ترحيب عراقي واسع باستعادة السيطرة على كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها

رحّبت غالبية الفعاليات السياسية العربية، بشقيها الشيعي والسني، في بغداد، بالإجراءات التي اتخذتها رئيس الوزراء حيدر العبادي باتجاه بسط سيطرة الحكومة الاتحادية على كركوك وأغلب المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان وبغداد. ويبدو أن الموقف المتشدد الذي تبناه إقليم كردستان، ممثلاً برئيسه مسعود بارزاني، من موضوع الاستفتاء، وتمسكه به وبما يترتب عليه، لم يتسبب في فقدانه لحلفائه الشيعة فقط، بل شملت «الخسارة» حلفاءه في «التحالف الكردستاني»، مثل حزب الاتحاد الوطني وحركة التغيير والجماعة الإسلامية، بعد أن أظهر جميع الكرد تقريباً موقفاً متماسكاً في تعاملهم مع بغداد منذ 2003.
وقد تؤكد تلك «الخسارة» المواقف التي اتخذتها القوى الشيعية المعروفة بعلاقاتها الوطيدة مع أربيل، مثل زعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم، ونائب الرئيس إياد علاوي، وزعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، خصوصاً بعد سيطرة القوات الاتحادية على كركوك وبقية الأراضي التي كان يسيطر عليها الكرد قبل وبعد 2014.
فنائب الرئيس إياد علاوي مثلاً، أظهر بعض الممانعة حيال الإجراءات العقابية التي اتخذتها بغداد ضد إقليم كردستان عشية إجراء الاستفتاء في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، وقام بزيارة الإقليم ولقاء رئيسه لمناقشة خطة كان قد اقترحها لنزع فتيل الأزمة التي نشبت بين بغداد وأربيل عشية إجراء الاستفتاء. ثم عاد علاوي وأبدى دعمه الكامل لإجراءات العبادي، وأصدرت كتلته النيابية (ائتلاف الوطنية)، أمس، بياناً رحبت فيه بـ«عمليات فرض القانون، وسيطرة الحكومة الاتحادية على جميع المناطق في محافظة كركوك»، وطالبت بإخضاع محافظ كركوك «المقال» نجم الدين كريم لـ«القضاء».
والأمر ذاته فعله زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، المعروف بعلاقاته الجيدة مع بارزاني، حتى أنه تحالف معه للإطاحة برئيس الوزراء السابق نوري المالكي في أثناء توليه منصب الرئاسة في يونيو 2012. وأشاد الصدر، أمس، بعد عملية السيطرة على كركوك، بالجهود التي تبذلها القوات الأمنية للحفاظ على وحدة البلاد، وقال في تغريدة عبر مدونته في «تويتر»: «نشد على سواعد قواتنا الأمنية البطلة في الحفاظ على وحدة الوطن، ونحيي جهودهم بمراعاة الجانب الإنساني لأبناء وطنهم، بمختلف طوائفه وقومياته».
وفي سياق المواقف الشيعية أيضاً، يلاحظ أن رئيس «تيار الحكمة» عمار الحكيم، المعروف هو الآخر بعلاقاته وعلاقات أسرته الجيدة بالكرد، اتخذ منذ الأيام الأولى لحركة الاستفتاء موقفاً رافضاً متشدداً منها، ثم أصدر أمس بياناً، على خلفية أحداث كركوك، قال فيه: «نتابع باهتمام بالغ الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية، والتي تسعى من خلالها لفرض سيادة الدولة بغية تحقيق الأمن والاستقرار، والحفاظ على وحدة البلاد، وهي إجراءات حظيت بدعم وإسناد أبناء شعبنا، فضلاً عن دستورية هذه الإجراءات وحصولها على موافقة ودعم المؤسسة التشريعية»، مشيراً إلى أن «حصول إجراءات الحكومة في كركوك على دعم شعبي وبرلماني واسع لهو رسالة محبة وسلام إلى شركائنا في الوطن من أبناء شعبنا في كردستان».
وكذلك الأمر مع «المجلس الإسلامي الأعلى» ومنظمة بدر، بزعامة القيادي في «الحشد الشعبي» هادي العامري، حلفاء الكرد السابقين، حيث أبديا معارضتهما الشديدة لموضوع الاستفتاء، ودعمهما للإجراءات التي اتخذها العبادي أول من أمس، في كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها مع إقليم كردستان، هذا فضلاً عن المواقف الرافضة لأغلب القوى الشيعية المناهضة لرئيس إقليم كردستان، مثل رئيس ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي، وأغلب قيادات الحشد المقربة من إيران.
والملاحظ أن «الخسارة» الكردية لم تقتصر اليوم، وبعد أحداث كركوك، على حلفائها السابقين من الشيعة، وامتدت لتشمل طيفاً واسعاً من القوى السنية التي أبدت في وقت سابق تحفظات غير قليلة على الإجراءات العقابية التي اتخذتها حكومة بغداد ضد كردستان بعد إجراء الاستفتاء. فتحالف «القوى العراقية»، الذي يضم أغلب الكتل السياسية السنية، أعلن دعمه لإجراءات فرض القانون في محافظة كركوك، وقال بيان للتحالف أصدره أمس إنه «من شأن الإجراءات التي أمر بها رئيس الوزراء العبادي في كركوك، وباقي مناطق العيش المشترك، أن تؤسس لشراكة مجتمعية وطنية مصيرية قائمة على أساس الاحترام». وأشار إلى تأييده «لإجراءات بسط القانون التي شرعت بتنفيذها القوات الاتحادية في كركوك ومناطق التعايش المشترك».
كذلك أعلن رئيس ائتلاف «العربية» صالح المطلك دعمه للإجراءات التي اتخذها العبادي، وقال في بيان صادر عن مكتبه إن «رفع راية العراق على كركوك وأي منطقة متنازع عليها يشكل تأكيداً على عراقية هذه المناطق»، داعياً القوات المسلحة إلى «الابتعاد عن نهج التشفي والانتقام، كوّن الدم العراقي مصاناً لأي مكون من المكونات». المواقف المتشددة التي انتهجها إقليم كردستان، ورئيسه بارزاني، فتحت باب التكهنات على عموم مستقبل الكرد في بغداد، ويرى كثير من المراقبين أن الكرد «فقدوا هيبتهم» في بغداد بعد إجراء عملية الاستفتاء وما نجم عنها، ويذهبون إلى أن الموقف الكردي في بغداد، الذي تمتع بقوة استثنائية منذ 2003 لأسباب مختلفة، أهمها التحالف التقليدي بين الكرد والشيعة، ربما سيواجه معضلات كبيرة في الانتخابات المقبلة، ويخمن البعض أن أحد أقوى مؤشراته حرمان الكرد مستقبلاً من منصب رئاسة الجمهورية الذي سيطروا عليه منذ عام 2005، وخسارته لصالح المكون العربي السني.