بغداد تجامل الأكراد بنشرة أخبار كردية... وهم يعتبرونها متأخرة

الخطوة تفتح باب المساءلة حول تقصير الحكومة العراقية بمجالات أخرى

جانب من النشرة المذاعة بالكردية على القناة العراقية
جانب من النشرة المذاعة بالكردية على القناة العراقية
TT

بغداد تجامل الأكراد بنشرة أخبار كردية... وهم يعتبرونها متأخرة

جانب من النشرة المذاعة بالكردية على القناة العراقية
جانب من النشرة المذاعة بالكردية على القناة العراقية

لم تحظَ خطوة بغداد بإطلاق نشرة الأخبار باللغة الكردية لمدة ساعة واحدة على قناة العراقية شبه الرسمية، بعد أسبوع واحد من استفتاء الاستقلال الذي أجراه الإقليم في 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، بأي ترحيب من قبل الشارع الكردي الذي وصف الخطوة بأنها جاءت متأخرة، ولم تكن في المستوى المطلوب.
جيمن الدلوي (45 عاما) مواطنة كردية من سكان مدينة كركوك تجلس كل مساء أمام التلفاز لمشاهدة النشرات الإخبارية على مجموعة من القنوات عربية، من بينها القنوات العراقية لمعرفة آخر التطورات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً الأوضاع في محافظة كركوك؛ فهي تبدي قلقها على مستقبل المدينة فيما إذا لم تتوصل الأطراف المتنازعة إلى حل بشأنها.
تقول جيمن لـ«الشرق الأوسط»: «عندما كنت أقلب بالقنوات تفاجأت بقراءة الأخبار على قناة العراقية باللغة الكردية، فليس من المألوف قراءة الأخبار بالكردية على قناة عراقية حكومية، وآخر مرة شاهدنا فيها البرامج الكردية على القناة الحكومية الرسمية كان في نهاية عهد نظام البعث الذي أطلق هو الآخر فترة برامج كردية قبل عامين من سقوطه».
جيمن ليست الوحيدة التي تشعر بغرابة الخطوة العراقية، فأعداد الأكراد المستغربين من هذه الخطوة كثيرة، يقول فلاح كريم مواطن عربي نازح يعيش في مدينة أربيل لـ«الشرق الأوسط»: «كان الأجدر بالحكومة العراقية أن تفتح منذ تأسيس العراق الجديد بعد عام 2003 قناة باللغة الكردية، لتوصل رسالة بغداد وتحاول أن تصالح المجتمع الكردي، لكن مع هذا الخطوة جيدة، وأتمنى أن توسعها الحكومة العراقية لتكون قناة فضائية تلبي متطلبات الشارع الكردي»، لكنه يطالب بغداد بخطوات فعلية في مجال إعطاء الكرد حقوقهم، خصوصاً الرواتب والميزانية التي قطعتها الحكومة العراقية عن كردستان منذ بداية عام 2014، وما زالت تواصل حصارها للإقليم حتى هذا اليوم.
ويعتبر نقيب صحافيي كردستان، آزاد محمد أمين، خطوة بغداد بتخصيص ساعة إخبارية باللغة الكردية على قناة العراقية استهزاءً باللغة الكردية، ويوضح: «لا أعتقد أن هناك كردياً يتابع تلفزيون (العراقية)، الكل يعرف أن هذه القناة محسوبة على طائفة معينة، وهي تلفزيون حكومة موجه لخدمة برنامج سياسي معين، لذا ليست هناك صلة بين (العراقية) والكُرد».
وبدأت النشرة الإخبارية باللغة الكردية في تمام السابعة مساءً بالتوقيت المحلي لمدينة بغداد، في خطوة تأتي بعد أسبوع من استفتاء الاستقلال الذي أجراه إقليم كردستان وأبدت بغداد معارضتها له، وطالبت أربيل بإلغاء نتائجه، وأوقفت الرحلات الجوية الدولية الآتية من وإلى مطاري الإقليم منذ 29 سبتمبر الماضي وهددت بتنفيذ مجموعة من العقوبات على إقليم كردستان فيما إذا لم تتراجع.
