مستشار الأوقاف الليبي السابق يروي لـ «الشرق الأوسط» تفاصيل مثيرة من سنوات حبسه

أبو صوة قال إن القذافي سمح لجيشه بالانصراف قبل أن يتوجه للموت في سرت

أبو صوة خلال حديثه لـ»الشرق الأوسط» عقب وصوله إلى القاهرة
أبو صوة خلال حديثه لـ»الشرق الأوسط» عقب وصوله إلى القاهرة
TT

مستشار الأوقاف الليبي السابق يروي لـ «الشرق الأوسط» تفاصيل مثيرة من سنوات حبسه

أبو صوة خلال حديثه لـ»الشرق الأوسط» عقب وصوله إلى القاهرة
أبو صوة خلال حديثه لـ»الشرق الأوسط» عقب وصوله إلى القاهرة

منذ اعتقاله في بيته بطرابلس صيف عام 2011، وحتى إطلاق سراحه مؤخرا هذه السنة، مرَّ علي أبو صوة، مستشار الهيئة العامة للأوقاف في ليبيا في عهد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، على معظم السجون بالعاصمة طرابلس، لكن أكبر مدة أمضاها بين الزنازين كانت في سجن الهضبة مع كبار رجال النظام السابق، ومن بينهم عبد الله السنوسي رئيس المخابرات، وأبو زيد دوردة رئيس جهاز الأمن الخارجي، والبغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في عهد القذافي، والساعدي نجل هذا الأخير، وعديد من القيادات الأخرى من المخابرات والشرطة العسكرية واللجان الثورية والأمن الداخلي.
وبعد خروجه من ليبيا ووصوله إلى القاهرة مؤخرا، روى أبو صوة، في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط»، ما كان يدور من وقائع التعذيب البشعة في هذه السجون، وخلاصة ليالي الحوار مع القادة السابقين، حيث جرى التطرق إلى الأيام الأخيرة لنظام معمر القذافي، ومن بينها خروج العقيد الراحل من طرابلس إلى مدينة بني وليد.
وجرى القبض على أبو صوة يوم سقوط طرابلس بيد المنتفضين في رمضان عام 2011، وكان وجهه مألوفا للعامة بسبب ظهوره على قنوات التلفزيون ودفاعه عن نظام القذافي. وفي خضم الفوضى جرى اعتقاله من منزله على طريق مطار طرابلس الدولي، ولم يسمح له حتى بتغيير ملابسه. وبعد أعوام من الاعتقال جرى الحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة معاداة ثورة فبراير (شباط)، بينما كان قد أمضى من هذه المدة خمس سنوات وثمانية أشهر رهن الاحتجاز.
في ذكرى رحيل القذافي السادسة التي توافق اليوم، يتم الكشف لأول مرة عن اجتماع سريع عقده القذافي في بني وليد مع قياداته العسكرية، حيث أَذِنَ لمن يريد من قيادات جيشه بالانصراف، «قبل أن يتوجه للموت في مدينة سرت»، بحسب أبو صوة، الذي قال إنه سأل في إحدى ليالي سجن الهضبة السنوسي عما إذا كانت هناك خطة بديلة لما بعد سقوط طرابلس في يد المنتفضين ضد حكم القذافي، فأجابه: «لا... كان كل شيء يسير بشكل عشوائي».
ويوم دخول المنتفضين المسلحين إلى طرابلس بمساعدة ضربات حلف «ناتو»، تقرر الخروج سريعا من العاصمة، لدرجة أن ابنة القذافي الدكتورة هناء كانت في ذلك اليوم تجري عملية جراحية ليد أحد الضباط المصابين، وتوجهت الحراسات إلى مقر العيادة لإخلائها فورا. ويبدو أن القذافي، حسب أبو صوة، كان يكن محبة خاصة لرجل من وجهاء قبيلة ورفلة من مدينة بني وليد، وهو الشيخ جبران جبران. ويضيف موضحا: «ما عرفته أن أسرة القذافي توجهت للإقامة في منزل الشيخ جبران قبل أن تغادر ليبيا... وقد خرجت من بني وليد وليس من طرابلس أو من سرت، كما كان الاعتقاد سائدا في ذلك الوقت».
