القضاء اللبناني يصدر بعد 35 سنة حكماً بإعدام قتلة بشير الجميل

أصدر القضاء اللبناني يوم أمس الجمعة حكما غيابيا قضى بإعدام كل من المسؤول السابق في «الحزب السوري القومي الاجتماعي» نبيل العلم وعضو الحزب حبيب الشرتوني بتهمة تحريض الأول على اغتيال رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق بشير الجميل وتنفيذ الثاني العملية قبل 35 عاما.
وواكبت الجلسة التي عقدها المجلس العدلي المتخصص بالجرائم الكبرى التي تمس أمن الدولة في لبنان، إجراءات أمنية مشددة، إذ ضربت القوى الأمنية طوقا حول قصر العدل في بيروت الذي تمركز في محيطه متظاهرون من الحزب «السوري القومي الاجتماعي» رفعوا صور الشرتوني وأخرى للجميل متهمين إياه بـ«العمالة». بالمقابل، علت هتافات من داخل قصر العدل مؤيدة للحكم وأخرى تقول: «بالدم بالروح نفديك يا بشير».
واحتفل مناصرو حزبي «الكتائب» و«القوات» في ساحة ساسين في منطقة الأشرفية حيث وقع التفجير في 14 سبتمبر (أيلول) 1982 بعد عشرين يوماً على انتخاب الجميل رئيساً للبنان، واستهدف حينها مقر حزب «الكتائب». واعترف الشرتوني، بعد توقيفه حينها بعملية التفجير التي أودت بحياة الجميل و23 شخصاً آخرين. لكنه فر من السجن على أثر دخول الجيش السوري إلى شرق بيروت في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1993 والإطاحة بالحكومة العسكرية للعماد ميشال عون (رئيس الجمهورية الحالي).
ولا يزال الشرتوني متواريا عن الأنظار منذ حينها. وفيما تداولت صحف في العام 2014 خبر وفاة العلم، خرج الشرتوني قبل يومين في مقابلة عبر جريدة «الأخبار» التي وصفته بـ«البطل»، علما بأنها كانت قد نشرت بوقت سابق إحدى مقالاته. واكتفى وزير العدل سليم جريصاتي بالتعليق على الحكم الصادر بحق قتلة الجميل قائلا: «سنطلب استرداد حبيب الشرتوني وهناك تحقيق لمعرفة مكانه».
واطلعت «الشرق الأوسط» على فحوى الحكم الصادر، وجاء فيه أن العلم أقنع الشرتوني بتنفيذ عملية الاغتيال كونه يسكن في نفس المبنى حيث يوجد مكتب حزب «الكتائب» في الأشرفية، ووعده بترقية داخل الحزب. كما تطرق الحكم أيضا إلى طريقة الإعداد للعملية، فأشار إلى أنه كان يتم نقل المتفجرات على دفعات من مقر الحزب «القومي الاجتماعي» في منطقة الحمرا إلى داخل شقة الشرتوني في الأشرفية. أما الجرائم التي تم إدانة العلم والشرتوني فيها، فهي الاعتداء على أمن الدولة الداخلي، تنفيذ عملية إرهابية بكل المقاييس، وارتكاب عملية قتل عمدي عن سابق تصور وتصميم.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي «معارك افتراضية» بين مناصري «القومي الاجتماعي» من جهة وأنصار «القوات» و«الكتائب» من جهة أخرى، بيّنت عمق الانقسام اللبناني الداخلي. وفيما وصف مؤيدو الشرتوني بـ«العمل البطولي» و«الفعل المقاوم» مطالبين بتكريمه، اعتبر أنصار بشير أن العدالة تحققت وأنّها ستنسحب على قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.
واعتبر وزير العدل السابق إبراهيم نجار أن الحكم الصادر عن المجلس العدلي «كان متوقعا وهو أضعف الإيمان»، لافتا إلى أنه «كان على أجهزة الدولة أن تسعى لأن تكون المحاكمة بحضور الشرتوني وليس غيابيا، باعتبار أنه وللمفارقة، ففي حال تم إلقاء القبض عليه سيُعاد النظر بالمحاكمة». وشدد نجار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن كل قول يذهب باتجاه اتهام القضاء بالانحياز يصب في خانة «الهذيان القانوني»، مشيرا إلى أن «ما حصل خطوة وأفضل من أن يبقى القضاء قابعا في ظلام النسيان وخبايا الخوف».
وقالت زوجة الرئيس الراحل بشير الجميل، صولانج الجميل إثر صدور حكم الإعدام بحق قتلة زوجها: «أخيرا صدر الحكم باسم الشعب اللبناني. 35 سنة ونحن نتابع ونعمل لإنصاف بشير ورفاقه الذين استعادوا اليوم بعض حقوقهم». وأضافت: «حالتي اليوم وأنا زوجة شهيد وأم شهيدة، كحالة آلاف الأمهات. نشعر اليوم أن القضاء أنصف الشهداء، واشكر المجلس العدلي رئاسة وأعضاء على المثابرة في إصدار الحكم، والمسيرة مستمرة لتحقيق حلم البشير بلبنان سيد حر ومستقل».
وعقد المجلس العدلي في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2016 أولى جلسات المحاكمة غيابياً في قضية اغتيال الجميل. وحالت ظروف الحرب اللبنانية ثم النفوذ الذي مارسته سوريا خلال وجود قواتها في لبنان في كافة مفاصل الحياة السياسية قبل العام 2005. دون بدء المحاكمة في قضية اغتيال الجميل، على رغم صدور قرار ظني فيها في العام 1996.
وأعيد في السنوات الأخيرة تحريك الملف لكن بطء الآلية القضائية في لبنان حال دون بدء المحاكمة في الفترة السابقة.