فرماجو يتوعد بتصفية «حركة الشباب»

الجيش الصومالي يستعد لعملية عسكرية كبرى بعد مقتل 7 في هجوم إرهابي جديد

TT

فرماجو يتوعد بتصفية «حركة الشباب»

بعد ساعات من تأكيد الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، العزم على تصفية ميليشيات حركة الشباب المتطرفة في البلاد، لقي سبعة أشخاص على الأقل مصرعهم، أمس، أغلبهم من النساء المزارعات في منطقة خارج العاصمة مقديشيو، يسيطر عليها إسلاميون متشددون تحدوا احتجاجات عامة لإنهاء العنف المستمر منذ سنوات. وقالت الشرطة الصومالية إن قنبلة زرعت على جانب طريق قتلت خمسة أشخاص، بعد أكثر من أسبوع من تعرض البلاد لأسوأ هجوم إرهابي على الإطلاق.
وقال أحمد ساحل، أحد مسؤولي الشرطة الصومالية، إن ستة آخرين أصيبوا، عندما دمرت القنبلة حافلة صغيرة، في قرية على بعد 30 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة مقديشو.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الانفجار بعد، علماً بأن حركة الشباب المتطرفة عادة ما تستخدم القنابل التي تزرع على جانب طريق كسلاح، ودائماً ما تستهدف الحركة القوافل العسكرية التابعة لقوات الاتحاد الأفريقي (أميصوم) والقوات الصومالية.
وقال المزارع نور عبد الله لوكالة «رويترز»: «سمعنا صوت ارتطام عال وذهبنا إلى الموقع... رأينا حطام حافلة صغيرة وسبع جثث على الأقل أغلبها لنساء، لم نتمكن من التعرف على بعض الأشخاص كانوا مجرد أشلاء».
وأضاف: «نشعر بالخوف»، وتابع: «مئات المسلحين الملثمين منتشرون في كل مكان ونتوقع أن تهاجم الحكومة المنطقة، كما أنهم زرعوا ألغاماً في كل مكان واليوم نجمع أمتعتنا للرحيل».
وقال ضابط بالجيش إن أعداد القتلى قد ترتفع، حيث أوضح الكابتن عيسى عثمان من الجيش الوطني الصومالي «نعلم أن الحافلة الصغيرة غادرت (بلدة) أفجوي وكانت تقل مزارعين أغلبهم من النساء»، وأضاف: «كانت تقل أكثر من عشرة أشخاص. لا يمكننا الحصول على الكثير من التفاصيل لأن المنطقة لا تخضع لسيطرة الحكومة».
في المقابل، تفقد الرئيس فرماجو أمس وحدت لقوات الجيش الصومالي، استعدت، بحسب وكالة الأنباء الصومالية الرسمية، لشن هجوم واسع النطاق ضد ميليشيات حركة الشباب، التي نفذت عملية تفجيرية الأسبوع الماضي أودت بحياة قرابة 300 مدني في مقديشو، وإصابة 228 شخص آخرين.
وقال فرماجو في كلمة له «سيعترف مقاتلو حركة الشباب بأن الشعب الصومالي له أبطال يستطيعون الرد عن كل مشكلة ضد مجتمعهم، وسوف نوضح لهم أننا على استعداد للتضحية بحياتنا وممتلكاتنا لإنقاذ شعبنا وبلدنا». وأكد لضباط الجيش الوطني عزم الدولة على تصفية ميليشيات الشباب التي تهدد سلامة المواطنين.
وأكدت الوكالة الرسمية أن قوات الجيش استعدت لشن ما وصفته بـ«عملية عسكرية واسعة النطاق، حيث تستهدف الخلايا الإرهابية، التي تعيش في حالة من الذعر والهلع».
وأدلى فرماجو بهذه التصريحات قبل أن يتوجه في جولة ستشمل لاحقاً، جيبوتي وإثيوبيا، إلى أوغندا أمس في زيارة رسمية، ليناقش مع نظيره الأوغندي يوري موسيفيني، تفعيل العمليات العسكرية ضد ميليشيات «الشباب»، بالإضافة إلى دور القوات الأوغندية ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية (أميصوم) وفقاً لما أعلنه قائد الجيش الصومالي اللواء عبد الولي غورد.
وكشف الاعتداء الذي أسفر عن سقوط مئات القتلى والجرحى بشاحنة مفخخة في مقديشو، ضعف الحكومة الاتحادية الصومالية، كما يعتبر محللون، مشيرين إلى أنه الأعنف في تاريخ الصومال.