والشيخ جبران نفسه قتل في أول غارة فرنسية على ليبيا قبل تدخل حلف الناتو في مارس (آذار) من عام 2011، وقد جرى وقتها تكليفه بقيادة الرتل الشهير الذي كان قد توجه حينذاك إلى بنغازي لإنهاء الانتفاضة، إلا أن الرتل تعرض لقصف من الطائرات الفرنسية وأبيد وهو في الطريق.
وكان الشيخ جبران «آمر جحفل»، ومقربا من القذافي، ويحظى باحترام كبير في بني وليد وفي قبيلته ورفلة. وبهذا الخصوص يقول أبو صوة: «القذافي أمر بناته وأسرته أن يقيموا في بيت عائلة الشيخ جبران في بني وليد. وهذا البيت تم قصفه فيما بعد وحرقه حين دخلت قوات (من مصراتة وطرابلس) للمدينة في 2012».
وفي العشرين من أغسطس (آب)، وعقب خروجه من طرابلس، توجه القذافي، حسب أبو صوة، إلى بني وليد وعقد اجتماعا نادرا مع قادته، ومنح الإذن لكل الضباط الذين حوله بالانصراف، وأعطى توجيهاته الأخيرة، وقال لهم إن كل من يريد أن يأخذ وجهة فليذهب لحال سبيله، وأن كل ضابط لديه إذن عسكري بهذا، موضحا أنه لن يُلزم أحدا بالبقاء معه، ثم توجه بعد إلى سرت، حيث رافقته سريته الخاصة، وكان من أبرز قادتها عز الدين الهنشيري الذي قتل فيما بعد، ومنصور ضو المعتقل حتى الآن.
وفي الطريق من طرابلس إلى سرت، سلك القذافي الطريق الجنوبي الذي يؤدي إلى بني وليد أولا، حسب شهادة أبو صوة، الذي أوضح أن «الضباط في سجن الهضبة أخبروه أنه كان الطريق الوحيد الآمن في ذلك الوقت، لأن الطريق الساحلي كان مغلقا. وفي بني وليد التقى بعض الضباط، وأعطى توجيهاته الأخيرة. وقال لرجاله إنه لن يُلزم أي أحد بأي شيء».
أما عبد الله السنوسي فيقول، وفقا لرواية أبو صوة، إنه انتقل لمتابعة التطورات في ليبيا انطلاقا من منطقة الجفرة على تخوم كل من بني وليد وسرت، ولم يلتق بعدها القذافي إلا مرة واحدة بعد ذلك، حيث توجه إليه ليخبره بنبأ مقتل خميس القذافي في قصف قام به حلف الناتو على موكبه أثناء تحركه على الطريق بين مدينتي ترهونة وبني وليد.
ويتذكر أبو صوة تلك الأيام الصعبة في سجن الهضبة وحديثه مع السنوسي بقوله: «الفراق قبل الأخير بين القذافي ورئيس مخابراته كان في بني وليد عقب ذلك الاجتماع، الذي أشرت إليه مع الضباط... لكن الفراق الأخير كان بعد أن توجه السنوسي من الجفرة إلى القذافي في الحي رقم 2 في سرت لكي يخبره بمقتل نجله خميس. وكان ابن السنوسي هو الذي يقود السيارة بنجل القذافي، وهو في الوقت نفسه ابن خالة خميس... وقد تعرضت السيارة لقصف من طائرات الناتو... وتوفي محمد عبد الله السنوسي مباشرة، لكن خميس مات في المستشفى في بني وليد، وتم دفنهما في بني وليد أيضا».
بعد ذلك تلاحقت الأحداث سريعا، حسب أبو صوة. فقد انسحب السنوسي مرة أخرى إلى الجنوب، ثم انتقل إلى النيجر، ومنها إلى مالي، حيث كان معه هاتف ثريا يجري منه اتصالاته بهوية أخرى، كما كان يحمل جواز سفر باسم مختلف. ومن مالي سافر إلى المغرب حيث جرى رصده هناك، وطلبت منه السلطات المغربية مغادرة البلاد. ومن هناك انتقل إلى موريتانيا.
