شينزو آبي... سياسي محنّك بالفطرة والوراثة

يأمل في إنجاز إضافي بعد الانتخابات اليابانية العامة

شينزو آبي... سياسي محنّك بالفطرة والوراثة
TT

شينزو آبي... سياسي محنّك بالفطرة والوراثة

شينزو آبي... سياسي محنّك بالفطرة والوراثة

تعيش اليابان حالياً أجواء حملة انتخابية بعد إقدام رئيس الوزراء شينزو آبي على حلّ البرلمان (الداييت)، والدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة وعاجلة يوم 22 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري يأمل منها في تعزيز قبضة حزبه المحافظ، الحزب الديمقراطي الحر، على السلطة وإطلاق يده في سلسلة تدابير يراها مهمة في المرحلة الراهنة من تاريخ البلاد. غير أن أحدث استطلاعات الرأي التي أخذت قبل أقل من أسابيع من موعد الاقتراع تعطي مؤشرات إلى أنه يواجه منافسة شديدة قد تحرمه الغالبية المطلقة يشكلها الليبرالي يوكيو إيدانو، كبير أمناء الحكومة السابق وزعيم حزب الديمقراطيين الدستوريين، ومنافسته الأخرى يوريكو كويكي عمدة العاصمة طوكيو التي تقود حزبها الجديد حزب الأمل.
للديمقراطية في اليابان نكهة خاصة. إنها نكهة يابانية تجمع التقاليد بالتطور، ومساومات العائلات السياسية بصناديق الاقتراع.
المعجزة الاقتصادية اليابانية بناها الاستقرار السياسي بعد ولادة الحزب الديمقراطي الحر في عقد الخمسينات من اندماج حزبين يمينيين في عز احتدام الحرب الباردة بين الشيوعية والرأسمالية، ومواجهة «الشرق والغرب» التي فرزت عدداً من دول الشرق الأقصى وشهدت الهيمنة الشيوعية على عدد من الدول بعد انتصارها في الصين. وحقاً، أسس الحزب الديمقراطي الحر رسمياً عام 1955 باندماج الحزب الليبرالي – أو الحزب الحر – بزعامة يوشيدا والحزب الديمقراطي بزعامة إيتشيرو هاتوياما ونوبوسوكي كيشي، وكانت ثمرة تلاقي الحزبين اليمينيين المناوئين للشيوعية في شرق آسيا الحزب الديمقراطي الحر، الذي احتكر عملياً، أو كاد، المشهد السياسي في اليابان حتى اليوم.
لقد قدّم هذا الحزب «المؤسساتي» الكبير معظم رجال الدولة الذين قادوا اليابان نحو نصف قرن من الزمن، وعبر عن مصالح مؤسسات الأعمال والشركات الكبرى، بجانب الهوية الثقافية لليابان التي تقدمت عبر الإصلاح التدريجي لا الثورة الراديكالية.
ومن ثم، باستثناء حالات اعتراضية نجم بعضها عن فضائح مالية أو مسلكية، أو تبدل عابر في مزاج الناخبين، انحصر الصراع داخل الساحة السياسية اليابانية بين عدة أجنحة داخل الحزب نفسه تتصرف ككتل تقودها شخصيات، بل عائلات، متمكنة تجيد الموازنة بين المصالح الانتخابية والعافية الاقتصادية والولاء الحزبي.

