الفن البصري السعودي وقيادة المرأة

أعادت بعض الفنانات السعوديات عرض ما تم طرحه سابقاً

لوحات للفنانة السعودية تغريد البقشي تمثل جانباً من رؤية الفن التشكيلي لقضية قيادة المرأة للسيارة
لوحات للفنانة السعودية تغريد البقشي تمثل جانباً من رؤية الفن التشكيلي لقضية قيادة المرأة للسيارة
TT

الفن البصري السعودي وقيادة المرأة

لوحات للفنانة السعودية تغريد البقشي تمثل جانباً من رؤية الفن التشكيلي لقضية قيادة المرأة للسيارة
لوحات للفنانة السعودية تغريد البقشي تمثل جانباً من رؤية الفن التشكيلي لقضية قيادة المرأة للسيارة

مفهوم الفن في المجتمع من المسائل التي تم التعرض لها كثيراً في علم اجتماع وسوسيولوجيا الفن، الفن كتعبير من قبل الفنان عن المجتمع، والمجتمع كمؤثر على الفنون المختلفة، والمجتمع كمتلقٍ ومستهلك للفنون، وفي جميع هذه المحاور، كان الفن هو الوسيط والمدرك الحسي الذي يتم من خلاله تمثيل الفكرة، وتحويلها إلى شيء محسوس، يمكن إدراكه بدل أن تتحول إلى عدم في حال لم تخرج من ذهن صاحبها.
وفي تاريخ الفن تم تسجيل الكثير من الأحداث السياسية، والاجتماعية، في لوحات وأعمال فنية، حين كانت وظيفة الفن هي التوثيق والمحاكاة، وفي وقت لاحق في الفن الحديث تم استخدام الفن كوسيلة احتجاجية لدى الطبقات المهمشة، والأقليات المجتمعية، كالطبقة العاملة في الفن الاشتراكي، أو الأقليات العرقية، أو في الحركات النسوية الحديثة التي استخدمت الفن للاحتجاج على التاريخ المغيب للمرأة في الحضارة الغربية، كما فعلت الفنانة الأميركية جودي شيكاغو في عملها المعاصر «حفلة عشاء»، حيث أعادت من خلال عملها توثيق حضور المرأة العلمي، والثقافي، والفني في السرد التاريخي الغربي الذكوري.
وبغض النظر عن الآراء المختلفة حول الفن التي تم طرحها في الفلسفات الفنية والجمالية، عما إذا كان الفن وسيلة لتحقيق هدف ما، أو هو شكل من أشكال المتعة المستقلة عن أي أهداف أخرى، وبغض النظر عن الهدف الذاتي للفنان من طرحه الفني، يظل للفن الجيد تأثير على متلقيه، وليس شرطاً أن يكون تأثيره إثارة الجدل، يكفي أنه يكون قادراً على أن يصل إلى وعي المتلقي ويجعله يعيد التفكير حول ما هو مطروح أمامه.
وفي المجتمع السعودي كانت قضية قيادة المرأة للسيارة من القضايا التي تتردد كثيراً في وسائل الإعلام المحلي والأجنبي، كما كانت من القضايا التي يُعاد طرحها وتمثيلها في عدد من الأوعية الفنية والأدبية، في الروايات والمسلسلات التلفزيونية والأعمال الفنية البصرية، ولأنها ليست قضية نسوية فحسب، بقدر ما هي قضية مجتمعية، فقد طُرحت هذه القضية من قبل نصفي المجتمع المرأة والرجل على حد سواء.