وبعد قليل من الصمت، يعود أبو صوة للتذكر قائلا: «مما حدثني به عبد الله السنوسي أنه في أول زيارة لزوجته له بعد أن استقر في فيلا في معسكر بموريتانيا، قالت له: يا عبد الله جهز نفسك سيتم تسليمك... وقد انزعج السنوسي من تحذير زوجته له وشعر بإحباط وتشاؤم، وقال لها: كيف تفكرين هكذا؟ وبعد أيام جرى تسليمه إلى ليبيا بالفعل».
وأبرز أبو صوة أن الجماعة الليبية المقاتلة حوَّلت غرف الدراسة والمحاضرات في كلية الشرطة بطرابلس إلى سجن وزنازين حديدية لقيادات النظام السابق، وخصصت طابقا يقع تحت الأرض معزولا عن العالم لكبار رجال القذافي، وقال بهذا الخصوص: «السجن المعروف اليوم باسم سجن الهضبة كان كلية لتخريج ضباط الشرطة، وكان يتكون من عنابر وصالات دراسة، جرى تحويلها في ظرف شهرين بعد 2011 إلى زنازين لكي يكون مكانا شديد الحراسة... وقد كان الغرض من سجن الهضبة هو أن يكون مكانا ذا حراسة مشددة في قلب العاصمة لكي تسجن فيه العناصر البارزة في النظام السابق، مثل الساعدي القذافي وعبد الله السنوسي، فالصالات وعنابر الدراسة وكل شيء صنف من جديد، وبنيت وأعدت لكي تكون سجونا ضيقة جدا، ويوجد داخل سجن الهضبة سجن آخر تحت الأرض يسمى سجن الحفرة، والمصطلح المتداول عنه، تندرا، بين السجناء كان هو الفيلات، وذلك بسبب عزلته التامة عن العالم».
ويضيف أبو صوة متحدثا عن هذه المرحلة الصعبة من حياته: «كان سجن الحفرة مكانا معدا للتعذيب، وظل لمدة سنتين مكانا لعزل عبد الله السنوسي. وهو يقع تحت أرض السجن الرئيسي، ومن يدخله لا يسمع صوت أي شيء... صمت مطبق... لا بشر ولا حتى صوت سيارة عابرة، وكله مطلي من الداخل باللون الأسود، سواء الممرات أو الجدران، وكل زنزانة فيه مطلية بالأسود بالكامل، ومنعدمة الإضاءة. وفيها حمام صغير جدا، بحيث حينما تراه للوهلة الأولى تقول إنه يستحيل أن تتمكن من الدخول إليه لقضاء حاجتك».
مكث أبو صوة في سجن الهضبة نحو أربع سنوات في عنبر يسمى «الأزلام»، والمقصود بهم كبار شخصيات النظام السابق، وذلك بعد أن طاف على عدة سجون أخرى بشعة، من بينها سجن النعايمي في عين زارة، وسجن الجديدة وسجن إمعيتيقة وغيرها من السجون القاسية. أما حين وصل إلى سجن الهضبة فقد وجد أن «عبد السنوسي موضوع في غرفة بسجن تحت الأرض ويعامل معاملة سيئة ويتعرض للتعذيب... لكن أخيرا أمر النائب العام بإصلاح وضعه، ونقله إلى غرفة. لكن السجانين أنفسهم الذين كانوا يعذبونه تحت الأرض تبعوه في اليوم نفسه الذي نقل فيه إلى الغرفة الجديدة، وأخرجوه في الممر وضربوه ضربا مبرحا، وقالوا للسنوسي ستطالك أيدينا أينما ذهبت».
