حلم الاستقلال الكاتالوني... بين الممكن والمستحيل

هل يكون بداية مساره تفكك إسبانيا؟

حلم الاستقلال الكاتالوني... بين الممكن والمستحيل
TT

حلم الاستقلال الكاتالوني... بين الممكن والمستحيل

حلم الاستقلال الكاتالوني... بين الممكن والمستحيل

تعيش إسبانيا هذه الساعات مرحلة عصيبة في تاريخها المعاصر، وذلك في أعقاب اتخاذ القوى القومية في إقليم كاتالونيا خطوة جريئة تمثلت بتنظيم استفتاء على استقلال الإقليم الثري، في تحدٍ سافر للحكومة الاتحادية الإسبانية، بل والتاج الإسباني. وكما هو معروف، أسفر الاستفتاء عن تصويت كثيف لصالح الاستقلال، وجاء الرد الإسباني حازماً، بدءاً من رفضه من قبل الملك فيليبي السادس، وانتهاء باستخدام القوات الأمنية العنف في الشوارع... وهو أمر اعتذرت عنه الحكومة الاتحادية.
مع مضي القادة القوميين في إقليم كاتالونيا الإسباني قدماً في مشروع إنجاز استقلال الإقليم عن المملكة الإسبانية، تزداد فرص تفكك إسبانيا ووقوفها على شفير الفوضى.
والواقع أنه عندما أقرّت إسبانيا «قانون الأقاليم المستقلة ذاتياً» عام 1978 لم تكن قياداتها تتصوّر أن عام 2017 قد يكون بداية انهيار هذا القانون، حسبما يرى الخبراء الدستوريون والقانونيون في البلاد، مع العلم أن إسبانيا تضم نحو 17 إقليماً تتمتع بالحكم الذاتي (المتفاوت)، كلها تندرج تحت التاج الإسباني.
التطورات الحاصلة في كاتالونيا تنذر بعدد من المؤشرات التي قد تهدد وحدة إسبانيا بشكل خاص، والاتحاد الأوروبي نفسه بشكل عام. وهو ما دفع كثيراً من المراقبين بوصف الأزمة في إسبانيا بأنها الأكثر إضراراً بمنطقة اليورو، وقد تكون أسوأ وقعاً حتى من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
خلال الساعات المقبلة التي قد تشهد إعلان استقلال الإقليم من جانب واحد، تصارع الحكومة الاتحادية - أو المركزية - في مدريد الوقت لقطع الطريق على هذه الخطوة، وذلك حتى تجنب البلاد تفعيل المادة 155 من الدستور الإسباني التي تقضي بوقف الحكم الذاتي للإقليم، إضافة إلى اتخاذ إجراءات قد تشمل اعتقال القيادات الاستقلالية والسيطرة على القنوات المحرّضة على الاستقلال، إضافة إلى نشر الشرطة وعناصر الجيش، إذا لزم الأمر، للسيطرة على الأمور في الإقليم.
تفعيل المادة 155
رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، من الحزب الشعبي اليميني، يواجه صعوبة في الحصول على دعم من الأحزاب السياسية في معركته لمنع انفصال الإقليم واستقلاله. وهو منشغل الآن بالبحث عن التوافق لتفعيل المادة 155 من الدستور فيما يصفه المراقبون بأسوأ أزمة سياسية تشهدها إسبانيا خلال 40 سنة. وبفضل هذه المادة يحق لراخوي حل برلمان كاتالونيا وإجراء انتخابات محلية على الرغم من المحاولات العنيفة لمنعه.
أما في مدريد، عاصمة الحكم في إسبانيا، فثمة من يصف خيار إقالة حكومة كاتالونيا بأنه «الخيار النووي»، كونه من المرجح أن يؤجج مزيداً من الاضطرابات في برشلونة وبقية أنحاء الإقليم الثري الذي يمثل اقتصاده خُمس حجم اقتصاد إسبانيا. وتجدر الإشارة إلى أن حزب راخوي اليميني الحاكم لا يتمتع بالغالبية المطلقة.