لكن في الفن التشكيلي السعودي اختلف هذا الأمر، حيث نجد هذه القضية - قيادة المرأة - متمثلة وحاضرة بشكل أكبر لدى الفنانة - المرأة - في حين غاب طرحها لدى الفنان التشكيلي - الرجل -.
وبعد القرار التاريخي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أعادت بعض الفنانات السعوديات عرض ما تم طرحه من قبلهن من أعمال حول هذا الموضوع، ولعل الأبرز من هذه التجارب مجموعة لوحات للفنانة تغريد البقشي حول قيادة المرأة للسيارة، حازت على اهتمام أكبر حين قامت نجمة عالمية - ريهانا - بنشر إحدى لوحاتها في حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي مع تهنئة للمرأة السعودية على هذا القرار.
ما الذي يجعل سلسلة أعمال تغريد بقشي حول قيادة المرأة للسيارة التي عرضتها أول مرة عام ٢٠١٢، مجموعة متميزة؟ تغريد البقشي مثلت في هذه المجموعة قضية اجتماعية خلافية، طرحت قضيتها بهدوء في معرض فني محلي، وليس كمشاركة عالمية لجذب أنظار المتلقي الغربي حول قضايا محلية كما فعل غيرها. فلم تهتم بعرض هذه المجموعة في محافل عالمية لتلفت نظر المتلقي الأجنبي الذي قد يهتم بالموضوع المجتمعي المستنكر لديه، أكثر من المحتوى والقيمة الفنية كما فعل غيرها. بالإضافة إلى الإسقاطات التي تحملها هذه المجموعة، سواءً كانت إسقاطات مباشرة حول موضوع قيادة المرأة، أو غير مباشرة، كما في لوحة بعنوان «لا يوجد مكان شاغر للقيادة»، حيث كان أحد مكونات العمل الفني هذه العبارة «لا يوجد أماكن شاغرة للقيادة»، وقد جاءت محاطة بإطار زخرفي كلاسيكي، وخط تقليدي، كإشارة غير مباشرة أن هذا المنع يعود لعادات وتقاليد لا صحة لها.
كما تظهر المرأة التي تقود سيارتها في هذه اللوحات بمفردها، فهي ليست بحاجة إلى رجل يرافقها، هي مستقلة عنه، والمرأة التي تفتح ذراعيها وهي تستقل دراجة نارية لا تحتاج إلى وصي عليها هي حرة في قراراتها، كما تظهر المرأة مرتدية العباءة السوداء في جميع هذه الأعمال، واللوحة (س وق) التي تتكرر في المجموعة، في رسالة مباشرة للمطالبة بهذا الحق، قيادة المرأة السعودية، ليس فقط للسيارة التي قد تكون رمزاً للدلالة على ما هو أعمق، بل استقلال المرأة السعودية ومساواتها بنظيرها الرجل، والتخلص من الوصاية المهيمنة عليها لعقود طويلة باسم العادات والتقاليد.
كانت مجموعة تغريد البقشي الفنية متميزة لأنها تحمل قيمة فنية وقيمة مجتمعية وتاريخية، قد يكون التاريخ الذي بدأت فيه تغريد بإنتاج هذه المجموعة عام 2012 تقريباً، لكن بعد التغير المجتمعي الذي حدث، وبعد قرار الملك سلمان التاريخي، لن تكون لأي أعمال فنية تطرح هذا الموضوع قيمة تاريخية ومجتمعية كالسابق.