بطاقة هوية
شينزو آبي، رئيس وزراء الحالي، الذي بات يوم 26 ديسمبر (كانون الأول) 2012 أول رئيس وزراء في «يابان ما بعد الاحتلال الأميركي» (إثر نهاية الحرب العالمية الثانية) يتولى الحكم في فترتين منفصلتين، ابن إحدى العائلات السياسية العريقة في اليابان. فهو لجهة الأب ابن شينتارو آبي، وزير الخارجية الأسبق (بين 1982 1986) وزعيم ثاني أكبر أجنحة الحزب الديمقراطي الحر، وحفيد السياسي والبرلماني القديم البارز كان آبي (والد شينتارو). ولجهة الأم فإن أمه يوكو كيشي ابنة رئيس الوزراء الأسبق نوبوسوكي كيشي (حكم بين 1957 و1960)، وعمها رئيس الوزراء الأسبق وحامل جائزة نوبل للسلام إيساكو ساتو (حكم بين 1964 و1972).
ولد شينزو آبي في العاصمة اليابانية طوكيو يوم 21 سبتمبر (أيلول) عام 1954. لعائلة سياسية عريقة وذات نفوذ كبير وقديم في إقليم ياماغوتشي، بجنوب جزيرة هونشو كبرى جزر الأرخبيل الياباني، وهذا الجزء من البلاد أعطاها عدداً لافتاً من كبار ساستها وقادتها البارزين.
تلقى آبي تعليمه في مدارس سايكاي الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ثم التحق بجامعة سايكاي الراقية في طوكيو حيث تخرج بشهادة بكالوريوس في العلوم السياسية عام 1977. ثم تابع لفترة قصيرة دراسات عليا في الإدارة العامة بجامعة كاليفورنيا الجنوبية في مدينة لوس أنجليس الأميركية.
عام 1979 عمل في شركة كوبي ستيل للفولاذ، ثم بدأ مسيرته السياسية عام 1982 عندما شغل بعض المناصب بينها مساعد تنفيذي لوزير الخارجية وسكرتير خاص لرئيس مجلس الحزب الديمقراطي الحر وسكرتير خاص لأمين عام الحزب.
وفي عام 1993 انتخب آبي نائباً في مجلس النواب عن الدائرة الانتخابية البرلمانية الأولى في إقليم ياماغوتشي، معقل عائلته، وذلك في أعقاب وفاة والده عام 1991. وعام 1999 صار مدير قسم الشؤون الاجتماعية ونائباً لأمين مجلس الوزراء في حكومتي يوشيرو موري وجونيتشيرو كويزومي. وفي عام 2003 عيّن أميناً عاماً للحزب الديمقراطي الحر. وكان موري قد قاد الجناح الحزبي الذي كان يتزعمه أبوه شينتارو آبي، كما كان كويزومي لفترة من الفترات أحد أركانه قبل أن يغادره.

في القمة
يوم 20 سبتمبر 2006 انتخب شينزو آبي رئيساً للحزب بعدما انسحب لصالحه ياسوو فوكودا (ابن الجناح الحزبي نفسه، جناح فوكودا – آبي – موري)، ونافسه تارو آسو وساداكازو تانيغاكي. وبعد ستة أيام اختير رئيساً للوزراء عندما كان له من العمر 52 سنة، فبات أصغر مَن يحتل المنصب منذ الأمير فوميمارو كونويه عام 1941.
إلا أن آبي اضطر للاستقالة خلال أقل من سنة، يوم 12 سبتمبر 2007 لأسباب صحية إذ عانى من التهابات تقرّحية في القولون، وتفاقم الوضع مع التدني الكبير في شعبية حكومته وتعرض الحزب الديمقراطي الحر لنكسة كبرى في انتخابات المجلس الأعلى (مجلس المستشارين) في البرلمان حيث فقد غالبيته لأول مرة منذ 52 سنة، وكذلك هزت حكومته فضيحتان لاثنين من وزرائه. وفي نهاية المطاف أعلن قرار الاستقالة. وعند هذه النقطة تخيل كثيرون من المحللين والمتابعين أن هذه المحطة ستكون نهاية مسيرة آبي السياسية، لا سيما أنه لم يسبق لرئيس وزراء ياباني أن عاد إلى المنصب بعد مغادرته منذ بداية مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ولقد خلفه في المنصب حليفه ومنافسه السابق ياسوو فوكودا، مستهلاً مرحلة شهدت تولي المنصب خمسة رؤساء وزارات لم يستمر أحد منهم لأكثر من 16 شهراً. وبعدها سجل آبي سابقة لافتة في الحياة السياسية المعاصرة في البلاد.
العودة التاريخية للحكم
أيضاً في شهر سبتمبر، الذي لعب دوراً بارزاً في حياة آبي، وبالتحديد يوم 12 سبتمبر من عام 2012، تغلب آبي على منافسه على زعامة الحزب الديمقراطي الحر وزير الدفاع السابق شيغيرو إيشيبا. ومن ثم، على إثر الانتصار الانتخابي الكاسح للحزب في الانتخابات العامة التالية، غدا آبي أول رئيس وزراء ياباني يستعيد منصبه بعد السياسي «الداهية» شيغيرو يوشيدا عام 1948.
وبعد ذلك، أعيد انتخابه للمرة الثالثة في الانتخابات العامة التي أجريت عام 2014 ومعها استطاع الديمقراطيون الأحرار تحت قيادة آبي الاحتفاظ بغالبية ثلثي مقاعد البرلمان مع حليفهم حزب كوميتو البوذي.
سياسات آبي
تقليدياً اتبع شينزو آبي سياسات محافظة وجريئة في مختلف المجالات، وكشف سواء في فترة حكمه الأولى، وأكثر بعدما عاد إلى السلطة سياسياً مخضرماً ومجرباً عن مزيج عملي وواقعي من الصلابة والمرونة، والقدرة على التأقلم مع المتغيرات.
ففي مجال السياسة الداخلية عرفت عنه مواقفه المحافظة في موضوع الوراثة الإمبراطورية المثيرة للجدل وتخليه عن مشروع قانون يتيح للإناث تولي العرش، كما كان مع تيار الساسة اليمينيين الحريصين على تعزيز عنصر الوطنية في مناهج التعليم. وفي فترته التالية في السلطة بعد عودته إلى الحكم اهتم بتعزيز السياسة التعليمية وإنشاء برنامج التميز العالمي في التعليم الجامعي بما فيه اجتذاب طلبة من مختلف أنحاء العالم إلى الجامعات اليابانية.
وأيضاً اهتم بالجوانب الاجتماعية ولا سيما رصد مبالغ لتشجيع الإقبال على الزواج لمعالجة مشكلة تراجع النمو السكاني في البلاد.

