الأندية الأدبية: البطة العرجاء...!

الأندية الأدبية: البطة العرجاء...!
TT

الأندية الأدبية: البطة العرجاء...!

الأندية الأدبية: البطة العرجاء...!

ثمة تحولات هائلة يمرّ بها المشهد الثقافي السعودي، أصبحت الثقافة والفنون عنوان التحول البارز لتعزيز الانفتاح، وترسيخ الاعتدال، ومكافحة التشدد، كما تحوّل الفن إلى محرك لصناعة التغيير في المجتمع.
لكنّ أين المؤسسات الثقافية؟ أين الأندية الأدبية تحديداً؟ التي ما زالت كـ«البطة العرجاء» في هذا العرس الثقافي...!، لقد تسّمر الزمن عند المشكلات القديمة المزمنة التي تعاني منها الأندية: معضلة اللائحة، ومجالس الإدارات الممدد لها، والموازنة، ونتائج الانتخابات المطعون في بعضها، والنتيجة أن الكثير من هذه الأندية أصبح خارج سياق زمانها، غير قادر على مسايرة حجم الحركة الثقافية الهائلة في مفاصل المجتمع، وغير قادر على مواكبة رؤية التحول السعودية 2030 وطموحاتها العملاقة.
لقد أرست «رؤية السعودية 2030» التي أعلنها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، انطلاقة جديدة للثقافة السعودية، باعتبارها أحد أهم محركات التحول الوطني نحو التنمية البشرية. تسعى هذه «الرؤية» لتطوير قطاع الثقافة في المملكة، وتأسيس مراكز حاضنة للإبداع، وتوفير منصات للمبدعين للتعبير عن أفكارهم وطموحاتهم، وكذلك خلق صناعة ثقافية تعنى بالفن والمسرح والسينما، والأنشطة الفنية والتشكيلية، وتحويل الثقافة إلى عنصر رئيسي للتواصل بين الناس، ورافد للاقتصاد، كما تعزز «الرؤية» اتجاه السعودية إلى توسيع قاعدتها الثقافية، وتطوير البنية التحتية لقطاع الثقافة والترفيه ليصبح جزءاً من تحسين مستوى معيشية المواطن السعودي، ورافداً حضارياً واقتصادياً للبلاد.
لكنّ، ما تعانيه الأندية الأدبية ليس مشكلة لائحة، أو فشلاً في إدارة انتخابات، أو عجزاً في الموازنة، ولا حتى في هيمنة أنساق فكرية إقصائية (على بعضها) تتعامل مع الوسط الثقافي باستعلاء وتهميش، هذا كله عوارض لمرض مزمن هو الفلسفة التي تعمل من خلالها الأندية. لقد شهدنا نهضة هائلة لبعض الأندية حين تغيرت تلك الفلسفة برهة من الزمن، حين تولى الإدارة مثقفون يفهمون معنى الثقافة ودورها وارتباطها بتنمية المجتمع، وتعزيز ثقته بنفسه ووطنه، نتذكر أن الدورة الأولى من مهرجان أفلام السعودية كانت ثمرة تعاون بين جمعية الثقافة والفنون بالدمام ونادي المنطقة الشرقية الأدبي، عام 2008.
تنصّ اللائحة الجديدة للأندية الأدبية على «خلق بيئة أدبية تفاعلية منتجة»، لكنّ كيف؟، و«بعض الأندية» ما زال منفصلاً عن الواقع، عاجزاً عن قراءة التحول الكبير في وعي المجتمع الذي يعمل وسطه، لم تعد الأنشطة المنبرية التقليدية تثير اهتمام الجمهور، العديد من هؤلاء أصبح ينتج ثقافة ووعياً متقدماً عن فهم وفلسفة تلك الأندية، ولذلك فإن العلامة الأكثر وضوحاً هي الحضور الباهت للجمهور الثقافي في أنشطة وفعاليات الأندية الأدبية، بل وحتى في تقرير مصيرها، والمنافسة على إدارتها، نتذكر أن نادي الرياض الأدبي (وهو للإنصاف من أفضل الأندية الأدبية وأكثرها اهتماماً بتطوير المحتوى الثقافي، وتعزيز الشراكة مع المجتمع)، هذا النادي سجّل في جمعيته العمومية قبيل الانتخابات التي أقيمت أبريل (نيسان) الماضي، ١٥٥ عضواً لا غير، حضر منهم فقط 112 عضواً من أعضاء الجمعية العمومية العاملة الذين يحق لهم الانتخاب، وهذا النادي يقع في أكبر مدينة سعودية يتجاوز عدد سكانها خمسة ملايين نسمة.
يقول مثقف بارز، مقترحاً: أن المخرج لهذه الأندية هو الفصل بين الإدارة التنفيذية وعضوية مجلس الإدارة، فمهمة مجالس الإدارة أن تضع السياسات الثقافية العامة، ولكن يتعين أن يتولى تنفيذها فريق مؤهل ومدرب ومتفرغ في كل نادٍ أدبي، كما يتعين على الأندية وكل مؤسسة ثقافية الاستثمار في تكوين إدارة وسطى مختصة ومدربة على البرامج الثقافية.
وبرأي آخرين، فإن على الأندية أن تفتح أعينها على المشهد الثقافي المتحرك الذي يبزغ فيه شبان سعوديون حققوا الإنجازات المحلية والعالمية، وأصبحوا محركين للنقاش الثقافي والعام في الفضاء السيبراني، هؤلاء تضيق بهم القوالب الحالية للأندية الأدبية.



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».