زينب بدوي: يجب على المسؤولين العرب استخدام الإعلام الدولي بصورة أكبر

مذيعة «بي بي سي» أكدت لـ {الشرق الأوسط} أنها تعلمت في مهنتها أن تقلب الهرم رأسا على عقب بحثا عن الحقيقة

زينب بدوي: يجب على المسؤولين العرب استخدام الإعلام الدولي بصورة أكبر
TT

زينب بدوي: يجب على المسؤولين العرب استخدام الإعلام الدولي بصورة أكبر

زينب بدوي: يجب على المسؤولين العرب استخدام الإعلام الدولي بصورة أكبر

تخصصت زينب بدوي في فلسفة الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة أكسفورد، وهي دراسة تميز النخبة وصناع القرار في بريطانيا كمارغريت ثاتشر وغيرها من الساسة، ثم درست بأكسفورد اللغة الفرنسية واللغة الروسية، ثم حصلت على الماجستير من جامعة لندن، وأثناء ذلك كانت زينب بدوي تعمل بصحافة الأحياء وبدأت تتعاون مع التلفزيون التجاري وانتهى بها المطاف محررة ومذيعة محترفة في تلفزيون «بي بي سي» في مجال الأخبار وإجراء مقابلات في برنامج «هارد توك» أو «كلام قاس». وتجربة الإعلامية البريطانية السودانية الأصل زينب بدوي تعد من قصص النجاح التي تروى في الإعلام التلفزيوني البريطاني الحديث، فعقب تخرجها عملت في وظيفة باحثة، ومقدمة برامج في تلفزيون يوركشير، في الفترة من 1982 وحتى عام 1986، وبعد فترة وجيزة، انضمت إلى فريق القناة الرابعة عام 1988، وقدمت في تلك الفترة برامج تلفزيونية متنوعة، حتى انضمت إلى تلفزيون البي بي سي في 1998 وشهدت مسيرتها منذ ذلك العام، تألقا لافتا حيث قدمت، برامج سياسية حية من ويستمنستر، هذا فضلا عن برامج، العالم هذا المساء في الراديو، وأخبار العالم اليوم، وأخبار الساعة. ومن ثم قدمت برنامجها الأشهر «هارد توك» الذي استضافت فيه الكثير من الشخصيات العالمية، ورؤساء الدول والحكومات، والكثير من المشاهير والشخصيات العامة، في جميع مناحي النشاط البشري والإبداع الإنساني.
وعلى مائدة الحوار أجرت زينب بدوي حوارات متميزة مع الدالاي لاما الزعيم الروحي المقدس لشعب التبت وتوني بلير وبي نظير بوتو وبيل كلينتون وبيل غيتس، وعلى مستوى الرموز الوطنية السودانية حاورت نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه والراحل جون قرنق. وقالت في حوارها بلغة إنجليزية معتقة، عبر رحلة تميزت بالتألق والنجاح حتى توجت بجائزة الشخصية الإعلامية الأولي لعام 2009 مع «الشرق الأوسط» إنها تقدمت بطلب لإجراء حوارين مهمين أولهما مع الرئيس السوري بشار الأسد، وثانيهما مع المشير عبد الفتاح السيسي المرشح الرئاسي المصري، ولكنها ما زالت في الانتظار، وأوضحت أن لقاء الأسد لا يقلقها على الإطلاق، لأنه سيكون مسؤولا عن أقواله وأفعاله، مؤكدة أن كثيرا قد لا يعرفون أن أرض السودان مليئة بالأهرامات، ومهمتها في هذه الحياة كما تعلمت في مجال الإعلام أن تقلب الهرم رأسا على عقب من أجل البحث عن الحقيقة. تقول زينب بدوي عن والدها محمد خير البدوي «والدي مهتم بالتاريخ المعاصر للوطن السودان، وقد كتب عن تاريخ الجيش الحديث في السودان»، وتقول إن أطفالها الأربعة يوسف وهناء وصفية وزكريا مبسوطون لأنهم تعرفوا على جذورهم وأحبوا السودان، وهي رغم أنها جاءت إلى بريطانيا في الثالثة من العمر، فإنها فخورة بجذورها العربية والأفريقية.
* كيف بدأت حياتك المهنية كصحافية؟
- لم يكن الأمر صعبا على الإطلاق، ولم أدرس الصحافة من قبل، ولكني التحقت بجامعة أكسفورد البريطانية حيث درست العلوم السياسية والفلسفة، وأثناء دراستي الجامعية التحقت بجمعية أكسفورد للإذاعة، وتدربت على الإلقاء الإذاعي، وكانت لي تجارب في هذا المجال، ثم تخرجت من أكسفورد، وبعدها التحقت بالدراسات العليا بجامعة لندن لعام آخر، ثم التحقت كمتدربة بتلفزيون «اي تي في»، وحصلت على منحة تدريب، وخلالها حصلت على التدريب الكافي، ولم يكن في هذه الأيام برامج إعلامية خاصة، أو كورسات للراغبين في الميديا، كما يحدث هذه الأيام، لكن محطة «اي تي في» أرسلتني إلى كلية الإذاعة الوطنية، لأحصل على مزيد من التدريب، وكان مقرها حي سوهو اللندني، وهذه الكلية ليست موجودة الآن.
*هل أصبحت عند لحظة معينة على يقين بأنك اخترت الوظيفة الصائبة؟
- التحقت بالعمل في التلفزيون في الثمانينات، وأول عمل أتذكره قدمت برنامجا اقتصاديا، وكان عبارة عن سؤال اقتصادي، وكان يدور حول 20 نصف ساعة تلخص الحالة الاقتصادية، واستمتعت كثيرا بهذا البرنامج، وهو أشبه ببرنامج تعليمي للمشاهدين، وفي منتصف الثمانينات حدثت المجاعة في إثيوبيا، وأثرت تلك المجاعة على السودان، وذهبت إلى موطني الأول، حيث عملت هناك، كباحثة لصالح مسلسل تلفزيوني، يقدم نصائح عن سياسة الطعام، وخلال هذه الفترة كنت على يقين أنني في المسار الصحيح من جهة اختيار المهنة المناسب.
* ماذا تعلمت من والديك؟
- كان والدي بمثابة الإلهام الأكبر بالنسبة لي، لقد جئت إلى بريطانيا قبل أن أبلغ الثالثة من العمر، وأخذت منهما الاهتمام بالشؤون الدولية، فهما من السودان، وطبيعي كانا يهتمان بكل ما يدور حولهما من أحداث في الشرق الأوسط والعالم وخصوصا أفريقيا، تعلمت منهما أن العالم الذي نعيش فيه أكبر كثيرا من لندن ومن المملكة المتحدة، وهناك كثير من الأشياء تعلمتها آنذاك من والدي المذيع في «بي بي سي - العربية» من خلال الاقتراب منه في الحياة اليومية، وفي عقلي الباطن هناك الكثير من الأشياء الجميلة التي تعلمتها من والدي.
* لماذا اخترت العمل في المجال الإعلامي؟
