في الحياة الواحدة ثمة حيوات كثيرة

في الحياة الواحدة ثمة حيوات كثيرة
TT

في الحياة الواحدة ثمة حيوات كثيرة

في الحياة الواحدة ثمة حيوات كثيرة

في الحياة الواحدة ثمة حيوات كثيرة نعيشها وربما لا ندركها أبدا. يخيل لنا باستمرار أن حياتنا وحدة متكاملة غير متغايرة مع نفسها من المهد إلى اللحد، والحال أننا نعيش تغايرا ضمن هذه الوحدة وحدة الأنا... سألني صديق عن أهم كتاب قرأته، أي النص الذي صحبني سنوات. قلت هناك كتب بعدد الحيوات التي عشتها بل هي علامة هذه التحولات.
وهذه الكتب كان لها دور دينامي في عبوري من حياة لأخرى، لأن النص الحقيقي أو الكتاب الحقيقي هو ذاك الذي وبعد أن تنتهي من قراءته وتضعه جانباً يستمر معك وبالتالي لا تعود أنت بالضبط الذي كنته قبل مباشرتك قراءته.
هكذا في رأيي تتحدد قيمة النصوص الكبرى بمدى استمرارها معنا، وهي في الأثناء تفعل شيئاً فينا، وبالتالي في مصيرنا... هل أستعير لغة الإنثربولوجيين وأقول الكتاب الذي تأثرت به هو ذاك الذي لعب دور طقس تحول وعبور في حياتك من حياة إلى أخرى.
بيد أنه هو الكتاب أيضاً الذي يشكل رمزياً سلطة شبيهة بسلطة الأب ويدفعك إلى معايشة تجربة تنطوي على مفارقة فريدة ومكابدة عسيرة تتمثل في النزوع إلى التأثر به وفي الآن الرغبة في التخلص من هذا التأثر لتصل إلى كتابة نصك الخاص هنا تأتي جملة غوتة الشهيرة: «كن رجلا ولا تتبع خطواتي».
والأمر لا يرجع فقط لقيمة النص وعمقه لأن القراءة عملية مشتركة تفاعل بين النص والقارئ. ثمة قراءة التلقي السلبي وثمة قراءة هي إعادة خلق للنص بحيث يخلق القارئ نصه وهي القراءة الإبداعية والنادرة.
أيضاً ثمة القراءة الأخرى المهلكة وهي التي يقول عنها مارسيل بروست الخطر في القراءة لا يكمن في عدم الفهم والاستيعاب الدقيق، وإنما يتمثل الخطر الأكبر في الفهم الخاطئ لما نقرأ.
كنت في الثامنة تقريباً عندما مر القطار في ذلك المساء الرمادي البعيد. وفجأة رأيت أوراقاً تتطاير في السماء وتتهاوى على تلك الأرض الخضراء. أتذكر كانت كما لو أنها صفحات من مجلة بصور زرقاء لملمت تلك الأوراق الرمادية الخفيفة الشبيهة بورق الجرائد وتهجيت العنوان: عبد الله البري وعبد الله البحري... من هذه السن بدأ الغرق في القراءة ولم أكن أدري حينها أنني كنت أهرب من العالم بعدها بسنوات طويلة اكتشفت أن القصة مأخوذة من ألف ليلة وليلة وأني كنت أهرب من العالم لأكتشف العالم عبر المطالعة...ألم يقل أبو العلاء المعري
ألا يأبق الإنسان من ملك ربه فيخرج من أرض له وسماء
فأنت مهما ابتعدت عن العالم ستجد نفسك في قلب العالم. دفعني هذا النص إلى كتب المغامرة، كتب كامل الكيلاني.
ثم جاءت المراهقة والأزمة الدينية. وكان كتاب «على هامش السيرة» لطه حسين هو الذي ملك علي أقطاري كما تقول العرب. بعد هذا الكتاب الذي صحبني سنوات عدّة جاء سلامة موسى. وكنت أعب كتب سلامة موسى عبا. كانت كل جرعة تغيرني بالكامل. كنت أشعر باتساع آفاقي وعالمي قبلها. قرأت كل كتب طه حسين ولكن سلامة موسى كان شيئاً آخر. سلامة موسى أعادني إلى الأرض... كنت أقدس لغة التراث وكتب التراث. سلامة موسى بدراساته السيكولوجية واشتراكيته الفابية ودفاعه عن الفلاح المصري وتبسيطه اللغة التي تترجم العقل وليس ذاك الزخرف. وتحت تأثير سلامة موسى لم أقترب من كتب صادق الرافعي.
في لحظة ما شعرت وكأني أخون طه حسين الذي أحببت لغته حتى أني صرت قادراً على كتابة نصوص بلغته وأسلوبه. في السادسة عشرة تقريباً قرأنا في الفصل رواية «مولن الكبير» لألان فورنييه كما قرأنا الغريب لألبرت كامي، ولكن فورنييه هو الذي استحوذ علي بتلك القصة الرومانسية ذاك الحب من طرف واحد الذي عرفته ثم إننا في تلك السن لا نستطيع إدراك فلسفة العبث... وذات يوم لا أدري كان الوقت ظهرا ركبت باصا في دمشق، إحدى تلك الحافلات الشبيهة مقدمتها بالشاحنة ذات الكراسي الحديدية التي يكثر فيها اللحام. وجدت نفسي في الكرسي المحاذي لذاك الشاب الفلسطيني. كان يمسك كتاباً فوق ركيتيه. قال هذه رواية مهمة أو شيئاً من هذا القبيل. رواية جوستين الجزء الأول من رباعية الإسكندرية للورانس داريل بترجمة سلمى خضراء الجيوسي. بعدها بلحظات كنت معه في حديقة بيته بقاسيون. وضعت لنا أمه صينية كبيرة بها زيت وزعتر وجبنة بيضاء. أتذكر تعريشة الدالية التي في الحديقة الأوراق الخضراء التي يتخللها ضوء سماء دمشق الخريفية... ومن يومها وقعت تحت تأثير لورانس داريل.
هكذا حدثني صديقي إريك بيني كان إيريك أيامها يريد أن يصير راهباً مكرساً جاء إلى تونس إلى دير الآباء البيض الذي تم حرقه نحو 2007



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».