الفارسية تتغلغل بين الفقراء في مناطق النظام... والروسية في المدارس الرسمية

تقليص الاهتمام بالمدرستين الأميركية والفرنسية

TT

الفارسية تتغلغل بين الفقراء في مناطق النظام... والروسية في المدارس الرسمية

في عام 2011. أخلت السفارات الأجنبية مسؤوليتها عن إدارة المدارس الأجنبية التابعة لها وأوكلت المهمة لجهات سورية أهلية استثمرت تلك المدارس، كالمدرسة الأميركية والمدرسة الفرنسية في دمشق. وكانت المدرسة تستوعب أكثر من 900 تلميذ تقلصوا خلال فترة الحرب إلى 220 تلميذاً.
لكن إدارة المدرسة نحت باتجاه تعزيز وجودها الثقافي من خلال مكتبة للمهتمين. وواصلت المدرسة الباكستانية التي واصلت عملها من دون تغيير رغم تراجع عدد طلابها جراء الحرب، وارتفاع أقساطها إلى ما يتجاوز المليون ليرة سورية (الدولار الأميركي يساوي 500 ليرة) ما يجعلها حكرا على أبناء طبقة الميسورين.
في المقابل وسعت المدرسة الباكستانية الدولية نشاطها الاجتماعي الخيري كتقديم مساعدات لذوي الحاجات الخاصة وغيرها من أنشطة تؤكد حضورها على الساحة السورية، ولو بمستوى لا يعكس طموحها كباقي المدارس الأجنبية التي تنتظر جلاء حالة الحرب.
لكن ذلك لا ينطبق على نشاط المراكز الثقافية الإيرانية التي بدأت بالانتشار في سوريا منذ عام 2006 بهدف الترويج للغة والثقافة الفارسية. ومع بدء الصراع المسلح والوجود الإيراني العسكري تنامى الاهتمام الإيراني بنشر اللغة الفارسية بالتوازي مع نشر المذهب الشيعي الجعفري، عبر مدارس ثانوية شرعية انتشرت في قرى الساحل السوري منذ عام 2008 وريفي إدلب وحلب، المناطق التي تتطلع إيران لبسط نفوذها العسكري والاجتماعي والثقافي مستغلة حالة التهميش والفقر التي تعيشها تلك الأرياف، ومستفيدة من تقارب مذاهب العلويين (الذين يتركزون في قرى الساحل) مع مذاهب الشيعة، وتواجد عدد من القرى الشيعية في ريف إدلب وحلب.
لكن النجاح الذي حققته إيران في التغلغل في تلك المناطق إضافة إلى بعض أحياء دمشق في السنوات التي سبقت اندلاع الثورة ضد النظام، تأثر سلبا بالتدخل العسكري الإيراني إلى جانب النظام، على الضد مما أرادته إيران فتواجدها لم يلق العداء من المعارضة وحسب بل إن المجتمع الموالي للنظام تقبله على مضض، كالدواء المرّ.
حيث ساهمت المدارس الشرعية الإيرانية بانتشار طقوس ومظاهر دينية غريبة عن طبيعة تلك المناطق. ويقول علي. م موجه تربوي ريف اللاذقية: «بعد افتتاح الثانويات الشرعية الإيرانية لاحظنا أن بناتنا توجهن لارتداء الحجاب وبعض الشباب بدأوا يستنكرون عاداتنا المنفتحة في الساحل باعتبارها كفرا وبعدا عن الدين، وراحت مفاهيم وعادات متزمتة تنتشر في مناطقنا». ندى.ح تقول: إنها لم تعارض رغبة ابنتها بتعلم الفارسية والتردد على المركز الثقافي الإيراني، والمشاركة في نشاطات مجمع الرسول الأعظم، لكنها رفضت رفضا قاطعا التحاقها بالثانوية الشرعية، ما أدى إلى تفجر أزمة عائلية كبيرة. «لم أتقبل تدينها وتحولها إلى فتاة متزمتة معقدة ترفض مصافحة الرجال وتفرض علينا الحجاب».
وشهدت المدارس الإيرانية إقبالا متزايدا في القرى الفقيرة كون تلك المدارس تمنح رواتب شهرية للطلاب، كما تقدم لهم كافة التسهيلات لمتابعة الدراسة بإيران وإيجاد فرص عمل، في مساعٍ لتأسيس حاضنة شعبية مشبعة بالثقافة الإيرانية من خلال مؤسسات تغطي كافة المناطق السورية المستهدفة مثل «مجمع الرسول الأعظم» الذي افتتح في اللاذقية عام 2014 وتولى مهمة الترويج والدعاية للثقافة الفارسية كما أشرف على المدارس والمعاهد الخاصة لتعليم اللغة وأقسام اللغة الفارسية في الجامعات الحكومية دمشق وحلب وتشرين في اللاذقية والبعث في حمص.