- قبل ظهور مواقع الاتصال الاجتماعي، كان للتلفزيون دور مؤثر للغاية في الحياة اليومية، وحتى الآن، ما زال النافذة الأهم على مجريات ما يحدث في العالم، أحببت الإعلام وبصفة خاصة التلفزيون لما له من دور مهم، في تعليم الآخرين، ولم أكن يوما في مجال المنوعات والترفيه في المجال التلفزيوني، بل كنت في مجال إبلاغ وإفهام الناس من خلال البرامج عما يدور في العالم الآخر، والتلفزيون له دور حيوي وضروري بالنسبة للناس الذين يعيشون في بلدان متعددة الثقافات مثل بريطانيا، من حيث تأثير التنوع العرقي في تعاملهم مع الآخر من جهة تأثير القضايا الاجتماعية والثقافية والتعليمية.
*ما أول قصة تعاملت معها في الإعلام؟
- عندما كنت أعمل في الأخبار المحلية في بداية حياتي، ربما كانت حريقا في منزل ما أو قطة تعلقت في شجرة.
* هل واجهت أي مشكلات في عملك باعتبارك مسلمة؟
- لم أواجه مشكلات، ولكن بعد هجمات سبتمبر، ظهر مصطلح «إسلاموفوبيا»، في الإعلام، وبعد أحداث سبتمبر، مثل ظهور جماعات متطرفة إساءة إلى الإسلام، وهذه لم تساعد المسلمين في هذا البلد، ولكن هذه الجماعات المتطرفة ليس لها علاقة بالإسلام، ولكن هناك اليوم في الإعلام من يعتقد أن أعمال المتطرفين لها علاقة بالإسلام.
* ما أكثر الأحداث أو المناطق التي تفضلين أن تغطي أخبارها ولماذا؟
- حسنا، لم أغط الكثير من أخبار الشرق الأوسط كما كنت أود، نظرا لأني أتحدث العربية بما يسمح لي بالتواصل مع الناس وأعتقد أن هذا يمنحني ميزة تفضيلية كصحافية عندما أستطيع التحدث مع الناس المتأثرين بأحداث كبرى بلغتهم، مثل اللاجئين السوريين. لذلك أعتقد أني يجب أن أهتم بذلك أكثر مما كنت أفعل. لا أتحدث العربية على المستوى الرسمي، لذلك لا أستطيع أن أعمل باللغة العربية، فلا يمكنني العمل في خدمة «بي بي سي - العربية»، ولا أستطيع أن أقرأ أو أكتب بالعربية، ولكني أستطيع التحدث بها بطلاقة. كما أن لدي أربعة أبناء لذلك يعتمد عملي على الوجود في الأستوديو أكثر مما كان في الماضي، لأنني لا أستطيع أن أقضي فترات طويلة في سوريا أو في أي مكان آخر، وهكذا دائما ما يكون هناك تضحية في الحياة.
* قام الرئيس البشير في السابق بدعوة شخصيات إعلامية بارزة، كنت واحدة منها، لحضور مؤتمر عن الإعلام السوداني في الخرطوم. ماذا كان يريد الرئيس؟
- كان ذلك في العام الماضي، ولم أذهب. لا يوجد شيء اسمه أبيض وأسود، وأعتقد أن حرية الرأي والتعبير مهمة للغاية؛ فهي حجر الزاوية في الديمقراطية. من المهم أن نملكها. ولكني أعتقد أن هناك بعض الحيوية في وسائل الإعلام السودانية حيث يمكن أن تجد صحفا توجه بعض الانتقادات لما يحدث ولكن من الواضح أن هناك حدودا لتلك الانتقادات. لا أرى أنه يجب أن توضع قيود على حرية الرأي والتعبير، وهو ما كان أبي بصفته صحافيا سودانيا يعكسه بالتأكيد. أما بالنسبة لما أرادت الحكومة الخروج به من المؤتمر، فليست لدي فكرة. من الأصعب كبح حرية التعبير في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. في الماضي، قبل تويتر وفيسبوك، كان من الأسهل كثيرا على الحكومات السعي إلى حجب المعلومات، ولكن الآن إذا حدث شيء ما، فالجميع يملكون هواتف جوالة، ويمكنهم التقاط الصور وإرسال رسائل نصية إلى أشخاص في دولة أجنبية، لذا أصبحت الرقابة أصعب كثيرا. وأعتقد أن الثورة التكنولوجية والتواصل الاجتماعي لهما تأثير كبير على حرية تدفق المعلومات. إلا إذا كنت مثل الحكومة الصينية أو غيرها وتستغرق وقتا كبيرا في التشويش على مواقع على شبكة الإنترنت، فليس من السهل على أي حكومة أن تنجح في محاولة القمع. إذا وقعت أحداث عنف في مكان ما ثم التقط شخص ما صورة لها فسوف تنتشر في كل مكان. لهذا أعتقد أن الثورة التكنولوجية في وسائل التواصل الاجتماعي غيرت من صورة الساحة الإعلامية؛ وليس فقط بسبب التكنولوجيا ذاتها، ولكن أصبح الجميع صحافيين الآن. وأصبح لدينا المواطن الصحافي.
* عملت في «اي تي في» والقناة الرابعة، ثم في «بي بي سي». فما السبب وراء الانتقال من قناة إلى أخرى؟ وما قناتك المفضلة؟ وما الاختلافات الرئيسة بين القنوات المختلفة؟
- أعتقد أن هناك اختلافا كبيرا بين العمل في «اي تي في» والـ«بي بي سي»، نظرا لأن «بي بي سي» مؤسسة كبيرة. إنها أكبر مؤسسة إخبارية وإذاعية في العالم. وبها أكبر عدد من المراسلين بما يفوق أي مكان آخر. كما أن هناك الكثير من المكونات في الـ«بي بي سي»: التلفزيون والإذاعة والإنترنت. وأعتقد أنه فيما يتعلق بتنوع العمل لا أحد يمكنه التفوق على الشبكة. أما «اي تي في» فهي أصغر كثيرا، بل وأصبحت أصغر مما كانت عليه عندما كنت أعمل بها. يمكن العمل في قسم الأفلام الوثائقية أو قسم الأخبار، ولكنهما أصغر بكثير. لذلك «بي بي سي» مختلفة، لأن بها تنوعا. أما بخصوص ما يمكن فعله أو قوله، لا أعتقد أن هناك أي اختلاف، وبالنسبة لحقيقة أن «بي بي سي» تحصل على تمويلها في الأساس من دافعي الضرائب البريطانيين، فلا أعتقد أن ذلك يحدث أي فارق.
* هل وجدت أي صعوبة في العمل في الإعلام البريطاني كسودانية؟
- أفتخر بشدة لكوني سودانية وعربية وأفريقية، ولكن هذا سؤال تصعب علي إجابته، لأنني رغم مولدي بالسودان، فإنني جئت إلى لندن وكان عمري أقل من ثلاثة أعوام، لذلك أقول إن لدي هوية مزدوجة، وأشعر بارتياح شديد في السودان، ولكني أشعر بارتياح شديد كذلك في إنجلترا. ولا أستطيع أن أقول إنني سودانية نموذجية تعيش في إنجلترا، لأني عندما جئت كنت صغيرة للغاية، فلا أستطيع أن أقول إني أشعر بالغربة. وفيما يتعلق بأمور مثل العنصرية أو معاداة الإسلام لا أستطيع أن أقول إن هناك أشياء تحدث ولا يعني ذلك أنها لا تحدث. بل أقصد أنني لم أمر بشيء من هذا شخصيا. ولا يمكن أن أقول إنني وجدت صعوبة في الحياة هنا بسبب كوني سودانية أو لي أصول سودانية. أقيم هنا منذ فترة طويلة وكنت في جامعة أكسفورد، وحصلت على الماجستير من جامعة لندن، ربما يكون هذا ما ساعدني بعض الشيء.
* لا يعرف عدد كبير من العرب الكثير عن برنامج «هارد توك»، هل يمكن أن تحدثي القارئ عن البرنامج؟