ورغم عدم إشارة الجانب العراقي إلى أسباب إطلاق نشرة الأخبار بالكردية بهذا التوقيت، فإن مدير قناة «العراقية»، كريم حمادي، قال في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية مباشرة مع انطلاقة النشرة الكردية في 2 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي: «اليوم هو الأول الذي تبث فيه أخبار بالكردية على قناة وإذاعة (العراقية)».
ويضيف محمد أمين: «هذه الخطوة هي على شاكلة خطوات النظام العراقي السابق»، ويعاتب الإعلام الكردي بأنه لم يستطع خلال السنوات الماضية أن يوجه رسالة كردستان باللغة العربية إلى المجتمع العربي ويخاطب العقل العربي، وكذلك الإعلام العربي في العراق الذي لم يستطع هو الآخر توجيه رسالة المجتمع العربي باللغة الكردية إلى كردستان.
في غضون ذلك، يصف الكاتب والصحافي الكردي والخبير الإعلامي، غازي حسن، خطوة الحكومة العراقية هذه بأنها كمثابة ذرّ الرماد في العيون، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»: «يريد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من خلال تخصيص ساعة إخبارية باللغة الكردية أن يتحدث عن أنها مكرمة للشعب الكردي، في وقت هذه الخطوة ليست سوى خداع تمارسه بغداد ضد الكرد والمجتمع الدولي».
ويشير حسن إلى أن العبادي يريد أن يهرب من مسؤولية تقرير المصير المتمثلة بنتيجة استفتاء الاستقلال الذي صوت نحو 92.73 في المائة من الشعب الكردي في كردستان العراقي بـ«نعم» فيه، مشدداً على أن «الكُرد في العراق ليسوا بحاجة إلى ساعة إخبارية باللغة الكردية أو إلى قنوات باللغة الكردية، فبالعكس عندما يطبق الدستور العراقي والقانون حينها تكون للغة الكردية قوة ومجال اللغة العربية نفسها، وهذا لا يقتصر على الإعلام فقط، بل يشمل جميع المجالات، لكن الدستور لم يُطبق، وهذه الخطوة جاءت معبرة عن ضعف العبادي»، لافتاً إلى أن العراق في عهد نظام الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، كان يمتلك أيضاً قناة وجرائد ومجلات ومراكز ثقافية باللغة الكردية، مبيناً أن مشكلة الأكراد ليست مع استخدام اللغة، بل المشكلة تكمن في العقلية المذهبية التي تحكم العراق الآن.
ويرى حسن أن خطوة الحكومة العراقية هذه لن تجدي نفعاً، ولن يكون لها أي تأثير على الرأي العام الكردي، لأن المواطن الكردي وبحسب قوله يملك كثيراً من الوسائل السريعة والمؤثرة باللغة الكردية للحصول على المعلومة التي يريدها، وأن الإقليم يتمتع بحرية إعلام، متهماً في الوقت ذاته بغداد: «الحكومة العراقية تريد بث سم الطائفية والمذهبية في كردستان».
ويقترح حسن: «على بغداد البحث عن خطوات حقيقية وتنفيذها لإرضاء المواطن الكردستاني»، معتبراً خطوة بغداد بتخصيص نشرة كردية في التلفزيون الشبه رسمي ازدواجية، موضحاً: «بغداد تطلق من هنا نشرة أخبار كردية وتذهب من هناك إلى عقد تحالف عسكري مع طهران وأنقرة، فعندما تريد القضاء على السلطة الكردية فما الحاجة لوجود إعلام باللغة الكردية؟!».
بينما يؤكد الصحافي والكاتب الكردي، طارق كاريزي، أن تخصيص نشرة إخبارية باللغة الكردية لن يحقق أهداف بغداد، ولن لجد آذاناً صاغية في الشارع الكردي، موضحاً أن «الإعلام الكردي أصبح اليوم يمتلك شبكة واسعة من الفضائيات ومؤسسات إعلامية مرئية ومسموعة ومقروءة، الحكومة العراقية تأخرت في مفاتحة المواطن الكردي إعلاميّاً»، لافتاً إلى أن بغداد لو أسست فضائية محايدة تعمل بالحرفية، لربما استطاعت أن يكون لها تأثير.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».