في السجن لم يكن يتم السماح بالاختلاط بين رموز النظام السابق، يوضح أبو صوة الذي يضيف قائلا: «في البداية كانوا متساهلين، لكن بعد أن امتلكت الجماعة المقاتلة زمام الأمور في الإشراف على السجن، أصبحت تتعامل مع هذا الوضع بحساسية كبيرة جدا، وأصبح لا يمكن لأي أحد مثلا أن يتحدث مع عبد الله السنوسي، ولو سلم على شخص وتحدث معه ولو بربع كلمة، فإنه يتم الإعلان عن النفير داخل السجن وإجراء تحقيق، وفرض عقوبات. لكن أحيانا يكون هناك نوع من التساهل... فمن الممكن، مثلا، أن نلتقي معه داخل العيادة، أو بعد منتصف الليل، بعد أن يهدأ السجن، حيث نتحدث من خلال فتحات الأبواب الحديدية للزنازين».
ويتابع أبو صوة: «زنزانتي كانت أمام زنزانة السنوسي، وقد بقيت أتحدث معه عبر شراعات الأبواب طيلة أربعة أشهر، وهي الفترة التي سمعت منه الكثير عن أحداث 2011 وما قبلها. رموز النظام السابق الكبار يكونون عادة في سجون انفرادية. أما أنا فكان معي اثنان في غرفتي، هما مدير الشؤون الفنية في جهاز الأمن الخارجي، الشيباني عبد السلام، وتم الإفراج عنه ولله الحمد، وضابط في جهاز الأمن الخارجي، يدعى عبد الله صالح، وقد سجن ظلما لست سنوات تقريبا».
وكان الضابط صالح أحد المسؤولين عن الأمن الشخصي للقذافي، ومسؤولا عن سلامة أغراضه في رحلاته، والقيام بتفتيش كل من يدخل عليه، وظن السجانون أن لديه معلومات، وقد سجن ست سنوات إلا شهرين، وخرج براءة، كما كان صالح قد أمضى أربع سنوات معتقلا في مصراتة، ورأى صنوف العذاب ألوانا، قبل أن يتم نقله إلى سجن الهضبة باعتبار أنه من أبناء طرابلس.
ومما عرفه أبو صوة من الضابط صالح أن «القذافي كان إذا انتقل من البيت وخرج إلى الساحة أو الهواء الطلق ليتحدث مع رفيقه الذي معه، فهذا يعني أن الموضوع حساس جدا، لأنه كان يخشى من التسجيل، ويخشى حتى ممن يصنع له الشاي أو يقدم له القهوة في الخيمة أو في المكتب».
بهذا الخصوص يقول أبو صوة: «في مرة سألت الضابط صالح لماذا يجلس القذافي على مقعد بلاستيك قيمته 25 دينارا ليبيا، ويلزم ضيوفه من كبار الزعماء بالجلوس على مثل هذه الكراسي الرخيصة، فأجابني قائلا إن القذافي كانت لديه فلسفة في هذا الأمر، على اعتبار أنه لا أحد يستطيع أن يضع في هذه الكراسي العارية الملساء شيئا مثيرا للريبة كأجهزة التنصت ولواقط الصوت وغيرها».
أمضى أبو صوة وقتا طويلا مع الساعدي نجل القذافي، وقال عنه «إنه كان يفضل الوحدة داخل السجن... وكان حديثي مع الساعدي أكثر من أي شخص آخر... هو مضطرب في إجاباته وفي موقفه. وهو شخص متدين. كان مناصرا لوالده لكنه لم يحمل في البداية البندقية ليقاتل. وعقب سقوط النظام انخرط في العمل العسكري في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه... ومعظم مناقشاتي مع الساعدي في السجن كانت دينية حول قضايا الفكر والمنهج والعقيدة والفقه. وقد درسنا حتى مسائل في قواعد النحو والصرف».
وأشار أبو صوة إلى أن الساعدي كان «دائما لوحده في الزنزانة، وإن كان في بعض الأحيان مع شخص أو شخصين، وكان يكون وحده، إما بطلب منه وإما لعقوبة لحقت به. وقد تعرض لعدة مواقف نتج عنها معاقبته بالحبس الانفرادي. فقد كان له موقف صلب في قضية المصالحة التي حاول أن يطرحها مدير السجن خالد الشريف، الرجل الثاني في تنظيم الجماعة الإسلامية المقاتلة، وكان للساعدي فلسفة مختلفة عن فلسفة عبد الله السنوسي، أو البغدادي المحمودي أو غيرهما في موضوع المصالحة. لقد كان مناورا وكانت لديه شروط صارمة مثل الإفراج أولا عن بعض السجناء لإثبات حسن النيات».
