حسن السبع... ثقافة تفقد بهجتها

مثل أنموذجاً نادراً في المشهد الأدبي السعودي

حسن السبع
حسن السبع
TT

حسن السبع... ثقافة تفقد بهجتها

حسن السبع
حسن السبع

قد لا يتذكر البعض من الشاعر والكاتب السعودي حسن السبع، الذي رحل قبل أيام، سوى خفة ظله وضحكته المجلجلة. لكن أولئك هم الذين لم يعرفوه حقاً: لم يعرفوه شاعراً مبدعاً وكاتباً جاداً واسع المعرفة آسر الأسلوب. ومع ذلك فإن أولئك الذين سيتذكرون خفة ظل أبي نزار فقط لن يخطئوا تماماً، لأن حدة التجهم التي تكاد تهيمن على المشهد الثقافي، إما نتيجة أوضاع تبعث على الأسى حقاً وإما نتيجة للعجز عن اكتشاف الجوانب المضيئة بالبهجة والتفاؤل، هي التي كانت تجتذب أولئك وغيرهم إذ تبرز قدرة السبع، رحمه الله، على الخروج على النمط السائد في المشهد بخفة ظل وسخرية تضحك الكثيرين بينما هي تحمل عمق الرؤية وصدق الشعور.
لقد مثل حسن السبع المولود في سيهات بالمنطقة الشرقية من المملكة عام 1948 أنموذجاً نادراً في المشهد الأدبي السعودي من خلال أدبه الساخر وخفة ظله وجمعه ذلك مع جدية واتساع في الرؤية عند تناول مختلف القضايا التي تعج بها المشاهد الثقافية بدوائرها ومستوياتها المتعددة. شعره اتسع للرؤية الكوميدية الساخرة، من ناحية، وللمواقف الإنسانية المأسوية، من ناحية أخرى. سيتذكر البعض مجموعته «ركلات ترجيح» التي صدرت عام 2003 عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي التي زخرت بنصوص شعرية تنظر في المواقف الإنسانية الباعثة على الضحك بكوميديا لاذعة وخفيفة الظل في الآن نفسه. وكان السبع في أحد لقاءاته الأخيرة في صالون الشاعرة بديعة كشغري بجدة قد ألقى بعض قصائده من ذلك الديوان وسط حضور ثقافي وإعلامي كثيف، مذكراً الحاضرين بشعراء سعوديين ساخرين ومن أبناء المنطقة الغربية في المملكة مثل أحمد قنديل، من شعراء الرعيل الأول. يقول في واحدة من تلك الركلات:
مكشر لم يبتسم مرة
قد بز بالتكشير أركانه
له فم لكنه موصد
لا تنسف النكتة أركانه
يحاذر الضحك وأسبابه
خشية أن يفقد أسنانه
لكن تلك الروح الضاحكة كانت تتوارى كثيراً حين يمْثُل العالم من زوايا أقل ابتساماً وأكثر انشغالاً بالألم والعشق والغياب في مجموعات أخرى مثل «زيتها وسهر القناديل» و«حديقة الزمن الآتي». يقول السبع في نص من «حديقة الزمن الآتي»:
كيف تبدأ هذا الصباح
إذا طفلة نكثتْ غزْلهَا
ثم ألقتْ ضفائرها للرياحْ
وارتَدَتْ حلة من حرير الأقاحْ...
وأفاضتْ إلى بائع الياسمين...
منحته التحية:
«عِمْتَ صباحاً»
ومرَّتْ على القلبِ
هذا الرصيف المباحْ
هذا القلق من مرور الجمال الراحل أبداً يتكرر في قصيدة بعنوان «نصف الضجيج» من المجموعة الأخرى «زيتها وسهر القناديل»:
يصطادني نصفُ اقترابكِ
كلَّما رفَّ الذي في القلبِ أجلت انسكابَهْ
لأغيبَ في نصفِ الضجيجِ
وفي كلامٍ ناشبٍ في الحلقِ
في نصفِ الكتابَهْ
في شعرية القصائد التي أثرى بها السبع المشهد الشعري السعودي والعربي الكثير من نصف الاقتراب المرتسم هنا. نصف الاقتراب بما هو تمنع القصيدة عن الانقياد السهل للقارئ العجول، مطالبتها إياه بالتأمل في غنائية عذبة وأحياناً في عمق ثقافي قد لا يتأتى لكثير من القراء.
عرف السبع بثقافة تراثية واسعة لا سيما في أدب وشخصيات من عصور الأدب العربي السابقة يقل المعنيون بها: أبو دلامة، دعبل الخزاعي، أبو الشمقمق، وإلى جانبهم مشهورون مثل أبي العلاء المعري والعباس بن الأحنف وبشار بن برد وأبو الفرج الأصفهاني. نسج السبع حول أولئك نصوصاً تتقرى سماتهم ضمن ظروف عصورهم، كما في هذه الصورة للعباس بن الأحنف التي كان يمكن أن تكون لحسن السبع نفسه:
ينسج الوهمُ ظلَّهُ...
في ليالٍ بلا صباحْ
كلَّما اغتاله الهوى
في كمينٍ من المِلاحْ
وهبَ القلبَ باقة
للأعاصير والجراحْ
وتشظَّى مردداً:
«ما على
عاشقٍ
جُناحْ».
لكن تلك الثقافة التراثية لم تقف عند حدود الشعر بل تعدتها إلى السرد فكانت آخر أعمال حسن السبع رواية «ليالي عنان» التي تتمحور حول إحدى الشخصيات التي عايشها الكاتب من خلال كتاب الأغاني بشكل خاص فتخيل نفسه في عالم تلك الجارية العباسية التي سبق أن كتب حولها قصيدة جميلة تقول أسطرها الأخيرة في وصف يلمس مأساة تلك الجارية الموهوبة من خلال نهايتها المفاجئة:
وارتدت حلَّة من عراء الظهيرة
ليست ككل الثيابْ
ثم أفضتْ إلى نهر دجلة
صارت قطوفُ المدينة من كفها دانيهْ
كل ما في المدينة طوعُ يديها
ولكنها لم تزل جاريهْ!
تلك القراءة الإنسانية لم تتبلور سوى من رؤية رحبة ترى في العالم ما يستدعي السخرية والضحك وما يستدر الأسى والبكاء، وقليلون هم من امتلكوا القدرة على الإبداع على كلا المستويين واستطاعوا مع ذلك كله أن يكونوا في صلاتهم بالناس في اقتراب كامل وليس نصف اقتراب.



