شينزو آبي... سياسي محنّك بالفطرة والوراثة

يأمل في إنجاز إضافي بعد الانتخابات اليابانية العامة

شينزو آبي... سياسي محنّك بالفطرة والوراثة
TT

شينزو آبي... سياسي محنّك بالفطرة والوراثة

شينزو آبي... سياسي محنّك بالفطرة والوراثة

تعيش اليابان حالياً أجواء حملة انتخابية بعد إقدام رئيس الوزراء شينزو آبي على حلّ البرلمان (الداييت)، والدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة وعاجلة يوم 22 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري يأمل منها في تعزيز قبضة حزبه المحافظ، الحزب الديمقراطي الحر، على السلطة وإطلاق يده في سلسلة تدابير يراها مهمة في المرحلة الراهنة من تاريخ البلاد. غير أن أحدث استطلاعات الرأي التي أخذت قبل أقل من أسابيع من موعد الاقتراع تعطي مؤشرات إلى أنه يواجه منافسة شديدة قد تحرمه الغالبية المطلقة يشكلها الليبرالي يوكيو إيدانو، كبير أمناء الحكومة السابق وزعيم حزب الديمقراطيين الدستوريين، ومنافسته الأخرى يوريكو كويكي عمدة العاصمة طوكيو التي تقود حزبها الجديد حزب الأمل.
للديمقراطية في اليابان نكهة خاصة. إنها نكهة يابانية تجمع التقاليد بالتطور، ومساومات العائلات السياسية بصناديق الاقتراع.
المعجزة الاقتصادية اليابانية بناها الاستقرار السياسي بعد ولادة الحزب الديمقراطي الحر في عقد الخمسينات من اندماج حزبين يمينيين في عز احتدام الحرب الباردة بين الشيوعية والرأسمالية، ومواجهة «الشرق والغرب» التي فرزت عدداً من دول الشرق الأقصى وشهدت الهيمنة الشيوعية على عدد من الدول بعد انتصارها في الصين. وحقاً، أسس الحزب الديمقراطي الحر رسمياً عام 1955 باندماج الحزب الليبرالي – أو الحزب الحر – بزعامة يوشيدا والحزب الديمقراطي بزعامة إيتشيرو هاتوياما ونوبوسوكي كيشي، وكانت ثمرة تلاقي الحزبين اليمينيين المناوئين للشيوعية في شرق آسيا الحزب الديمقراطي الحر، الذي احتكر عملياً، أو كاد، المشهد السياسي في اليابان حتى اليوم.
لقد قدّم هذا الحزب «المؤسساتي» الكبير معظم رجال الدولة الذين قادوا اليابان نحو نصف قرن من الزمن، وعبر عن مصالح مؤسسات الأعمال والشركات الكبرى، بجانب الهوية الثقافية لليابان التي تقدمت عبر الإصلاح التدريجي لا الثورة الراديكالية.
ومن ثم، باستثناء حالات اعتراضية نجم بعضها عن فضائح مالية أو مسلكية، أو تبدل عابر في مزاج الناخبين، انحصر الصراع داخل الساحة السياسية اليابانية بين عدة أجنحة داخل الحزب نفسه تتصرف ككتل تقودها شخصيات، بل عائلات، متمكنة تجيد الموازنة بين المصالح الانتخابية والعافية الاقتصادية والولاء الحزبي.