ويتذكر أبو صوة أن أبو زيد دوردة كان أيضا من أشد سجناء النظام السابق صلابة في وجه سجانيه من الجماعة الليبية المقاتلة: «ولم يرضخ، ولم يتنازل قيد أنملة، إنه يؤمن بمشروع المصالحة، ولكن تساءل مع مَن؟ فمن يحكمون اليوم هم أنفسهم منقسمون، ولا توجد قيادة تملك القرار».
وتابع أبو صوة قائلا: «في يوم من الأيام قال دوردة لآمر من أمراء الجماعة الإسلامية المقاتلة أثناء محاولة التفاوض على الصلح مع قيادات النظام السابق: أنتم تحملون فكرا منحرفا، والدخول معكم في حوار أمر مستحيل... لقد أخرجناكم من السجون وعفونا عنكم وأعطيناكم الأموال، ففعلتم ما فعلتم. من الصعب أن نخوض معكم تجربة أخرى نهايتها معروفة».
وبسبب هذا الموقف عوقب دوردة عقابا شديدا، وبقي في السجن الانفرادي، وناله الكثير من الشتم والسب، وتعرض لأهوال من التعذيب بسبب عدم مرونته، حسب أبو صوة الذي أوضح أيضا أن الحالة الصحية لرئيس الوزراء السابق المحمودي كانت متدهورة في السجن، لأنه «كان يعاني من مرض... ولقي من التعذيب والإهانة ما لا يخطر على بال. فقد كان ينظف دورات المياه، ويقوم بغسيل ممرات السجن... ويعلم أنه يمكن أن يفعلوا به كل شيء. حالة من التعذيب النفسي والجسدي. كما أُجريت له عملية في ظروف غير صحية داخل السجن، ورفضت الجماعة المقاتلة إخراجه حتى لعيادة قريبة جدا من السجن تحت حراسة مشددة. وتم تعقيم العيادة في السجن تعقيما سيئا، وأجريت له عملية مناظير في البطن أكثر من مرة، لأن لديه مشكلات في المعدة وفي الكبد».
ويضيف أبو صوة موضحا أن المحمودي كان يعاني كذلك من مشكلة صحية أخرى تتعلق بمنطقة الحوض في جسده... «وكان يعاني عذابا مريرا بسبب ذلك. فمثلا كان حوضه يتعرض إلى فصل عن مكانه، ولا تتم إعادته إلا بطريقه صعبة جدا من قبل إخصائي علاج طبي. وقد رأيته يسقط على الأرض فيحدث له هذا الأمر، وكان يتألم ويصرخ. وقد رأيت حراس السجن وهم يقومون بتصويره بالهواتف وهو ينظف الحمامات وينظف الساحة من بقايا السجائر».
ويؤكد أبو صوة أنه رأى أيضا ضباطا قطريين يحضرون التحقيقات داخل عدة سجون، منها إمعيتيقة والهضبة، مع المساجين من رجال المخابرات الليبية... ويقول بهذا الخصوص: «في البداية حضر قطريون في صالات التحقيق، ووجهوا أسئلة، ربما لم يتعاملوا مع السجين مباشرة، لكن الغرض كان معروفا، كان القطريون، في البداية في سجن إمعيتيقة وفي سجن الهضبة».
وأوضح أبو صوة أن هذه الملاحظات جاءت في ظروف عصيبة... «بالنسبة لي كسجين لا تتحرك إلا ورأسك إلى الأسفل، ولا يسمح لك بالخروج إلا وأنت ذاهب للنيابة. ورغم هذا شاهدت في إحدى المرات اثنين من الضباط القطريين داخل سجن الهضبة وهم في صحبة أحد كبار قيادات الجماعة الليبية المقاتلة (ذكر اسمه)... حدث ذلك في بداية 2014 وكانا ضابطين شابين. تجولا لكن لم أعرف ماذا فعلا. فالسجين مثلي لا يخرج إلا للنيابة أو للتحقيق... وكل من كان يأتي ليحقق معي كان يُسمح له بذلك».
