تحت عنوان «ميدوزا»، يقام في متحف الفن الحديث في باريس، معرض للحلي فريد من نوعه، لأنّ المعروضات فيه تجمع كل ما اعتاد الرجال والنساء أن يتزينوا به، سواء أكان مجوهرات ثمينة وخواتم نفسية أو قلائد من ريش وتعاويذ وتمائم. وعلى الرغم من تباين المواد والعناصر، فإنّ كل قطعة تبقى ذات قيمة رمزية ومعنوية لدى أصحابها، قد تفوق قيمتها المادية بعدة أضعاف. وينظر عشاق الفن إلى هذا المعرض باعتباره يستمد فرادته من هذه النظرة الجديدة لقطع الزينة التي لا تتوقف عند السعر، بل تجمع النقائض تبعاً لمعتقدات الشعوب وثقافاتها، حتى ولو كشفت جوانب من المحرمات «التابو».
لماذا ميدوزا؟ لأنّها في الأساطير اليونانية القديمة واحدة من ثلاث شقيقات ولدن من اتحاد الأرض والمحيطات، وهي الوحيدة بينهن التي لا تمتلك الخلود، لكن من ينظر إليها يتحول «إلى جماد». لذلك، يرى منظمو المعرض أنّ الحلي لها لمحة من وجه ميدوزا، تبلبل ذهن من يصممها أو يراها أو يتقلدها. إنّها أشياء ذات توصيف مبهم، فلا هي من النحت ولا هي من الملبوسات، بل تعتبر الشكل الأقدم للتعبير الفني عند البشر على الرغم من أنّها لا تدخل في إطار الأعمال الفنية. وهي قطع قريبة من الجسد، تُحسب على النساء، مرصعة بمختلف المواد، ثمينة، غالباً، وبدائية.
تنتمي مواد المعرض إلى فنانين قدماء من الرواد، أو من المعاصرين. يجمع بين صانعيها أنّهم كانوا من ذوي الابتكار. وهناك معروضات استوحت الماضي، لكنّها انفصلت عن تقاليده الخاصة الأولى. وجرياً على عادة متحف الفن الحديث في تقديم معارض تجميعية تستعير مادتها من متاحف عدة في أنحاء العالم، فإنّ «ميدوزا» يهدف إلى كسر الحدود التقليدية للفنون واستجوابها، وذلك من خلال مفهوم التكامل فيما بينها والعلاقات الموجودة بين العمل الحرفة اليدوية، والإبداع التزييني، والموضة، وثقافة الفن الشعبي «البوب آرت».
يجد زائر المعرض نفسه وسط خلطة غريبة، لكنّها شديدة الإثارة وباعثة على متعة التأمل والربط بين المفاهيم، أو بالأحرى التأرجح بينها. فهناك 400 قطعة تتراوح من مشابك الصدر المرصعة بالألماس والأحجار الكريمة التي تحمل تواقيع دار «كارتييه» الفرنسية للصياغة الراقية، و«فان كليف أند آربيل»، إلى تمائم وقلائد ملضومة من خرز رخيص وزجاج وريش وأزرار وخزف. وهناك سوار من حبات الملبس «البونبون»، من الذي تشتريه البنات الصغيرات من بقالة الحي بأقل من يورو. ويزدحم دليل المعرض بأسماء فنانين لا يمكن أن يجمع بينهم جامع، من أمثال نحاتة الأشكال العملاقة نيكي دو سان فال، إلى فنان الكريستال الرائد رينيه لاليك، وصولاً إلى قطع لا تحمل أي توقيع، ابتدعتها ضاربات الودع والعرافات، أو كانت من قلائد الهنود والسحرة الأفارقة. وهناك معروضات جاءت مما تركته لنا الحضارات الأولى، أو عصر ما قبل التاريخ، وهي تتجاور مع أساور جلدية لشباب «البانك» وموسيقى «الراب». بل إن بعض القطع المعروضة تخرج من تعريف الحلي لتقترب من استعمالات مبهمة وأغراض غيبية. أمّا وسائل التنفيذ فهي أيضاً خليط من مهارات عدة، باليد أو بالآلة أو بين بين. وهناك نحو 15 تجهيزاً لفنانين معاصرين، أمثال ليونور أنطونس وجان ماري أبريو ومايك كيلي وليز كرافت، تساهم في ضبط إيقاع الانتقال بين 4 محاور يستند إليها المعرض، وهي: الهوية والقيمة والجسد والطقس التقليدي.
باختصار، يخرج الزائر من المعرض مشحوناً بأفكار لم تكن قائمة لديه عند الدخول. فالحلية، أو الزينة، أو التمائم، ليست مجرد مقتنيات خارجية شخصية للدلالة على الثراء، أو لاستكمال مظهر جميل أو لمسايرة الموضة، بل هي منبع لرمز أعمق يمتد من غلاف الجسد إلى آفاق العالم المتسع.
8:17 دقيقة
المجوهرات و«المحرمات» تلتقي في معرض باريسي
https://aawsat.com/home/article/1060396/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%88%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%88%C2%AB%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%B1%D9%85%D8%A7%D8%AA%C2%BB-%D8%AA%D9%84%D8%AA%D9%82%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B3%D9%8A
المجوهرات و«المحرمات» تلتقي في معرض باريسي
اجتماع نفائس «كارتييه» مع خرز المشعوذين بحثاً عن رموز مبهمة
المجوهرات و«المحرمات» تلتقي في معرض باريسي
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة