«سوريا الديمقراطية» تبحث عن «خلايا نائمة» في الرقة قبل إدخال المدنيين

قالت وزارة الخارجية الأميركية، إن الولايات المتحدة ستتصدر جهود المساعدة في إزالة الأنقاض واستعادة الخدمات الأساسية بعد هزيمة «داعش» في الرقة معقله الأساسي شرق سوريا، في وقت بدأت فيه «قوات سوريا الديمقراطية» تمشيط المدينة، بحثا عن «خلايا نائمة»، تمهيدا لإدخال المدنيين إليها.
وقالت هيذر ناورت، المتحدثة باسم الوزارة الأميركية أمس: «سنساعد ونكون في الصدارة في استعادة خدمات المياه والكهرباء وغير ذلك. استعدت الولايات المتحدة وحلفاؤها للخطوات المقبلة، وسنواصل العمل مع شركائنا لتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين ودعم جهود إرساء الاستقرار في الرقة وغيرها من المناطق المحررة».
وانشغلت «قوات سوريا الديمقراطية» غداة سيطرتها على مدينة الرقة بتنفيذ عمليات تمشيط، بحثا عن عناصر متوارية من «داعش»، ولتفكيك الألغام التي زرعها، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وبات التنظيم بعد خسارته الرقة التي جعلها رمزا للترهيب ومركزا، خطط منه لهجمات دموية حول العالم، «مثيرا للشفقة وقضية خاسرة بعد أن كان يزعم أنه شرس»، بحسب واشنطن، إثر الهزائم التي مني بها في الأشهر الأخيرة في سوريا والعراق المجاور.
وأكد مدير المكتب الإعلامي لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، مصطفى بالي، أنه بعدما «انتهت المواجهات العسكرية المباشرة، تستمر الثلاثاء عمليات التمشيط والبحث عن احتمال وجود ملاجئ أو مخابئ يمكن أن يكون قد دخلها عناصر التنظيم الإرهابي الذين لم يسلموا أنفسهم».
وتمكنت هذه القوات المؤلفة من فصائل كردية وعربية تدعمها واشنطن الثلاثاء من «تحرير» مدينة الرقة من التنظيم، بعد سيطرتها على المشفى الوطني والملعب البلدي، آخر النقاط التي كان مقاتلو التنظيم قد انكفأوا إليها في وسط المدينة.
وقال بالي، إن هذه المناطق «بحاجة إلى بحث وتأكد من أنه لم يعد فيها خلايا نائمة»، موضحا أن «عمليات فك الألغام وفتح الشوارع الرئيسية مستمرة».
وفي الملعب البلدي حيث رفعت «قوات سوريا الديمقراطية» راية ضخمة الأربعاء، شاهدت مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية جرافتين، واحدة داخله وأخرى خارجه تعملان على رفع الركام، تزامنا مع استمرار عمليات التمشيط داخل المشفى الذي منع الصحافيون من دخوله. ونقلت مشاهدتها للعديد من الطرق المغلقة تماماً، فيما يتم العمل على فتح أخرى.
وفي دوار النعيم الذي شهد عمليات إعدام وحشية نفذها التنظيم ما دفع سكان المدينة إلى تسميته «دوار الجحيم»، تجمع عشرات المقاتلين الأكراد أمس الأربعاء وعملوا على رفع علم ضخم لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية. وبادر بعضهم إلى إطلاق الرصاص في الهواء وتوزيع الفواكه ابتهاجا، كما عقدوا حلقات الدبكة والرقص على إيقاع الموسيقى.
وبانتظار عمليات التمشيط، تقتصر إمكانية دخول المدينة في الوقت الحالي على المقاتلين والآليات العسكرية فقط، فيما يمنع المدنيون من ذلك. وقالت مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية، إن مقاتلين من «قوات سوريا الديمقراطية» لم يسمحوا لمجموعة رجال توافدوا صباحا إلى مدخل مدينة الرقة الغربي بالدخول للاطمئنان على منازلهم التي قالوا إنها قريبة. وبرروا عدم السماح لهم بـ«استمرار الإجراءات الأمنية».
وتزامنا مع السيطرة على الرقة الثلاثاء، دعت القيادة العامة لقوات الأمن الداخلي الكردي (أسايش) في شمال سوريا في بيان سكان الرقة إلى «عدم دخول المدينة إلى حين تطهيرها من مخلفات الإرهاب مثل العبوات الناسفة والألغام المتفجرة... وذلك حرصا على سلامة الأهالي». وقالت: إن المنع سار حتى خلو المدينة «من كل ما يشكل خطرا على السلم الأهلي».
ودفعت المعارك عشرات الآلاف من المدنيين إلى الفرار من الرقة مع تقدم المعارك. وبحسب بالي، سبق للتنظيم في مدن أخرى خسرها في سوريا أن استخدم أسلوب الخلايا النائمة، ما أوقع قتلى مدنيين، مضيفا: «لذلك فإن عودة المدنيين في الفترة الحالية صعبة جداً».
وقال المتحدث باسم التحالف الدولي الكولونيل ريان ديلون: «نعتقد أن هناك جيوبا صغيرة لا تزال موجودة في المدينة، مع مواصلة (قوات سوريا الديمقراطية) عمليات التمشيط».
وتشكل السيطرة على مدينة الرقة نكسة كبرى لتنظيم داعش الذي مني في الأشهر الأخيرة بسلسلة خسائر ميدانية في سوريا والعراق المجاور، أدت إلى خسارته 87 في المائة من أراضي التنظيم التي أعلنها في البلدين منذ عام 2014، وفق ما أعلن التحالف الدولي بقيادة واشنطن الثلاثاء.
وفي تغريدات على موقع «تويتر»، قال المبعوث الأميركي لدى التحالف الدولي بريت ماكغورك الذي زار سوريا في اليومين الأخيرين، إن التنظيم الذي «كان يزعم أنه شرس، بات الآن مثيرا للشفقة وقضية خاسرة».
ورغم إعلان «قوات سوريا الديمقراطية» سيطرتها بالكامل على الرقة، يبقى مصير عشرات المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم الذين كانوا موجودين في وسط المدينة مجهولاً. ولم تنشر منذ الثلاثاء أي صور تظهر اعتقالهم أو حتى جثثهم في الشوارع.
وبحسب المتحدث الرسمي باسم «قوات سوريا الديمقراطية» طلال سلو، فإن هؤلاء «إما تم استسلام البعض منهم وإما قتل من تبقى» دون الإدلاء بأي تفاصيل أخرى.
ورجح «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن يكون معظم المقاتلين الأجانب قد استسلموا. وقال: «لم يرهم أحد، لأن أجهزة المخابرات تسلمتهم»، مضيفا: «نعلم أن المقاتلين الفرنسيين والبلجيكيين تسلمتهم بالتأكيد أجهزة مخابرات بلديهما».
وبحسب التحالف الدولي الداعم لعمليات «قوات سوريا الديمقراطية» في الرقة، فإن مقاتلي التنظيم الذين استسلموا «سيتم استجوابهم».
وقال ديلون، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن نحو 350 مقاتلا من التنظيم استسلموا خلال الأيام الأربعة الأخيرة، بينهم أربعة مقاتلين أجانب، موضحا أنه «تم أخذ بصماتهم إلكترونيا وبياناتهم البيومترية وصورهم».
وألحقت المعارك منذ اندلاعها في المدينة في يونيو (حزيران) دمارا كبيرا بالأبنية والبنى التحتية. وتسببت بمقتل 3 آلاف و250 شخصا على الأقل بينهم أكثر من 1100 مدني، وفق «المرصد السوري». ومني التنظيم بسلسلة خسائر ميدانية في سوريا والعراق المجاور.
ويقدر التحالف أن عدد مقاتلي التنظيم الذين ما زالوا ينشطون في البلدين يتراوح بين ثلاثة آلاف وسبعة آلاف مقاتل.
وقال عضو تجمّع «الرقة تذبح بصمت» أبو محمد الرقاوي، إن المدينة «باتت خالية تماماً من عناصر (داعش) ومن المدنيين أيضاً». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «ما بين 300 و500 عنصر للتنظيم من سوريين وأجانب، كانوا يتحصنون في الملعب البلدي وفي المشفى الوطني، وافقوا مساء الثلاثاء على مغادرة المدينة، ومعهم عدد مماثل من المدنيين الذين اتخذ منهم المسلحون دروعاً بشرية». وقال إن المقاتلين والمدنيين «جرى إخراجهم بحافلات تابعة لـ(قسد) والتحالف الدولي»، مشيراً إلى أن «حواجز (قسد) الموجودة على مداخل الرقة، لم تسمح للأهالي بدخول المدينة لمعاينة ما تبقى من بيوتهم وأرزاقهم».