حمى الاستفتاء تصل إلى إيطاليا

حمى الاستفتاء تصل إلى إيطاليا
TT

حمى الاستفتاء تصل إلى إيطاليا

حمى الاستفتاء تصل إلى إيطاليا

يشهد إقليما لومبارديا والبندقية (المعروف باسم فينيتو) في إيطاليا، اليوم (الأحد)، إجراء استفتاء من أجل الانفصال، رغبة في الحكم الذاتي. ويأتي ذلك عقب الاستفتاء الذي تم في كاتالونيا للانفصال عن إسبانيا.
وتطالب بالاستفتاء في الإقليمين الإيطاليين (الرابطة الشمالية المناهضة للمهاجرين الإقليميين)، وهي رابطة طالما احتجت على جمع الضرائب من شمال إيطاليا، وذلك لدعم المناطق الجنوبية ذات الدخول الضعيفة.
وتعتبر الضرائب هي القضية الرئيسية للدعوة للانفصال في كلا الإقليمين، إذ تمثل الضرائب التي يدفعها سكان إقليمي لومبارديا والبندقية قرابة الـ30% من الناتج المحلي لإيطاليا.
ويطمح الإقليمان من خلال الاستفتاء الى استعادة حوالى نصف رصيد الضرائب الراهن. فهناك فارق بين ما يدفعه السكان من ضرائب ورسوم وما يتلقونه من نفقات عامة. وقالوا ان هذا الرصيد بلغ 45 مليار يورو للومبارديا، و15.5 مليار يورو للبندقية، في مقابل ثمانية مليارات لكاتالونيا.

مطالب الاستفتاء
وبشكل محدد، يطالب سكان الإقليميين الراغبون في إجراء الاستفتاء والانفصال، الحكومة الإيطالية بتفعيل المادة 116 من الدستور، التي تتيح للأقاليم المتمتعة بميزانية ثابتة ومستقرة بالإضافة إلى مطالبة الحكومة، بمنحها مزيدا من السلطات ودرجات أعلى للحكم الذاتي.
ويفترض أن يرد الناخبون بنعم أو لا على سؤال "هل ترغبون بأشكال إضافية وشروط خاصة للحكم الذاتي".
ولم تكن تلك الدعوة هي الأولى في إيطاليا، إذ جرى استفتاء للاستقلال في إقليم البندقية عام 2014، لكن لم يتم الاعتراف به آنذاك.

الموقف الرسمي
وينظم هذا الاستفتاء بمبادرة من رئيسي منطقتي لومبارديا روبرتو ماروني والبندقية لوكا تسايا؛ اللذين ينتميان إلى حزب "رابطة الشمال" اليميني المتطرف.
وقد أعلن ماروني في أبريل (نيسان) الماضي عن عزم الإقليم إجراء الاستفتاء للاستقلال بشكل رسمي في أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
وقال ماروني، وفقا لمؤتمر صحافي نقلته وكالة "رويترز" للأنباء، إن الهدف ليس الانفصال عن روما، ولكن هو الاحتفاظ بـ54 مليار يورو من الإيرادات الضريبية في لومبارديا، مضيفا أن "الاستفتاء سيغير وجه أوروبا"، على حد قوله.
ويضيف ماروني أن الاستقلال مشروع طموح، قائلا "لا نريد تميزا إضافيا، لكننا نريد صُنع التاريخ، والاستفتاء سيمكننا من ذلك"، وتابع "آمل أن يكون لدى الحكومة الإيطالية النية للتفاوض، لإنها لن تكون ضد الحكام، بل ضد الشعب".
وذكر ماروني أن الاستفتاء سيعطي "ظهيرا شعبيا" للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي على احترام الحدود الإقليمية، وتابع "لست ضد أوروبا.. أنا مع أوروبا مختلفة، ما نسميه أوروبا الشعب أو أوروبا الأقاليم. أعتقد أنها تلك الدفعة التي سيتسبب بها استفتاؤنا بعد بريكست وكاتالونيا، الجميع يسير في نفس الاتجاه"، وفق تصريحات نقلتها صحيفة «ديلي ميل» البريطانية.
وعلى غرار الجبهة الوطنية الفرنسية، فإن رابطة الشمال الإيطالية لديها وجهة نظر متشددة تجاه اللاجئين، وتحولت إلى معاداة "اليورو".

موقف الأحزاب الإيطالية
ويحظى الاستفتاء الذي تدافع عنه رابطة الشمال، بدعم حزب "الى الامام إيطاليا" برئاسة سيلفيو برلسكوني وهو حزب يميني وسطي، وحركة الخمس نجوم (حركة شعبوية) وهيئات أرباب العمل والنقابات. أما الأحزاب اليسارية الإيطالية، فقد دعت يسارية مثل الحزب الشيوعي، إلى الامتناع عن التصويت، وذكرت في انتقادها إن الاستفتاء "تبذير المال العام" و"مهزلة"، أما الحزب الديمقراطي الحاكم (من أحزاب اليسار الوسط) فلم يصدر تعليمات لناخبيه، لكن عددا كبيرا من مسؤوليه، لاسيما رئيس بلدية ميلانو، صرحوا بأنهم سيصوتون بـ "نعم".
وقال رئيس جمعية الحرفيين في المنطقة اغوستينو بونومو "أعتقد أن عالم الأعمال سيصوت بنعم". وهو يأمل بأن يفيد الحكم الذاتي الشركات، عبر السماح باستعادة أموال وتأهيل قضاة المحاكم المحلية بشكل أسرع، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.

