تيلرسون يعلن من بكين عن «قنوات اتصال» مع بيونغ يانغ

قوات كورية جنوبية وأميركية تجريان أول تدريب دفاع جوي مشترك قصير المدى

وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين أمس (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين أمس (أ.ب)
TT

تيلرسون يعلن من بكين عن «قنوات اتصال» مع بيونغ يانغ

وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين أمس (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين أمس (أ.ب)

زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لبكين، التي بدأت أمس السبت، جاءت من أجل الضغط على الصين كي تقوم بالمزيد من الإجراءات حيال كوريا الشمالية، حيث يُعتقد أن الصين مسؤولة عن نحو 90 في المائة من عائدات التجارة في كوريا الشمالية.
لكن في مستهل الزيارة أعلن تيلرسون عن قنوات اتصال مع بيونغ يانغ، قد تكون بادرة خير تساعد في نزع فتيل أزمة برنامج الأسلحة النووية الكورية الشمالية. وقال: «بإمكاننا التحدث معهم، ونحن نفعل ذلك»، من خلال عدة قنوات اتصال.
وتأتي زيارته على خلفية تحسن العلاقات بين واشنطن وبكين، بعدما هيمن عليها التهديد الكوري الشمالي بعد شهر من تجربة نووية قوية لبيونغ يانغ. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لو كانج، أول من أمس الجمعة، في تصريحات أوردتها وكالة «رويترز»، إن المهمة الرئيسية لتيلرسون تتمثل في «إجراء تبادل عميق لوجهات النظر مع الجانب الصيني حول كيفية تعزيز العلاقات الصينية الأميركية، لا سيما الإعداد لزيارة رسمية يقوم بها الرئيس ترمب إلى الصين، بدعوة من الرئيس شي جينبينغ هذا العام، وقضايا دولية وإقليمية رئيسية ذات اهتمام مشترك».
ورغم الخطوات التي اتخذتها بكين قبل أيام بعدم التعامل مع الشركات الكورية الشمالية، إلا أنها ترفض أي تدخل في شبه الجزيرة المحاذية لحدودها، في حين لا يستبعد ترمب «الخيار العسكري» وصولاً إلى تهديد نظام كيم جونغ - أون بـ«الدمار الكامل».
ودعا كل من ترمب وتيلرسون الصين مراراً إلى المساعدة في كبح جماح بيونغ يانغ، بعد أن وصلت التوترات وتصاعدت إلى معدل ينذر بالخطر في الأسابيع الأخيرة، حيث تبادل الرئيس الأميركي دونالد ترمب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ - أون، الإساءات والتهديدات بشن حرب.
لكن تصريحات تيلرسون في الأمس عكست وضعاً جديداً، وقال من بكين إن الولايات المتحدة فتحت «قنوات اتصال» مع كوريا الشمالية لتحديد مدى استعداد نظامها لإجراء حوار حول التخلي عن برنامجه للأسلحة النووية. وصرّح تيلرسون للصحافيين «نحن نختبر، فابقوا مترقبين». وأضاف: «نحن نسأل... لدينا خطوط اتصال مع بيونغ يانغ... لسنا في وضع ظلامي ولا في تعتيم، لدينا قناتان أو ثلاث قنوات مفتوحة مع بيونغ يانغ».
من جهته، قال الرئيس الصيني، خلال استقباله الوزير الأميركي في أجواء ودية: «أنا واثق بأن زيارته (ترمب) ستكون خاصة ورائعة وناجحة». وهذه الزيارة هي الأولى التي يقوم بها ترمب للصين بعدما كان قد هاجمها العام الفائت خلال حملته الانتخابية متهما إياها خصوصا بـ«سرقة» ملايين الوظائف في الولايات المتحدة. وذكر شي بأنه التقى نظيره الأميركي مرتين، إحداهما في مقر إقامة ترمب في فلوريدا، وتبادل معه عدداً من الرسائل والاتصالات الهاتفية. وقال: «أقدر كلاً من هذه الاتصالات، لقد بذلنا جهوداً لافتة لتطوير العلاقات الصينية الأميركية. لقد طورنا علاقة عمل جيدة وصداقة شخصية». ورد تيلرسون أن العلاقة بين البلدين «تنضج أكثر فأكثر بفضل قوة العلاقة بينكم وبين الرئيس ترمب»، وأضاف: «نأمل بأن نطور هذه العلاقة في شكل أكبر خلال القمة المقبلة».
