غموض يلف مصير مقاتلي «داعش» الأجانب في الرقة

خروج 3 آلاف مدني و275 عنصراً سورياً من التنظيم ... والمعركة في مرحلتها النهائية

نازحة سورية من دير الزور تتسلم معونات إغاثية بمخيم في بلدة العريشة بمحافظة الحسكة (أ.ف.ب)
نازحة سورية من دير الزور تتسلم معونات إغاثية بمخيم في بلدة العريشة بمحافظة الحسكة (أ.ف.ب)
TT

غموض يلف مصير مقاتلي «داعش» الأجانب في الرقة

نازحة سورية من دير الزور تتسلم معونات إغاثية بمخيم في بلدة العريشة بمحافظة الحسكة (أ.ف.ب)
نازحة سورية من دير الزور تتسلم معونات إغاثية بمخيم في بلدة العريشة بمحافظة الحسكة (أ.ف.ب)

أطلقت «قوات سوريا الديمقراطية» هجومها النهائي في معركة الرقة تحت اسم «معركة الشهيد عدنان أبو أمجد»، مؤكدة أنها ستستمر «حتى تطهير كامل المدينة من الإرهابيين الذين رفضوا الاستسلام». وفي حين أعلن عن خروج ثلاثة آلاف مدني كانوا محاصرين في الداخل، بقيت تفاصيل الاتفاق الذي نفى التحالف الدولي علاقته به، غير واضحة، خاصة حول وجهة القافلة التي غادرت ليلاً، والتضارب في المعلومات عما إذا كانت تضم عناصر أجانب أم اقتصرت على السوريين.
ويأتي الهجوم غداة التوصل إلى اتفاق تسوية بوساطة وجهاء وشيوخ عشائر الرقة الذين أعلنوا مساء السبت، أنهم قاموا بهذه المهمة بعد موافقة «سوريا الديمقراطية»، ويعملون على «تنظيم آلية لإخراج المخدوعين المضللين من أجل الحفاظ على حياة المدنيين الذين اتخذوهم كدروع بشرية ولحماية ما تبقى من المدينة من الدمار والخراب»، بحسب ما جاء في بيان.
وبعدما كانت وكالتا «الصحافة الفرنسية» و«رويترز» قد نقلتا عن لسان المسؤول في مجلس الرقة المدني عمر علوش، خبر خروج عدد من المقاتلين الأجانب ضمن القافلة من دون أن يحدد عددهم أو الوجهة التي نقلوا إليها، ورجّحت المعلومات أن يكونوا قد توجهوا إلى دير الزور وفق ما تردّد في الأيام الأولى للمفاوضات، عاد مجلس الرقة المدني، ونفى خروج الأجانب في بيان له. وفي هذا الإطار أيضاً، قال علوش في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «ننفي خروج مقاتلين أجانب ضمن القافلة لأن المفاوضات التي قادها شيوخ في العشائر لم تشمل إلا السوريين. والمعركة ضد الأجانب لا تزال مستمرة». كذلك أكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»: «لم يسجّل خروج الأجانب وهم لا يزالون في جيب واحد بالمدينة».
ولفت عبد الرحمن إلى «أن هناك علامات استفهام حول ما يحصل في سوريا، في وقت يسجّل فيه ذهاب عناصر من التنظيم إلى أحضان النظام أو التحالف الدولي أو قوات سوريا الديمقراطية»، سائلا: «إذا انسحب المقاتلون إلى شرق دير الزور، يجب التوضيح إلى أين توجهت القافلة، وكيف تمكنت من السير مئات الكيلومترات إلى حين وصولها إلى شرق دير الزور؟».
وأضاف عبد الرحمن قائلا: «المخابرات الفرنسية هي من أخّرت عملية خروج العناصر الأجانب في تنظيم داعش من مدينة الرقة، لقولها إنها متأكدة من وجود مخطط هجمات باريس في مدينة الرقة، بالإضافة لعناصر من جنسيات بلجيكية وفرنسية منحدرين من أصول مغاربية، ومنعها خروجهم من المدينة».
ونفى علوش معرفته بالوجهة التي ذهب إليها المقاتلون الخارجون من الرقة، وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما يمكن تأكيده أن عدد المستسلمين منهم بلغ 275 شخصا مع عائلاتهم، وسنعرض صورهم في وقت لاحق، على أن يخضعوا للتحقيق، ويسلّم من لم يثبت تورطه بأعمال القتل إلى شيوخ العشائر، بينما سيحال المتورطون إلى الجهات المعنية». في المقابل أكد عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يسجّل استسلام أي مقاتل، وجميعهم خرجوا من المدينة.