أقاليم مزدحمة وغنية
ويسكن في إقليم لومبارديا الواقع شمال إيطاليا قرابة عشرة ملايين نسمة من سكان إيطاليا، ويبلغ الناتج المحلي للإقليم نحو خمس الناتج المحلي الإجمالي لإيطاليا، مما يجعله أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان وأغنى المناطق في البلاد، ويضم منطقة ميلانو الجاذبة للسفر.
أما إقليم البندقية فيسكنه قرابة خمسة ملايين نسمة، ويقع في الشمال الشرقي من البلدة، ويعتبر من أغنى الأقاليم الإيطالية، ويقوم اقتصاده على السياحة بشكل أساسي.
وقدرت أعداد الناخبين بـ11 مليون ناخب، من إجمالي 6 ملايين إيطالي، وفقا لوكالة «يورو نيوز»، وتستقبل مراكز الاقتراع الناخبين من السابعة صباحا وحتى 11 مساء، ولن يكون متاحا لمن هم خارج إيطاليا بالمشاركة من الخارج أو بالبريد.
ويفترض أن تبلغ كلفة عملية التصويت 14 مليون يورو في البندقية، وحوالى 50 مليونا في لومبارديا التي اختارت التصويت الالكتروني واشترت أجهزة لوحية مكلفة.

آراء خبراء حول الاستفتاء

وأبدى عدد من السياسيين آراءهم في الاستفتاء المزمع في هذا الشهر، فتعتبر باربارا لوييه الأستاذة في المعهد الفرنسي للعلوم الجيوسياسية في جامعة «باريس 8» أن إمكانية زعزعة استقرار القارة الأوروبية كبيرة جدا عقب الاستفتاء. كما أن مشاهد العنف التي رافقت الاستفتاء خطيرة؛ كونها "تفتح باب النقاش حول مسألة الديمقراطية"، وفق تصريحها لوكالة الصحافة الفرنسية.
وفي المقابل، يرى فانسان لابوردوري الأستاذ المحاضر في الجامعة الكاثوليكية في لوفيان ببلجيكا، أن أعمال العنف عقب استفتاء كاتالونيا قد تقلل من عزيمة الحركات الانفصالية الأخرى في أوروبا.
ويعلق مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسن هريدي لـ«الشرق الأوسط» أن مفتاح حركات الانفصال بأوروبا يعتبر "الاقتصاد"؛ إذ تفرض الضرائب من الحكومات على الأقاليم، وهو ما حدث في إسبانيا، ويعتقد هريدي إن الدعوى للانفصال مؤشر قوي على ضعف "الدولة" في مواجهة الإقليم، على حد قوله.
ويعتبر أستاذ العلاقات الدولية بمصر سعيد اللاوندي إن الاستقلال ليس كافيا أمام الإقليمين الإيطاليين، فبناء الدولة يختلف عن الانفصال عنها، مشيرا –في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الاعتراف الدولي لن يتحقق إلا بموافقة الحكومات على استقلال أقاليمها.
وقال أستاذ القانون الدستوري في جامعة لويس في إيطاليا يكولا لوبو لوكالة الصحافة الفرنسية إن عمليتي التصويت في المنطقتين تجريان في إطار الدستور الذي ينص على إمكانية أن يمنح البرلمان هذه الأشكال من الحكم الذاتي، إلى المناطق التي تتقدم بطلب للحصول عليها.
من جانبه، يرى أستاذ القانون الدستوري في جامعة بولونيا أندريا مورون، لوكالة سبوتنيك الروسية إن الاستفتاء المزمع من كلا الإقليمين ليس له أي قوة قانونية، وفقا للدستور الإيطالي، ولكنه يعتبر "تحركا سياسيا" لمنح حكم ذاتي لكلا الإقليميين. فيما يعتبر مورون أن الاستفتاء سيكون بمثابة "الفرصة" للمبادرة حول مزيد من الحقوق والوعود لاحقا مع الحكومة الإيطالية.

جدل حول نسبة المشاركة
ويجب أن تتخطى نسبة المشاركة في البندقية الـ 50% حتى يكون الاستفتاء قانونيا. وكذلك في لومبارديا حيث لم يحدد نصاب التصويت، وليس هناك أي نصاب محدد. فقد أكد ماروني أن نسبة 34% ستشكل نجاحا، لكن خصومه في الحزب الديمقراطي يرون أن نسبة أقل من 50% لن تكون ذات أهمية.
من جهتها، ترى السلطات في الإقليمين أن الدعوى للانفصال ليست سوى سبيل للاحتفاظ بجزء من أموال الضرائب التي يدفعها سكان الإقليمين. ووصفت «ديلي ميل» البريطانية أن ما حدث في كاتالونيا يعتبر "رمزا" ربما يتسبب في حركات انفصالية أخرى في مناطق الاتحاد الأوروبي.
وكانت حكومة كاتالونيا قد أعلنت أن قرابة 90% صوتوا لصالح الاستقلال، الذي تم في أول الشهر الجاري، وقرابة 2.26 مليون شخص أدلوا بأصواتهم، أي أقل بقليل من 42% من سكان الإقليم. وقد شهدت كاتالونيا أعمالا للعنف أثناء عملية الاقتراع على الاستفتاء.
وظهر مبكرا في كلا الإقليمين الإيطاليين ملصقات دعائية تدعو للذهاب لتصويت على الاستفتاء، الذي يطالب بمزيد من الحكم الذاتي.
فهل سينجح الاقليمان في مسعاهما أم سيلقيان نفس مصير كتالونيا الإسباني؟ سؤال سيوضحه القادم من الأيام.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.