين على المخيمات»، مضيفاً: «إننا نفهم أن إجراء الانتخابات ليس هو الهدف، وإنما وسيلة لضمان انتخاب مرشحين يمثلون مواطنيهم تمثيلاً حقيقياً، عبر ممارسة ديمقراطية عادلة نزيهة يحصل فيها الجميع على فرصتهم للتعبير عن رأيهم واختيار من يمثلهم»، معتقداً أن «إصرار» البعض على إجراء الانتخابات في ظل الظروف الحالية يعني أن «أولئك لا يمثلون إرادة الجماهير بأي شكل من الأشكال، وأنهم يتصرفون من وحي مصالحهم».
ورغم أن المساري يمثل الناخبين في بغداد، وليس في المحافظات التي خضعت لسيطرة «داعش» بعد يونيو (حزيران) 2014، فإن مصدراً مقرباً من «اتحاد القوى العراقية» يرى أن «الأمر لا يتعلق بمرشح من بغداد أو غيرها، إنما يتعلق بالخشية من عدم الوصول إلى البرلمان مجدداً».
ويؤكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «أغلب القيادات السنية لا ترغب في إجراء الانتخابات في الموعد المحدد، في مقابل رغبة شعبية في المناطق السنية لإجراء الانتخابات للتخلص من الوجوه الحالية». ويشير المصدر إلى تفكير القوى السنية بـ«تكييف قانوني» لمعالجة الفراغ الناجم عن عدم إجراء الانتخابات في الوقت المحدد، عبر «إجراء يمكن أن تلجأ إليه الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، بتأجيلها فترة محددة، باعتبار وقوع العراق حتى الآن تحت مظلة البند السابع».
وأكد مصدر قريب من «التحالف الوطني» أيضاً أن «بعض القوى الشيعية لا ترغب بإجراء الانتخابات، إلى جانب القوى السنية والكرد»، ويرى أن «التأجيل ممكن، لكنه بحاجة إلى مظلة دستورية، قد توفرها المحكمة الاتحادية في حال تم التوافق على ذلك بين القوى السياسية المختلفة».
ويقول المصدر إن «المالكي أشد المعارضين لتأجيل الانتخابات، فهو يعتقد أن الظروف الحالية ملائمة لأوضاعه داخل المحيط الشيعي، خصوصاً مع تحالفه المزمع مع قيادات في الحشد الشعبي، ويخشى أن تضعف تلك الحظوظ مع تأجيل الانتخابات لسنتين أو أكثر». ويلفت إلى أن «رئيس الوزراء العبادي قد يميل إلى التأجيل حتى يستكمل بعض المشاريع التي عمل عليها ويريد إنجازها، ذلك أن نتائج الانتخابات الجديدة لا توصله بالضرورة إلى ولاية ثانية لرئاسة الوزراء».
وفي حين تتحدث الأطراف المطالبة بالتأجيل عن الاكتفاء بحكومة «طوارئ أو إنقاذ وطني»، في حال تأجيل الانتخابات، ينفي الخبير القانوني طارق حرب وجود أي «مظلة دستورية أو قانونية» تسمح بتأجيل الانتخابات.
ويقول حرب لـ«الشرق الأوسط»: «لا وجود لمظلة دستورية تغطي مسألة التأجيل، والدستور العراقي لا يعرف مفهومي حكومة الطوارئ أو الإنقاذ الوطني». ويلفت إلى أن الدستور العراقي «لا يسمح بتأجيل عمل مجلس النواب يوماً واحداً، وهو لا يستطيع التأجيل لنفسه، ومسألة التأجيل واردة فقط في مجالس المحافظات المحلية».
إلا أنه يشير إلى «إمكانية بقاء الحكومة في تأدية أعمالها لفترة غير محددة، حتى مع عدم وجود مجلس النواب».
كان مجلس النواب العراقي قد صوت، أول من أمس، على تسمية الأعضاء التسعة الجدد لمجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، رغم المعارضة التي أبدتها جهات سياسية وأعضاء من مجلس النواب على التشكيلة الجديدة للمفوضين المنتمين إلى جهات سياسية مختلفة، إلا أن إصرار تلك الجهات على مرشحيها دفعها إلى حسم الأمر لصالحهم.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.