- الفكرة وراء برنامج «هارد توك» هو التعليم والمعرفة، ولكنه أيضا يخضع المسؤولين في مناصب السلطة للمساءلة وهذا هو الدور الذي يقوم به البرنامج. فهو يسمح لك بمناقشة مواضيع طويلة مع أشخاص في مناصب السلطة وأن تحاسبهم على أي شيء يفعلونه، سياسات أو انتهاكات حقوق إنسان، هذا هو الهدف. الفكرة في أنه حديث صارم وصعب حول ما يفعلونه، ولكنه ليس فظا.
* كم عدد مشاهدي برنامج «هارد توك» تقريبا؟
- يمكن أن أقول ملايين وملايين لأنه يذاع عدة مرات على مدار اليوم، حيث يعرض أربع أو خمس مرات في جميع أنحاء العالم. وتحظى قناة «بي بي سي الدولية» بمشاهدات تصل إلى 30 مليون منزل حول العالم، لذلك ستقدر نسبة مشاهدة أي برنامج بعشرات الملايين.
* هل لاحظت أي تحيز في وسائل الإعلام الغربية ضد أخبار الشرق الأوسط أو المنطقة؟
- في الوقت الحالي يوجد كثير من وسائل الإعلام، ولا يمكنك أن تحدد أي وسائل إعلام. إذا كنت تقصد شبكة «بي بي سي»، فهناك قناة «بي بي سي العربية»، وإذاعة «بي بي سي العربية»، هناك الكثير. وإذا كنت تتحدث عن الإعلام المحلي، «بي بي سي 1» و«بي بي سي 2»، فأعتقد أن أكبر الشكاوى هي عدم إذاعة ما يكفي من الأخبار من الشرق الأوسط. ولكن تتم تغطية أخبار كل منطقة في العالم عندما تقع بها مشكلات، وليس فقط الشرق الأوسط. هذا بخصوص الأخبار، والمشكلات والتحديات هي التي تجعل الأخبار مهمة، بمعنى أن الأخبار بطبيعتها تجبرنا على رؤية الأشياء من منظور المشكلة. وعلى مدار الأعوام، إذا كان هناك صراع في الشرق الأوسط أو ما يجري الآن من أحداث الربيع العربي، قد يُكَوِّن الناس انطباعا بأنه لا يوجد في الشرق الأوسط سوى العنف، لذا أقول إن مثل ذلك يعد تحيزا، نظرا لأن طبيعة الأخبار تركز على المشكلة، وليس لأن شخصا ما يقول «نحن لا نحب الشرق الأوسط ونعتقد أن العالم العربي يتسم بالعنف». تتم تغطية الأخبار بالطريقة ذاتها في كل مكان. عندما خسر ديفيد كاميرون في التصويت على اللجوء إلى إجراء عسكري في سوريا في مجلس العموم، كان رد الفعل على «بي بي سي» وكأن «ديفيد كاميرون فقد السيطرة على سياسته الخارجية»، هذا الأسلوب في تناول الأخبار يتبع أيا كان الموضوع، فالجميع يتعرض للطريقة ذاتها.
* وماذا عن تغطية أخبار إسرائيل؟ هل تتفقين على أنها متحيزة، سواء كنا نتحدث عن الدفاع عن إسرائيل في الغرب أو الدفاع عن فلسطين في العالم العربي؟
- لا أعرف. لم أشاهد ما يكفي لكي أقول إن هناك تحيزا مع الإسرائيليين أو ضد الفلسطينيين. ولن أقول إن هناك أي تحيز ضد الفلسطينيين على الإطلاق في الإعلام البريطاني. أعتقد أنه إذا كان هناك انتقاد فهو أن القادة العرب والفلسطينيين لا يجعلون من السهل دائما التواصل معهم كما هو مفترض. في بعض الأحيان يكون من الصعب للغاية أن تصل إلى ضيف عربي. في بعض الأحيان يكون من الأسهل الحديث مع مسؤول إسرائيلي، ولكن ليس من السهل أن تصل إلى وزير خارجية مصري أو سوري على سبيل المثال. كان نبيل فهمي هنا منذ أسبوعين ولكنه اعتذر في اللحظة الأخيرة لأنه ليس لديه وقت. يجب أن ينتبه الفلسطينيون والعرب عامة إلى حقيقة وجوب تيسير الوصول إلى المسؤولين. اسمحوا لي أن أجري حوارا في برنامج «هارد توك» مع عبد الفتاح السيسي، مثلا. ينبغي عليك أن ترى ذلك من منظور من يجعل وقته متاحا. هذه إحدى الشكاوى التي لدي تجاه السياسيين العرب.
* هل تقدمت بطلب لإجراء حوار مع المشير السيسي المرشح الرئاسي المصري؟
- سألت السفير المصري، وقلت له إنني مستعدة للسفر إلى مصر وإجراء حوار معه في برنامجي، ولكني لم أتلق ردا. طلبت ذلك منذ ثلاثة أشهر ولم أتلق إجابة. لذا إذا كان العرب يشكون من وجود تحيز، أقول لهم اجعلوا من السهل التواصل معكم بالإنجليزية، لأنها هي ما نستخدم في الغالب للأسف، ومعظم الساسة العرب يتحدثون الإنجليزية جيدا جدا. فلييسروا عملية الوصول إليهم لإجراء حوارات باللغة الإنجليزية، وسوف ننقل رؤيتكم بسهولة وفاعلية. لا أعتقد أن هناك أي تحيز ضد الفلسطينيين. وأرى أن الربيع العربي أعاد القضية الفلسطينية قليلا إلى الوراء لأن الناس لم تعد مهتمة بها كما كانوا نظرا للأحداث الكبرى التي تقع في مناطق أخرى.
* من الشخصيات التي تتمنين أن تجري حوارات معها، إلى جانب السيسي؟
- بشار الأسد. سيكون هذا رائعا. نادرا ما نستمع إلى حوار مع بشار الأسد، ولكن (مستشارته الإعلامية) بثينة شعبان هي التي تتحدث طوال الوقت. لم نصل إليه مطلقا. بل أي من الشخصيات العربية البارزة، الأردنيون مثلا يتحدثون معنا. ولكن إذا فكرت في القضايا التي تعرض في الأخبار في الوقت الراهن فستجد معظمها عن مصر وسوريا. أما بالنسبة للفلسطينيين، فلا يسمح محمود عباس بكثير من وقته. وقد أجريت حوارا مع حنان عشراوي، وهي رائعة تفسح لنا من وقتها. لذلك أعتقد أنه من المهم الوصول إلى متحدثين رفيعي المستوى جيدين. وهذه هي رسالتي، أن العرب يجب أن يستخدموا الإعلام الدولي بصورة أكبر، وخاصة قناة مثل «بي بي سي الدولية»، لأنها تحظى بعدد كبير من المشاهدين.
* إذا وجدت نفسك جالسة أمام بشار الأسد، هل ستشعرين بالارتياح بعد كل ما فعله؟
- نعم.. لم لا؟ أنت تعرضه للمساءلة. نعم بالطبع سأكون مرتاحة. دور الإعلام هو محاسبة الناس. لقد حاورت أشخاصا يحاكمون أمام الجنائية الدولية الآن. جان بيير بيمبا الذي كان نائبا لرئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، أجريت معه لقاء في «هارد توك»، وذلك هو دور الإعلام، محاورة الناس حتى وإن كانت أياديهم ملطخة بالدماء.
* من الصحافي المفضل لديك، على المستوى المحلي أو العالمي، إلى جانب والدك بالطبع؟
