بغداد تتهم أربيل بجلب مقاتلي «حزب العمال» لكركوك وتعتبره «إعلان حرب»

أنباء متضاربة عن غلق إيران حدودها مع كردستان

تحشيدات عسكرية للبيشمركة في كركوك- أرشيف (أ.ب)
تحشيدات عسكرية للبيشمركة في كركوك- أرشيف (أ.ب)
TT

بغداد تتهم أربيل بجلب مقاتلي «حزب العمال» لكركوك وتعتبره «إعلان حرب»

تحشيدات عسكرية للبيشمركة في كركوك- أرشيف (أ.ب)
تحشيدات عسكرية للبيشمركة في كركوك- أرشيف (أ.ب)

اتهمت الحكومة العراقية، اليوم (الأحد)، السلطات الكردية بجلب مقاتلين من حزب العمال الكردستاني إلى كركوك، قائلة إن وجودهم في كركوك "إعلان حرب"، حسبما نقلت وكالة "رويترز" للأنباء.
وفي الوقت الذي نفت فيه ايران انباء عن غلقها الحدود مع كردستان أفاد بيان لوزارة الخارجية العراقية بأن إيران أغلقت المعابر الحدودية مع إقليم كردستان وذلك عقب طلب من بغداد.
من جهة أخرى، قال مسؤول أمني كردي اليوم إن مقاتلي البشمركة الكردية رفضوا إنذارا من جماعات مسلحة عراقية للانسحاب من تقاطع استراتيجي جنوب كركوك يتحكم في الوصول لبعض حقول النفط الرئيسية في المنطقة.
واجتمعت القيادة الكردية العليا اليوم لمناقشة طلب الحكومة العراقية بإلغاء نتيجة الاستفتاء على الاستقلال كشرط مسبق لإجراء محادثات لحل الأزمة.
وأسفر التصويت في الاستفتاء عن تأييد الاستقلال بأغلبية كاسحة.
وقال مساعد لرئيس إقليم كردستان إن الاجتماع حضره رئيس الإقليم مسعود بارزاني والرئيس العراقي فؤاد معصوم، وهو كردي يشغل هذا المنصب وهو منصب شرفي، وهيرو طالباني أرملة الزعيم الكردي والرئيس السابق الراحل جلال طالباني الذي توفي هذا الشهر. ورفضوا ما قالوا إنها "تهديدات عسكرية" وتعهدوا بالدفاع عن الأراضي الخاضعة لسيطرة الأكراد في حال التعرض لهجوم.
وقال مسؤول من مجلس الأمن التابع لحكومة إقليم كردستان العراق إن قوات الحشد الشعبي أمهلت مقاتلي البيشمركة مهلة حتى منتصف الليل بالتوقيت المحلي (21:00 بتوقيت غرينتش) أمس السبت للانسحاب من موقع شمال تقاطع مكتب خالد.
وقال علي الحسيني المتحدث باسم قوات الحشد الشعبي لـ"رويترز" إن المهلة انقضت دون أن يعطي أي مؤشرات بشأن خطوتهم المقبلة، وأضاف "نحن ننتظر أوامر جديدة... ليس من المتوقع حصول تمديد".
وقال المسؤول في حكومة إقليم كردستان إن الموقع الكردي الواقع شمال التقاطع الذي يصل إلى قاعدة جوية مهمة وحقل باي حسن النفطي أحد الحقول الرئيسية في الإقليم.
ويسيطر الأكراد على المدينة والقاعدة الجوية والمناطق المحيطة بما في ذلك حقول النفط.
ولم ترد أنباء عن وقوع اشتباكات في الفترة التي أعقبت انقضاء المهلة، لكن التوتر لا زال قائما فيما يقوم الجانبان بالتعبئة.
وفيما قالت السلطات الكردية يوم الجمعة الماضي إنها أرسلت آلاف القوات الإضافية إلى كركوك لمواجهة "التهديدات" العراقية، نفى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مرارا وجود أي خطط
لمهاجمة الأكراد.
وتنتشر قوات الحشد الشعبي جنوب وغرب كركوك جنبا إلى جنب مع الجيش العراقي.
وتقع كركوك، التي يقطنها أكثر من مليون نسمة، خارج إقليم كردستان لكن قوات البشمركة متمركزة هناك منذ عام 2014 بعد انهيار القوات العراقية في مواجهة هجوم لتنظيم "داعش".
ومنع انتشار البيشمركة سقوط حقول نفط كركوك في قبضة المتشددين.
واتخذت الحكومة العراقية سلسلة من الخطوات لعزل إقليم كردستان منذ الاستفتاء على الاستقلال تشمل حظر الرحلات الدولية من وإلى الإقليم. فيما تدعم تركيا وإيران موقف بغداد المتمثل برفض إجراء محادثات ما لم يتخل الأكراد عن خطوة الاستقلال. ولدى تركيا وإيران أقلية كردية وتواجه أنقرة تمردا كرديا منذ أمد طويل.
وفي واشنطن قال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الجمعة إن الولايات المتحدة تولي اهتماما كاملا للوضع وتعمل على منع التصعيد.
وتتخذ الولايات المتحدة صف الحكومة العراقية التي ترفض الاعتراف بنتيجة الاستفتاء.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.