لكن أياً من الرجلين لم يتطرق إلى الملف الكوري الشمالي في ملاحظاته الأولية، قبل أن يغادر الصحافيون القاعة. والأمر نفسه حصل خلال اجتماع تيلرسون بنظيره الصيني وانغ يي، في وقت سابق. وكان تيلرسون صرح قبيل مغادرته واشنطن «ولكن كوريا الشمالية ستكون بالتأكيد أحد الموضوعات المطروحة»، وأوضح في تصريحات أوردتها الوكالات الإخبارية، أنه سيبحث مع الجانب الصيني «نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية»، إضافة إلى التجارة والاستثمار، بحسب الخارجية الأميركية.
وفي الأشهر الأخيرة، اتهمت إدارة ترمب الصين علناً بعدم بذل جهود كافية للضغط على بيونغ يانغ للتخلي عن طموحاتها النووية. لكن اللهجة الشديدة تراجعت أخيراً بعدما وافقت بكين على الرزمة الجديدة من العقوبات على كوريا الشمالية، التي فرضها مجلس الأمن الدولي. وتطبيقاً للقرارات الأممية، أعلنت وزارة التجارة الصينية، الخميس، أن الشركات الكورية الشمالية العاملة في الصين يجب أن تغلق أبوابها بحلول يناير (كانون الثاني). كذلك، أكد العملاق الآسيوي الذي يصدر القسم الأكبر من النفط الخام الذي يستهلكه الكوريون الشماليون، الأسبوع الفائت، أنه سيحد في شكل كبير من صادراته من المنتجات النفطية. وفي ضوء ذلك، رحبت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيثر ناورت هذا الأسبوع بهذا «التقدم»، معتبرة أن الصين «خطت خطوات هائلة في الاتجاه السليم». بدوره، أشاد ترمب بخطوات بكين للمرة الثانية في أقل من أسبوع لكونها «قطعت أي صلة مصرفية» ببيونغ يانغ، الأمر الذي كان «غير ممكن قبل شهرين فقط». غير أن التباين بين الطرفين مستمر، فالدبلوماسية الصينية لا تزال تطالب بحل «سلمي»، وترفض الحرب الكلامية بين ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ - أون. وفي السياق نفسه، تواصل بكين الدفاع عن مبدأ الوقف المتزامن للتجارب الباليستية والنووية لبيونغ يانغ وللمناورات العسكرية الأميركية الكورية الجنوبية، لكن واشنطن لا تزال ترفض هذا الحل.
والسبت، كتبت صحيفة «غلوبل تايمز» الصينية الرسمية في افتتاحية: «يبدو أن هناك توجهين في المجتمع الدولي بالنسبة إلى نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة، سحق كوريا الشمالية، أو التفاوض معها لتشعر بأنها في أمان أكبر. الصين وروسيا تفضلان الخيار الأخير».
وأجرت قوات كوريا الجنوبية والقوات الأميركية أول تدريب دفاع جوي مشترك قصير المدى. ووفقاً لبيان لقيادة المحيط الهادئ الأميركية (أوسباكوم)، شاركت في هذا التدريب وحدة الدفاع الجوي في كوريا الجنوبية وجنود من «الكتيبة السادسة... فوج المدفعية الجوية 52» بحسب وكالة «يونهاب» للأنباء الكورية الجنوبية. وأضاف البيان «التمرين الميداني سمح لكوريا الجنوبية والقوات الأميركية بأن تصبح على دراية بأنظمة الأسلحة والقدرات الخاصة لكل جانب، بهدف نهائي يتمثل في بناء شراكة دائمة بين الوحدتين».
وتعد هذه المرة الأولى التي تجري فيها الدولتان الحليفتان تدريباً قصير المدى في مجال الدفاع الجوي في كوريا الجنوبية. ويهدف الدفاع الجوي قصير المدى، المعروف أيضاً باسم «شوراد»، إلى التصدي بفعالية للتهديدات الجوية على ارتفاعات منخفضة في الداخل، مثل الطائرات النفاثة والطائرات المروحية وطائرات النقل الكورية الشمالية. وقالت «أوسباكوم» إن «الوحدات تخطط لمزيد من الفعاليات التدريبية المشتركة لتوسيع نطاق فهمها وتعزيز علاقتها الجديدة».



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»