- هذا سؤال صعب. لا يمكنني أن أقول إن شخصا واحدا كان مصدر إلهام لي، ولكن أكثر الصحافيين الذين يحظون بإعجابي هم هؤلاء الموجودون في المعتقلات الآن، فقط لأنهم أرادوا الكلام من دون خوف. هناك الكثير منهم حول العالم وهم أكبر مصدر إلهام لي، لأننا نجد حرية التعبير أمرا مسلما به في الدول الغربية، ولكنها ليست حقا مكفولا للجميع. يجب أن نتذكر هؤلاء الذين يفعلون ما نفعله أنت وأنا ولكنهم يسددون ثمنا باهظا في مقابل ذلك.
* كم عدد الساعات التي تقضينها في العمل أسبوعيا؟
- أنا أجتهد في العمل وأعمل كثيرا، ويجب أن أحرص على تحقيق توازن جيد. من الصعب أن أحدد ولكن أستطيع أن أقول إني أعمل لمدة 40 ساعة أسبوعيا على الأقل، تصل إلى 50 في بعض الأحيان. وإذا كنت في سفر يزيد الوقت. على سبيل المثال، أنا عائدة للتو من جنوب أفريقيا بعد أن قمت بتغطية الانتخابات لـ«بي بي سي».
* ما رأيك في النقاش حول الإعلام المطبوع والإلكتروني؟ هل تعتقدين أن الأنماط الجديدة من الإعلام سوف تضع نهاية لأشكاله القديمة؟
- أرى أن الثورة التكنولوجية في مجال الإعلام تحمل الأهمية ذاتها مثل ظهور الطباعة في أوروبا في القرن الخامس عشر. قبل ذلك لم يكن في استطاعتك الحصول على كتاب، ولكن في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، تمكن الجميع من الحصول على الكتب. ونحن نعلم مدى تأثير ثورة مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الإعلام والصحافة المطبوعة على وجه التحديد. لقد شهدنا كثيرا من الصحف، والصحف المحلية خاصة، تختفي تماما؛ اختفت المئات منها في بريطانيا وحدها. وأصبحت مبيعات الصحف أقل بكثير وانخفضت إيرادات الإعلانات. وبدأت تلك الإيرادات تتجه إلى مجالات أخرى، ليس فقط التلفزيون والإذاعة، بل الإنترنت أيضا. لذلك أعتقد أنه من المؤكد أن شبكة الإنترنت لها تأثير كبير على الإعلام التقليدي، بعد أن انهارت واختفت أسماء كبرى. فهل سيستمر هذا الاتجاه؟ ربما. هل ستظل هناك صحف في المحلات نشتريها ونقرأها؟ ربما، ولكن بنسبة أقل. لست متأكدة إن كانت ستظل بعد عشرين أو ثلاثين عاما. ولكني ما زلت أفضل أن أمسك بالجريدة وأقرأها. عندما أنظر إلى أبنائي في سن المراهقة، أراهم يطّلعون على الأخبار عبر مصادر أخرى. عندما توفي مايكل جاكسون، أخبرني أبنائي بالحدث نقلا عن تويتر. وعندما يحدث شيء ما، أقول «هل رأيت ذلك؟» فيجيبون: «نعم رأيناه على فيسبوك أو تويتر». وهكذا أجد اختلافا كبيرا في الوسيلة التي يعرفون بها الأخبار. إنهم يقرأون الصحف عن طريق الإنترنت، لهذا تكيفت كثير من الصحف مع الأمر مثل «غارديان» و«ديلي ميل». وأرى أنهما أشهر صحيفتين على الإنترنت. يوضح لك ذلك أنه إذا اتخذت الصحف مواقع التواصل الاجتماعي تهديدا لها سيتسبب في نهايتها، فسوف تكون بالفعل. ولكن إذا استخدمتها لصالحها وتماشت مع الوقت الحاضر، فقد أظهرت كل من «ديلي ميل» و«غارديان» أن تلك التكنولوجيا لم تضع نهاية اسميهما.
* ما المدونة أو الموقع الإخباري المفضل لديك؟
- أقوم بتشغيل قناة «بي بي سي الدولية» لمعرفة الأخبار التي تغطيها بالطبع. وأحب قراءة الصحف، أقرأ أي صحيفة أجدها. أحب قراءة «فاينانشيال تايمز»، وأجد فيها رؤية عالمية جيدة جدا، كما أن كثيرا مما يحدث في العالم له قاعدة اقتصادية. كما تعجبني «وول ستريت جورنال». فأنا أفضل تلك النوعية الجيدة من الصحف، ولذلك أميل إلى قراءة الصحف عندما أكون في الخارج، أو أطلع على موقع «فاينانشيال تايمز».
* ما النصيحة التي تقدمينها للصحافيين الشباب الذين يوشكون على البدء في العمل في الصحافة؟
- عندما بدأت في العمل الصحافي، كان ذلك منذ فترة بعيدة، والساحة الإعلامية مختلفة تماما في الوقت الحالي. يوجد حاليا الكثير للغاية من وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي تقدم مجالا مفتوحا بالفعل. لا أجيد التعامل عبر وسائل التواصل الاجتماعي: لا أرسل تدوينات على تويتر، ولا أستخدم فيسبوك أو أيا من تلك المواقع. أنا قديمة الطراز بعض الشيء، لذلك لا أفضل أن أقدم نصيحة مهنية محددة لأي شخص سوى أن أقول: إن العمل بالصحافة يستوجب أن يحافظوا على فضولهم واهتمامهم بالآخرين واعتنائهم بمن لا يملكون القدرة على الحديث مع من في السلطة. أعتقد أن دور الصحافي في محاسبة المسؤولين ذو أهمية بالغة. لقد ولدت في السودان حيث توجد طبيعة هرمية. على رأس الهرم، يوجد عدد محدود من الناس، وعند القاعدة يقع مليارات البشر، من جانبي أفضل أن أقلب الهرم رأسا على عقب وأضع الناس الموجودين في القاعدة على القمة. وبصفتي صحافية، دائما ما أقلب الهرم وأسعى إلى مساعدة من لا يمكنهم الوصول إلى أصحاب السلطة على نقل أوضاعهم إلى هؤلاء المسؤولين. لذا أقول للصحافيين الشباب، لا تنسوا هذا الدور الذي يؤديه الإعلام فهو من أدوات التنمية والديمقراطية.
* ما الصفات التي تعتقدين أنها يجب أن تتوفر في الصحافي الناجح؟
- الفضول مهم للغاية، والرغبة في إحداث التغيير حتى وإن كان صغيرا. تلك الأشياء مهمة للغاية. توجد مقولة ليان إلياسون الدبلوماسي السويدي رفيع المستوى الذي أصبح الآن نائب الأمين العام للأمم المتحدة، وأتفق معه فيها، ذكر فيها أن الشغف والتعاطف أهم الأشياء لأنه بالتعاطف يمكنك أن تعرف ما هو الصواب، وإذا كان لديك شغف ستفعل الصواب وتحوله إلى حقيقة.
* هل ساعدك التحدث باللغة العربية في حياتك المهنية؟
- نعم بالتأكيد. كنت في الخليل ورام الله منذ 18 شهرا، وأجريت لقاءات باللغة العربية. تحدثت مع بعض الطلاب والسيدات وغيرهم، وكانوا معجبين بذلك وحصلت على أفضل الحوارات. هذا مهم للغاية لأنه يعني أن الشخص الذي أحاوره يعرف أني عربية ومسلمة لذلك يتعامل معي بارتياح أكبر، وبالتالي يتحدث بصراحة أكبر وأحصل على مزيد من المعلومات. إنها ميزة هائلة.



بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
TT

بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)

أقفل الإعلامي اللبناني الراحل بسّام برَّاك باب العربية الفصحى وراءه ومشى. أصدقاؤه وزملاؤه، عندما تسألهم من يرشحون لحمل إرثه، يردّون: لا أحد. حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه. أبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. ألقابه ترتبط ارتباطاً مباشراً بها، وهي كثيرة. فهو «الأستاذ» و«المعلّم» و«عاشق اللغة» و«حارسها». كثيرون من أهل الإعلام والصحافة يعدّونه شخصية لن تتكرر في لبنان. وكان برَّاك قد رحل بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ53 عاماً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

حالة العشق هذه لم يكن يخفيها عن أحد. يفتخر بإجادة العربية وبالتحدث بها في أي مكان ومناسبة. حتى عندما يحاور أولاده في البيت كان يتكلّم معهم بالفصحى، وهو على يقين بأن زرع بذور العربية في أعماقهم، لا بدّ أن تتفتّح براعمها عند الكبر.

الإعلامية لينا دوغان رافقته في مشوار إعلامي طويل (الشرق الأوسط)

جائزة بسام برَّاك للغة العربية

حلم الإعلامي الراحل بتنظيم جائزة يكرّم من خلالها اللغة المغرم بها. فهو تربّى في منزل يهوى أفراده، من والدين وأخوة، العربية. نشأ على حبها والإعجاب بها. حاول أكثر من مرة إطلاق الجائزة، غير أن ظروفاً عاكسته. وعندما أصابه المرض وبدأت صحته تتراجع، أوصى زوجته دنيز بأن تنفذها بعد مماته.

تقول دنيز لـ«الشرق الأوسط»: «كان يطرب للعربية فيقرأها بنهم، ويتحدث بها بشغف. كانت فكرة الجائزة تراوده دائماً. وعندما مرض أوكل هذه المهمة لي. وسنعلن عن هذه الجائزة في الذكرى السنوية الأولى لوفاته، ونقدمها لمن يستحقها».

المناسبة الثانية التي سيتم تكريم بسام برَّاك خلالها تقام في 18 ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف اليوم العالمي للغة العربية. تنظّم مدرسة العائلة المقدسة التي كان أستاذ الصفوف العربية فيها، يوماً كاملاً لاستذكاره.

كان الراحل برّاك يلقب بـ"عاشق اللغة العربية وحارسها" (الشرق الأوسط)

بسام الزميل الخلوق

عندما تسأل أصدقاء الراحل بسام برَّاك عنه تأتيك أجوبة متشابهة، وجميعها تصب في خانة «الزميل الخلوق». يؤكدون كذلك أنه إعلامي متميّز بشدة حبّه للعربية الفصحى.

الإعلامية لينا دوغان التي رافقت برَّاك في مشوارٍ مهني طويل، تعدّه مثلها الأعلى في اللغة العربية. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كان دقيقاً جداً في ملاحظاته للأخطاء في العربية. فعندما تسمع أذنه أي لفظ أو إلقاء أو خطأ يقترفه مذيع أخبار، يبادر إلى تصحيحه بشكل تلقائي».

وعن التأثير الذي تركه بسام على الذاكرة الجماعية من خلال اللغة، تردّ: «لقد قام بخطوة استثنائية في هذا الخصوص. أطلق مسابقة (الإملاء باللغة العربية). ووضع حجر الأساس للغة نحكيها، ولا نجيد قواعدها ولا كتابة ألفاظها. حتى أنه كان من النادر جداً في المسابقة المذكورة، أن ينجح أحد فيها، مع أن المتسابقين من الطراز الأول، ويتألفون من دكاترة واختصاصيين في العربية، إضافة إلى أدباء ووزراء ونواب».

تروي لينا دوغان أنه لبالغ ولعه بالفصحى، كان يتكلمها مع أطفاله. «تخيلي كان عندما يتوجه لابنه الصغير الذي يؤدي بالفرنسية أغنية طفولية معروفة (Tape les mains) يقول له: (صفّق صفّق). كان حارساً للغة، يعدّها أساسية في هويتنا العربية». وتضيف: «لقد كان إعلامياً مثقفاً جداً ومهذباً، خلوقاً. وهو ما بتنا نفتقده اليوم في مهنتنا».

وعما تعلّمته منه تردّ: «الكثير وأهمها الدقّة في العمل. ولا سيما قراءة النص أكثر من 10 مرات كي أتقّن إذاعته. كما تعلمت منه المثابرة في العمل. فبسام كان يملك تقنية إلقاء مثالية. ومرات كثيرة يرتجل مباشرة على المسرح في مناسبة يطلب منه تقديمها».

الإعلامي جورج صليبي كان رفيق دربه في المهنة وفي حب فيروز (الشرق الأوسط)

فيروز ألهمته فرحل وهو يردد «إيماني ساطع»

علاقة وطيدة كانت تربط بين بسام برَّاك والسيدة فيروز. وكان يردد بأنه عشق العربية من خلالها. كان صوتها يلهمه للبحث في هذه اللغة، وكذلك إتقان مخارج الحروف وعملية تحريك النص. آخر مشوار للقائها، قام به بمناسبة تقديم التعازي لفيروز بوفاة نجلها زياد الرحباني، رافقه فيه زميله وصديقه الإعلامي جورج صليبي. وتشير زوجته دنيز إلى أنه كان على علاقة وثيقة بـ«سفيرتنا إلى النجوم». «كانا يتبادلان الهدايا في المناسبات، ومن بينها ربطة عنق أوصاني بأن يرتديها عندما يرحل. وكان يزورها بين وقت وآخر. أما أغنيتها (إيماني ساطع) فقد بقي يسمعها حتى لحظاته الأخيرة». وتتابع: «صوت فيروز كان يرافقنا دائماً، في البيت كما في السيارة، وفي أي مناسبة أخرى. فلا يتعب ولا يملّ من سماعه وكأنه خبزه اليومي».