ويتابع أبو صوة موضحا: «كل الضباط الكبار الذين كانوا معي في سجن إمعيتيقة قالوا لي إن ضباطا قطريين حققوا معنا في البدايات، أي في 2011. كانوا يقيمون في فندق قريب من السجن، وكانوا حريصين على جمع المعلومات».
وعما إذا كان قد سأل أيا من قيادات النظام السابق عما يثار بشأن نقل الأرشيف الأمني الليبي إلى قطر، يقول أبو صوة: «أخبرني ضابط في الأمن الخارجي، وكان منشقا على القذافي، بأن ما مقداره حمولة شاحنة ضخمة من وثائق جهاز المخابرات تم نقلها إلى قطر». قبل أن يضيف: «تكلمت أيضا مع أبو زيد دوردة حول هذا الموضع، أي موضوع أرشيف الدولة، فقال إنه كانت هناك أوامر بحرق هذه الأشياء. لكن الوقت والظرف لم يسعفهم، لأن سقوط طرابلس كان مفاجئا».
ويضيف أبو صوة موضحا: «كان هناك سباق محموم من جانب أطراف ليبية على جمع المعلومات من رجال المخابرات عن النشاط الخارجي لهذا الجهاز في عهد القذافي... أنت تعلم أن جهاز الأمن الخارجي مثل أي جهاز مخابرات كانت له عمليات في الخارج، فكان المحققون حريصين على الحصول على تفاصيل موثقة، واعترافات بشأن كل عملية، بعد التعذيب والتهديد... ويقومون بالتسجيل صوتا وصورة لضباط الأمن الخارجي، وما قاموا به من أعمال خارج ليبيا».
وفي هذا السياق يتذكر أبو صوة واقعة تخص رئيس الإدارة الفنية لجهاز الأمن الخارجي، الشيباني عبد السلام، قائلا إن هذا الرجل الطاعن في السن والمريض «رفض رفضا تاما إفشاء أي معلومات، ولم يتعاون معهم أبدا رغم مرضه، فهو يعاني من حساسية حادة في صدره، وكانوا يخشون تعذيبه خوفا من أن يلقي حتفه، إلا أن الإهانة والسب لم تتوقف بحقه. وجرى تقييده... وظل يوما كاملا مكبلا في حديد الدرج ولا يستطيع أن يجلس».
وبخلاف زنازين «الحفرة»، هناك وسائل تعذيب كثيرة في سجن الهضبة لرموز النظام السابق، حسب أبو صوة الذي يوضح: «بعد أن وقعت حالات قتل بحق سجناء، صدرت تعليمات بعدم اللجوء إلى الضرب... ومنذ ذلك الوقت ظهرت طرق جديدة، منها مثلا وضع عشرين شخصا في غرفة لا تسع إلا لثلاثة أشخاص فقط، ويتم منعهم من شرب الماء والطعام إلا بكميات محدودة، ومن الدخول إلى الحمام، ويُعطَون قوارير بلاستيكية فارغة لقضاء الحاجة. وليس أمامك إلا خيار واحد، وهو الاعتراف بما طلب منك الاعتراف به أمام النيابة».
وممن كان شاهدا على موتهم تحت التعذيب، يذكر أبو صوة أربعة أشخاص، من بينهم ضباط جرى التنكيل بهم في محاولة للحصول على معلومات منهم بخصوص اختفاء الإمام الشيعي اللبناني موسى الصدر في عهد القذافي... «كان هذا الضابط يلقب باسم محمد الوراكينة، كما قُتل تحت التعذيب شخصان آخران، أحدهما عقيد في جهاز الشرطة العسكرية يدعى حبيب، كان يعاني من ارتفاع في ضغط الدم وتم تعذيبه حتى مات. وآخر اسمه العميد أبو بكر مؤمن، ومات بسبب الإهمال الصحي حيث كان زملاؤه يصرخون داخل الزنزانة بأنه مريض ولديه شلل بسبب جلطة وتم إهماله حتى توفي».



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.