إسبانيا بين احتفالات بوحدة أراضيها ورغبات انفصالية

الحكومة والمعارضة الاشتراكية في خندق واحد

رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي في البرلمان أول أمس (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي في البرلمان أول أمس (إ.ب.أ)
TT

إسبانيا بين احتفالات بوحدة أراضيها ورغبات انفصالية

رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي في البرلمان أول أمس (إ.ب.أ)
رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي في البرلمان أول أمس (إ.ب.أ)

انفصال كاتالونيا المحتمل و«المؤجل»، والذي يهدد وحدة الأراضي الإسبانية، تزامن مع الاحتفالات باليوم الوطني، التي صادفت يوم أمس، أي بعد يوم من خطاب رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، الذي هدد فيه بتفعيل المادة 155 من الدستور من أجل طرد الحكومة المحلية وإدارة الإقليم مركزيا من مدريد.
واتفقت الأحزاب الرئيسة في البرلمان الإسباني على موقف واحد من الانفصال. وحصلت حكومة مدريد على دعم الحزب الاشتراكي، وهو الحزب المعارض الرئيسي، قبل أن لوحت بتطبيق المادة 155 من الدستور. وقال رئيس الحزب الاشتراكي بيدرو سانشيز ساخرا خلال جلسة برلمانية مثيرة للجدل الأربعاء، كما جاء في تقرير فرنس برس «أعلن استقلال أحادي وتم تعليقه فيما بعد، لكن تم توقيعه في وقت لاحق»، مشيرا إلى أن ما حصل «حفل عبثي». وأمس أحيت المدن الإسبانية، بما في ذلك الكاتالونية المناهضة للانفصال، عيدها الوطني الذي يشكل رمزا لوحدة البلاد في خضم الأزمة بين برشلونة ومدريد. وتدفق الإسبان على شوارع العاصمة وعلقوا الأعلام الوطنية في شرفاتهم، فيما استغل نقابيون موكبا عسكريا خلال الاحتفال، كما جاء في تقرير وكالة رويترز من مدريد، لإظهار الوحدة الوطنية.
العاصمة الإسبانية أمهلت رئيس الإقليم كارلس بودجيمون حتى 19 أكتوبر (تشرين الأول) للعودة عن إعلان استقلال إذا كان يريد تجنب تعليق نظام الحكم الذاتي في منطقته.
وبصرف النظر عن تعليق الحكم الذاتي، لدى الحكومة الإسبانية وسائل عدة. فهي تستطيع إعلان «حالة الطوارئ» مخففة، تسمح لها بالتصرف بموجب مراسيم. كما أن من غير المستبعد توقيف بوجديمون وعدد من مستشاريه وأعضاء حزبه في إطار تحقيق قضائي فتح في قضية «تحريض». وقد يؤدي اتخاذ أي إجراء صارم إلى اضطرابات في كاتالونيا التي تعدّ 7.5 مليون نسمة والتي تمثل 19 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي.
رغبات إقليم كاتالونيا في الانفصال أسقط إسبانيا في براثن أسوأ أزمة سياسية منذ محاولة انقلاب في عام 1981، وشهدت المدينة اليوم موكبا عسكريا لإحياء ذكرى وصول المستكشف كريستوفر كولومبوس إلى الأميركتين بدعم من العرش الإسباني. ولا تزال التوترات قائمة بين الحكومة المركزية وحكومة كاتالونيا بعد أن وقع زعيم الإقليم على إعلان رمزي للاستقلال يوم الثلاثاء في أعقاب نتائج الاستفتاء الذي أُجري يوم الأول من أكتوبر، وقالت مدريد إنه غير مشروع.
ولم يصل زعيم الإقليم كارلس بودجيمون إلى حد طرح الاستقلال في تصويت بالبرلمان الإقليمي الأمر الذي خّيّب آمال الكثير من أنصاره. وأمهل رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي بودجيمون ثمانية أيام للتخلي عن مساعي الاستقلال وإلا سيتم تعليق الحكم الذاتي للإقليم. وإذا لم يرد بودجيمون خلال هذه المهلة أو يؤكد رغبته في التراجع فسيكون بوسع راخوي تفعيل المادة 155 من دستور عام 1978 التي تتيح له إقالة الحكومة الإقليمية.
ويتوقع محللون سياسيون أن يكون تحرك راخوي المقبل هو الدعوة لانتخابات إقليمية مبكرة للخروج من الأزمة.
تعليق الحكم الذاتي، غير المسبوق منذ 1934، سيعتبر بالنسبة للكثير من الكاتالونيين بمثابة إهانة. وقد يؤدي هذا الإجراء إلى اضطرابات في المنطقة التي تربطها علاقة وثيقة بلغتها وثقافتها والتي استعادت حكمها الذاتي بعد وفاة الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو (1939 - 1975).
ويؤكد الانفصاليون أنهم فازوا في الاقتراع بحصولهم على أكثر من تسعين في المائة من أصوات الناخبين في الاستفتاء الذي بلغت نسبة المشاركة فيه 43 في المائة، ما يكفي برأيهم لإعلان استقلال المنطقة. وأكد المتحدث باسم حكومة كاتالونيا جوردي تورول الأربعاء أن إعلان الاستقلال هو في الوقت الراهن «رمزي». واعتبر راخوي أن «ما حصل أمر مؤسف» منددا بـ«قصص خرافية» لدى الانفصاليين. ورفض رئيس الحكومة المحافظ طلب الحوار الذي تقدم به بودجيمون الذي، بعد أن كان دعا إلى إجراء محادثات، طلب من جديد مساعدة «وسيط» خلال مقابلة مع قناة «سي إن إن» الأربعاء، كما جاء في تقرير الصحافة الفرنسية. وردّ راخوي بالقول: «ليس هناك وساطة ممكنة بين القانون الديمقراطي والعصيان، واللاشرعية».
ويتابع الاتحاد الأوروبي الذي تعرض لضربة بسبب بريكست، الأزمة في كاتالونيا بقلق. وذكرت المفوضية الأوروبية الأربعاء بإصرار بأنها تنتظر «احتراما كاملا للنظام الدستوري الإسباني». فيما نددت باريس وبرلين وروما بالطابع «غير القانوني» و«غير المقبول» لإعلان الاستقلال. واتهم وزير الخارجية الإسبانية ألفونسو داستيس الانفصاليين بأنهم «قوة تدميرية تتغلب على الديمقراطية وتدمر دولة القانون وتضع الفضاء الأوروبي بخطر». ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة برشلونة المستقلة أوريول بارتوموس، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، أنه «من الواضح أن تعليق الحكم الذاتي سيتسبب بردّ فعل جماعي للشعب الكاتالوني»، وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى «تعزيز النزعة الاستقلالية». واتخذت حكومة مدريد في سبتمبر (أيلول) إجراء استثنائيا بحق كاتالونيا. فقد أخضعت مالية الإقليم لإشرافها الخاص وقررت إدارة النفقات الأساسية، الأمر الذي يقلص إلى حد كبير من هامش مناورة كاتالونيا. وتواصل أوساط الأعمال القلقلة من عدم الاستقرار في المنطقة، الضغوط منذ أسبوع على الانفصاليين عبر نقل مقرات الشركات إلى خارج كاتالونيا. وقد نقلت الأربعاء شركة التأمين «إكسا إسبانيا» ومجموعة أفران بيمبو المكسيكية، الأولى عالميا، مقريها إلى خارج كاتالونيا.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».