ولكن من ترشّح زوجته ليكمل طريق بسام في العربية؟ تجاوب: «في الحقيقة لا أعرف من يمكن أن يحمل هذا الإرث. بسام كان يبدي إعجابه بكثيرين يجيدون العربية الفصحى قراءة ولفظاً، ومن بينهم زملاء كالإعلاميين يزبك وهبي وماجد بو هدير وجورج صليبي ومنير الحافي والمؤرّخ الدكتور إلياس القطار وغيرهم، وجميعهم ضليعون بالعربية ويحبونها».

أصدر بسّام برَّاك كتاباً واحداً من تأليفه بعنوان «توالي الحبر»، وتضمن صوراً أدبية كثيرة، وضعها تحت عنوان الحبر، ومن بينها «حبر الحب» و«حبر الوطن» و«حبر فيروز». كما كتب مؤلفاً بعنوان «أسطورة المال والأعمال»، يحكي فيه سيرة عدنان القصار كرجل أعمال وسياسي. والجدير ذكره أن الإعلامي الراحل تأثر كثيراً بأستاذه الراحل عمر الزين. فهو من وضعه على سكة الفصحى المتقنة خلال عمله الإذاعي عبر أثير «صوت لبنان». وعندما رحل الزين أوصى بمنح برَّاك مكتبته المؤلفة من مجلدات ومؤلفات عربية، وكذلك من مدونات، وقصاصات، ورقية وخواطر. واليوم يترك بسام خلفه، إرثين، أحدهما يخصه، والآخر ورثه عن عمر الزين.

صداقة وزمالة وذكريات مع بسام برَّاك

كل من عرف الراحل بسام برَّاك عن قرب من زملاء وأصدقاء، يحدثك عنه بحماس. فالإعلامي يزبك وهبي يعتبره نابغة في مجاله، وكذلك زافين قيومجيان الذي قال عند رحيله إن اللغة العربية أصبحت يتيمة، بينما وصفه الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون بأنه كان «الصحّ دوماً».

حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه، فأبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته

من جهته، يقول زميله جورج صليبي الذي بقي على اتصال به حتى لحظاته الأخيرة، بأنه الزميل الصديق والوفي. كانت تربطه به علاقة مميزة، عمرها 33 سنة، منذ عملهما سوياً في إحدى الإذاعات اللبنانية في أوائل التسعينات. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لجيلنا كان الراحل برَّاك مرجعنا الوحيد للعربية. نتصل به ونستفهم منه حول كيفية تحريك عبارة ما. وحتى عن معنى كلمة تصادفنا لأول مرة. كان موسوعة متنقلة للغة العربية. وأعتبره مقاتلاً شرساً في سبيلها».

ويستطرد صليبي: «كان يبالغ أحياناً في اعتماده الفصحى في أي زمان ومكان. وأذكر مرة عندما أهداني ربطة عنق، اتصلت به لأشكره، قال لي: لا نسميها كرافات أو ربطة عنق، بل (الإربة). فلا أحد يضاهيه في ثقافته وغوصه في هذه اللغة».

ترافق صليبي وبرَّاك في حبّهما لفيروز. الاثنان مولعان بها ويحبان أغنياتها ويحضران حفلاتها، فيلحقان بها أينما كانت حتى خلال تقديمها تراتيل كنائسية. «أول حفلة حضرناها معاً لفيروز، كانت في 17 سبتمبر (أيلول) من عام 1994 وسط بيروت. وبقينا نتذكر هذا التاريخ في موعده من كل عام. فيروز كانت تمثّل له العالم الذي يعشقه تماماً، كما اللغة العربية. وحتى عندما كنا نزورها سوياً، كان يخرج من عندها مفعماً بالفرح والإعجاب».

التقاه صليبي قبل 36 ساعة من وفاته: «حزن كثيراً لمصابه، فمرضه العضال أفقده القدرة على النطق. وهو ما كان يعدّه النقطة الأساسية في مهنته. فكان يحزّ في قلبه كثيراً هذا السكوت الذي ابتلي به وفُرض عليه. المرض أفقده صوته وشغفه بالإلقاء. وكان يعبّر عن هذا الأمر بلوم وعتب. وفي آخر لقاء معه كان شبه فاقد لوعيه، ولا أعرف إذا ما كان يسمعني، أخبرته عن ذكرياتي معه، وعن فيروز وأمور أخرى يحبها».

أما عن إرث بسام برَّاك اللغوي والأدبي، فيعلّق صليبي: «أرشيف غني وضخم، كان يملكه زميلي الراحل بسام. وهو تضاعف بعدما أوصى عمر الزين بتحويل مكتبته الأدبية له بعد رحيله. هذان الإرثان يجب أن يتم الاهتمام بهما من قبل مؤسسة جامعية أو ثقافية، لأن الحفاظ عليهما يفوق قدرة الفرد الواحد».


استخدام الذكاء الاصطناعي في «واتساب» يُعمق الخلاف القانوني بين أوروبا و«ميتا»

شعار «ميتا» (رويترز)
شعار «ميتا» (رويترز)
TT

استخدام الذكاء الاصطناعي في «واتساب» يُعمق الخلاف القانوني بين أوروبا و«ميتا»

شعار «ميتا» (رويترز)
شعار «ميتا» (رويترز)

أثار استخدام شركة «ميتا» للذكاء الاصطناعي في تطبيق «واتساب» معركة قانونية جديدة بين شركة التكنولوجيا الأميركية والاتحاد الأوروبي، لا سيما بعدما أعلنت أوروبا فتح تحقيق مع «ميتا» بشأن احتمال انتهاكها قواعد المنافسة المتعلقة بميزات الذكاء الاصطناعي في «واتساب»، ما اعتبر بحسب خبراء «تصعيداً لنزاع قانوني قائم، وتأكيداً على اتجاه أوروبا لتنظيم مواقع التواصل»، رغم ضغوط الولايات المتحدة، واتهام الرئيس دونالد ترمب لأوروبا بـ«استهداف الصناعة الأميركية بشكل غير عادل».

ووفق المفوضية الأوروبية، فإن «السياسة الجديدة التي أعلنتها (ميتا) قد تمنع مزودي خدمات الذكاء الاصطناعي الخارجيين من تقديم خدماتهم عبر (واتساب)، ما يعد إساءة استخدام لوضع مهيمن». وقالت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية المسؤولة عن المنافسة، تيريزا ريبيرا، في بيان صحافي الأسبوع الماضي، إن «بروكسل تريد ضمان استفادة المواطنين والشركات بشكل كامل من الثورة التكنولوجية المتعلقة بزيادة استخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال منع أصحاب المراكز المهيمنة من استغلالها لإقصاء المنافسين».