وأسهم المجمع الذي يديره الشيخ أيمن زيتون خريج قم والمتحدر من بلدة الفوعة الشيعية في ريف إدلب، في تزايد الإقبال على تعلم الفارسية في ريف اللاذقية مقارنة بالمحافظات الأخرى حمص وحلب ودمشق. وظهرت برامج الدورات التي يجريها المجمع تناميا في برامجها، لا سيما بعد التدخل الروسي العسكري في سوريا، الذي لاقى قبولا في المجتمع الساحلي. وقال الموجه التربوي «علي.م» إن التدخل الروسي جاء «رحمة» لإنقاذ أهالي الساحل من المد الإيراني. وأضاف: «لا نكره إيران بل نحبها لكننا لا نحب مساعيها لتحويلنا إلى المذهب الشيعي والتزمت الديني، نحن لنا هويتنا ومعتقداتنا الخاصة بنا، وإذا أظهرنا ميلا لروسيا فليس حبا بها بل لأنهم يجلبون معهم قيما منفتحة متحضرة ولا يفرضون علينا معتقداتهم الدينية».
ربما حالة الرفض التي عبر عنها الموجه التربوي شكلت دافعا لحكومة النظام كي تأمر بإغلاق المدارس الشرعية الإيرانية في قرى الساحل مع بداية العام الدراسي الجاري، كمدرسة عين شقاق، ومدرسة رأس العين، ومدرسة القرداحة، ومدرسة كرسانا، ومدرسة سطامو، والثانوية المركزية ومدرسة البهلولية.... وغيرها، بزعم أنها لا تلتزم بتدريس المناهج المعتمدة من وزارتي الأوقاف والتربية التابعتين للنظام.
إغلاق تلك المدارس لم يلق الاحتجاج المتوقع سوى من بعض أهالي الطلبة الذين تساءلوا عن مصير دراسة أبنائهم، أما الجانب الإيراني المهموم بالسيطرة على أرياف حلب والساحل فاتجه نحو زيادة نشاطه في دعم تعليم اللغة في الملحقية الثقافية التابعة للسفارة الإيرانية بدورات على أربع مراحل و8 مستويات، في مراكز تعليم الفارسية في اللاذقية، ومركز تعليم اللغات الأجنبية التابع لجامعة دمشق، ومركز جامعة المصطفى لتعليم اللغة الفارسية، وحوزة الإمام الخميني والمدرسة المحسنية في دمشق، وحسينية الإمام المهدي في منطقة زين العابدين في دمشق، والكلية العسكرية السورية، وجامعة السيدة رقية ومركز الحجة في محافظة طرطوس والعديد من المراكز الأخرى. إضافة إلى توقيع اتفاقيات تتضمن منحاً دراسية متبادلة للمراحل الجامعية. والدراسات العليا، وكذلك مراحل الدكتوراه والماجستير. حيث تقدم إيران 200 منحة دراسية سنوياً للطلاب السوريين، مقابل 60 منحة يقدمها الجانب السوري للطلاب الإيرانيين!.
بالتوازي مع ذلك، نشطت «هيئة إعادة الإعمار الإيرانية» في حلب بإعادة تأهيل نحو خمسين مدرسة، منها 35 مدرسة في ريف حلب، أعيد تشغيل عشرين مدرسة ويجري العمل على المدارس الثلاثين الباقية. ووجدت إيران نفسها في تنافس محموم مع روسيا التي تمكنت فور دخولها سوريا من فرض تعليم لغتها بالمناهج الدراسية لمراحل التعليم الأساسي إلى جانب اللغتين الإنجليزية والفرنسية حيث تتولى وزارة الدفاع الروسية مهمة الإشراف على تدريس اللغة الروسية عبر كادر روسي خاص بوزارة التربية التابعة لحكومة النظام.
كما تعمل على تقديم منح لدراسة الأدب الروسي في موسكو ضمن خطط تأهيل كوادر سورية لتدريسه. وبعد أربع سنوات من إدخال اللغة الروسية على المناهج السورية، ما تزال مشكلة نقص الكوادر التدريسية العقبة الأهم في وجه نجاح هذه التجربة، إذ يتم الاعتماد على نساء روسيات متزوجات من سوريين، وكانت وزارة التعليم العالي التابعة للنظام قد أعلنت مؤخرا عن 18 بعثة علمية في روسيا للحصول على درجة الإجازة في اللغة الروسية وآدابها لصالح وزارة التربية.
وقال مدير تربية حلب إبراهيم ماسو: «عدد المدارس التي تدرس الروسية في حلب حالياً هي أربع مدارس، ويوجد توجه لتوسع نشر المادة في عدة مدارس أخرى بحلب، لكن ذلك يحتاج إلى كادر تدريسي» يجري العمل بالتعاون مع روسيا على تأمينه، كونها تطمح إلى تمكين تواجها في سوريا لا سيما في منطقة الساحل حيث تتواجد قواعدها العسكرية، وإذا كانت إيران تتغلغل في الريف كمجتمعات بسيطة أكثر قابلية للتجاوب مع دعايتها التبشيرية الدينية، لتكون قاعدة لسيطرتها على سوريا من خلال مؤسسات وهيئات إيرانية تنشئها داخل الجسم السوري، ولا تلقى القبول الكافي، فإن روسيا تسلك الخط الأسرع والأقوى والأكثر فعالية نحو المجتمع السوري عبر مؤسسات النظام التعليمية والثقافية القائمة، لتمارس وصايتها من الداخل حيث تجد في المجتمعات المدنية في مناطق النظام، تقبلا يضعها في موقع الراعي «المتفهم».



ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.