«بيت بيروت» يحتضن معرض «شفاء لبنان» لزينة الخليل

من لوحات زينة الخليل المشاركة في المعرض وقد رسمتها بالرماد ومادة الكربون
من لوحات زينة الخليل المشاركة في المعرض وقد رسمتها بالرماد ومادة الكربون
TT

«بيت بيروت» يحتضن معرض «شفاء لبنان» لزينة الخليل

من لوحات زينة الخليل المشاركة في المعرض وقد رسمتها بالرماد ومادة الكربون
من لوحات زينة الخليل المشاركة في المعرض وقد رسمتها بالرماد ومادة الكربون

هو سؤال واحد حيّرها فطرحته على نفسها أكثر من مرة: «لماذا تقاتل اللبنانيون بين بعضهم ومارسوا كلّ هذه القسوة على بلادهم؟»، فالفنانة البصرية زينة الخليل لم تشأ الاستسلام أمام هذا الواقع المرّ وقررت إقامة معرض فني بعنوان «كارثة مقدسة: شفاء لبنان»، يحتضنه «بيت بيروت» الذي يُعدّ شاهداً حياً على حرب لبنان المدمرة. فصحيح أن لبنان استطاع أن يتجاوز حالة الحرب فانتقل إلى حالة السلم بسرعة هائلة، إلا أنه حسب رأيها كان يجب أن يمثل إلى الشفاء كأي مريض آخر فيخضع إلى فترة علاج ويعيش حالة نقاهة قبل عودته إلى حياته اليومية.
هذا المعرض الذي يستمر لمدة أربعين يوماً، أي حتى 26 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل (افتتح في 18 سبتمبر/ أيلول) يتوزّع على الطوابق الثلاثة لمبنى بركات (بيت بيروت) كما هو معروف لدى أبناء محلة السوديكو في منطقة الأشرفية، وقد أرادته صاحبته بمثابة مركز استشفاء فني مستوحى من «كارانتينا» بالفرنسية، وهو مكان يتم فيه عزل المرضى لمدة أربعين يوماً كي لا ينقلوا عدوى مرضهم إلى الآخرين. وتطمح من خلاله في علاج اللبنانيين بواسطة الحبّ كدواء أساسي. فيما جعلت 20 لوحة مرسومة من رماد الكربون ومعلقة على جدران الطابق الأول، لغة خارجة عن المألوف تخاطب زوّار المعرض بحبرها الأسود.
«هي لوحات تبعث الأمل فيها مساحة من النور على الرغم من أنها تمثل مشاهد نقلتها عيني من مناطق لبنانية عانت الحرب والدمار الكامل، وبقي فيها عمارات مشوهة لتكون بمثابة شاهد حقيقي على ما جرى في لبنان»، تقول زينة الخليل الحائزة على شهادة ماجستير في الفنون الجميلة من جامعة نيويورك خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط». كلما كانت تتعمق في حالات الدمار والحرب اللبنانية لا سيما في رحلاتها ضمن مناطق لبنانية تضررت من جراء الحرب، كانت زينة تتشبث أكثر فأكثر بفكرتها عن ضرورة تماثل اللبناني إلى الشفاء قبل أن يستيقظ المرض فيه من جديد. أماكن عدة استوحت منها الفنانة اللبنانية مواضيع لوحاتها السوريالية، كقصر شاكر في بلدة سوق الغرب، وسجن الخيام في جنوب لبنان و«أوتيل صوفر الكبير»، وكذلك من بلدتها الأم حاصبيا حيث يقع منزل عائلتها الذي كان محتلاًّ في الماضي من قبل الجيش الإسرائيلي لأكثر من 20 عاماً وقد حوله إلى معسكر للاعتقال في فترة لاحقة. اليوم تمّ هدم هذا البيت ونبتت مكانه عمارة جديدة لا تمت لجذوره بأي صلة. «ليس صحيحاً أن علينا هدم الماضي وبناء تاريخ جديد لنتخلّص من آثاره علينا. ففي متحف برلين وثائق وأغراض ولوحات تشكّل أدلة حسية عن الحرب التي عانت منها ألمانيا. ونحن بدورنا علينا أن نتأمل في ماضينا الغابر الملوث بقسوة الإنسان لنتعلم منه الدرس اللازم، فنشفى من أمراض متفشية فينا كالتعصب الديني والاستسلام لرؤساء الأحزاب ولرجال السياسة».
عملت زينة الخليل على تقديم نظرتها التفاؤلية في منحوتات من السيراميك والحجر، فجاءت تكملةً لمحور لوحات «المانترا» المعروفة عالمياً، وقد دوّنت قواعدها الذهبية «مودة ورحمة وغفران» بالعربية على خلفية بيضاء.