ويتيح «واتساب» حالياً للشركات التواصل مع العملاء على التطبيق، وبعض هذه الشركات يستخدم تقنيات ذكاء اصطناعي لإجراء المحادثات، لكن مع القواعد الجديدة التي أعلنتها «ميتا» فإن هذه الشركات قد لا تستطيع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي طورتها، ما يصب في صالح خدمة «ميتا إيه آي». لكن «واتساب» ترى أن «انتشار روبوتات الدردشة عبر التطبيق يثقل كاهل أنظمته غير المصممة لتحمل هذا العبء، ولذلك كان ينبغي الإعلان عن تغييرات»، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، رأى أن «هذا التحقيق جزء من صراع قانوني متصاعد بين الاتحاد الأوروبي وشركات التكنولوجيا الكبرى وعلى رأسها (ميتا)». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الصراع متعلق بأمور عدة؛ من بينها حماية البيانات الشخصية للمستخدمين، ومنع المحتوى المسيء، واستخدام الذكاء الاصطناعي».

وقال إن «استخدام الذكاء الاصطناعي يضر بالخصوصية، ويتيح معالجة كم هائل من البيانات في وقت قصير»، مرجحاً استمرار تصاعد الصراع القانوني بين الاتحاد الأوروبي و«ميتا».

وكانت «ميتا» قد بدأت في مارس (آذار) الماضي دمج روبوت المحادثة والمساعد الافتراضي «ميتا إيه آي» في تطبيق «واتساب» داخل الأسواق الأوروبية. وفي يوليو (تموز) الماضي، فتحت هيئة مكافحة الاحتكار الإيطالية تحقيقاً بشأن اتهامات لـ«ميتا» باستغلال قوتها السوقية عبر دمج أداة ذكاء اصطناعي في «واتساب»، وتوسع التحقيق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لفحص ما إذا كانت «ميتا» قد انتهكت قواعد المنافسة والاحتكار.

المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي والصحافي المصري محمد الصاوي قال إن «التحقيق الأخير الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي ضد (ميتا) ليس مجرد خلاف تقني، أو قانوني، بل نقطة تحوّل حقيقية في كيفية تعامل المنظمين مع هيمنة الشركات الكبرى على أدوات المستقبل، وتحديداً الذكاء الاصطناعي». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «محاولة (ميتا) حصر استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن منظومتها فقط قد تُفهم على أنها محاولة لبناء (بوابة مغلقة) تقيّد الابتكار، وتمنع المنافسة، ما يتنافى مع المبادئ الأساسية التي يحرص عليها الاتحاد الأوروبي». وأشار إلى أن الخلافات القانونية بين الاتحاد الأوروبي و(ميتا) ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لسنوات مضت، بدءاً من قضايا حماية البيانات، مروراً بالتحقيقات المرتبطة بالاحتكار واستغلال الهيمنة السوقية، وانتهاءً بالخلافات حول الإعلانات الموجهة، والمحتوى السياسي.

وقال الصاوي إن هذا «النزاع المستمر بين الاتحاد الأوروبي و(ميتا) يحمل وجهين؛ فمن جهة، يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الحماية للبيانات، والخصوصية، وفرض معايير أكثر شفافية على كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. ومن جهة أخرى، قد يتسبب في تقييد بعض الخدمات، أو تعقيد تجربة الاستخدام في حال قررت (ميتا) تقليص بعض المزايا في أوروبا للامتثال للقوانين».


ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
TT

ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)

بعد أكثر من 3 سنوات على استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تزداد المؤشرات على تراجع المنصة من حيث «التأثير والتفاعل»، بحسب ما يقول مختصون، بالتوازي مع تجدُّد الحديث بشأن سياساتها التحريرية، وعلاقة المنصة بطموحات مالكها السياسية، وتحوُّل المعلنين عنها.

ويرى مختصون أن ما يجري على «إكس» لم يعد مجرد تغييرات تقنية أو تجارية، بل هو «انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية، وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع». ويقولون: «إن وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها».

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

وأشارت بيانات حديثة عدة إلى تراجع التفاعل على منصة «إكس» خلال الأعوام الأخيرة، وجاء من أبرزها تحليل إحصائي نشره موقع «بروكسيدايز (Proxidize)» في أكتوبر الماضي، تحدَّث عن تراجع معدلات التفاعل على المنصة بنحو 48.3 في المائة خلال عام واحد فقط، إذ انخفض معدل التفاعل المتوسط لكل تغريدة من 0.029 في المائة في 2024 إلى 0.015 في المائة في 2025.

كما قلصت العلامات التجارية وتيرة النشر بنحو ثُلث المحتوى تقريباً، مع انخفاض متوسط عدد التغريدات الأسبوعية من 3.31 إلى 2.16 تغريدة للحسابات التجارية. وتشير بيانات أخرى إلى تراجع متوسط زمن الاستخدام اليومي من أكثر من 30 دقيقة إلى نحو 11 دقيقة فقط، بما يعكس تغيراً في سلوك المُستخدمين، لا سيما مع صعود المنصات المُعتمِدة على الفيديو القصير.

تقارير تحدثت عن تراجع معدلات التفاعل على منصة "إكس" (رويترز)

الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، الدكتور فادي عمروش، أكد «فرضية تراجع المتابعات على المنصة النقاشية الأبرز»، ودلَّل على ذلك بالإشارة إلى «تراجع التفاعل على منصة (إكس) مقارنة بسنوات ما قبل 2022»، لافتاً إلى أن بيانات «سيميلر ويب (Similarweb)» تشير إلى هبوط مستخدمي المنصة على الهواتف المحمولة من 388.5 مليون في يونيو (حزيران) 2023 إلى 311.1 مليون في 2025، أي خسارة تتجاوز 75 مليون مستخدم، بما يقارب 20 في المائة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هذا فحسب، إنما وُجدت أيضاً تحليلات تظهر انخفاض متوسط الإعجابات لكل منشور من 37.8 في 2023 إلى نحو 31.4 في 2024، أي تراجع نحو 17 في المائة». وأرجع هذه المؤشرات إلى أسباب، من بينها «ارتباط (إكس) باسم إيلون ماسك بعد استحواذه عليها، وما يرافق ذلك من استقطابات حادة بين مؤيدي ومعارضي آرائه، بالإضافة إلى تغييره الخوارزمية التي تعرض المنشورات عدة مرات بحجة محاربة البوتات، والتي رغم ادعائه أنها شفافة، فإن هذا الادعاء غير مُدعم بأدلة كافية بعد، خصوصاً أن ليس كل المستخدمين متساوين في فرص الوصول والتفاعل». وأشار إلى بُعد آخر قائلاً: «في منصات الأخبار السريعة، مغادرة عدد من الصحافيين والأكاديميين والخبراء قلّلت من الحوار النوعي وأضعفت حركة إعادة النشر».

وعدّ عمروش أن سياسة ماسك الربحية وتفضيله «الحسابات الموثقة المدفوعة»، مثَّلا اتجاهاً أفرغ المنصة من ركيزتها الأساسية بوصفها ساحةً للنقاش التفاعلي القائم على الأفكار، مضيفاً «إجراءات الحد من الوصول المجاني للواجهة البرمجية (API) أضعفت تجربة المتابعة والبحث، وهذا ينعكس عادة في تراجع التفاعل غير المدفوع».