استخدام المادة 155 من الدستور الإسباني من شأنه أن يعيد إلى الأذهان النظام الديكتاتوري الذي قاد لعقود الجنرال فرانسيسكو فرانكو، ولن يكون بمقدور راخوي السير قدماً في هذا الاتجاه من دون الحصول على دعم خصومه الاشتراكيين، المؤيدين بشدة لوحدة إسبانيا.
رافاييل هرناندو، وهو منسق في البرلمان الإسباني يعمل لحساب الحزب الشعبي الحاكم، قال صراحة إن تفعيل المادة 155 «سيحتاج إلى دعم واسع ومتنوع، لأنه ليست هناك ضمانات بأنها ستكون كفيلة بحل المشكلات، وإذا لم يؤيد استخدامها سوى حزب واحد في البرلمان الاتحادي سيكون من الصعب الحصول على دعم الغالبية». وحقاً، ترى مصادر سياسية أن في غياب هذا الدعم سيكون موقف راخوي ضعيفاً، وقد يضطر للدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة في عموم إسبانيا بأمل الحصول على التفويض اللازم للتعامل مع أزمة انفصال كاتالونيا.
على صعيد آخر، استخدام الشرطة الإسبانية المجلوبة من مدريد التي حاولت منع الكاتالونيين من إجراء الاستفتاء وتعطيله، للعنف، كان له تأثير سلبي. إذ جعل الاشتراكيين يبدون المخاوف من تزايد العنف في البلاد، ما يدفع إلى عواقب وخيمة. وكانت قوات الشرطة قد استخدمت الهراوات والطلقات المطاطية لمنع سكان الإقليم من التصويت، في مشاهد نقلها الإعلام المحلي والدولي، وأثارت إدانات دولية.
وحدة وطنية مهددة
لا شك أن المشهد الإسباني الآن أصبح مهدداً من شبح الانفصال، وهو انفصال تسهله فكرة الأقاليم في إسبانيا التي تضم - كما سبقت الإشارة - 17 إقليماً متمتعة بالحكم الذاتي. حكومات هذه الأقاليم مسؤولة عن المدارس والجامعات، والصحة والخدمات الاجتماعية، والثقافة، والتنمية الحضرية والريفية، وفي بعض الأماكن تقع حتى مسؤولية الشرطة على عاتقها.
وعليه، وبشكل عام، في إطار نظام الحكم الذاتي، انتقلت إسبانيا إلى «دولة لا مركزية»، وللحكومة المركزية فقط 18 في المائة من الإنفاق العام، مقابل 38 في المائة للحكومات الإقليمية، و13 في المائة للمجالس المحلية والبقية لنظام الضمان الاجتماعي.
أما الأقاليم والأقاليم القومية والإقليم التاريخية في إسبانيا - التي تتفاوت في استقلاليتها الداخلية - فهي:
- آندلوسيا (الأندلس)... إقليم قومي.
- كاتالونيا... إقليم قومي.
- مدريد... إقليم.
- بلنسية... إقليم قومي.
- غاليسيا (جليقية)... إقليم قومي.
- قشتالة وليون (قشتالة القديمة وليون)... إقليم تاريخي.
- بلاد الباسك... إقليم قومي.
- قشتالة لا مانشا (أو قشتالة الجديدة)... إقليم.
- جزر الكناري... إقليم قومي.
- مرسية.... إقليم.
- آراغون... إقليم قومي.
- إكستريمادورا... إقليم.
- جزر الباليار... إقليم قومي.
- استورياس... إقليم تاريخي.
- نافار... إقليم قومي.
- كانتابريا... إقليم تاريخي.
- لا ريوخا... إقليم.
معارضو استخدام القوة
ويرفض حزب بوديموس اليساري المعارض لحكومة رئيس الوزراء بالمطلق استخدام القوة في التفاوض مع الشعب الكاتالوني، أما حزب الباسك القومي، الذي أسس للدعوة لمزيد من الحكم الذاتي لبلاد الباسك بأقصى شمال البلاد، فيعارض بطبيعة الحال إقالة حكومة إقليم كاتالونيا.
وبلاد الباسك من الأقاليم التي تحلم بالاستقلال عن إسبانيا نظراً لوجود عدد من الصناعات الثقيلة فيها، وتتمتع هذه المنطقة الحدودية مع فرنسا بمجلس نيابي خاص بها، وتتكفل مؤسساتها الإقليمية بجمع الضرائب الأساسية، وتسمح لها حالة «الاستقلالية» أيضاً بالحكم والإدارة المباشرين في مجالات مثل: المالية والضرائب والصناعة وتنشيط الاقتصاد والبحوث والمستحدثات والنقل والإسكان والبيئة والتعليم والصحة والأمن العام.
أنطونيو باروزو، نائب مدير مؤسسة تنيو إنتليجنس البحثية ومقرها العاصمة البريطانية لندن، يقول إن موقف الاشتراكيين من استخدام المادة 155 «يمكن أن يلعب دوراً حاسماً في مستقبل رئيس الوزراء راخوي، وقد تذهب البلاد نحو المجهول إذا اتخذت الحكومة الاتحادية في مدريد إجراءات تصعيدية في الإقليم».
ولكن الحكومة قامت حتى الآن بالفعل بضربة استباقية لبرلمان إقليم كاتالونيا عبر استصدار قرار قضائي يدعو لإلغاء جلسة البرلمان المقرّرة بعد غد (الاثنين). وبالتالي فسيكون إعلان الاستقلال دون جدوى. غير أن الاستقلاليين الكاتالونيين يرون أن هذه الخطوة عديمة الفائدة «لأن الشعب الكاتالوني وحده مَن يحدد عقد الجلسات أم لا». وبناءً عليه، فإن أعضاء البرلمان الكاتالوني سيحضرون جلسات البرلمان متحدّين حكومة مدريد، ومعها الشرطة الآتية من مدريد تأهباً لفرض منع الانفصال بعدما قضت المحكمة الدستورية الإسبانية بحظر الجلسة. وما يستحق الذكر هنا، أن الحزب الاشتراكي الكاتالوني، وهو حزب وحدوي يعارض الحركة الاستقلالية، قد تقدم بطلب أمر حماية إلى المحكمة الاتحادية على أساس أن إعلان الاستقلال سيخالف الدستور و«يدمر» حقوق النواب في الإقليم.
ولقد جاء حظر المحكمة الدستورية بعد يوم من دعوة الجماعات الاستقلالية إلى عقد جلسة بعد غد. وستسعى الجلسة التي ينتظر أن يترأسها رئيس الإقليم كارليس بويغديمون، إلى تحديد الخطوات التالية باتجاه الانفصال بعدما صوتت أغلبية كبيرة لصالحه في الاستفتاء المختلف حوله، وغير المصرح به.
وفي حين أن إعلان الاستقلال من جانب واحد على الأجندة الرسمية، قال بويغديمون إن الأيام القليلة المقبلة ستشهد إعلان الانفصال، خصوصاً أن القانون الذي مهد للاستفتاء ينص على وجوب إعلان الانفصال خلال 48 ساعة من ظهور النتائج الرسمية. وفي هذا الاتجاه، أعربت ميريا بويا، عضو حزب ترشيح الوحدة الشعبية اليساري المتطرف في البرلمان الكاتالوني، عن دعمها. وأضافت بويا أن «الجلسة المتوقعة كاملة النصاب من أجل تقييم النتائج، وتحويل ما يترتب على هذه النتائج إلى واقع». وهذا يعني إعلان الانفصال أو إعلان الجمهورية.