ففرشتها على أرضية «بيت بيروت» من خلال 324 قطعة بشكل يتناغم مع بعض ما بقي من قطع بلاط الموزاييك الأساسي الذي يغطي أرضية هذا المبنى الذي يعود تاريخ إنشائه إلى أوائل العشرينات.
«هي بمثابة لغة تخاطُب تجري ما بين الماضي والحاضر، وقد وُضِعت بعض الوسادات حولها كي يجلس عليها الزائر ويتأملها فيعيش حالة من الشفاء بواسطة فنون النحت والرسم والموسيقى مجتمعة»، وتوضح: «كل منحوتة تركز على أهمية الكلمات التي اشتغلت عليها فهنا لديك كلمة الرحمة مكررة 108 مرات، وفي الداخل العدد نفسه لكلمة مودة»، هذا العدد الذي اختارته لم يأتِ عن عبث كما ذكرت لنا بل لأنه يمثل عدد نبضات للطاقة التي تحيط بالقلب. و«إذا ما رددنا هذه الكلمات على عدد هذه المرات كما تقول فإننا سنشعر بأن قلبنا امتلأ بمعاني هذه الكلمات».
الشعر أيضاً موجود في المعرض الفني لزينة الخليل؛ فنثرت هنا وهناك أبياتاً تحدثت فيها عن الحب وبيروت. وفي مقطع عنونته بـ«الصمت» نقلت أحاسيسها حول بيروت الحرب: «وأنا أدفع الخطوط والحدود حروباً وأجساداً تُستهلك، تدفع بقوة إلى ما وراء الأنقاض، بيوت محطمة تتقيأ الاحتلال، المقابر الجماعية نهايات عنيفة في أراض مقفرة تشعرك بالاختناق».
لمسات من الإنسانية والعمق الفكري ورسائل الأمل وزّعتها زينة الخليل على أرجاء معرضها، محفزة زائره على التمتع بكل زاوية من زواياه بأفكار ومواضيع يستذكر من خلالها ماض أليم فيتعلم من كلّ خطّ من خطوطه درساً في حبّ الوطن لا سيما أنها تركت فيها نوافذ مشرقة لمستقبل مضيء.
استوحت زينة الخليل ثقافتها في السلم من بلاد الهند وتقول: «لقد اكتشفت في أبحاث قمت بها أن الاهتزاز أو (vibration)، كما هو معروف عالمياً، أساس الحياة ونجده يسكن معالمنا المادية فجميعها تملك صوتا خاصا بها، وهي كناية عن علوم قديمة معروفة في بلاد الهند منذ القدم. وقد تمسكت بنقل أصوات سجن الخيام الذي شهد عذابات السجناء الذين عاشوا فيه فترات قاسية، فوضعت المايكروفون في صندوق حديدي أحمر ضيق المساحة كان يحبس فيه السجناء لمعاقبتهم. وغنيت الرحمة والمودة والسلام لجميع الأشخاص الذين مروا على هذه الصناديق لتشكل رسوماً تجريدية من النوع الصوتي، وهي التي تسمعينها هنا ضمن المعرض».
وفي عمل فني ضخم يتوزع على الطابق الثالث للمعرض ويتألف من 17000 خط خشبي أخضر، قدّمته زينة الخليل ليكون بمثابة نصب تذكاري لإحياء ذكرى مفقودي الحرب في لبنان الذين يبلغ عددهم 17000 شخص. «اخترت الأخضر لأنه يرمز إلى الأمل بعودة هؤلاء من ناحية وإلى الموقع الجغرافي لـ(بيت بيروت) الذي يستضيف المعرض من ناحية ثانية، لأن النباتات والأشجار كانت تغطي هذه المنطقة كونها كانت مهجورة وتشكل خطّ تماس أثناء الحرب».
تعدّ زينة من أكثر المدونين متابعة في الشرق الأوسط خلال فترة الغزو الإسرائيلي للبنان (عام 2006) ونشرت تدويناتها في الصحافة العالمية كالـ«بي بي سي» و«سي إن إن» و«الغارديان» كما تمّت ترجمة روايتها «زينة بيروت أحبك»، إلى أكثر من لغة. وفي عام 2008 دُعِيَت من قبل «مركز نوبل للسلام» للمشاركة في مؤتمر حول حرية التعبير عبر الإنترنت. وفي عام 2016 بدأت في عمل جماعي ضمن معهد «آتمان» لثقافة السلام من خلال محاضرات ألقتها في مواضيع الحب والرحمة والغفران والتعاطف وهي العناوين العريضة التي تجدها ضرورة من أجل شفاء اللبناني من مرض الحرب التي عاشها لأكثر من 20 عاماً.



قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)
TT

قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)

جدد الحكم القضائي الصادر في مصر ضد شاب بتهمة ابتزاز وتهديد الطفلة «هنا»، ابنة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبب انتشاره بكثافة، ومدى المخاطر التي يحملها، لا سيما ضد المراهقات.

وقضت محكمة جنايات المنصورة بالحبس المشدد 3 سنوات على المتهم، وهو طالب بكلية الهندسة، بعد ثبوت إدانته في ممارسة الابتزاز ضد ابنة شيرين، إثر نجاحه في الحصول على صور ومقاطع فيديو وتهديده لها بنشرها عبر موقع «تيك توك»، إذا لم تدفع له مبالغ مالية كبيرة.

وتصدرت الأزمة اهتمام مواقع «السوشيال ميديا»، وتصدر اسم شيرين «الترند» على «إكس» و«غوغل» في مصر، الجمعة، وأبرزت المواقع عدة عوامل جعلت القضية مصدر اهتمام ومؤشر خطر، أبرزها حداثة سن الضحية «هنا»، فهي لم تتجاوز 12 عاماً، فضلاً عن تفكيرها في الانتحار، وهو ما يظهر فداحة الأثر النفسي المدمر على ضحايا الابتزاز حين يجدون أنفسهم معرضين للفضيحة، ولا يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع الموقف.

وعدّ الناقد الفني، طارق الشناوي، رد فعل الفنانة شيرين عبد الوهاب حين أصرت على مقاضاة المتهم باستهداف ابنتها بمثابة «موقف رائع تستحق التحية عليه؛ لأنه اتسم بالقوة وعدم الخوف مما يسمى نظرة المجتمع أو كلام الناس، وهو ما يعتمد عليه الجناة في مثل تلك الجرائم».

مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أبناء المشاهير يدفعون أحياناً ثمن شهرة ومواقف ذويهم، مثلما حدث مع الفنانة منى زكي حين تلقت ابنتها حملة شتائم ضمن الهجوم على دورها في فيلم (أصحاب ولاّ أعز) الذي تسبب في موجة من الجدل».

وتعود بداية قضية ابنة شيرين عبد الوهاب إلى مايو (أيار) 2023، عقب استدعاء المسؤولين في مدرسة «هنا»، لولي أمرها وهو والدها الموزع الموسيقي محمد مصطفى، طليق شيرين، حيث أبلغته الاختصاصية الاجتماعية أن «ابنته تمر بظروف نفسية سيئة للغاية حتى أنها تفكر في الانتحار بسبب تعرضها للابتزاز على يد أحد الأشخاص».

ولم تتردد شيرين عبد الوهاب في إبلاغ السلطات المختصة، وتبين أن المتهم (19 عاماً) مقيم بمدينة المنصورة، وطالب بكلية الهندسة، ويستخدم حساباً مجهولاً على تطبيق «تيك توك».

شيرين وابنتيها هنا ومريم (إكس)

وأكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن «الوعي لدى الفتيات والنساء هو كلمة السر في التصدي لتلك الجرائم التي كثُرت مؤخراً؛ نتيجة الثقة الزائدة في أشخاص لا نعرفهم بالقدر الكافي، ونمنحهم صوراً ومقاطع فيديو خاصة أثناء فترات الارتباط العاطفي على سبيل المثال»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيراً من الأشخاص لديهم وجه آخر صادم يتسم بالمرض النفسي أو الجشع والرغبة في الإيذاء ولا يتقبل تعرضه للرفض فينقلب إلى النقيض ويمارس الابتزاز بكل صفاقة مستخدماً ما سبق وحصل عليه».

فيما يعرّف أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، الابتزاز الإلكتروني بوصفه «استخدام التكنولوجيا الحديثة لتهديد وترهيب ضحية ما، بنشر صور لها أو مواد مصورة تخصها أو تسريب معلومات سرية تنتهك خصوصيتها، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين».

ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مرتكب الابتزاز الإلكتروني يعتمد على حسن نية الضحية وتساهلها في منح بياناتها الخاصة ومعلوماتها الشخصية للآخرين، كما أنه قد يعتمد على قلة وعيها، وعدم درايتها بالحد الأدنى من إجراءات الأمان والسلامة الإلكترونية مثل عدم إفشاء كلمة السر أو عدم جعل الهاتف الجوال متصلاً بالإنترنت 24 ساعة في كل الأماكن، وغيرها من إجراءات السلامة».

مشدداً على «أهمية دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية والإعلامية المختلفة في التنبيه إلى مخاطر الابتزاز، ومواجهة هذه الظاهرة بقوة لتفادي آثارها السلبية على المجتمع، سواء في أوساط المشاهير أو غيرهم».