بطاقة هوية
شينزو آبي، رئيس وزراء الحالي، الذي بات يوم 26 ديسمبر (كانون الأول) 2012 أول رئيس وزراء في «يابان ما بعد الاحتلال الأميركي» (إثر نهاية الحرب العالمية الثانية) يتولى الحكم في فترتين منفصلتين، ابن إحدى العائلات السياسية العريقة في اليابان. فهو لجهة الأب ابن شينتارو آبي، وزير الخارجية الأسبق (بين 1982 1986) وزعيم ثاني أكبر أجنحة الحزب الديمقراطي الحر، وحفيد السياسي والبرلماني القديم البارز كان آبي (والد شينتارو). ولجهة الأم فإن أمه يوكو كيشي ابنة رئيس الوزراء الأسبق نوبوسوكي كيشي (حكم بين 1957 و1960)، وعمها رئيس الوزراء الأسبق وحامل جائزة نوبل للسلام إيساكو ساتو (حكم بين 1964 و1972).
ولد شينزو آبي في العاصمة اليابانية طوكيو يوم 21 سبتمبر (أيلول) عام 1954. لعائلة سياسية عريقة وذات نفوذ كبير وقديم في إقليم ياماغوتشي، بجنوب جزيرة هونشو كبرى جزر الأرخبيل الياباني، وهذا الجزء من البلاد أعطاها عدداً لافتاً من كبار ساستها وقادتها البارزين.
تلقى آبي تعليمه في مدارس سايكاي الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ثم التحق بجامعة سايكاي الراقية في طوكيو حيث تخرج بشهادة بكالوريوس في العلوم السياسية عام 1977. ثم تابع لفترة قصيرة دراسات عليا في الإدارة العامة بجامعة كاليفورنيا الجنوبية في مدينة لوس أنجليس الأميركية.
عام 1979 عمل في شركة كوبي ستيل للفولاذ، ثم بدأ مسيرته السياسية عام 1982 عندما شغل بعض المناصب بينها مساعد تنفيذي لوزير الخارجية وسكرتير خاص لرئيس مجلس الحزب الديمقراطي الحر وسكرتير خاص لأمين عام الحزب.
وفي عام 1993 انتخب آبي نائباً في مجلس النواب عن الدائرة الانتخابية البرلمانية الأولى في إقليم ياماغوتشي، معقل عائلته، وذلك في أعقاب وفاة والده عام 1991. وعام 1999 صار مدير قسم الشؤون الاجتماعية ونائباً لأمين مجلس الوزراء في حكومتي يوشيرو موري وجونيتشيرو كويزومي. وفي عام 2003 عيّن أميناً عاماً للحزب الديمقراطي الحر. وكان موري قد قاد الجناح الحزبي الذي كان يتزعمه أبوه شينتارو آبي، كما كان كويزومي لفترة من الفترات أحد أركانه قبل أن يغادره.

في القمة
يوم 20 سبتمبر 2006 انتخب شينزو آبي رئيساً للحزب بعدما انسحب لصالحه ياسوو فوكودا (ابن الجناح الحزبي نفسه، جناح فوكودا – آبي – موري)، ونافسه تارو آسو وساداكازو تانيغاكي. وبعد ستة أيام اختير رئيساً للوزراء عندما كان له من العمر 52 سنة، فبات أصغر مَن يحتل المنصب منذ الأمير فوميمارو كونويه عام 1941.
إلا أن آبي اضطر للاستقالة خلال أقل من سنة، يوم 12 سبتمبر 2007 لأسباب صحية إذ عانى من التهابات تقرّحية في القولون، وتفاقم الوضع مع التدني الكبير في شعبية حكومته وتعرض الحزب الديمقراطي الحر لنكسة كبرى في انتخابات المجلس الأعلى (مجلس المستشارين) في البرلمان حيث فقد غالبيته لأول مرة منذ 52 سنة، وكذلك هزت حكومته فضيحتان لاثنين من وزرائه. وفي نهاية المطاف أعلن قرار الاستقالة. وعند هذه النقطة تخيل كثيرون من المحللين والمتابعين أن هذه المحطة ستكون نهاية مسيرة آبي السياسية، لا سيما أنه لم يسبق لرئيس وزراء ياباني أن عاد إلى المنصب بعد مغادرته منذ بداية مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ولقد خلفه في المنصب حليفه ومنافسه السابق ياسوو فوكودا، مستهلاً مرحلة شهدت تولي المنصب خمسة رؤساء وزارات لم يستمر أحد منهم لأكثر من 16 شهراً. وبعدها سجل آبي سابقة لافتة في الحياة السياسية المعاصرة في البلاد.
العودة التاريخية للحكم
أيضاً في شهر سبتمبر، الذي لعب دوراً بارزاً في حياة آبي، وبالتحديد يوم 12 سبتمبر من عام 2012، تغلب آبي على منافسه على زعامة الحزب الديمقراطي الحر وزير الدفاع السابق شيغيرو إيشيبا. ومن ثم، على إثر الانتصار الانتخابي الكاسح للحزب في الانتخابات العامة التالية، غدا آبي أول رئيس وزراء ياباني يستعيد منصبه بعد السياسي «الداهية» شيغيرو يوشيدا عام 1948.
وبعد ذلك، أعيد انتخابه للمرة الثالثة في الانتخابات العامة التي أجريت عام 2014 ومعها استطاع الديمقراطيون الأحرار تحت قيادة آبي الاحتفاظ بغالبية ثلثي مقاعد البرلمان مع حليفهم حزب كوميتو البوذي.
سياسات آبي
تقليدياً اتبع شينزو آبي سياسات محافظة وجريئة في مختلف المجالات، وكشف سواء في فترة حكمه الأولى، وأكثر بعدما عاد إلى السلطة سياسياً مخضرماً ومجرباً عن مزيج عملي وواقعي من الصلابة والمرونة، والقدرة على التأقلم مع المتغيرات.
ففي مجال السياسة الداخلية عرفت عنه مواقفه المحافظة في موضوع الوراثة الإمبراطورية المثيرة للجدل وتخليه عن مشروع قانون يتيح للإناث تولي العرش، كما كان مع تيار الساسة اليمينيين الحريصين على تعزيز عنصر الوطنية في مناهج التعليم. وفي فترته التالية في السلطة بعد عودته إلى الحكم اهتم بتعزيز السياسة التعليمية وإنشاء برنامج التميز العالمي في التعليم الجامعي بما فيه اجتذاب طلبة من مختلف أنحاء العالم إلى الجامعات اليابانية.
وأيضاً اهتم بالجوانب الاجتماعية ولا سيما رصد مبالغ لتشجيع الإقبال على الزواج لمعالجة مشكلة تراجع النمو السكاني في البلاد.