وزير الثقافة السعودي يلتقي مبتعثي «صناعة المانجا» في اليابان

وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
TT

وزير الثقافة السعودي يلتقي مبتعثي «صناعة المانجا» في اليابان

وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)
وزير الثقافة السعودي مع عدد من الطلاب المبتعثين وقيادات هيئة الأدب والنشر والترجمة وشركة «مانجا للإنتاج» (واس)

حث الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي رئيس مجلس إدارة هيئة الأدب والنشر والترجمة، السبت، الطلاب المبتعثين في برنامج أسس صناعة القصص المصورة «المانجا» في اليابان، على أهمية التأهيل العلمي والأكاديمي في التخصصات الثقافية للإسهام بعد تخرجهم في رحلة تطوير المنظومة الثقافية في بلادهم.

وأكد الأمير بدر بن عبد الله، خلال لقائه عدداً من الطلاب المبتعثين في مقر إقامته في طوكيو، دعم القيادة السعودية لكل ما من شأنه تنمية القدرات البشرية في المجالات كافة.

ويُقام البرنامج التدريبي بالتعاون بين هيئة الأدب والنشر والترجمة، وشركة «مانجا للإنتاج»، التابعة لمؤسسة محمد بن سلمان «مسك»، الذي يستهدف موهوبي فن المانجا ضمن برنامج تدريبي احترافي باستخدام التقنيات اليابانية؛ منبع هذا الفن.

حضر اللقاء الدكتور محمد علوان الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة، والدكتور عصام بخاري الرئيس التنفيذي لشركة «مانجا للإنتاج»، وعددٌ من الطلاب والطالبات المبتعثين لدراسة فن المانجا في أكاديمية كادوكاوا، إحدى أكبر الأكاديميات في اليابان، التي تهتم بتدريب واستقطاب الخبرات والمهتمين بصناعة القصص المصورة.

يشار إلى أن البرنامج التدريبي يتضمن 3 مراحل رئيسية، بدءاً من ورش العمل الافتراضية التي تقدم نظرةً عامة حول مراحل صناعة القصص المصورة، تليها مرحلة البرنامج التدريبي المكثّف، ومن ثم ابتعاث المتدربين إلى اليابان للالتحاق بأكاديمية كادوكاوا الرائدة في مجال صناعة المانجا عالمياً.

كما تم ضمن البرنامج إطلاق عدد من المسابقات المتعلقة بفن المانجا، وهي مسابقة «منجنها» لتحويل الأمثلة العربية إلى مانجا، ومسابقة «مانجا القصيد» لتحويل القصائد العربية إلى مانجا، ومؤخراً بالتزامن مع عام الإبل 2024 أُطلقت مسابقة «مانجا الإبل» للتعبير عن أصالة ورمزية الإبل في الثقافة السعودية بفن المانجا.

وتجاوز عدد المستفيدين من البرنامج 1850 متدرباً ومتدربة في الورش الافتراضية، وتأهل منهم 115 للبرنامج التدريبي المكثّف، أنتجوا 115 قصة مصورة، وابتُعث 21 متدرباً ومتدربة إلى اليابان؛ لصقل مواهبهم على أيدي خُبراء في هذا الفن، إضافة إلى استقبال 133 مشاركة في مسابقة «منجنها»، وما يزيد على 70 مشاركة في مسابقة «مانجا القصيد»، وأكثر من 50 مشاركة في «مانجا الإبل».

يذكر أن هيئة الأدب والنشر والترجمة تقدم برنامج أسس صناعة القصص المصورة «المانجا» بالتعاون مع شركة «مانجا للإنتاج»، بهدف تأسيس جيل مهتم بمجال صناعة المانجا، وصقل مهارات الموهوبين، ودعم بيئة المحتوى الإبداعي في المملكة.