مصر تغلق ضريح «الحسين» وتحاصره أمنياً في ذكرى «عاشوراء»

«الأوقاف»: لن نسمح بأي ممارسات طائفية أو فتن

منظر عام للمنطقة التي يوجد فيها مسجد الإمام الحسين بوسط القاهرة (أ.ف.ب)
منظر عام للمنطقة التي يوجد فيها مسجد الإمام الحسين بوسط القاهرة (أ.ف.ب)
TT

مصر تغلق ضريح «الحسين» وتحاصره أمنياً في ذكرى «عاشوراء»

منظر عام للمنطقة التي يوجد فيها مسجد الإمام الحسين بوسط القاهرة (أ.ف.ب)
منظر عام للمنطقة التي يوجد فيها مسجد الإمام الحسين بوسط القاهرة (أ.ف.ب)

شددت السلطات الأمنية في مصر من إجراءاتها التأمينية على مسجد الإمام الحسين بوسط القاهرة أمس، خوفاً من وقوع مناوشات خلال الاحتفال بذكرى مولده اليوم (السبت)، تزامناً مع احتفالات الشيعة بذكرى يوم عاشوراء، وقال مصدر أمني في محيط مسجد الحسين لـ«الشرق الأوسط» إنه «سوف يتم توقيف أي مصلٍ يدخل المسجد يشتبه في ممارسته للطقوس الشيعية، فضلاً عن منع توزيع أي مطبوعات عليها عبارات تدعو لنشر التشيع».
ومن جهتها، قررت وزارة الأوقاف، المسؤولة عن المساجد، غلق «ضريح الحسين» اليوم لمنع إقامة أي مظاهر شيعية. وقالت إنها «لن تسمح بأي ممارسات طائفية أو فتن، وإن أي خروج على حرمة المساجد سيواجه بكل حسم من خلال محاضر رسمية». لكن بعض شباب الشيعة أعلنوا حضورهم إلى المسجد اليوم، وهو ما ينذر بصدام وشيك مع الأمن - بحسب مراقبين - .
وقال يحيى مهدي، عضو ما يسمى بـ«رابطة شباب الشيعيين المصريين» لـ«الشرق الأوسط»: «سنزور منطقة الحسين رغم غلق الضريح... وسوف نجتمع في أقرب مكان للمسجد قد يكون في مناطق الجمالية أو باب الشعرية أو الدراسة»، مضيفاً: «الأمن لا يتعامل معنا تماماً لأننا لا نهاجم المكان ونمارس شعائرنا بسلمية؛ لكن مشكلتنا مع (الأوقاف) التي تتعمد منع زيارتنا للضريح، حتى في الأيام العادية».
يشار إلى أن الشيعة اعتاد بعضهم في يوم الاحتفال بذكرى مولد الحسين أن يضعوا الشرائط الخضراء على أجسادهم ورؤوسهم، وعليها شعارات تثير حفيظة الصوفيين، كما أن كثيراً منهم يشاركون في مولد الحسين بصورة فردية، دون الإعلان عن هويتهم. وقال مهدي: «بعض الشيعة سوف يفضلون المكوث في منازلهم وعدم الخروج في ذلك اليوم، أو التفكير للاحتفال في مناطق أخرى بعيداً عن أعين الأمن».
وترفض «الأوقاف» منح الشيعة تصريحاً رسمياً بإقامة أي شعائر لهم بمسجد الحسين، وقال الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الديني بالأوقاف لـ«الشرق الأوسط»، إن وزارته «لن تسمح بالمذهبية... والمساجد للصلاة والدروس الدينية فقط». وشدد على أن «الأوقاف لن تسمح بأي ممارسات طائفية وإشعال الفتن، لا في ذكرى عاشوراء ولا في غيرها»، مشيراً إلى أن أي محاولات لاستعراضات طائفية ستواجه بكل حسم وبالقانون، وأنه تم بحث اتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقوع أي مشادات بين المواطنين أياً كان انتماؤهم ومذهبهم.
وأكد مصدر في «الأوقاف» أن «الوزارة أغلقت (ضريح الحسين) اليوم وحتى انتهاء الاحتفالات بذكرى عاشوراء، التي بدأت مساء أمس الجمعة وتنتهي غداً»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أن «المسجد سوف يتم إغلاق أبوابه عقب كل صلاة بوقت محدد تحسباً لأي خروقات من قبل الشيعة». ولا يوجد حصر دقيق لأعداد الشيعة في مصر، لكن قيادات بارزة في الشيعة تدعي أن عددهم ثلاثة ملايين نسمة، أما المصادر غير الرسمية فتشير إلى أن أعدادهم لا تزيد على 18 ألفاً فقط، وأنه جراء خوفهم من إعلان اعتناقهم للمذهب الشيعي يمارسون عقيدتهم في الخفاء ولا يعلنون عن ذلك.
ويحتفل المصريون بمولد الحسين مرتين في العام، الأولى في ذكرى استقرار رأسه في ضريحه بمسجده بالقاهرة، والثاني في ذكرى مولده.
من جهته، قال مصطفى زايد منسق ائتلاف الطرق الصوفية «لن نسمح للشيعة ببث سمومهم في المجتمع، وملتزمون بالوجود في نطاق المسجد لحمايته من أي خروقات من قبل الشيعة»، مضيفاً أن «الاحتفالات الشعبية بمولد الحسين بدأت أمس بمسيرات من مناطق الدراسة والجمالية والدرب الأحمر وباب الشعرية إلى المسجد».
في السياق نفسه، يشار إلى أن صراعاً نشب قبل أيام بين بعض من سلفيي مصر من جهة، والصوفيين والشيعة من جهة أخرى، بعدما طالب أحد مشايخ حزب النور (السلفي) ويدعى سامح عبد الحميد، بإزالة ضريح الحسين من مسجده في القاهرة، مشيراً إلى أن الشيعة يستغلون هذا المسجد لنشر التشيع والتوغل بين الناس وغزو المجتمع ببدعهم وخرافاتهم ويسبون الصحابة، ما أثار غضب عدد كبير من مشايخ الطرق الصوفية، واعتبروه تهديداً صريحاً لهم مع كل مناسبة، مؤكدين أنهم سيحمون الضريح وغيره من الأضرحة. واستغل الشيعة ذلك الصدام بين السلفيين والصوفية، ووصفوا هذه الدعوة بـ«الشو الإعلامي» وأن حزب «النور» يريد غلق الضريح أمام الجميع وليس الشيعة فقط.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.