تعقيدات داخلية وخارجية
بحسب الحكومة الإقليمية الكاتالونية، صوتت أعداد كبيرة لصالح قيام جمهورية كاتالونية مستقلة، وهي نتيجة يرجع سببها جزئياً إلى أن كثيرين في معسكر «لا» قاطعوا التصويت أو أداروا حملة من أجل تعليق المحكمة الدستورية الإسبانية الاستفتاء. حسب سلطات الإقليم، بلغت نسبة مؤيدي الاستقلال في الاستفتاء، نحو 90 في المائة، بينما بلغت نسبة المشاركة فيه نحو 42 في المائة. وهذا ما حدا بحكومة مدريد الاتحادية لوصف الاستفتاء بـ«المهزلة». وفي خطاب نادر إلى الأمة عبر التلفزيون، اتهم الملك فيليبي السادس بعد يومين من إجراء الاستفتاء قادة الإقليم بأنهم «بتصرفهم غير المسؤول قد يعرضون للخطر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لكاتالونيا ولإسبانيا بأسرها». وفوراً، دان بويغديمون كلمة الملك واتهم مدريد برفض التجاوب مع دعوات الوساطة في الأزمة.
في أي حال، على الرغم من أنه لم تعرب أي دولة عن استعدادها للاعتراف بدولة كاتالونيا المستقلة، فإن إعلان الاستقلال من جانب واحد سيقحم الدولة الإسبانية في أزمة دستورية. ويمكن للحكومة الاتحادية المركزية أيضاً أن تختار التدخل، ووسط كل هذه الأوضاع يبرز الدور الجدلي لشرطة الإقليم التي رفضت الانصياع لقرارات حكومة مدريد بمنع سكان الإقليم من التصويت في الاستفتاء. ولهذا السبب، اضطرت سلطات مدريد لإرسال تعزيزات من عناصر الشرطة من خارج الإقليم إليه، وقد يكون للجيش الإسباني دور في المرحلة المقبلة لفرض الأمن والقانون في حال تقرر تفعيل المادة 155 في الدستور.
من جهة ثانية، طال الأمر الوضع الاقتصادي أيضاً، وذلك بعد تهديد عدد من المصارف الكبرى بمغادرة الإقليم، وخصوصاً بعد إقرار عدد من المؤسسات المالية والشركات نقل مقراتها من برشلونة إلى مدريد. وهنا نشير إلى أن كاتالونيا، التي تعد من أغنى أقاليم إسبانيا (قرابة 20 في المائة من الاقتصاد الإسباني)، مقر لآلاف الشركات المحلية والأجنبية التي توظف الملايين. وبين المصارف التي قررت بالفعل مغادرة الإقليم بنك ساباديل، خامس أكبر بنوك إسبانيا، حسبما صرح ناطق باسم البنك. كذلك تراجعت أسهم بنك كاتالان ليندر ساباديل، ثاني أكبر بنك في الإقليم، بنحو 10 في المائة هذا الأسبوع مع احتدام السجال، ودعا مديرو بنك ساباديل لاجتماع للإدارة مع وجود مسألة تغيير مقر عمله. وقرر بنك كايكسا، أكبر بنوك كاتالونيا، إخراج مقره من الإقليم أيضاً.
أما على الصعيد الخارجي، فلقد دعا الاتحاد الأوروبي إلى الحوار سبيلاً للخروج من الأزمة، على الرغم من اتهام الزعيم الكاتالوني بويغديمون الملك فيليبي «بالوقوف في صف الحكومة في الأزمة القائمة وتجاهل مطالب سكان إقليم كاتالونيا». وفي حين دافع فرانس تيمرمانس، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، عن حق مدريد في استخدام متناسب للقوة حفاظاً على السلم، فإنه قال: «حان وقت الحوار، وإيجاد السبيل للخروج من المأزق، والعمل ضمن أطر النظام الدستوري في إسبانيا». وذهب المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية بيار موسكوفيتسي أبعد من ذلك، إذ قال إن كاتالونيا «لن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي إذا استقلت عن إسبانيا».