ومع ذلك، لا يلقي عمروش باللوم على سياسات ماسك وحدها، إذ يعيد جانباً من تراجع التفاعل أيضاً إلى «تحوّل عادات المُستخدمين نحو الفيديو والمنصات المُعتمِدة على المقاطع القصيرة، فالسوق كلها تتجه إلى الفيديو القصير. وهذا يقلل الوقت الذهني المتاح لمنصات النصِّ السريع، خصوصاً لدى الشباب، إذ إن استخدام المراهقين لـ(إكس) أقل بكثير مما كان عليه سابقاً».

طموحات ماسك

بعيداً عن القرارات التحريرية داخل المنصة، تَزَامَنَ هذا التراجع في التفاعل مع صعود ماسك لاعباً سياسياً ثقيل الوزن في الولايات المتحدة. وتشير تحليلات صحافية من بينها «واشنطن بوست»، استناداً إلى بيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية الأميركية، إلى أن «ماسك قدَّم خلال دورة انتخابات 2024 تبرعات سياسية تجاوزت ربع مليار دولار لدعم دونالد ترمب ومرشحين جمهوريين آخرين، ليصبح بذلك أكبر متبرع فردي في تلك الدورة الانتخابية، وفق هذه البيانات».

وفي يوليو (تموز) 2025 أعلن ماسك عبر «إكس» تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم «America Party»، في خطوة رأت فيها تقارير لوكالات كبرى مثل «رويترز» و«أسوشييتد برس» انتقالاً من دور الممول للتيار اليميني إلى «فاعل» يسعى إلى بناء مشروع سياسي مستقل يستند إلى نفوذه على المنصة.

أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي، الدكتور الأخضر شادلي، يرى أن منصة «إكس» شهدت أكبر تحول في تاريخها بعد استحواذ ماسك عليها؛ بسبب «خلفيته المثيرة للجدل وطموحاته السياسية المتنامية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أظهر ماسك مواقف سياسية متزايدة علنية، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير، والقيود الحكومية، والانتخابات الأميركية، ودعمه لبعض التيارات، وانتقاده للإعلام التقليدي والمؤسسات الديمقراطية، وهذه الخلفية السياسية أصبحت مهمة لفهم قراراته بعد السيطرة على (إكس)».

وأضاف شادلي: «قبل استحواذ ماسك، كانت سياسات (تويتر سابقاً) مستقرَّة نسبياً، وترتكز على مكافحة خطاب الكراهية والتحريض، والحد من (المعلومات المضللة)، وكانت هناك آليات تَحقُّق صارمة للحسابات ولجان مستقلة لمراجعة المحتوى، كما ركزت الإدارة السابقة على الحفاظ على بيئة رقمية آمنة». لكنه أشار إلى أن «وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها»، إذ «تَزَامَنَ تبنيه لخطاب حرية التعبير مع تحالفاته السياسية، وظهر انحيازٌ لصالح خطاب اليمين الشعبوي، ما أضعف المعايير المهنية وفتح المجال لحملات التضليل. وأصبحت المنصة بمثابة مساحة نفوذ سياسي عالمي في يد ماسك، وليست مجرد شركة تواصل اجتماعي».

عزوف المعلنين

وأشار الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة «سي إن إن» العربية، الحسيني موسى، إلى أن تراجع التفاعل على منصة «إكس» انعكس مباشرةً على سياسات المعلنين وعزوف بعضهم نحو منصات أخرى.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأرقام تشير إلى تراجع واضح في ثقة المعلنين بـ(إكس)». وتحدَّث عن تقرير لشركة الأبحاث العالمية «Kantar»، نُشر في سبتمبر (أيلول) 2024، ذكر أن 4 في المائة فقط من المعلنين يعدّون أن «إكس» توفر بيئة «آمنة للعلامة التجارية» مقابل 39 في المائة لصالح «غوغل» و32 في المائة لـ«يوتيوب». كما يُظهر التقرير نفسه أن «26 في المائة من المُسوِّقين يخططون لخفض إنفاقهم على إعلانات (إكس) خلال 2025، في أكبر تراجع مسجَّل لأي منصة إعلانية كبرى».

وأضاف موسى أن «مجموعة من الشركات الكبرى أعلنت رسمياً وقف إعلاناتها على (إكس)، من بينها: (أبل)، و(ديزني)، و(آي بي إم)، و(باراماونت)، و(وورنر براذرز). وجاءت قرارات الإيقاف؛ نتيجة مخاوف من ظهور محتوى مثير للجدل أو معادٍ للسامية بجوار إعلاناتها، بالإضافة إلى ضبابية سياسات المحتوى تحت إدارة إيلون ماسك».

«ما يجري على إكس انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع»

وشرح قائلاً: «الميزانيات غادرت (إكس) إلى منصات أكثر استقراراً من حيث سلامة العلامة وفعالية التوزيع؛ مثل منصة (يوتيوب) التي تعدّ اليوم الأكثر جذباً للمعلنين البارزين، و(تيك توك) التي تُعدّ المنصة الأعلى تأثيراً على المستهلكين الشباب، كما أن (أمازون) تستحوذ على ثقة كبيرة لدى العلامات التي تعتمد على التجارة المباشرة، وأخيراً (ميتا)، بمنصتيها (فيسبوك) و(إنستغرام)، ما زالت تحتفظ بجاذبية لدى قطاعات واسعة من المعلنين».

ويرى موسى أن «هناك فرصة لا تزال قائمة أمام (إكس) لاستعادة جزء من المستخدمين والمعلنين»، قائلاً: «العودة ممكنة، لكن المطلوب أولاً إعادة بناء ثقة العلامات التجارية عبر تحسين معايير (الأمان) وضمان استقرار سياسات المحتوى، والشفافية في عرض الإعلانات».

بالعودة إلى الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي الدكتور فادي عمروش، فإنه يرى أن أهم الخطوات التي تحتاج إليها «إكس» الآن لاستعادة ثقة المستخدمين هي تحقيق توازن حقيقي بين حرية التعبير وضبط المحتوى الضار. وقال إن هذه المعادلة ممكنة إذا جرى «توسيع نظام (ملاحظات المجتمع) مع شفافية أكبر، فلا تكفي مجرد إضافة الملاحظة، بل يجب نشر بيانات دورية تتضمَّن، مثلاً: كم محتوى تم تقييده؟ كم ملاحظة أُضيفت؟ وما أثرها على الانتشار؟ أعتقد أن الشفافية تقلل اتهامات التحيُّز، وتدعم حرية التعبير ضمن قواعد واضحة».

وفي ضوء كل ذلك، يقول محللون مختصون بالإعلام: «إن مستقبل (إكس) سيتحدَّد على الأرجح في المساحة الواقعة بين طموحات ماسك السياسية وحسابات السوق وصبر المُستخدمين والمعلنين على منصة تحاول أن تعرّف نفسها من جديد في عالم يتغير بسرعة».