كولر يجري مباحثات مع العاهل المغربي حول نزاع الصحراء

إحصاء سكان مخيمات تندوف وأوضاعها الإنسانية والحقوقية والأمنية أبرز الإشكالات التي تواجه مهمته

الملك محمد السادس خلال استقباله هورست كولر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء في الرباط مساء أول من أمس (ماب)
الملك محمد السادس خلال استقباله هورست كولر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء في الرباط مساء أول من أمس (ماب)
TT

كولر يجري مباحثات مع العاهل المغربي حول نزاع الصحراء

الملك محمد السادس خلال استقباله هورست كولر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء في الرباط مساء أول من أمس (ماب)
الملك محمد السادس خلال استقباله هورست كولر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء في الرباط مساء أول من أمس (ماب)

حل هورست كولر، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، صباح أمس، بمخيمات جبهة البوليساريو في تندوف (جنوب غربي الجزائر)، قادما من المغرب، حيث جرى استقباله مساء أول من أمس من طرف العاهل المغربي الملك محمد السادس، وعقد سلسلة اجتماعات مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، كما جرى استقباله من طرف رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، ورئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين.
ومرت زيارة كولر إلى المغرب، التي استمرت يومين، في أجواء متكتمة. ولم تكشف البيانات المقتضبة الصادرة حول لقاءاته مع المسؤولين المغاربة أي شيء حول المواضيع التي بحثها معهم. واكتفى بيان وزارة الخارجية المغربية بالإشارة إلى أن المبعوث الأممي أجرى خلال اليومين الماضيين عدة جلسات عمل مع الوزير بوريطة، بحضور عمر هلال السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، وديفيد شفاك المستشار الخاص لكولر.
بدوره، لم يشر بيان الديوان الملكي الصادر حول لقاء المبعوث الأممي مع العاهل المغربي إلى فحوى المباحثات، التي حضرها فؤاد عالي الهمة مستشار العاهل المغربي.
وفي تندوف يرتقب أن يعقد كولر اجتماعات مغلقة مع كبار المسؤولين في جبهة البوليساريو، وكذا مع مسؤولي بعثة الأمم المتحدة في الصحراء «مينورسو»، قبل أن يتوجه مساء اليوم إلى الجزائر العاصمة للاجتماع بالمسؤولين الجزائريين، لينتقل بعدها إلى نواكشوط للقاء المسؤولين الموريتانيين.
ويبدو أن كولر اختار أن يضفي على جولته الأولى بالمنطقة، في إطار مساعيه لإعادة الحياة إلى مفاوضات الصحراء المتوقفة منذ 2012، طابع التكتم وجس النبض.
وجرى تكليف كولر بهذا الملف نهاية أغسطس (آب) الماضي خلفا للدبلوماسي الأميركي كريستوفر روس، الذي تحفظ عليه المغرب جراء انحيازه للأطروحة الانفصالية لجبهة البوليساريو التي تدعمها الجزائر.
في سياق ذلك، قال أحمد بخاري، ممثل «بوليساريو» في الأمم المتحدة، إن «(نوعية) الاستقبال الذي حظي به كولر في الرباط وما رافقه من تعتيم إعلامي، يعد دليلا على أن المغرب (متمسك بمواقفه وسيشكل عائقا لجهوده)».
وزعم بخاري أن مهمة كولر ستواجه عقبات «أولا، بسبب نقص الإرادة السياسية لدى المملكة المغربية ومحاولتها إبقاء الوضع كما هو». أما العائق الثاني، في نظره، فيكمن في موقف فرنسا في مجلس الأمن، معتبرا أن دعمها له للمغرب يدفع هذا الأخير إلى «التعنت».
ويأتي تسلم كولر ملف مفاوضات الصحراء في سياق عرف العديد من المتغيرات، منها أساسا عودة المغرب للاتحاد الأفريقي، وبحث هذا الأخير عن دور في المساعي الدولية لإيجاد حل لنزاع الصحراء.
وسبق لكولر في إطار مشاوراته الأولية مع الأطراف المعنية بالنزاع خلال الأسبوع الثاني من سبتمبر (أيلول) الماضي أن أجرى مباحثات بهذا الشأن في نيويورك مع وزير خارجية إثيوبيا التي تأوي مقر الاتحاد الأفريقي.
وتتزامن جولة كولر إلى المنطقة مع ارتفاع أصوات أفريقية تدعو إلى عدم بلقنة أفريقيا، وتشجيع الاندماجات على المستوى الإقليمي والقاري لتلعب القارة دورها كرافعة للتنمية، ومحرك للنمو الاقتصادي لفائدة سكان أفريقيا، بدل تضخيم الدعوات الانفصالية، ودق طبول النزاعات والحروب.
كما تتزامن جولة كولر مع ارتفاع الضغوط الدولية على الجزائر من أجل إجراء إحصاء لسكان مخيمات اللاجئين الصحراويين في الجنوب الغربي للبلاد، وهو الإحصاء الذي ترفض الجزائر وجبهة البوليساريو القيام به، إضافة إلى تواتر التقارير الدولية حول تدهور الأوضاع الإنسانية والحقوقية بالمخيمات، وتعرض المساعدات الإنسانية الموجهة إليها للاختلاس، وارتفاع التهديدات الأمنية بالمنطقة نتيجة تداخل مصالح الجماعات المسلحة، وعصابات التهريب الدولي للمخدرات، إضافة إلى الجماعات الإرهابية المنتشرة جنوب الجزائر وفي منطقة الساحل والصحراء.
ومن أبرز المواضيع التي كان مرتقبا أن يبحثها كولر في تندوف هناك مسألة تبادل الزيارات العائلية بين سكان المخيمات وأفراد عائلاتهم في المحافظات الجنوبية (الصحراء) للمغرب، إضافة إلى إشكالية معبر الكركرات بين المغرب وموريتانيا، الذي يعتبر الجسر البري الوحيد الآمن بين أفريقيا الغربية وأوروبا عبر المغرب وموريتانيا، والذي تسعى الجزائر والبوليساريو إلى إغلاقه.
من جانب آخر، أعطى المغرب من خلال اعتماد الجهوية الموسعة، كخطوة لترسيخ الديمقراطية المجالية، من جهة، وإطلاق النموذج التنموي الخاص بالمحافظات الجنوبية للمغرب، من جهة ثانية، صورة عن الأوضاع في المحافظات الصحراوية، مغايرة تماما لما تروج له دعاية الحركة الانفصالية المدعومة من طرف الجزائر، مفسحا المجال بذلك أمام تطبيق اقتراحه منح الحكم الذاتي للمحافظات الصحراوية تحت السيادة المغربية، الذي اكتسب اعترافا دوليا واسع النطاق كحل وجيه، ومرض لجميع الأطراف، وقابل للتنفيذ لنزاع الصحراء.
ويرتقب أن يقدم كولر لمجلس الأمن تقريرا مرحليا عن مهمته نهاية الشهر الحالي، في انتظار مواصلة مساعيه وتقديم تقرير نهائي ومفصل أبريل (نيسان) المقبل.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.