أهمية الاقتصاد
وفي مجال الاقتصاد فإنه إبان فترة حكمه الأولى سار على نهج سلفه كويزومي، واتبع إصلاحاته في السياسة النقدية وموازنة الميزانية العامة. وفي الفترة الثانية من حكمه المستمرة حتى اليوم أطلق سلسلة إجراءات اقتصادية عرفت بالـ«آبينوميكس» (اقتصاد آبي) التي تستنهض الاقتصاد وتحفز وتسعى أساساً على تحاشي الكساد والركود. واتسمت إجراءاته بثلاث أولويات رئيسة، هي: التوسع النقدي لتحقيق معدل تضخم بحدود 2%، وسياسة نقدية مرنة تحفز الاقتصاد في المدى القصير، واستراتيجية نمو تقوم على إصلاحات في القطاعين العام والخاص تؤمن النمو على المدى الطويل.

السياسة الخارجية
سياسات آبي الدولية شكلت وما زالت تشكل تكاملاً مع منظوره العام المحافظ، وتتكامل مع مبادئ الحزب الديمقراطي الحر وما يراه الحزب والطبقة الحاكمة في صلب المصالح الوطنية لليابان في عالم متغير يفرز تحولات دائمة.
في الملف الكوري الشمالي عرف عن آبي تشدده ومبدئيته في الدفاع عام 2002 عن مصالح اليابانيين المحتجزين في كوريا الشمالية. وفي المقابل، اتسمت مقارباته السياسية الإقليمية في شرق آسيا بالاهتمام الشديد بالأمن الإقليمي والشراكة الأمنية، وفي هذا السياق فإنه يقدر عالياً العلاقات مع كوريا الجنوبية. وبالنسبة للموضوع الصيني فإنه قارب «الجار» العملاق بواقعية شديدة ورغبة بالتعايش والاستفادة بصرف النظر عن العواطف والاختلاف بين طبيعتي النظام الياباني ونظام بكين. وفي هذا السياق فإنه تحاشى زيارة تايوان، التي سبق أن زارها جده نوبوسوكي كيشي عندما كان رئيساً للوزراء في منتصف عقد الخمسينات من القرن الماضي. وأما عن العلاقات مع العملاق الآسيوي الثاني، الهند، فإن آبي نشط إبان فترتي حكمه الأولى والثانية – الحالية – في تطوير العلاقات الثنائية بين طوكيو ونيودلهي من دون أن تستهدف عزل الصين. وفي هذا السياق عزز التعاون الاستراتيجي مع الهند، كما أطلق عام 2007 «الحوار الأمني الرباعي» بين اليابان والولايات المتحدة والهند وأستراليا. وحسب المتابعين وفق هذا المنظر فإن رئيس الوزراء الياباني عبر حرصه على توسيع إطار هذا «الحوار» ليشمل كوريا الجنوبية وإندونيسيا والفلبين وفيتنام يسعى عملياً إلى بناء منظومة على غرار حلف شمال الأطلسي «ناتو» في الشرق الأقصى مع ما في ذلك من احتمالات سوء فهم مع بكين، ولا سيما في ضوء الخلاف المتعدد الأضلاع في بحر الصين الجنوبي حول جزر سبراتلي المتنازع على ملكيتها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن آبي من مؤيدي إعادة تعريف الشق الأمني وفق نصوص الدستور الياباني ولا سيما المادة 9 من الدستور حول وجود قوات مسلحة. ويسجل له أنه إبان فترة حكمه الأولى رفع مستوى «الوكالة اليابانية للدفاع» إلى وزارة. وهو من أشد المتحمسين للتحالف العسكري مع الولايات المتحدة. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2013 أعلن آبي خطة سنوات خمس للتوسع العسكري تهدف إلى جعل اليابان – حسب تعبيره – دولة «طبيعية» قادرة على الدفاع عن نفسها بعيداً عن هواجس الحرب العالمية الثانية.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.