وبسبب الفوضى والفساد المستشري في صفوف قوى الأمن، والارتياب بين الحكومة المركزية والولايات الاتحادية، يكشف هذا الاعتداء قدرة متمردي حركة الشباب الإسلامية على الاستفادة من عيوب حكومة مقديشو في الحرب غير المتكافئة التي تشنها عليهم.
وتسيطر حركة الشباب على مناطق ريفية شاسعة في وسط الصومال وجنوبه. لكن رولان مارشال، الباحث في مركز البحوث الدولية لمعهد العلوم السياسية في باريس، يقول: «لم تتحقق في الفترة الأخيرة مكاسب استراتيجية» لدى هذا الطرف أو ذاك، موضحا أن «الأميركيين يعملون» ويمارسون ضغوطاً على المقاتلين وقادة الحركة التابعة لتنظيم القاعدة.
وقال مات برايدن، مؤسس مركز «ساهان» للبحوث في نيروبي، إن «ما نراه، على السطح على الأقل، هو الركود»، مشيراً إلى أن حركة الشباب أثبتت قدرتها على تجديد كوادرها الذين قتلوا في غارات جوية.
إلا أن «مجموعة الأزمات الدولية للبحوث» ذكرت في تقرير أصدرته أول من أمس، أن حركة الشباب سيطرت في الفترة الأخيرة على عدد كبير من المناطق خارج مقديشو، لا سيما محلة بارير التي تبعد 45 كلم عن محور طرق استراتيجي. وأضافت أن «الحؤول دون تعرض مقديشو لهجمات يزداد صعوبة، عندما تقع مناطق حول مقديشو تحت نفوذ حركة الشباب».
ودائماً ما تستغل «الحركة» التي تستند إلى جهاز استخبارات يتسم بالكفاءة، عيوب جهاز الأمن في مقديشو. فالمكاسب الأخيرة على صعيد الأراضي المحيطة بالعاصمة، قد تحققت لأن القوات الصومالية كانت قد انسحبت لتوها من تلك المناطق، على خلفية تذمر الجنود الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ ثلاثة أشهر، كما كشفت مجموعة الأزمات الدولية.
وذكر مات برايدن، مؤسس مركز «ساهان» للبحوث في نيروبي، أن حركة الشباب «كانت قادرة (في السابق) على التسلل إلى صفوف قوى الأمن أو التنقل بالبزات الرسمية لقوى الأمن» من أجل عرقلة عمل نقاط التفتيش.
وما يلفت أن قائد الجيش ووزير الدفاع قدما استقالتهما من دون تبرير، قبل أيام من وقوع الاعتداء. وقال الباحث رولان مارشال إن استقالتهما مرتبطة خصوصاً بصراع النفوذ للسيطرة على المجندين الذين يفترض أن يشكلوا الجيش الوطني، في أكبر مركز تدريب عسكري أجنبي في الصومال، افتتحته تركيا أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
في أي حال، فإن الاستقالة المتزامنة لقائد الجيش ووزير الدفاع لدى الرئيس فرماجو الذي انتخب في شهر فبراير (شباط) الماضي، متوعداً بالحرب على حركة الشباب، تسببت بالفوضى ولم تثر التفاؤل.
ويؤكد مارشال أن معظم أعضاء الحكومة «ينتمون إلى صوماليي الشتات... ولا تتوافر لديهم أي فكرة عن الصدمة التي يعانيها مجتمعهم»، وأضاف: «ليس لأن حركة الشباب قوية جداً، بل لأن الآخرين ليسوا فعلاً جيدين».
لم يبدأ فعلاً تطبيق الفيدرالية المدرجة في الدستور منذ 2004 بخطوات مدروسة، إلا ابتداء من 2012.
ويتألف الصومال في الوقت الراهن من خمس ولايات اتحادية، بمعزل عن أرض الصومال التي أعلنت استقلالها، ولا تعترف بالحكومة المركزية.
لذلك فالعلاقات صدامية بين حكومة الرئيس الذي يؤيد قيام دولة مركزية قوية، وحكام الولايات، على خلفية صراع الأشخاص والتدخلات الخارجية.
والرهان كبير، لأنه إذا اقتصر انتشار نواة الجيش الوطني على مقديشو وضواحيها، ووفرت قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال وعناصرها الـ22 ألفاً، الأمن في أبرز المدن، فإن الميليشيات وقوات الأمن في هذه الولايات هي التي ستتصدر مهمة التصدي لحركة الشباب في المحافظات.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.