وأضاف أن «الاتحاد الأوروبي لا يعترف سوى بدولة عضو هي إسبانيا». ووصف الأزمة بين سلطات مدريد وبرشلونة بأنها «قضية مؤلمة يجب أن يعالجها الإسبان... الحل لا يمكن أن يكون بالمواجهة بل بالحوار».
أبعاد الأزمة... رياضياً
كرة القدم أيضاً فرضت نفسها على المشهد. فالرياضة ليست بعيدة عن الأزمة، نظراً لاشتهار الإقليم باحتضان أحد أكثر الأندية الكروية شهرة في العالم. وفعلاً، طالب النجم العالمي أندرياس إنييستا، قائد فريق برشلونة، بإجراء حوار بين الحكومة الإسبانية وحكومة إقليم كاتالونيا، في ظل ارتفاع حدة التوتر. وقال إنييستا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي: «لم أعلق علناً على أوضاع معقدة وسط هذه المشاعر المتنوعة، ولكن الوضع الذي نعيشه حالياً يبدو استثنائياً». وأوضح إنييستا أن هناك شيئاً واحداً يجب إدراك أهميته قبل التسبب بمزيد من الضرر... هو الحوار.

طلاق كاتالونيا قد لا يكون الأخير
- لمنطقة كاتالونيا، الواقعة في أقصى شمال شرقي إسبانيا، ويقارب عدد سكانها 7 ملايين و450 ألف نسمة، لغتها الخاصة وتقاليدها وعاداتها الثقافية. وتعود المطالبات باستقلالها عن إسبانيا إلى قرون كثيرة، لكنها عادت إلى الواجهة بقوة في السنوات الأخيرة جراء الأزمة الاقتصادية في إسبانيا وأوروبا.
وسيطرت المخاوف حيال رابع أقوى اقتصاد في أوروبا على تغطية الإعلام الإسباني للأزمة، وعنونت صحيفة «إل باييس» اليومية البارزة أن التراجع في البورصة هو الأسوأ منذ الموافقة على انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي «بريكست». وأعلنت وكالة التصنيف الائتماني العالمية «ستاندرد آند بورز» أنها قد تخفض من تصنيف الدين السيادي في كاتالونيا خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
ولكن من ناحية أخرى، قد لا يكون إقليم كاتالونيا وحده الذي سيطالب بالانفصال خلال المرحلة المقبلة، إذ يشجع هذا الموقف كثيراً من الحركات القومية الانفصالية في إسبانيا إلى انتهاج الطريق نفسها، وخصوصاً بلاد الباسك بأقصى شمال وسط إسبانيا، التي طالما لجأ المتشددون من قومييها إلى السلاح في عمليات إرهابية نفذتها حركة «إيتا». ولبلاد الباسك أيضاً لغتها الخاصة وتاريخها المميز، وهي تنقسم جغرافياً على جانبي الحدود بين فرنسا وإسبانيا.
ثم هناك إقليم الأندلس، بجنوب البلاد، الذي يحتضن القومية الأندلسية، وفيه تنشط حركة سياسية واجتماعية تدعو إلى الاعتراف بإقليم الأندلس في جنوب إسبانيا دولة مستقلة. وتتلخص أهم سمات الحركة الأندلسية التي نشأت في القرن التاسع الميلادي في الانتماء إلى منطقة واحدة تحت اسم أندلوسيا (الأندلس) وأمة واحدة، والمطالبة بحقوق والوقوف في وجه تجاوزات الدولة المركزية. ولكن بقيت إشكالية: هل الأندلسيون يرتبطون فقط بمصالح متصلة بمنطقتهم؟ أم أنهم يكونون قومية تختلف عن كل القوميات الأخرى بخاصيات مميزة؟



تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،