أهمية الاقتصاد
وفي مجال الاقتصاد فإنه إبان فترة حكمه الأولى سار على نهج سلفه كويزومي، واتبع إصلاحاته في السياسة النقدية وموازنة الميزانية العامة. وفي الفترة الثانية من حكمه المستمرة حتى اليوم أطلق سلسلة إجراءات اقتصادية عرفت بالـ«آبينوميكس» (اقتصاد آبي) التي تستنهض الاقتصاد وتحفز وتسعى أساساً على تحاشي الكساد والركود. واتسمت إجراءاته بثلاث أولويات رئيسة، هي: التوسع النقدي لتحقيق معدل تضخم بحدود 2%، وسياسة نقدية مرنة تحفز الاقتصاد في المدى القصير، واستراتيجية نمو تقوم على إصلاحات في القطاعين العام والخاص تؤمن النمو على المدى الطويل.

السياسة الخارجية
سياسات آبي الدولية شكلت وما زالت تشكل تكاملاً مع منظوره العام المحافظ، وتتكامل مع مبادئ الحزب الديمقراطي الحر وما يراه الحزب والطبقة الحاكمة في صلب المصالح الوطنية لليابان في عالم متغير يفرز تحولات دائمة.
في الملف الكوري الشمالي عرف عن آبي تشدده ومبدئيته في الدفاع عام 2002 عن مصالح اليابانيين المحتجزين في كوريا الشمالية. وفي المقابل، اتسمت مقارباته السياسية الإقليمية في شرق آسيا بالاهتمام الشديد بالأمن الإقليمي والشراكة الأمنية، وفي هذا السياق فإنه يقدر عالياً العلاقات مع كوريا الجنوبية. وبالنسبة للموضوع الصيني فإنه قارب «الجار» العملاق بواقعية شديدة ورغبة بالتعايش والاستفادة بصرف النظر عن العواطف والاختلاف بين طبيعتي النظام الياباني ونظام بكين. وفي هذا السياق فإنه تحاشى زيارة تايوان، التي سبق أن زارها جده نوبوسوكي كيشي عندما كان رئيساً للوزراء في منتصف عقد الخمسينات من القرن الماضي. وأما عن العلاقات مع العملاق الآسيوي الثاني، الهند، فإن آبي نشط إبان فترتي حكمه الأولى والثانية – الحالية – في تطوير العلاقات الثنائية بين طوكيو ونيودلهي من دون أن تستهدف عزل الصين. وفي هذا السياق عزز التعاون الاستراتيجي مع الهند، كما أطلق عام 2007 «الحوار الأمني الرباعي» بين اليابان والولايات المتحدة والهند وأستراليا. وحسب المتابعين وفق هذا المنظر فإن رئيس الوزراء الياباني عبر حرصه على توسيع إطار هذا «الحوار» ليشمل كوريا الجنوبية وإندونيسيا والفلبين وفيتنام يسعى عملياً إلى بناء منظومة على غرار حلف شمال الأطلسي «ناتو» في الشرق الأقصى مع ما في ذلك من احتمالات سوء فهم مع بكين، ولا سيما في ضوء الخلاف المتعدد الأضلاع في بحر الصين الجنوبي حول جزر سبراتلي المتنازع على ملكيتها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن آبي من مؤيدي إعادة تعريف الشق الأمني وفق نصوص الدستور الياباني ولا سيما المادة 9 من الدستور حول وجود قوات مسلحة. ويسجل له أنه إبان فترة حكمه الأولى رفع مستوى «الوكالة اليابانية للدفاع» إلى وزارة. وهو من أشد المتحمسين للتحالف العسكري مع الولايات المتحدة. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2013 أعلن آبي خطة سنوات خمس للتوسع العسكري تهدف إلى جعل اليابان – حسب تعبيره – دولة «طبيعية» قادرة على الدفاع عن نفسها بعيداً عن هواجس الحرب العالمية الثانية.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».