من جهته، قال المتحدث باسم «سوريا الديمقراطية» طلال سلو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: خرج بموجب الاتفاق 275 شخصا بين مقاتلين سوريين في صفوف التنظيم وأفراد من عائلاتهم «من دون أن تحدد وجهتهم»، وموضحا أنه يفترض أن يصدر بيان حول الموضوع.
وأضاف: «لم يعد هناك سوى 250 إلى 300 إرهابي أجنبي من الذين قرروا متابعة القتال حتى آخر لحظة. وبقي معهم أفراد من عائلاتهم في الرقة»، معلنا عن «خروج أكثر من ثلاثة آلاف مدني مساء السبت إلى مناطق آمنة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بموجب الاتفاق» ومؤكدا أن «الرقة باتت خالية تماما من المدنيين» باستثناء بعض عائلات المقاتلين الأجانب الذين ما زالوا في المدينة.
ووصف المتحدث باسم «سوريا الديمقراطية» مصطفى بالي، المدنيين الذين غادروا مع مقاتلي داعش في القافلة بأنهم دروع بشرية. وقال إن مقاتلي التنظيم رفضوا إطلاق سراح المدنيين بمجرد مغادرتهم للمدينة بموجب الاتفاق وأرادوا إبقاءهم معهم حتى يصلوا إلى مقصدهم لضمان سلامتهم.
وكانت «سوريا الديمقراطية» أعلنت أنها شنت ما وصفته بـ«هجوم نهائي»، صباح أمس، على جيب خاضع داعش داخل الرقة لتطهير المدينة من فلول المتشددين. وأكدت في بيان لها إن المعركة الحاسمة «ستستمر حتى تطهير كامل للمدينة من الإرهابيين الذين رفضوا الاستسلام ومن بينهم الإرهابيون الأجانب»؛ وذلك بعد ساعات على تأكيدها خروج قافلة لمقاتلي التنظيم أثناء الليل.
وجاء سماح «سوريا الديمقراطية» لمقاتلي التنظيم بمغادرة المدينة، على عكس الرغبات المعلنة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، وقال الكولونيل رايان ديلون المتحدث باسمه أمس إن «التحالف لم يشارك في عملية الإجلاء» لكنه أضاف: «قد لا نتفق كليا مع شركائنا في بعض الأحيان. لكن علينا أن نحترم قراراتهم».
وقال المتحدث باسم التحالف ريان ديلون لـ«وكالة الصحاف الفرنسية»: «نحن مصرون على عدم السماح للمقاتلين الأجانب بمغادرة المدينة»، مضيفا: «موقفنا كان أن يبقوا ويقاتلوا أو يستسلموا من دون شروط».
وفي إطار المعارك المستمرة منذ السادس من يونيو (حزيران) في مدينة الرقة، باتت قوات سوريا الديمقراطية تسيطر على 90 في المائة منها، فيما «تدور المعارك في المساحة المتبقية» التي تتضمن أحياء في وسط وشمال المدينة.
وعلى جبهة معركة دير الزور المستمرة بين التنظيم وقوات النظام، قال «المرصد»: «واصلت قوات النظام قصفها لمناطق في أحياء خاضعة لسيطرة التنظيم بمدينة دير الزور، في حين تستمر الاشتباكات العنيفة بين الطرفين في محيط ما تبقى تحت سيطرة التنظيم من الضفاف الشرقية لنهر الفرات المقابلة للمدينة، وسط تقدم لقوات النظام وتحقق مزيدا من السيطرة في المنطقة». ويأتي ذلك، في وقت أعلن المرصد عن تفجير استهدف منطقة قيادة تجمع شباب البكَّارة المنضوية تحت راية المجلس العسكري لدير الزور وقوات سوريا الديمقراطية، في ريف الحسكة الجنوبي، مشيراً إلى أنه ناجم عن تفجير شخص لنفسه بدراجة نارية مفخخة ما تسبب بوقوع جرحى.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.