* باحثة دكتوراه في النقد الفني بجامعة الملك سعود



«الفيوم السينمائي» يراهن على «الفنون المعاصرة» والحضور الشبابي

إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
TT

«الفيوم السينمائي» يراهن على «الفنون المعاصرة» والحضور الشبابي

إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)

يراهن مهرجان «الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة» في نسخته الأولى التي انطلقت، الاثنين، وتستمر حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي على الفنون المعاصرة والحضور الشبابي، مع تقديم عدد من العروض في جامعة الفيوم.

وشهد حفل انطلاق المهرجان تكريم الممثلة المصرية إلهام شاهين، والمنتجة التونسية درة بو شوشة، إضافة إلى الممثل المصري حمزة العيلي، مع حضور عدد من الفنانين لدعم المهرجان، الذي استقبل ضيوفه على «سجادة خضراء»، مع اهتمامه وتركيزه على قضايا البيئة.

وتحدثت إلهام شاهين عن تصويرها أكثر من 15 عملاً، بين فيلم ومسلسل، في الفيوم خلال مسيرتها الفنية، مشيدة خلال تصريحات على هامش الافتتاح بإقامة مهرجان سينمائي متخصص في أفلام البيئة بموقع سياحي من الأماكن المتميزة في مصر.

وأبدى محافظ الفيوم، أحمد الأنصاري، سعادته بإطلاق الدورة الأولى من المهرجان، بوصفه حدثاً ثقافياً غير مسبوق بالمحافظة، مؤكداً -في كلمته خلال الافتتاح- أن «إقامة المهرجان تأتي في إطار وضع المحافظة على خريطة الإنتاج الثقافي السينمائي التي تهتم بالبيئة والفنون المعاصرة».

جانب من الحضور خلال حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

وبدأ المهرجان فعالياته الثلاثاء بندوات حول «السينما والبيئة»، ومناقشة التحديات البيئية بين السينما والواقع، عبر استعراض نماذج مصرية وعربية، إضافة إلى فعاليات رسم الفنانين على بحيرة قارون، ضمن حملة التوعية، في حين تتضمن الفعاليات جلسات تفاعلية مع الشباب بجانب فعاليات للحرف اليدوية، ومعرض للفنون البصرية.

ويشهد المهرجان مشاركة 55 فيلماً من 16 دولة، من أصل أكثر من 150 فيلماً تقدمت للمشاركة في الدورة الأولى، في حين يُحتفى بفلسطين ضيف شرف للمهرجان، من خلال إقامة عدة أنشطة وعروض فنية وسينمائية فلسطينية، من بينها فيلم «من المسافة صفر».

وقالت المديرة الفنية للمهرجان، الناقدة ناهد صلاح: «إن اختيارات الأفلام تضمنت مراعاة الأعمال الفنية التي تتطرق لقضايا البيئة والتغيرات المناخية، إضافة إلى ارتباط القضايا البيئية بالجانب الاجتماعي»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» حرصهم في أن تراعي الاختيارات تيمة المهرجان، بجانب إقامة فعاليات مرتبطة بالفنون المعاصرة ضمن جدول المهرجان.

وأبدى عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة، الناقد السعودي خالد ربيع، حماسه للمشاركة في المهرجان بدورته الأولى، لتخصصه في القضايا البيئية واهتمامه بالفنون المعاصرة، وعَدّ «إدماجها في المهرجانات السينمائية أمراً جديراً بالتقدير، في ظل حرص القائمين على المهرجان على تحقيق أهداف ثقافية تنموية، وليس فقط مجرد عرض أفلام سينمائية».

إلهام شاهين تتوسط عدداً من الحضور في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «تركيز المهرجان على تنمية قدرات الشباب الجامعي، وتنظيم ورش متنوعة لتمكين الشباب سينمائياً أمر يعكس إدراك المهرجان للمسؤولية الثقافية والاجتماعية، التي ستُساعد في دعم المواهب الشبابية في الفيوم»، لافتاً إلى أن «اختيارات لجنة المشاهدة للأفلام المتنافسة على جوائز المهرجان بمسابقاته الرسمية ستجعل هناك منافسة قوية، في ظل جودتها وتميز عناصرها».

يذكر أن 4 أفلام سعودية اختيرت للمنافسة في مسابقتي «الأفلام الطويلة» و«الأفلام القصيرة»؛ حيث يشارك فيلم «طريق الوادي» للمخرج السعودي خالد فهد في مسابقة «الأفلام الطويلة»، في حين تشارك أفلام «ترياق» للمخرج حسن سعيد، و«سليق» من إخراج أفنان باويان، و«حياة مشنية» للمخرج سعد طحيطح في مسابقة «الأفلام القصيرة».

وأكدت المديرة الفنية للمهرجان أن «اختيار الأفلام السعودية للمشاركة جاء لتميزها فنياً ومناسبتها لفكرة المهرجان»، لافتة إلى أن «كل عمل منها جرى اختياره لكونه يناقش قضية مختلفة، خصوصاً فيلم (طريق الوادي) الذي تميز بمستواه الفني المتقن في التنفيذ».